عَمّم مدير دائرة التربية والتعليم بوكالة الغوث في الضفة الغربية كتاباً مؤرخاً في 29/08/1994 حول بعض التعديلات في الكتب المدرسية الموافق عليها من قِبَل السلطات وذلك قبل توزيعها على الطلاب. وواقع هذه التعديلات أنها حذف لكل ما يخالف عقيدة اليهود وأفكار الصهيونية من المقررات التعليمية التي يتلقاها أبناؤنا في المدارس، كي ينشأ جيل من المسلمين لا يعرف من دينه وثقافته إلا ما تريد له الصهيونية أن يعرف!!! وقد نصت التعديلات على حذف كل ما له صلة بكشف حقيقة اليهود من تحريف للكَلِم عن مواضعه، واعتداء على المقدسات والقيام بأعمال توسعية في المنطقة، وكذلك حذفت الفقرة المتعلقة بِبشارة عيسى بمحمد عليهما السلام، وحذفت كلمة فلسطين حيثما وردت في سياق الكلام أو الخرائط الجغرافية. هذا إضافة إلى شطب كل ما يشير إلى نضال أهل فلسطين وشهدائها. والجدير بالذكر أن التعديلات المشار إليها كانت قد تمت في المدارس التي تسمى حكومية.
ولسنا بصدد استقصاء هذه التعديلات، وما يهمنا هو البحث في الأساس الذي بُنيت عليه من جَعْلِ للعقيدة اليهودية والأفكار الصهيونية أساساً لسياسة التعليم في مناطق الإدارة الذاتية، ومدى خطورة هذا المنهج على عقليات أبنائنا، واستهتار القائمين على تنفيذه في السلطة الذاتية بقِيَم هذه الأمة.
من الواجب أن تكون العقيدة الإسلامية وحدها هي أساس حياتنا، وأساس الدولة الإسلامية، وأساس العلاقات بين الناس في المجتمع الإسلامي وبالتالي أساس سياسة التعليم. فكل معرفة يتلقاها المسلم لا بد أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية بدليل أن الله سبحانه وتعالى جعل العقيدة أساساً عند إعطائه المعارف للناس، قال سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) فالمعرفة التي أعطاها الله سبحانه وتعالى عن قتل الأولاد خشية الفقر جعل أساسها عقيدة الرزق من الله، والرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل العقيدة أساساً للمعلومات عن الكسوف عندما قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله» وجعل عقيدة الإيمان بعلم الله أساساً لإباحة العزل عندما قال: «ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة».
ومعنى جعْلِ العقيدة الإسلامية أساساً لمنهج التعليم هو أن المعارف المتعلقة بالعقائد والأحكام يجب أن تنبثق من العقيدة الإسلامية لأنها إنما جاءت بهما، أما المعارف غير المتعلقة بالعقائد والأحكام فإن معنى جعْل العقيدة الإسلامية أساساً لهم هو أن تُبنى هذه المعارف والأحكام على العقيدة الإسلامية، أي أن تُتخذ العقيدة الإسلامية مقياساً، فما ناقض العقيدة لا نأخذه، وما لم يناقضها جاز أخذه، فهي مقياس من حيث الأخذ والاعتقاد. فالمعارف القائلة بأن الأرض كروية وأن القمر فيه صخور وأتربة، وقوانين الجاذبية، وقوانين الوراثة، وأن الفكر حكم على واقع، وأن الملابس الصوفية أفضل من البلاستيكية، وأن ركوب الخيل والسباحة أفضل من المصارعة الحرة وكرة القدم، هذه المعارف كلها نأخذها لأنها لا تناقض العقيدة. وأما المعارف التي تناقض العقيدة، فإننا لا نأخذها، وذلك مثل كون الجرمان النازيين أفضل من غيرهم، أو أن الأبيض أفضل من الإنسان الأسود، أو أن السيادة للشعب، أو أن أصل الإنسان قرد، أو أن المادة غير مخلوقة، أو أن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً، أو فكرة الاستقلال على أساس قومي أو طني، أو فكرة الحريات، أو فكرة المساواة المطلقة، أو صناعة وبيع التماثيل، أو أن الإسلام فيه ديمقراطية وهكذا.
فالغاية من التعليم عندنا هي إيجاد الشخصية الإسلامية، ولا يمكن الوصول إلى هذه الغاية إلا إذا كانت العقيدة الإسلامية أساساً لمناهج التعليم، أما إذا كانت العقيدة الرأسمالية أو اليهودية الصهيونية أو غيرها هي أساس التعليم فإن شخصية أبنائنا ستكون غير إسلامية إذا اقتصر هؤلاء الأبناء على أخذ المعارف من هذه المناهج، فحذف كلمة فلسطين يعني أنها لم تعُدْ أرضاً إسلامية بعد اتفاقية الخيانة التي اعترفت بها أرضاً لليهود، وحذف بشارة عيسى بمحمد عليهما السلام جرأة على نص قطعي الثبوت والدلالة في القرآن الكريم، ومحاربة لله ورسوله، وهذه الجرأة على الحقائق الثابتة والنصوص القطعية ما كانت لتظهر بهذا الشكل السافر لو كان الكفار وأعوانهم من المنافقين والمرتزقة يقيمون لهذه الأمة وعقيدتها وزناً، وليست السلطة الفلسطينية هي أول من أقدم على هذه الفعلة الشنعاء، فقد سبقتها مصر في إجراء تعديلات فظيعة على مناهجها بعد التطبيع الذي تلا اتفاقية كامب ديفيد، والمناهج في باقي الدول القائمة في العالم الإسلامية ليست أحسن حالاً أو أقل تشويهاً، ذلك أن الكافر قد أدرك أن سرّ قوة هذه الأمة يكمن في عقيدتها وما ينبثق عنها من أحكام ويُبنى عليها من أفكار، فوجه سهامه إلى التعليم والإعلام، وأصاب من الأمة مقتلاً، وأوجد من أبنائها عبيداً له ينفذون سياسته وينفثون سمومه في عقول الناس ليسهل ترويضهم وامتطاؤهم.
أيها الناس…
إن أبناءنا هم عُدّة المستقبل، والأمل في التغيير والنهضة معقود عليهم، والهجوم على عقولهم ليس أقل خطراً من الهجوم على حياتهم. فهل تسمحون لتلك المناهج أن تخرّب عقولهم وتميّع شخصيتهم وتنشئهم نشأة غريبة عن دينهم وأمتهم، وتضعهم في خندق أعداء الأمة، كما فُعِل بالأجيال السابقة التي أُخضعت لمناهج الكفر والضلال عقوداً من الزمن. فسارِعوا إلى منع هذه الهجمة على عقول أبنائكم وذلك بالتلّبس فوراً بما أوجبه الله عليكم من العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة إذ هي العلاج الشرعي الوحيد لكل قضاياكم
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).