انعقد في الخرطوم في الفترة ما بين 8 – 10 أكتوبر 1994 مؤتمر «الحوار بين الأديان» وذلك تحت رعاية مجلس الصداقة الشعبية العالمية، وإشراف جمعية حوار الأديان. وسأقوم بطرح التوجهات العامة للمؤتمر وذلك بعد متابعة جميع الأوراق التي قدمت من قبل المتحدثين المسلمين والنصارى علها تكشف ما يهدفون إليه من توجهات وتدفع لاستنباط أبعاد أخرى لتلك المسألة الحساسة التي تمس أساس هذا الدين وهو العقيدة. والتوجهات في أقوال الجميع تذهب إلى:
1- إن جميع أهل الكتاب، سواء كان الكتاب قرآناً أم توراة أم إنجيلاً هم مؤمنون وهم جميعاً يعبدون الله ويسجدون له ولذلك يجب التعاون فيما بينهم والتوحد والوقوف في وجه اللادينيين.
2- إنَّ الدين وُجِد لخدمة الإنسان ومن أجله ويجب أن يُسخّر إيقاف في الحروب، والسلام والتنمية. ويجب بان لا يسحق بعضنا بعضاً ونحن جميعاً في الطريق إلى الله.
3- إن الاختلاف بين الأديان نص عليه القرآن والاستدلال في ذلك بآيات تتحدث عن اختلاف الليل والنهار واختلاف الألسنة والألوان والشعوب والقبائل.
4- التخلص من آثار الماضي فلا نجترُّ غثاء الماضي وَزَبَدَ الحاضر، بل يجب أن تخطي ذلك لبناء جسور الترابط والتلاحم، أي نسيان التاريخ الذي يشير إلى الصراع بين الإسلام والنصرانية.
5- حرية العقيدة والتبشير حق مكفول للجميع.
6- الحوار من أجل إحلال السلام والتعايش مكان التقاتل، وقد كان شعار المؤتمر: «حوار الأديان سلامٌ للجميع».
7- إيجاد معان وأبعادٍ جديدة لكلمات الكفر والإلحاد والشرك والأصولية والإيمان، بحيث لا تكون مدلولات تلك الكلمات عامل تفرقة.
8- يجب أن نزرع الودّ في الأجيال القادمة، وذلك من خلال برامج التعليم والإعلام.
9- استخدام النصوص والسيرة النبوية وحقائق التاريخ بتأويل النص للتدليل على مزاعمهم وذلك إمّا عن طريق.
أ- بتر النص وذكر جزء منه، أو
ب- الخلط بين المعنى اللغوي والشرعي، أو
ج- عدم استقصاء جميع النصوص الواردة في المسألة الواحدة، أو
د- تجريد النص من أسباب وروده لجعله يشير إلى الواقع الذي يريدون. ولكي نلمس ذلك نأخذ أمثلة:
· قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً) هو دليل على التقارب بين المسلمين والنصارى.
· وقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) هو دليل على حرية العقيدة.
· وقوله تعالى: (يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ) دليل على عدم حرب النصراني.
· وقوله تعالى: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) يجعلون هذه الآية دليلاً على أنَّ كل أتباع الأنبياء مسلمون.
· وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» دليل على احتواء الأديان الأخرى على قيم سامية وأخلاق فاضلة.
· وثيقة المدينة هي أول ما أرسى دعائم التعايش بين الأديان.
· الحروب الصليبية ما هي لا استخدام للدين من قبل الملوك لتنفيذ مخططاتهم الاستعمارية.
10- إنّ الشعار الذي رسم في المؤتمر هو سفينة فوقها إسم الجلالة، وهي تعبّر عن سفينة نوح التي يركب فيها جميع المؤمنين بالله سواء أكانوا مسلمين أم نصارى.
11- الشعار الذي رسم في ملف وزع للجميع لحفظ أوراق المؤتمر فيه كان فيه رسم عبارة عن دائرة مرسوم عليها هلال وقلب وتعانق حمامتين.
12- التشجيع على إقامة الجمعيات التي تحدد أهدافها للتقارب بين الأديان وإعطاء جمعية الحوار بين الأديان مقراً لتتابع نشاطها.
13- التأكيد من قبل الدولة على تقيدها فيما توصل له المؤتمر وذلك من خلال الأوراق التي قدمها بعض التنصيريين وبطانة الحكام وتأكيدهم على:
أ- حرية العقيدة.
ب- إعطاء الكفار 40 معقداً في المجلس التشريعي و70 وزارة إقليمية ومركزية و7 ولايات يحكمونها.
ج- تخصيص نصارى لتدريس النصرانية من المدارس الحكومية.
14- التأكيد على أنَّ العالم يشهد تغيّرات ومستجدات تتمثل في انحسار المد العلماني والإلحادي، ما يستوجب توحد أهل الأديان والاستفادة من القواسم المشتركة بينهم.
وضعنا هذه النبذة عن المؤتمر وتوجهاته دون تعليق. والمسلم الواعي تكفيه هذه اللفتة ليفهم بُعْدَ هذا المؤتمر عن أحكام الشرع الإسلامي، وأنه ليس إلا أداة لإرضاء نصارى الغرب في الفاتيكان وأوروبا وأميركا، من أجل أن يسهل هؤلاء الأمور أمام بعض المتطلعين إلى زعامة إسلامية في السودان. وقد نعود إلى هذا الموضوع إن شاء الله .