مفهوم مضلِّل
«هجر لفظ: (الكفار) والاكتفاء بتعبير (غير المسلمين) مطلقاً»
يحرص بعض المسلمين على إطلاق عبارة «غير المسلمين» على الكفار والمشركين بجميع مللهم وكافة أحوالهم دون أي قيد، تأدباً في حمل الدعوة وتأليفاً لقلوب الكفار وحملهم على الدخول في الإسلام. ومن أدلتهم على ذلك قوله تعالى: )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) [الممتحنة] ومن برهم والإقساط إليهم أن نقول لهم وعنهم «غير المسلمين»، أي عند مخاطبتهم وعند الحديث عنهم وعند مكاتبتهم، فنتحاشى كلمة الكفر ومشتقاتها في كل حال. واستدلوا بقوله تعالى: (قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وأنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) [سبأ]، فلم يقل نحن على هدى وأنتم في ضلال، ولم يقل ولا نسأل عما تجرمون، وهذا من اللين الذي أمرنا به في حمل الدعوة، والذي أمر الله به موسى وهارون عند مخاطبتهما لفرعون في قوله تعالى: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) [طه]. واستدلوا بقوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف/18] فإن الله سبحانه خيَّرهم بين الإيمان والكفر، وهذا منتهى الديمقراطية وحرية الاعتقاد، واللين في الخطاب، واستدلوا بقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم) [الحجرات/13] ( يا أيها الناس اتقوا ربكم) [النساء/1] وهذا الخطاب يشمل المؤمن والكافر، وهذا من اللين في الخطاب. ويمكنهم أن يستدلوا – ولم أسمعه منهم – بقوله سبحانه: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) [آل عمران] فالله سبحانه أطلق على ملل الكفر «غير الإسلام» فيقاس عليه «غير المسلمين»، وبقوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون) [آل عمران/3] وغير دين الله هو الكفر، فكأنه سبحانه يقول: أفالكفر يبغون، ولكنه سبحانه خاطبهم بالقول اللين. لا خلاف في جواز بر الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا والإقساط إليهم. إلا أن هذه الآية لا تدل على مسألتنا، فليس لها علاقة بموضوع تسمية الكفار بغير المسلمين، بل هي ترخص في برهم والإقساط إليهم، وتسميتهم بغير المسلمين ليست من برهم ولا من الإقساط إليهم. إذ إن المقصود ببرهم هو صلتهم والدليل على ذلك أن لفظ «تبروهم» حقيقة لغوية لم تنقل فتفهم كما وصفها العرب، قال في القاموس البر: الصلة، وقال في اللسان: بررته براً وصلته، وقال النووي في تحرير ألفاظ التنبيه: بررت فلاناً أي وصلته، وقال الأزهري في الزاهر، وبررت فلاناً أبرُّه براً إذا وصلته. وقال القرطبي: هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين يعادون المؤمنين ولم يقاتلوهم. وقال الطبري: أن تبروهم وتصلوهم. وقال ابن الجوزي: هذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين. ويؤكد هذا ما ورد في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال نعم صلي أمك. وزاد البخاري في رواية عن ابن عيينة وهو أحد رواة الحديث أنه قال أي سفيان: فأنزل الله تعالى فيها: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين )… [الممتحنة/8]. وأخرج الحاكم سبب نزول هذه الآية من حديث عبدالله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد من بني مالك بن حسل على ابنتها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وكان أبوبكر طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها بهدايا ضباباً وسمناً وأقطاً فأبت أسماء أن تأخذ منها وتقبل منها وتدخلها منزلها حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرها أن تقبل هداياها وتدخلها منزلها فأنزل الله عز وجل: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم )… إلى آخر الآيتين. ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد كان الصحابة يبرون أقاربهم المشركين والكفار ويصلونهم، ففي الحديث المتفق عليه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد، قال إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة، ثم جاءت حلل فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر منها حلة، فقال أكسوتنيها وقلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخاً له بمكة مشركاً. وأخرج سعيد بن منصور وابن قدامة في المغني عن سعيد عن سفيان عن أيوب عن عكرمة أن صفية بنت حيي باعت حجرتها من معاوية بمئة ألف وكان لها أخ يهودي فعرضت عليه أن يسلم فيرث فأبى فأوصت له بثلث المئة. فالمقصود بقوله تعالى: (تبروهم) تصلوهم وليس من الصلة أن نمتنع عن إطلاق لفظ الكفار عليهم والاقتصار على عبارة «غير المسلمين». وكذلك قوله تعالى: (وتقسطوا إليهم) لا تفيد أن من الإقساط إليهم عدم نعتهم بالكفار ونعتهم «بغير المسلمين»، ذلك أن (وتقسطوا إليهم) لا تخرج عن أحد معان ثلاث: الأول: تعدلوا فيهم. الثاني: تعطوهم قسطاً من أموالكم. والثالث الإنفاق على من وجبت نفقته. فليس من معانيها تسميتهم «غير المسلمين» والامتناع عن تسميتهم كفاراً، بل ليس منها اللين في القول، مع أنه ثابت بدليل آخر. فلا حجة لهم في هذه الآية. ثم إن حكم الآية محصور في نوع من الكفار هم الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا وهذا لا ينطبق لا على إسرائيل ولا أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا إسبانيا ولا صربيا ولا اليونان ولا أرمينية ولا روسيا ولا الصين ولا استراليا ولا الفلبين ولا الهند ولا كندا ولا بولنده ولا أوغنده ولا الحبشه، فإن اشترطنا أن يكون بيننا وبينهم عهد بدليل ما ورد في حديث أسماء المتفق عليه حيث تقول “قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم…” أي زمن عهد الحديبية، واعتبرنا وجود العهد قيداً للبر والإقساط فلا يوجد قوم على وجه الأرض بيننا وبينهم عهد أبرمه خليفة المسلمين أو من ينوب عنه، وإن لم نجعل العهد قيداً عملاً بعموم الآية فلا يتصور إلا الأسكيمو أو الزولو أو سكان حوض الأمازون وأمثالهم ممن ينطبق عليهم حكم هذه الآية.
وأما استدلالهم بقوله تعالى: (قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون ) [سبأ] فإن فيه شبهة دليل لهم على جواز الإنصاف في الخطاب والتلطف واللين في وصفهم بالضلال لأنه لم يصرح بذلك وإنما أبْهَمَ إذ «أو» في الآية الأولى للإبهام ولا يمكن أن تكون للشك. ولا حاجة للخوض فيما قاله المفسرون، وكذلك القول في (تعملون) ولم يقل تجرمون فإنه يدخل في باب اللين في الخطاب، وهذا مما لا ينكر وليس تضليلاً، فقد قال سبحانه لموسى وهارون عليهما السلام )فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى( [طه]، وفي حديث أبي سفيان المتفق عليه ذكر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وفيه: “بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون” فرسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبه بقوله «عظيم الروم». ولا حجة في حديث محمد بن كعب القرظي الذي ورد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَنّى عتبة بن ربيعة فقال له: «يا أبا الوليد»، هذا الحديث رواه البيهقي في الاعتقاد وذكره ابن هشام في السيرة وفيه مجهول هو الذي حدث عنه محمد بن كعب ولفظه: عن محمد بن كعب القرظي قال: حُدثت أن عتبة بن ربيعة بالبناء للمجهول، وحديث جابر الذي أخرجه أبويعلى أصلح إسناداً من حديث محمد بن كعب فرجاله ثقات غير الأجلح فإنه مختلف فيه، وليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى عتبة بل قال: أفرغت؟ وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عليه أوائل سورة فصلت وفيها قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إيه واستغفروه وويل للمشركين ، الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ) وقوله: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين) وقوله: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) بل إن حديث جابر هذا أخرجه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعتبة أفرغت؟ ولم يكنه. فلا يُنكر إنصاف الخصم ولا لين الكلام في خطابه، إنما ينكر الاقتصار على هذا والتحرج والتحرز من مخاطبته بقارص الكلام، ووصفه بالأوصاف التي يستحقها، وإنذاره وتخويفه، وبيان سوء عاقبته، وعيب آلهته، وتسفيه عقله، كما ورد في الآيات التي قرأها صلى الله عليه وسلم على عتبة. وكما في قوله تعالى: (قل يا أيها الكافرون) [الكافرون] (تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ما له وما كسب ، سيصلى نارا ذات لهب ، وامرأته حمالة الحطب ، في جيدها حبل من مسد) وقوله: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار) [الجمعة/5] وقوله: ( وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير) [الملك] وقوله: ( فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ 8 وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ 9 وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ 10 هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ 11 مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ 12 عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ 13 أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ 14 إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم] وقوله: ( وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ، إن لدينا أنكالا وجحيما ، وطعاما ذا غصة وعذابا أليما) [المزمل] وقوله: (سأصليه سقر ، وما أدراك ما سقر ، لا تبقي ولا تذر) [المدثر] وقوله: (فما لهم عن التذ1كرة معرضين ، كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة) [المدثر] وقوله: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) [المائدة/17] وقوله: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) [المائدة/73] وقوله: ( يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) [آل عمران] وقوله: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) [البقرة] وقوله: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) [البقرة] وقوله: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) [البقرة] وقوله: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) [البقرة] وقوله: )إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون( [الأنبياء] وغير هذه الآيات المصرحة بكفرهم وسوء عاقبتهم على اختلاف مللهم في الخطاب والغيبة. وروى ابن حبان في صحيحه عن عروة قال: “قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: قد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سفّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن فمر بهم طائفاً بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض القول، قال وعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم، فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح، قال فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا لكأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك يترفؤه بأحسن ما يجيب من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم انصرف راشداً فوالله ما كنت جهولاً فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه، وبينا هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا لِما كان يبلغهم منه من عيب آلهتهم ودينهم قال: نعم أنا الذي أقول ذلك، قال فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبوبكر الصديق رضي الله عنه دونه يقول وهو يبكي أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً بلغت منه قط” فكيف يقال للمسلمين بعد هذا اقتصروا في حديثكم مع الكفار وعنهم بعبارة «غير المسلمين». وأما استدلالهم بقوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر( [الكهف/29] على أن الله سبحانه خيرهم بين الإيمان والكفر وهذا من لين الخطاب، فإن هذا استدلال فاسد ساقط، فالله سبحانه لا يمكن أن يخير بين الإيمان والكفر، إذ الكفر ليس بخيار، ولو كان كذلك لما عذبه الله عليه، وتتمة الآية ( إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا بماء يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا( هذا وقد اتفق المفسرون على أن هذا الكلام وإن كان خارجاً مخرج التخيير فهو على وجه التهديد والوعيد وليس هو بترخيص بين الإيمان والكفر. وأما الاستدلال بقوله تعالى: (يا أيها الناس) فغير صحيح إذ إن الله سبحانه يكلف المؤمن والكافر فلا بد من لفظ يعم النوعين فكان هذا اللفظ العام محققاً الغرض، وكذلك الحال في إخبار النوعين، فهو ليس من اللين في القول.
ولو استدلوا على جواز تسمية الكفار «بغير المسلمين» أخذاً من قوله تعالى: ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا( [آل عمران/85] وقوله: ( أفغير دين الله ) لكان استدلالاً صحيحاً، لكن المسألة ليست جواز إطلاق هذه العبارة على الكفار، بل المسألة أن نعتبرها دليلاً على جواز الإقلاع عن لفظ الكفار، والمداومة على استعمال عبارة «غير المسلمين»، هذا ما هو مطلوب من المسلمين اليوم في حوارهم مع الكفار وفي أحاديثهم فيما بينهم وفي مناهجهم الدراسية وفي إعلامهم، ومن تتبع القنوات الفضائية والإذاعات فإنه لا يكاد يسمع كلمة «الكفار» إلا أن تكون فلتة على لسان أحدهم ربما يوبخ عليها أو لا يسمح له بالظهور ثانية في وسائل الإعلام. وهذه جزئية من الإسلام الذي يريده لنا الكفار والمنافقون. يريدوننا مدجنين خانعين حريصين على مشاعرهم، بعد أن نكتفي بالجهاد على الإنترنت .