الحملة الأميركية على الإسلام والمسلمين (3)
2003/05/20م
المقالات
1,411 زيارة
الحملة الأميركية على الإسلام والمسلمين (3)
تتناول هذه الحلقة الجبهة الثالثة من جبهات نزع سلاح المسلمين. وهي جبهة تحريف معاني الإسلام بأفواه أصحاب العمائم والمثقفين في فن دجل الكلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد استيلاء بريطانيا وفرنسا على بلاد المسلمين بالاحتلال المباشر بعد تفكيك جيش المسلمين وإزالة دولة الخلافة، استطاع الغرب مصادرة عقول المسلمين. إن خطة الغرب اعتمدت أولاً على إيجاد سلطاتِ الحكم من أفراد فيهم الجرأة على إنكار إسلامهم بالممارسة الفعلية. وعلى أن تكون حاشية الحكام من غير المسلمين أو ممن يتبرأون من إسلامهم بالصريح اللفظي. وكان هذا طريقاً في فرض تطبيق أنظمةِ الحكم التي هي نقيض أحكام الإسلام التي كانت سائدة. لقد كان هدف بناء جيوش الحكام حماية الحاكم وحاشيته في فرض أحكام الكفر. وعلى خطٍ آخر كان في خطة الغرب وعلى رأسهم الإنكليز والفرنسيون تجهيل المسلمين بإسلامهم. فقد قام الحكم العميل لهم أو الأجير عندهم باستقطاب علماء “رجال دين” قبلوا تبني نشر أفكار غير إسلامية بصيغةٍ تقرِّبها من عقول المسلمين. وقاموا بنشر أفكارٍ صريحةٍ في مخالفتها أحكام الإسلام على أنها أفكار من واقع العصر يلزم الأخذ بها للسير في طريق النهوض وأقنعوا المسلمين بقواعدِ أفكارٍ تناقض قواعدَ أفكار الإسلام حتى يصبح كل فرد عاجزاً عن اللحاق بمجتمعه دون استنباط أفكارٍ من قواعد أفكار الكفر التي عمموها في وسائل الإعلام ومن على المنابر. ولإقناع المسلمين بأفكار غير إسلامية وبقواعدِ أفكار غير إسلامية كان رجالُ دينٍ من أصحاب العمائم – الكهان – يذكِّرون الناس أنهم ورثة الأنبياء. تماماً كما يفعلون اليوم إذ يقولون إنهم يتكلمون من على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يطمسون قوله ويحرِّفون دينه.
وبعد عقودٍ وعقودٍ من تضليل السياسيين والإعلاميين والحكام وعلماء الحكام للمسلمين عن أحكام الإسلام نجح الغرب نجاحاً منقطع النظير في تضليل الأمة واطمأن بذلك. واطمئنان الغرب هذا يعني اطمئنان الإنكليز والفرنسيين.
ويلحق بهم دول أوروبا التي أوجد لها الإنكليز والفرنسيون مصالح لهم في بلاد المسلمين لتقف معها في الساحة الدولية في إبقاء الطوق الدولي حول رقاب المسلمين. أما أميركا اللاعبة الجديدة في الساحة الدولية فإنه لم يكن لها رأي في صياغة طوق أوروبا لاستعباد المسلمين بسلطة حكمٍ تكفر بالإسلام، وأحزابٍ وحركاتٍ وجبهاتٍ وجهاتٍ لخيانة المسلمين، وعلماء ومفكرين وإعلاميين لتضليل المسلمين عن الإسلام. فعلى امتداد نصفِ قرنٍ من العمل الجبار وبذلِ الإمكانيات الهائلة ما زال الطوق الاستعماري ليس بيد أميركا وحدها. ما زال دور أميركا أو واقع سلطتها أنها تشارك بالإمساك بهذا الطوق في بعض مناطق بلاد المسلمين. إن أميركا في إحباطها رأت الطوق الإنكليزي – الأوروبي الذي يُطبق على أنفاس المسلمين بواسطة الحكام والجيوش والحركات الإسلامية هو في حقيقته سداً يمنع النفوذ الأميركي من الإمساك بالقرار السياسي في حياة المسلمين. وفي إحباطها قامت أميركا بإشعال معظمِ الحروب في بلاد المسلمين حتى تستطيع القفز فوق السور. ولكنها فشلت في معظمها إن لم يكن في جميعها إلا في واحدةٍ منها ويبدو أنه أيضاً مؤقت. لا علاقة لتعداد هذه الحروب في موضوع تحريف معاني الإسلام بأفواه “المثقفين”.
إن في كل قولٍ أو فعلٍ أو اقتراحِ عملٍ تقوم به دول الغرب مجتمعة أو من دولةٍ تبدر منها مبادرة يكون مبرر القول أو الفعل أو الاقتراح من مرتكزات صراع الحضارات. وإن قاعدة سياسة الاقتصاد الدولية وسياسة استراتيجية كل دولة غربية وكل قرار سياسي أو عسكري أو ثقافي أو اقتصادي أو اجتماعي، وفي مبرر كل قرارٍ بإجماعٍ دولي ضمان لسيطرة الغرب على المسلمين في صراع الحضارات. وهذا الضمان يعتمد أساساً في البداية والنهاية على منع المسلمين من امتلاك أي عنصر من عناصر الكفاح في صراع الحضارات. هم لا يريدون ضمان استمرار تفوقهم في قوى صراع الحضارات، يريدون أن يكونوا أصحاب كل عناصر القوة دون أن يكون للمسلمين أي عنصر قوة. وقد نجحوا في تحقيق ذلك نجاحاً كاملاً مذهلاً فالمسلمون منذ عقود مجردون من أي عنصر من عناصر القوة في صراع الحضارات. هذا هو الواقع في صراع الحضارات والجميع يعرفه؛ حكام وسياسيو الغرب والمسلمون بمن فيهم مفكروهم وعلماؤهم وأحزابهم العلمانية الملحدة “والإسلامية”. في هذا الواقع لم تجد أميركا لها دوراً في صراع الحضارات أو رأت أنها استنفذت قدرتها أو طاقتها في هذا المجال. فهي كانت وراء فرض قوانين تحرير المرأة من أي فضيلة، وقوانين فرض فتح جميع مجالات الفسق والرذيلة لكل امرأة مسلمة. وهي كانت وراء مؤتمرات “الإسلام” أو “المسلمين” لإعطاء صفة شرعية لكثير من القرارات التي كان يعتبرها المسلمون أنها أعمال خيانة للإسلام والمسلمين. إن نفاذ القدرة أو الطاقة في السياسات الحية يعني الإفلاس وليس الفشل. إن عناصر الإفلاس غير عناصر الفشل. والدول تستطيع العيش مع الفشل لكن لا تستطيع العيش بالإفلاس.
إن أميركا، في موضوع صراع الحضارات، رأت وجوب إخراج صراع الحضارات من واقعه الذي صاغته بريطانيا والدول الأوروبية إلى واقع جديد. ونقل الواقع أو تغييره يؤدي إلى أخذ زمام المبادرة في أعمال الواقع الجديد. إن خطة أميركا هي أن تكون اللاعب الأوحد أو العدو الأقوى في مجابهة المسلمين في مسرح صراع الحضارات.
إن المادة الفكرية الأميركية في خطة صراع الحضارات تتهم الفكر الإسلامي بأنه فكر إرهابي بعد اتهام المسلمين أنهم إرهابيون. واتهام المسلمين تبعته خطوات المحاكمة بالفرض وتبعه صدور الأحكام بقتل المسلمين واحتلال بلادهم بلداً بعد بلد. وقد تم تنفيذ حكم القتل بشعب أفغانستان وستستمر أميركا ولا شك في تنفيذ بقية أحكام القتل حسب توافق الظروف مع ذلك القتل. أو حسب قدرتها على اصطناع ظروف لذلك القتل. أما موضوع اتهام الفكر الإسلامي فالغرض منه إجراء محاكمة فكرية أيضاً بالفرض وإصدار حكم بقتله في نهاية المحاكمة التي تجري على غرار توزيع أدوار الإدعاء والدفاع بين أميركي وعميل فدرالي أميركي. لكن المحاكمة الفكرية هي بين فكر أميركي ومفكر بثقافة الفكر الأميركي. أي أن أميركا تجري محاكمة الفكر الإسلامي في معهد الفكر الأميركي. إن اتهام الفكر الإسلامي ومحاكمته يحدثان على مرأى ومسمع كل مسلم بفكرٍ أو بدون فكر. وأمام كل مسلم سياسي أو حاكمٍ عميلٍ لأميركا أو غير عميل لها. إنهم يفرضون أن يشارك كل مسلم عالم أو غير عالم في الرد على لائحة الاتهام، بحق وبغير حق. لكنهم أبطال في قبول الاتهام والمشاركة في إجراءات المحاكمة التي انتهت بإصدار حكم الإعدام على فكر الإسلام. ولم يبقَ أمام الحكام في بلاد المسلمين إلا الأمر بتنفيذ هذا الحكم مع كل مظاهر المرارة والامتعاض من أدوات التنفيذ أو سلطاته؛ المفكرين، الإعلاميين، الجامعات، أساتذة الشريعة وعلمائها، خطباء المساجد، الكتاب “الإسلاميين” أصحاب الفضيلة، الأحزاب والحركات الإسلامية، الجمعيات والمعاهد، أصحاب العمائم.
إن قتل فكر الإسلام هو في زرع عوامل الاندثار والتلاشي فيه، هو في تحريف معاني نصوصه بعد أن عرفوا أنه يستحيل تحريف نصوصه. إن أحبار يهود حرفوا نصوص التوراة من أجل أن يكون لهم الحق في رعاية شؤون قومهم كما يريدون هم لهم لا كما يريد الله. أما الرومان فقد حرفوا نصوص النصرانية لتكون مطية لهم أو مبرراً لهم في فرض توحيد قدسية الطاعة للإمبراطور على رعايا الدولة وعبيدهم في البلاد المحتلة. في الإسلام لا يمكن تحريف النصوص لأن هذه النصوص تتناقلها الأمة جيلاً بعد جيل، بحفظ الله لكتابه، وتوفيق الله لأهل طاعته بتدوين سنة نبيه وإجماع صحابته، ولذلك فإنّ نصوص الإسلام في ركن ركين في قلوب المؤمنين، ينكشف أي تلاعب بها.
لكنها كنصوص رأت أميركا في حكم محكمتها بقتل فكر الإسلام أن كيفية القتل تكون بفرض تغيير معاني الإسلام أي تغيير معاني نصوص القرآن والسنة وأعمال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. إن معاني نصوص القرآن والسنة هي أفكار الإسلام.
بيد أن تحريف معاني الإسلام ليس عملاً جديداً في خطة صراع الحضارات أو تآمراً أميركياً أو غربياً جديداً. ففي التاريخ والوثائق وأعمال كل يوم نمط جديد في التحريف أو فكر محرِّف جديد تصوغه عقول الغربيين أو عقول مسلمين مثقفين بثقافة الغربيين وتسوِّقه بالفرض الإعلامي والتثقيفي والتطبيقي جميع أجهزة الحكم. إن الجديد في تحريف الإسلام هو الزخم الجديد الذي تدفعه به أميركا. إن التحريف كان يجري قبل التفرد الأميركي بجعله موضوع اليوم أما في سياستها فليلاً ونهاراً لكن دون تبنٍّ ظاهرٍ واضحٍ من قبل الهيئات المسؤولة عن الإسلام في مجتمعات بلدان المسلمين. إن خطة تحريف معاني نصوص الإسلام تفرض أميركا تبنيها بكل وضوح وشفافية من كل مَنْ يريد أن يُسمَح له أن يكون “إسلامياً” مفكراً بعمامة “شيخ” أو بدون عمامة، لكنه إسلاميٌّ يرضى عنه النظام ويفتح له مسارح منابره لأفكاره وآرائه وفتاويه. يجب أن يعلن كل داعية للإسلام “إننا بحاجة إلى تطوير نظرتنا الإسلامية” أو “تطوير أفكارنا الدعوية” أو “تغيير رؤيتنا إلى الإسلام، وإلى الآخرين، وإلى أن تكون رؤيتنا إنسانية”. على كل إنسان مسلم أن يعلن للكفار أنه إنسان مثلهم يستحق الحياة. على كل جهاز حكم أن يمنع بالإرهاب المعنوي، النفسي والجسدي وجودَ مَنْ يُصِرُّ على تعلم معاني الإسلام من القرآن بقواعد تفسيره التي هي جزء من فكره، ومن السنة بقواعد ارتباط قول الرسول عليه الصلاة والسلام بالحدث، ومن أعمال الصحابة الكرام في اجتماع قولهم وإفراد حجتهم.
إن زخم الحملة الأميركية الجديدة في تحريف معاني نصوص الإسلام يعتمد على تجاوب “علماء” المسلمين و”مفكريهم” أولاً وآخراً وليس على قدرة أميركا في قتل المسلمين. ويعتمد تجاوب “العلماء” و”المفكرين” مع أميركا في تحريف الإسلام على مدى ارتباطهم بأجهزة الحكم في بلاد المسلمين. إنه من المسَلَّم به لدى الناس أن أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تحتاج إلى ترخيص من السلطات الرسمية وتخضع لمراقبة أجهزة رسمية. لا ينكر أحد أن كل شيء تقوله هذه الوسائل الإعلامية يرتبط بسياسة الدولة. ولا يستطيع أحد أن ينكر أيضاً أن هذه الوسائل لا تستطيع أن تسمح لأحد بالظهور إذا كان ظهوره بما يمثله أو قوله بما يعنيه في غايته يخالف غاية الدولة ومخططها التوجيهي. إن الناس يفهمون أن ندوات الرأي الآخر والاتجاه المعاكس كلها مسرحيات فكرية لبيان عجز الإسلام الفكري عن الوقوف بوجه الفكر المعاصر أو السائد أو الغربي. يفهمون أن جميع التعاليم الإسلامية التي تبثها الوسائل الإعلامية هي لتعميم شعور الحاجة إلى تحريف معاني نصوص الإسلام بالإصرار على عدم جواز التلاعب بالنصوص. أيضاً يفهمون أن جميع المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية تهدف إلى تعميم معارف تحريف معاني نصوص الإسلام وبالتالي تعميم ثقافة إسلام جديد. أصبح في بريطانيا منهج فكري إسلامي يستطيع التعامل مع المجتمع. هكذا في أميركا إسلام خاص من صناعة المجلس الفقهي الأميركي. هكذا في فرنسا وفي كل دولة أخرى إسلام خاص بالمسلمين الذين يعيشون فيها.
إن تحريف معاني نصوص الإسلام خطة دائمة في بلاد المسلمين. ترعاها أنظمة الحكم والمنظمات العالمية في كل بلاد المسلمين وغير بلاد المسلمين. ترعاها أنظمة الحكم والمنظمات العالمية في كل بلد ومجتمع. إن قوة هذه الخطة في إمكانياتها وأدواتها هي قوة دول المجتمع الدولي كافةً لذلك كان لها ينبوع طاقة لا ينضب، ولذلك أيضاً لا توجد قوة مادية تستطيع أن توصد باباً بوجهها أو تنشئ سداً يمنع أو حتى يشوِّش على تعميم تحريفها. إنهم يعرفون قدرتهم الهائلة في خداع المسلمين بواسطة سياسيي ومفكري وعلماء المسلمين. يعرفون أنهم نجحوا بتحريف معاني نصوصٍ يكاد يكون في كل أمرٍ وقضية. ويقيسون نجاحهم بمدى تعميم الجهل بأفكار الإسلام بين المسلمين. إنهم يعتبرون أن ترك المسلمين أو ترك مسلمين لفرض التثقف بأفكار الإسلام هو نجاح لحملة تحريف معاني النصوص الإسلامية. بمعنى أن ذلك ثمرة من ثمرات برنامج تحريف الإسلام بل هو نتيجة أو هدف أهم في خطة تجهيل المسلمين بإسلامهم. إن ترك المسلمين لفرض معرفة الحكم الشرعي لعمل قبل مباشرة العمل هو في واقعه ارتداد عن طريقة عبادة الله في الحياة. لكن يبقى التحريف هو العمل الرئيسي في تضييع المسلم الذي يصر على الالتزام بأحكام الإسلام وهو سبب الخطة الدائمة في برامج التثقيف الدائمة للرأي العام المسلم.
إن برامج تحريف الإسلام تنفذها الدول الغربية صاحبة النفوذ في بلاد المسلمين مباشرة منذ احتلال بلاد المسلمين وحتى اليوم. هذه البرامج عامة شاملة؛ عامة في جميع مراحل الحياة؛ في المدارس وفي المنابر. مع تعليم معاني ألفاظ القرآن إلى ما يكتب ويذاع. شاملاً جميع أمور الحياة، إن تحريف أفكار الإسلام في الحكم يجري كما يجري تحريف أفكار الإسلام في الاقتصاد أي في الزراعة والصناعة والتملك والمال أو الحرب في الدفاع والهجوم أو الجمارك أو الصيد أو الاجتماع أو الاستشفاء أو أي أمر من أمور الحياة الأخرى. حتى في نصوص لباس المرأة جرى التحريف وتعميم قبول المرأة بالتزام هذا التحريف في لباسها على أنه من التقوى!
مع هذا النجاح الهائل في فرض أفكارِ كفرٍ على أنها أفكارُ إسلام؛ برزت أميركا فجأة وكأنها تكتشف حاجة العالم إلى تحريف الإسلام. فجأة تعلن أن الأمن القومي الأميركي في خطر، وأن سلام دول العالم قاطبة يعتمد على وجوب تغيير التراث الإسلامي بإسلام معاصر. لكن في الواقع لا يوجد إسلام تراثي وإسلام معاصر. إن “الإسلام” السائد هو “الإسلام” العصري. فمنذ عشرات العقود لا يسمح لأي “عالم” بلحية أو بنظارة، ولا لأي شيخ بعمامة أو بشهادة أن يكون داعية لإسلام أو متحدثاً بإسلام وأن يكون له مريدون وأتباع إلا إذا كان مثقفاً بإسلام “معاصر”. أي مثقفاً بإسلام محرَّف. إن أجهزة حكم دول الغرب في بلاد المسلمين لا تسمح بإسلام على الساحة السياسية وهي أطراف الحكم والمعارضة إلا من نوع الإسلام الذي توافق عليه.
إن الزخم الجديد الذي تفرضه أميركا على برامج تحريف معاني الإسلام ليس له مبرر في الواقع ولن يزيد شيئاً في برامج التحريف ولن يفرح به أي شيطان ولن يزيد عدد المرتدين عن الإسلام ولا عدد المُجهَّلينَ بالإسلام. لكن في خطة الزخم برامج تعميق للتحريف وهو سبب مسارعة كل حاكم في بلاد المسلمين بحجة حرصه على الإسلام إلى وضع يده على معاهد تدريس الإسلام لإنقاذ الإسلام من الذين يحرفونه. إن خطط إصلاح هذه المعاهد هي خطط في تغيير مناهج التدريس ومادتها. هذا لا يعني أن المناهج التدريسية الجديدة والمادة الإسلامية الجديدة هي أحسن أو أسوأ من المادة الفكرية السابقة. فالمناهج التدريسية السابقة والمادة الإسلامية التدريسية السابقة هي التي عممت بل أوجدت هذا الجهل العام بأفكار الإسلام. وهي التي ضيَّعت مقاييس التفريق بين فكر الشريعة وفكر تحريف الشريعة. وهي كانت وكيلة الحكم وأجهزته في تثقيف الناس بإسلام يرضى الحكم عنه. اليوم قرر الحكم أن يستعيد سلطته الإدارية المباشرة في إدارة ثقافة الإسلام. إن ثقافة تحريف الإسلام بعينها لن تتغير لأنها في خصائصها وأهدافها لا يمكن إجراء تغيير فيها. لذلك تكون أهمية الزخم في هدفه لا في خطته.
لقد أمرت أميركا الدول، عفواً، أجهزة الحكم في بلاد المسلمين، بإدارة مدارس تدريس الإسلام مباشرة. هي تعرف أن هذه المدارس لا تدرس غير الإسلام الذي تسمح به أجهزة الحكم، وأن هذه المدارس من أجهزة وبرامج تضييع المسلمين عن إسلام القرآن وإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم ضرورية. لكن هذا التغيير في الشكل كان ضرورياً لإخفاء هدفها. إن خطة أميركا في فرض تصديها لمكافحة الإرهاب في العالم ينقل سلطة الحكم المركزية لأميركا لتكون سلطة الحكم المركزية لدول العالم وخاصة “دول” العالم الإسلامي. إن فرض أميركا إيجاد تشكيل “مكتب مكافحة الإرهاب” في كل بلد من بلاد المسلمين كانت غايته إيجاد الأرضية التي يحق لأميركا منها السيطرة على الأمن في تلك الدول. فأمن الدول مثل سياسة الدول، فالسياسة تقوم على المسرح السياسي للبلد والحكام هم السياسيون من هذا المسرح. إن المسرح الأمني للدولة هو عناصر قوة الحكم وعناصر قوة القوى التي تؤثر في الحكم. وأهمية مكتب مكافحة الإرهاب الذي فرضته أميركا في كل بلد من بلاد المسلمين ليست في دوره في مكافحة الإرهاب. فقد تم تشكيل هذا المكتب بفرز عناصر من منشأة موجودة لمكافحة أي إرهاب. بينما أجهزة أمن الحكم في كل بلد ليس لها دور غير مكافحة أي عمل ضد الحكم ووأده في مهده. إنه لم يكن من مبرر في خطة استتباب الأمن في بلاد المسلمين إيجاد مكتب لمكافحة الإرهاب. بل المبرر هو في دور المكتب أو في غاية أميركا التي لا تتحقق إلا بوجود هكذا يافطة على باب في مبنى. إن غاية أميركا السيطرة المباشرة على أجهزة قوى الدولة من خلال فرض مبرر إيجاد مكتب مكافحة الإرهاب هدفاً أعلى في السياسة الأمنية العليا. وهذا يعطي أميركا التغطية القانونية لفرض اعتبارها شريكاً أمنياً رئيسياً في المسرح الأمني المحلي في كل بلد على حدة. هذا يجعلها صاحب الحق الأول في صياغة البرامج الأمنية وما يشمله من تمويل وتدريب وتسليح وصلاحيات وممارسات وغايات. وهذا يجعلها مباشرةً الفريق الأمني الأقوى على الساحة الأمنية في كل بلد على حدة، ما يعطيها السيطرة المطلقة على قوى أمن الدول وقوى أمن القوى التي تؤثر في أمن الحكم والبلاد.
إن غاية أميركا في أن تتسلم أجهزة الحكم المحلية في بلاد المسلمين معاهد تدريس الإسلام الخاصة هي مثل غايتها في إيجاد مكتب مكافحة الإرهاب في كل بلد. وإن تسلُّم السلطات مباشرةً سلطة صياغة معاني الإسلام يعني ببساطة أن صاحب هذه الخطة، أميركا، يريد أن يباشر هو تعليم الإسلام في بلاد المسلمين. لقد نجحت أميركا كثيراً في صياغة إسلام أميركي يمكن لأي أميركي أن يقتنع به دون أن يخرج من دائرة الأيديولوجية الأميركية للحياة. لم تترك المعاهد أو الجمعيات أو مراكز الأبحاث والدعوة أو السلطات أو المفكرون “الإسلاميون الأميركيون” فكرَ كفرٍ ينبع من الأيديولوجية الديمقراطية إلا وألصقوه بفكرٍ إسلامي زوراً أو تحريفاً لإسلام. هذه التجربة الناجحة في هدم الإسلام في أميركا تريد مباشرة تنفيذها في بلاد المسلمين عبر جعل صياغة الإسلام مهمة تتعلق بالأمن القومي الأميركي. لكن كما في حال مكتب مكافحة الإرهاب غاية هذه المباشرة هو أن تكون أميركا – منفردةً – المسؤولَ عن السياسة الثقافية في بلاد المسلمين.
إن تحقيق أميركا غايتها بالتفرد في السلطة أو التسلط على أنظمة الحكم في بلاد المسلمين عبر أكذوبتها العالمية أن العالم يريد إسلاماً حضارياً يتماشى مع العصر. وعبر خدعتها أن أمنها القومي بحاجة إلى إصلاح برامج التدريس الإسلامية في لعبة خداع الكبار ستفشل في تحقيق هدفها. إن قوى الساحة السياسية المحلية في بلاد المسلمين كما قوى الساحة السياسية الدولية تعي حقيقة الخدعة والأكذوبة الأميركية. هذا الوعي وإن كان ما زال محصوراً في أعلى مراتب الحكم إلا أنه يكفي لإفشال هذه الهجمة الأميركية. هذا يجعل فشلها الحتمي في المناورة يصاحبه إصرار أعمى على اختيار فرض الحرب على الدول التي لا تستطيع مصادرتها بالخدعة الفكرية أو الثقافية أو الأمنية أو غيرها. لهذا نرى خيار الحرب جزءاً من خطة اغتصاب العالم حين لا ينفع الكذب، الخداع أو تمويه الحقائق. ونرى الإصرار على تحديث مناهج تحريف الإسلام بوصف المناهج أنها شريرة لجعل عدم التحريف تهمةً جزءاً من لائحة الاتهام في ملف الدولة التي تهيئ لضربها واحتلالها وتفكيكها بتهمة الإرهاب عندما تحتاج ذلك ولو بعد حين .
[انتهى]
أبو يعـقـوب الأحـمـد
2003-05-20