الشركات متعددة الجنسيات (3) ونعود إلى الاندماج:
2002/10/19م
المقالات
1,668 زيارة
الشركات متعددة الجنسيات (3)
ونعود إلى الاندماج:
شكلت عمليات الشراء والدمج بين الشركات في بيئة الأعمال العالمية اتجاهاً ملحوظاً منذ السبعينيات من القرن العشرين. ففي عام 1971 اشترت (جنرال موتورز) 29٪ من أسهم شركة (أسوزو) اليابانية، زادتها سنة 1998 إلى 49٪ كما اشترت في سنة 1981 5.6٪ من أسهم (سوزوكي) اليابانية وزادتها إلى 10٪ سنة 1998. وفي سنة 1979 اشترت شركة (فورد) 25٪ من أسهم شركة (مازدا) وزادتها إلى 43.4٪ سنة 1996 وفي سنة 1982 اشترت (فورد) 15٪ من أسهم (كياموتورز) الكورية والتي تملكت (مازدا) 15٪ من أسهمها أيضاً.
وهذا الدمج والاندماج يعد صورة من صور التحالف الاستراتيجي التي تأخذ اتجاهاً متعاظماً في بيئة الأعمال العالمية المعاصرة.
وقد حصل تكتل بترولي جديد حيث أعلنت مجموعات شركات (توتال) الفرنسية عن الاندماج مع شركة (بتروفينا) البلجيكية ليقيما معاً خامس أكبر مجموعة بترولية في العالم حتى في عمليات التكرير. ثم تم دمج شركتي (شل وتكساكو) لدعم هذه الصناعة في الولايات المتحدة الأميركية، مما شجع شركة (أرامكو) السعودية على شراكتهما في مشروع (ستار إنتر برايزر) لتكرير وتسويق البترول في الغرب الأميركي.
كان التكتل البترولي في السابق يضم سبع دول كبرى كانت تسيطر سيطرةً كاملةً على صناعة البترول في العالم حتى آخر الخمسينيات من القرن الماضي.
أما التكتل البترولي العالمي الجديد الذي يستنزف بترول العالم المركز في العالم العربي وبعض الدول النامية فيضم (10) شركات بترولية، وهي حسب قوتها – وتقاس برأسمالها -:
1 – إكسون وموبيل (242) مليار دولار.
2 – رويال مانش وشل (163) مليار دولار.
3 – بترتش بتروليوم وأموكو (150) مليار دولار.
4 – سيفرون (58.5) مليار دولار.
5 – توتال وبترو فينا (44) مليار دولار.
6 – إيني (50) مليار دولار.
7 – إلف أكيتان (32.5) مليار دولار.
8 – تكساكو (32.5) مليار دولار.
9 – أركو (22.5) مليار دولار.
10 – بريسول (17) مليار دولار.
هذا من حيث الاندماجات في حقل البترول. ولنأت إلى الاندماجات في مجال تكنولوجيا المعلومات والإعلام.
الواقع أن الاندماجات في مجال الإعلام ليس شيئاً جديداً، وإنما بدأت في منتصف الثمانينيات بامتلاك شبكات تلفزيون عملاقة من بينها (أي.بي.سي) و(إن.بي.سي) إلا أن الخطى في هذا الاتجاه تسارعت منذ سنة 1996 بعد أن أصدر الكونغرس الأميركي قانون الاتصالات في محاولة لدعم المنافسة، إلا ان (دين الجر) مؤلف كتاب (ميجا ميديا) في سنة 1998 أكد أن العكس هو الذي حدث حيث أدى القانون إلى ظهور الاندماجات وانخفاض عدد الشركات المالكة للوسائل العالمية بدلاً من تسهيل القدرة على المنافسة، كما يهدف القانون عند صدوره.
ومن خلال هذا السباق تم إعلان اندماج شركة (تايم وارنر) مع شركة (أميركا أون لاين) لخدمات الكمبيوتر لتشكلا إمبراطورية يمتد نشاطها من المجلات وأفلام السينما إلى الإنترنت، ولتظهر للوجود شركة عملاقة جديدة قيمتها (250) مليار دولار، ويتجاوز دخلها السنوي (30) مليار دولار. وقد جنى الملياردير الأميركي المعروف (نيد تيرنر) مؤسس شبكة الأخبار الأميركية (سي إن إن) أرباحاً قدرها (2.3) مليار دولار في ليلة واحدة، نتيجة ارتفاع أسعار أسهم شركة (تايم وارنر) التي يعد (تيرنر) من كبار المساهمين فيها، وتبلغ قيمة أسهم (تيرنر) بعد ارتفاع أسعار أسهم الشركة (10.8) مليار دولار حيث ارتفع سعر سهم الشركة بنسبة 42.8٪ في بورصة (وول ستريت) حيث قفز سهم (وارنر) من (30) دولار إلى (95) فيما زاد سهم (أميركان أون لاين) من (13) دولار إلى (15.875) دولار.
وهذه الشركة المدمجة (أميركا أون لاين) (إيه. أو.إل) (تايم وارنر) هي أكبر عملاق إعلامي يجمع بين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بشكل غير مسبوق.
وقد تم تقدّم شركات متعددة عملاقة للدخول في هذه الاندماجات وفي مقدمتها شركة (ياهو) لخدمات الإنترنت و(سوني) و(ديزني) و(وينو زوكورب) إضافةً إلى شركات أخرى في مجال الكمبيوتر وصناعة الترفيه والاتصالات مثل (ليكوس) و(إيه.تي.أند.تي) و(ميكروسوفت) و(فياكوم) وشبكة تلفزيون (إن.بي.سي) و(مترو جولدين ماير).
وصرح رئيس مجلس إدارة (إيه.أو.إل) ورئيس مجلس إدارة الشركة الجديدة أن الاندماج سوف يؤسس أول شركة إعلام واتصالات كونية في قرن الإنترنت، وقال: إن هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها شركة كبرى عاملة في مجال خدمات الإنترنت (أميركا أون لاين) بشراء شركة أخرى عاملة في مجال الإعلام (تايم وارنر) وتتوقع المصادر الاقتصادية الأميركية أن الشركة الجديدة – التي سيعمل في إطارها شركات (إيه.أو.إل) و(تايم ورنر) و(سي.إن.إن) و(وارنر برس) و(نيتسكيب) – سوف تستغل حالة طغيان الإنترنت لتقدم إبداعات جديدة وتطلق ثورة الإنترنت المقبلة.
فإذا كانت كل هذه الإمكانات وهذه الطاقات، وهذا الكم الهائل وبهذه القدرة تجمعت بين يدي حفنة من الناس لا يعرفون معنى الرحمة، ولا يقيمون للقيم وزناً مجردين من معاني الإنسانية، لا يتصرفون إلا كما تملي عليهم أهواؤهم، وما تعطيهم مقدرتهم، بدوافع غريزية، وتوجهات بهيمية، فأنى لهذه الإنسانية أن تخرج من هذا الشقاء وتتخلص من هذا العناء؟
إن طبيعة المبدأ الرأسمالي والأسس والقواعد المالية والاقتصادية التي تسير عليها في شؤونه الحياتية، اهتمت بالظاهرة المادية من حياة الإنسان، منفصلةً عن أية ناحية أخرى سواء إنسانية أو روحية أو أخلاقية وكلها أجزاء أو مظاهر لفطرته. فكان المال في حد ذاته غايةً عندهم، وانصبت الجهود، وتفتقت أذهان المشترعين والنابهين منهم على ابتداع الوسائل والطرق والكيفيات التي يتم بها تجميع المال وتكثيره واكتنازه إلى أبعد مدى أي بلا حدود إطلاقاً بالكم والكيف.
فقامت أعمالهم كلها على قاعدتين محرمتين خبيثتين وخطيرتين وهما: الربا، والدولة بين الأغنياء، وهذا المنحى أفرز في المجتمع فئة تميزت بالحذق والدهاء والمخادعة، فحصرت تداول المال فيما بينها فقط وأخذ هذا المال ينمو ويتزايد بسرعة مذهلة وبكثرةٍ تفوق العد والحصر.
فتجمع بضع عشرات من المصارف الكبيرة جداً، وبضع عشرات من الشركات العملاقة. وأخذت الأموال تتداول فيما بينها، وصار بقية العالم بقاراته وشعوبه يشتغلون ليل نهار لحساب هذه الحفنة من الأغنياء: أصحاب المصارف الكبيرة والشركات الكبيرة، شركات صناعة النفط وصناعة السلاح.
والمصارف الربوية هي التي تسيطر على الساحة العالمية، فالتحرك التجاري والمالي، ومجالات التنمية والاستثمار كلها لها ارتباط وثيق بهذه المصارف. فيكون الربا هو المحرك الحقيقي أو هو الطاقة المحركة للاقتصاد العالمي ودورات رأس المال.
والإنتاج الصناعي بكافة أنواعه لا بد من تهيئة الأسواق له وحماية هذه الأسواق الاستهلاكية لتبقى عجلة الإنتاج دائرة.
أما بالنسبة لمصانع السلاح، فهذه تشكل حجماً كبيراً من كميات الإنتاج. فلا بد أن يكون لها سوق واسعة ومضمونة لتبقى عجلة هذه المصانع دائرة، وهذه الأسواق هي الثورات الداخلية، والحروب الجانبية الحدودية والإقليمية، أو الحروب الواسعة. فلا بد من تهيئة هذه الأسواق واستمرارها بشكل دائم.
بهذا تعيش هذه الشركات، وعلى هذا تنمو وتكبر وتترعرع، فتزيد انتفاخاً وامتداداً، حتى يصبح لها مئات الفروع، ويكون لها وجود واستقرار في عشرات الدول وقد تصل إلى المئات. وبقدر نموها وضخامتها وسعتها تضعف أمامها الدول وتتضاءل وتذل وتستكين وترضى بالتبعية، وتستسلم للذل والفقر والعبودية، فلا تفكر إلا في لقمة العيش، وإن تحركت عندها نوازع الفطرة حميةً وغيرةً فإنما يكون بأسها بينها، فتزداد فرقةً وانقساماً وتتشبع مذلةً وهواناً.
فلا بد من كسر هاتين الدعامتين: الربا والدُّولة بين الأغنياء لينهار ما بني عليهما من هياكل مالية واقتصادية، وتندك الحصون السياسية التي تحمي هذه الهياكل وتسهل لها وجودها وامتدادها في العالم.
كل ذلك مرهون بدولة الخلافة التي تطبق الإسلام كاملاً وفي كل مناحي الحياة وتبرز الأحكام الشرعية مستنبطةً من النصوص الشرعية الكتاب والسنة، وترتفع راية الجهاد لينقذ العالم ويتخلص من تحكم هذه الحفنة الجشعة المحتكرة، وتضاء الطريق أمام هذه الملايين التي تسير على غير هدىً لتختار العقيدة الصحيحة وتحتكم إلى النظام الصحيح والتشريع الصادق، وتعود البشرية إلى مسارها القويم، وتصبح كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
والله هو القوي العزيز .
[انتهى]
فتحي سليم
2002-10-19