شَيْءٌ مِنْ فِقْهِ اللُّغَةِ (طلبُ الفعل) في لغة العرب
2002/07/19م
المقالات
1,941 زيارة
شَيْءٌ مِنْ فِقْهِ اللُّغَةِ
(طلبُ الفعل) في لغة العرب
باستقراء أساليب الطلب عند العرب يتبين أن هذه الأساليب ثلاثة:
أولاً: صيغ مفردة. للأمر لغةً
ثانياً: جُمل مركبة في المنطوق. تتضمن معنى الأمر
ثالثاً: جُمل مركبة في المفهوم. تتضمن معنى الأمر
========================================
أولاً: الصيغ المفردة التي تفيد الطلب:
-
فعل الأمر (افعل):
قال تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) [الإسراء/78].
-
الفعل المضارع المقترن بلام الأمر (ليفعل):
قال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته) [الطلاق/7].
-
المصدر النائب عن فعله للأمر:
قال تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) [محمد/4].
-
اسم فعل الأمر:
قال تعالى: (قل هلمّ شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) [الأنعام/150] أي: أحضروا شهداءكم.
قال صلى الله عليه وسلم: “عليك بكثرة السجود“(1)، أي الزم.
ثانياً: الجُمل المركبة في المنطوق التي تفيد الطلب:
-
باستعمال حروف الجرّ (اللام وفي وعلى) بمعانيها الأصلية مثبتة في صدر الكلام:
قال تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب) [النساء/7] أي أعطوهم نصيباً.
قال صلى الله عليه وسلم: “في الغنم السائمة زكاة“(2)، أي زكوا الغنم السائمة.
قال تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) [البقرة/184] أي ليخرجوا فدية.
-
باستعمال حروف العرض والتحضيض (ألا ولولا وأخواتها):
قال تعالى: (ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم) [التوبة/13] أي قاتلوا.
وقال تعالى: (ألم أقل لكم لولا تسبحون) [القلم] أي سبحوا.
-
الاستفهام المؤول لأمر مبني على مطلوب خبري:
قال تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون @ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) [المائدة/90-91] أي انتهوا.
قال تعالى: (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم) [آل عمران/20] أي أسلموا.
-
الأمر المجازي المقترن بحال يكون أمراً بتلك الحال:
قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر»(3) (فلتأته منيته) أمر للمنية أن تأتي – وهو أمر مجازي -، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر جملة حالية، وبذلك فالأمر يكون بتلك الحال أي احرص على الإيمان بالله واليوم الآخر باستمرار حتى تأتيك المنية وأنت على ذلك.
-
الخبر الذي يترتب عليه جواب مجزوم، فإن ذلك الخبر يكون في معنى الطلب:
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم @ تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون @ يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات) [الصف] فإنّ (تؤمنون بالله ورسوله) في صيغة الخبر ولكن جوابه (يغفر لكم) وهو مجزوم، ولذلك فإن (تؤمنون بالله ورسوله) تعني (آمنوا بالله ورسوله).
-
الجملة الشرطية الخبرية المتضمن جوابها مدحا لفعلها يدل على طلب القيام بذلك الفعل، وهو ينطبق كذلك على الجملة الخبرية التي في معنى الشرط:
(إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) [الأنفال/65] تعني ليثبت الواحد منكم لعشرة أي أصبحت طلباً، ولذلك جاز عليها النسخ لأنها وإن كانت في صيغة الخبر إلا أنها تفيد الطلب في الجملة المركبة للمنطوق لأنها جملة شرطية فيها مدح (يغلبوا مائتين) .
“لَحَدٌّ يقام في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحاً“(4).
جملة خبرية في معنى الشرط، أي إن تقيموا حدا يكن خيرا لكم من أن تمطروا أربعين صباحاً، وفيها مدح – خير من أن يمطروا – وبذلك تصبح طلبا أي أقيموا الحدود.
ثالثاً: الجمل المركبة في المفهوم التي تفيد الطلب:
تأتي دلالة الاقتضاء وهي نوع من أنواع المفهوم مفيدة للطلب إذا:
-
اقتضتها ضرورة صدق المتكلم:
قال تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة/228] أي ليتربصن.
-
اقتضتها ضرورة صحة وقوع الملفوظ به شرعاً:
أ. أساليب الدعاء الخبرية الماضية أو المضارعة أو المصدرية:
بارك الله فيك، أي ليباركك الله.
يرحمك الله، أي ليرحمك الله.
رحمة الله عليه، أي ليرحمه الله، أو اللهم ارحمه.
ب. استعمال معنى الأحكام الشرعية في صيغة الخبر (كتب، فرض، أحلّ، أمر…) فهي تقتضي طلبا بصيغة (افعل، لتفعل…):
قال تعالى: (كتب عليكم الصيام) [البقرة/183] أي صوموا.
قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله فريضة من الله) [التوبة/60] أي أعطوا الزكاة لمستحقيها المذكورين.
قال تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة) [المائدة/96] أي صيدوا.
قال تعالى: (أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم) [يوسف/40] أي احصروا العبادة لله.
ج. صحة القيام بالأحكام الشرعية يقتضي طلباً بما يلزم لصحة وقوعها:
قال تعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) [الأنفال/58] يقتضي صحة تنفيذ ذلك أن يكون لنا عيون على العدو لنعلم إن كانوا سيخونون في تنفيذ معاهدتهم معنا قبل أن تحدث (وإما تخافن) أي هناك دلالة اقتضاء تفيد الطلب: لتكن لكم عيون على عدوكم.
“من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية“(5) البيعة تقتضي وجود الخليفة حتى تصحّ البيعة، أي أن هناك طلباً: أوجدوا الخليفة.
ولو قال أحدهم لآخر: أعتق عبدك عني، فصحة تنفيذ ذلك – عتق العبد – أن يكون القائل قد اشترى العبد من المخاطب، أي أن هناك طلبا بدلالة الاقتضاء هذه (بعني عبدك ثم أعتقه عني).
-
اقتضتها ضرورة صحة وقوع الملفوظ به عقلاً (لغة) (الإضمار):
أ. استعمال المصدر في جواب الشرط بدلالة الأمر:
(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) [البقرة/196] أي بإضمار (عليكم) فعليكم صيام. ومثل:
(فنظرة إلى ميسرة) [البقرة/280] فعليكم الانتظار.
(فتحرير رقبة) [النساء/92] فعليكم تحرير رقبة.
ب. أسلوب الإغراء:
الصلاةَ الصلاةَ أي: أقبل للصلاة، إضمار (أقبل).
اللّهَ اللّهَ يا قوم أي: اتقوا الله، أقبلوا على الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مسلم: 753 عن ثوبان، 354 عن ربيعة بن كعب الأسلمي.
(2) أبو داود: 2/96، البيهقي: 4/99.
(3) مسلم: 1844، النسائي: 4191، ابن ماجه: 3956، أحمد: 2/162، ابن حبان: 13/294.
(4) النسائي: 8/75، ابن ماجه: 2/848، أحمد: 2/362، ابن الجارود: 801.
(5) مسلم: 1851، أحمد: 3/446، ابن حبان: 10/434.
2002-07-19