كلمة الوعـي: منعُ الجيوشِ مِنْ نُصْرةِ فِلَسطينَ وَصْمَةُ عارٍ ولعنةٌ تلاحِقُ الحكّامَ
2020/05/01م
المقالات, كلمات الأعداد
3,299 زيارة
تتكرر مجازر اليهود بحق المسلمين في فلسطين من دير ياسين… إلى صبرا وشاتيلا… إلى ما يحدث الآن، وبخاصة مخيم جنين ونابلس القديمة، حيث يرتكب اليهود هذه الأيام مذابح مهولة لم يرحموا فيها بشراً ولا حجراً، ولم يوفروا وسيلة ولا أسلوباً في تقتيل الناس وإذلالهم وتشريدهم إلا فعلوه… وهذا دأبهم، ومع ذلك فقد بقي أهل فلسطين شوكة في حلق يهود لا يستطيعون منها فكاكاً. إن يهود في كل مجزرة كانوا وما زالوا يريدون إرهاب المسلمين وترويعهم ليتركوا أرضهم وليستسلموا لإرادتهم. إنهم في كل مجزرة كان وما زال يسمح لليهود دولياً أن يذبحوا ويشردوا ويذلوا المسلمين. فقد قاموا من قبل بمجازرهم بدعم من بريطانيا، أما مجازر اليوم فإنهم يقومون بها بدعم وتغطية من أميركا التي تدان بكل ما تدان به دولة يهود. إنهم في كل مجزرة كان حكام المسلمين وما زالوا يكفون أيدي المسلمين والجيوش عن الرد. كأني بيهود جزار يذبح ضحيته والحكام يكتفونها ويمنعونها من الحركة.
إن الحكام لا يتصرفون، بل هم يمنعون الجميع من التصرف، يمنعون الجيوش من التحرك، ويمنعون المسلمين من أن يعينوا إخوانهم الذين ترتكب بحقهم وأمام أعينهم، أفظع المجازر… إن هؤلاء الحكام يلوذون بالصمت كأنهم أصحاب عار بل هم كذلك، وإذا تكلموا آخذوا الجزّار لأنه أحرج موقفهم أمام شعوبهم وتساءلوا ماذا يريد أكثر مما قدمنا له. وإذا وقفوا موقفاً أخذوا موقف الوساطة بين الجزار والضحية كأنهم ليسوا من هذه الأمة وهم حقاً غرباء عنها. وإذا اجتمعوا اجتمعوا على خيانة في مؤتمرات قمة حرصوا فيها على إظهار أنهم معتدلون يريدون السلام، ويقدمون المبادرات تلو المبادرات، فيجيبهم يهود بالمجازر تلو المجازر، احتقاراً لهم وإهانة لو كانوا يشعرون.
لقد سمّى حكام العرب قمة بيروت بـ «قمة الحق العربي» بينما هي في الحقيقة قمة التنازل عن الحق. فقد أعلنت هذه القمة التنازل عن أرض فلسطين المباركة التي احتلت سنة 1948 وهي تشكل حوالي 80% من مجمل فلسطين. وصار اسمها في قاموسهم السياسي «إسرائيل». وطالبوا فقط وعلى استحياء بالأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1967 أي الضفة الغربية وقطاع غزة. وهي تشكل حوالي 20% من مجمل فلسطين. والخلاف بين هؤلاء الحكام وبين اليهود على هذا الجزء من فلسطين.
لقد أعلن حكام العرب في قمة بيروت أن خيارهم الاستراتيجي هو السلام. إنهم يريدون سلاماً بل استسلاماً يذل البلاد والعباد، يريدون سلاماً يستجدونه استجداءً من الأمم المتحدة. يريدون سلاماً ينـزع قوة المسلمين ويضاعف قوة يهود. وليس هذا فحسب بل يهزأ أحد حكام العرب النكرة من خيار الحرب ومن الذين يعرضونه. وقبل أن يتلاشى صدى صوته من الآذان، وقبل أن يجف حبر مقررات القمة يرد شارون بحرب على المسلمين في فلسطين ويعلن أنها حرب بلا حدود، مهدداً هؤلاء الحكام، ومجرداً آلته العسكرية على المسلمين في فلسطين، الذين جردتهم اتفاقات أوسلو الخيانية وملحقاتها من السلاح الفعال الذي يواجه آلة الحرب اليهودية التدميرية، ولولا إيمان أهل فلسطين الذي يعمر قلوبهم، ولولا حملهم أرواحهم على راحاتهم في عمليات استشهادية بطولية لما استطاعوا الثبات في مواقفهم ناهيك عن الخسائر التي يلحقونها بالعدو.
لقد سطَّر أهل فلسطين بدمائهم صحائف بيضاء في كل فلسطين وبخاصة مخيم جنين ونابلس القديمة وأثبتوا كذب المتسلطين على رقاب الناس في بلاد المسلمين الذين يزعمون، جبناً وخذلاناً وخيانة، أنهم لا يستطيعون قتال يهود، فها هم مسلمو فلسطين بأجسادهم وأسلحتهم الخفيفة يدخلون الرعب في قلوب يهود رغم ترسانة أسلحتهم التدميرية، رعباً يجعلهم لا يقاتلون وجهاً لوجه بل من وراء جدر، من داخل مجنـزراتهم ودباباتهم وطائراتهم، (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) [الحشر/14] وكل ذلك خوفاً من مقاومين لا يملكون من السلاح إلا النـزر اليسير الذي لا يكاد يذكر أمام ترسانة العدو التي تمتلئ بمخزون السلاح الأميركي باستمرار.
إن المسلمين في فلسطين يصنعون بدمائهم خطاً أمامياً يحمي بلاد المسلمين من زحف يهود، فكيف لا تتحرك جيوش المسلمين لنصرتهم؟ كيف لا تنقض هذه الجيوش على الحكام العملاء الذين يمنعونهم من التحرك حفاظاً على أمن يهود، وإذعاناً لأمر الكافر المستعمر؟ أليست هذه الجيوش من أبناء المسلمين؟ أليس من يقتلون في فلسطين هم إخوانهم في الدين؟ (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) [الأنفال/72] أليست الجيوش قد أعدت لقتال العدو أو هي للمراسم والاحتفالات؟ أو لحماية عروش الحكام المحاربين لله ولرسوله والمؤمنين؟!
لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وتجرأ علينا يهود، من ضربت عليهم الذلة والمسكنة، كل ذلك والمتسلطون على رقابنا يوالونهم ويوادونهم. إنَّهم رغم المجازر والدماء التي تسفك لا زالوا يعلنون بلا حياء توسلهم لأميركا أن تضغط على يهود للرجوع إلى مائدة المفاوضات!، ولا زالوا يرددون أن القضية هي فقط في ما احتل من فلسطين في 1967 وأن تلك المحتلة في 1948 هي ليهود نقية خالصة! أليس هذا هو السوء بعينه والخيانة بقضها وقضيضها؟
لقد ظهر الصبح لذي عينين، وأصبح الأمر بَيِّناً، والقضية واضحة جلية، فإنَّ الواجب يقتضي العمل لتحريك الجيوش في بلاد المسلمين لنصرة فلسطين، وأن يعمل لتغيير الأنظمة الخائنة الفاسدة في بلاد المسلمين التي تحول دون تحرك هذه الجيوش، فترك أهل فلسطين يتعرضون للمجازر الوحشية التي يقوم بها يهود، ويتصدَّون وحدهم بأجسادهم لدبابات العدو وصواريخه وطائراته دون أن تتحرك الجيوش لنصرتهم، إن تركهم وحدهم وعدم نصرتهم لهو جريمة كبرى يبوء بإثمها وخزيها: أولاً الحكام الذين فقدوا الإحساس، يشاهدون القتل والتنكيل ولا يحركون الجيوش للقتال، وثانياً الجيوش وأهل القوة بسكوتهم على جريمة الحكام وعدم التغيير عليهم والانطلاق لقتال يهود، وثالثاً كل حاكم ومسئول في السلطة يستغل دماء الشهداء الزكية التي سفكت بأيدي يهود وجبلت بها أرض فلسطين الطهور، يستغلها مدخلاً للتفاوض مع يهود أو اللقاء معهم، ورابعاً كل من يرضى من الأمة بهذا الذل والهوان ولا يتحرك لتغييره.
إن الاكتفاء بالمديح والثناء على أهل فلسطين وبطولاتهم لا يسمن ولا يغني من جوع. إنَّهم أبطال حقاً بل إنهم فاقوا البطولة بما صنعوه وبخاصة في مخيم جنين ونابلس القديمة، ولكن كل ما في اللغة العربية من سجع وبديع، ومحاسن الأدب والشعر لا يعدل عُشر معشار غبار يثيره جندي من جنود المسلمين يزحف لنصرتهم.
إن الحديد لا يفلّه إلا الحديد لا حسن القريض، (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) [ق:27] .
2020-05-01