حزب التحرير في آسيا الوسطى
2002/01/19م
المقالات
1,689 زيارة
أذاع راديو الحرية في آسيا الوسطى مقابلة أجراها السيد (تنجيز جوبافا) مسئول برنامج آسيا الوسطى والقوقاز في الإذاعة، مع السيد (فيتالي بونوماريف) رئيس مركز الدفاع عن الحقوق في آسيا الوسطى ـ موسكو وكان موضوع المقابلة (حزب التحرير). و« الوعي» تنشر فيما يلي أجزاءً من المقابلة:
تنجيز جوبافا متحدثاً مع رئيس مركز الدفاع عن الحقوق في آسيا الوسطى “ميموريال” ـ موسكو فيتالي بونوماريف.
تنجيز جوبافا: أحدى الحالات المأساوية في تاريخ حقوق الإنسان الأوزبيكي هي حالة شافروك روزيمورادوف الذي توفي منذ وقت ليس ببعيد داخل أقبية الأجهزة الأمنية الأوزبيكية، خلال اعتقاله وتفتيش شقته ـ بدون وجوده ـ وجدوا نشرات حزب التحرير المحظور، هذه النشرات بالذات تشكل نواة اتهام من يشتبه بانتمائه لحزب التحرير، وهذه التهمة متفشية اليوم في أوزبيكستان؟
المادة 159 من دستور اوزبيكستان ـ كما هو الحال في أيام الإتحاد السوفييتي مادة 58 و70 ـ تشكل سلاحاً أساسياً في يد النظام الأوزبيكي ضد المعارضين فكرياً، بصرف النظر عن أن هذا خاص بـ “المادة الدينية” والتي تعني شيئاً واحداً: الانتماء لحزب التحرير الإسلامي غير المعهود يشكل خروجاً على العلمانية “الدعوة لصراع دموي ضد النظام الدستوري”. هنا مقارنة مباشرة بين تشكيل المادة التي تتحدث عن الخارجين على القانون على زمن الشيوعية في السبعينيات “التنصير والدعوة بهدف إزالة النظام الشيوعي”، تحت هذه المادة تنضوي قصائد الحب، والنكت وحتى الموسيقى…
آلاف الأشخاص المعتقلين يحاكمون الآن في أوزبيكستان بموجب مادة 159، ومن 7 إلى 30 ألف معتقل يتعرضون للتعذيب، التعسف، الحبس والموت مثل شافروك روزيمورادوف وذلك بتهمة واحدة (حقيقية كانت أو كاذبة) هي الانتماء لحزب التحرير. إذن ما هو هذا الحزب؟ هل هو في حقيقة الأمر بعبع؟ أم أنهم يصفونه بهذا الشكل فحسب؟
في ستوديو راديو الحرية تناقشت مع فيتالي بونوماريف.
فيتالي، قل لي من فضلك، متى، وأين وكيف ظهر حزب التحرير؟ وماذا تعني هذه الكلمة؟
فيتالي بونوماريف: ظهر حزب التحرير في بداية الخمسينيات في الشرق الأوسط، المؤسس هو الشيخ تقي الدين النبهاني والذي كان يعمل قاضياً في المحكمة الشرعية في القدس، وبدأ الحزب بالانتشار تدريجياً في دول أخرى من العالم، أما بخصوص متى ظهر حزب التحرير في آسيا الوسطى، فإنهم هنا عادة يذكرون تاريخين، فبعض أعضاء حزب التحرير الذين تحدثت معهم يؤكدون أن أول حلقات حزب التحرير ظهرت في بداية الثمانينيات في وادي فرغانة، وخصوصاً في أنديجان، لكن وفي نفس الوقت الذي يذكر فيه هؤلاء أشخاصاً يسمونهم مؤسسي هذه الحلقات يقطع آخرون أنهم لم يكونوا أعضاءً ولا أنصاراً لحزب التحرير.
أما بخصوص الوثائق الرسمية الأوزبيكية فإن التحقيقات تشير إلى عام 1991م كبداية لظهور هذا الحزب في أوزبيكستان. وبعد عدة سنوات ظهرت خلايا هذا الحزب في كل دول آسيا الوسطى.
تنجيز جوبافا: وما هو جوهر فكرة حزب التحرير؟ فهذا الحزب سياسي بكل ما تعنيه هذه الكلمة، هكذا أفهم؟
فيتالي بونوماريف: نعم فهذا الحزب لا يتبنى في العبادات، بمعنى أنهم يستوعبون السنة والشيعة وأصحاب أي مذهب إسلامي. الفكرة الأساسية هي وجوب الاحتكام لقوانين الشرع، ولا يتم الاحتكام للشرع إلا بوجود دولة إسلامية، وأنه يجب إيجاد دولة إسلامية في كل العالم، فهي ستكون عالمية، أي خلافة.
تنجيز جوبافا: في كل العالم؟! بما في ذلك الدول التي لا تدين بالإسلام؟
فيتالي بونوماريف: نعم، هم يعتبرون أن ذلك سيتم بسرعة، وخصوصاً عندما تبدأ الخلافة بالتشكل، فهي ستبدأ في دولة أو عدة دول، ثم تبدأ تدريجياً بالتوسع في حدودها،وبسرعة فإن الفكرة الإسلامية ستكسب شعبية حتى في وسط أولئك الذين لا ينتمون الآن للإسلام.
تنجيز جوبافا: أود أن أقتبس من “الجريدة المستقلة” حيث جاء: “في منهج حزب التحرير: المبادئ المناقضة للإسلام كالرأسمالية والاشتراكية ومنها الشيوعية هي مبادئ رجعية، تتناقض وفطرة الإنسان وهي من صنع البشر فرجعيتها بديهية ونقصها واضح، وهي تناقض الإسلام وأحكامه، ولذلك يحرم اعتناقها”، وهذا في منهج حزب التحرير، فهل حقيقة أن هذا الحزب ضد الغرب، ولا يتقبل قيم الغرب؟
فيتالي بونوماريف: نعم، هذا الحزب ضد الغرب وتوجهاته، ويوجد ضمن أبجديات الحزب كتاب يسمى الديمقراطية نظام كفر بقلم أمير الحزب الحالي الذي حل محل أستاذه في قيادة الحزب في نهاية السبعينيات.
تنجيز جوبافا: وماذا يقترحون بديلاً عن الديمقراطية؟
فيتالي بونوماريف: يقترحون الدولة الإسلامية، كما يصفونها، وأحكام الشرع التي تشكل دستوراً كبديلٍ عن الديمقراطية، وبشكل عام يمكن القول أن الإسلام يختلف عن النصرانية حيث لا يوجد فيه فصل للدين عن السياسة وفكرة الدولة الإسلامية منبثقة عن العقيدة الإسلامية.
تنجيز جوبافا: فيتالي، ومع ذلك، ما هي الأسس الرئيسية للدولة الإسلامية؟ وعلى ماذا ستبنى؟
فيتالي بونوماريف: يوجد اقتراحات محددة، مأخوذة من القرآن والسنة…
تنجيز جوبافا: هل كانت هناك سوابق تاريخية؟
فيتالي بونوماريف: بالطبع، كانت هناك دولة في عهد النبي، وكان هناك الخلفاء الأربعة الراشدون…
تنجيز جوبافا: كيف يتصور ذلك في الوقت الحاضر؟ هل يوجد قواعد نظرية لإقامة دولة إسلامية في القرن 21؟ هل يوجد عند الحزب وثائق تتعلق بهذا الأمر؟
فيتالي بونوماريف: طبيعياً، فقسم كبير من نتاج مؤسسي هذا الحزب موضوع على موقع حزب التحرير الموجود (على الإنترنت) بعدة لغات: العربية، الإنجليزية، عدة لغات أوروبية، والآن على حد علمي يجهزون الموقع بالروسية.
وإلى أي حد يعتبر هذا الحزب غير ظالم من وجهة نظر الواقعية الغربية؟
فيتالي بونوماريف: يوجد عدة مداخل مختلفة، المدخل الثقافي المنطقي، السياسي والحقوقي، وأنا كعامل في مجال حقوق الإنسان أجد هذا المدخل مفضلاً لي. يستطيع الناس أن يؤمنوا بما يريدون، متى يريدون، أن يتجمعوا ويناقشوا… طالما أنهم خلال ذلك لا يستخدمون الكفاح المسلح، ولا يدعون، ولا يعتدون على حقوق الآخرين، على الدولة عدم التدخل في ذلك.
تنجيز جوبافا: أنتم تعتبرون أن “الإسلاميين” ـ لو تكلمنا بشكل عام، الذين يؤيدون نصرة الإسلام بالعمل المادي ـ أنتم تعتبرون أنهم لا يستطيعون انتهاك حقوق الإنسان؟
فيتالي بونوماريف: لا، يمكن أن ينتهكوها، ولكن فيما يتعلق بحزب التحرير، فإننا لا نتكلم الآن عن الحركات الإسلامية بشكل عام، وإنما نتكلم عن حركة محددة، ولذلك في وثائق برامج الحزب نجده يعارض الإرهاب، ويعارض العمل المادي ضد الحكم القائم، ويعارض الاغتصاب المسلح. وللأسف، فإن الكثيرين ممن يكتبون حول هذا الحزب في الصحافة الروسية، وبالمناسبة ليس في الصحافة الروسية بل في جرائد الدول التي تشكل الكومنولث الروسي، الكثيرون منهم لا يوافقون الحقيقة، يحاولون إظهار الحزب على أنه منظمة إرهابية، وكأنه يشبه “الجماعة الإسلامية الأوزبكية” والذي لا يتفق مع الواقع بتاتاً، فهو قبل كل شيء حزب عالمي، ومنهجه لم يتم وضعه في أوزبيكستان… أود القول إن الحزب يعمل في روسيا، أكرانيا وفي كازاخستان، ولكنه لم يصطدم مع قوات حفظ الأمن، لأنه لا يوجد شيء في نشاط هذا الحزب يمكن تفسيره على أنه خروج على القانون.
تنجيز جوبافا: فيتالي، لقد تكلمتم عن نظرة منظمات حقوق الإنسان لحزب التحرير، أنا أيضاً مهتم بهذه النظرة أكثر من أي شيء، ولكن هنا يوجد بعض الكلمات، فمن جهة أنتم تقولون إن هذا الحزب يعارض الإرهاب والطريق المسلح في الصراع كطريقة للوصول إلى أهدافه، لنقل ذلك، ولكن هل يتطابق هدف إقامة الدولة الإسلامية وحقوق الإنسان المعترف بها في الكيانات الديمقراطية؟ لنفترض أن هذه الدولة الإسلامية ستضمن الحريات الموجودة حالياً في العالم الغربي، فكيف إذا كانت الديمقراطية الغربية تعتبر “فاسدة” و”كافرة”؟
فيتالي بونوماريف: تفهمون أن الكلام يدور حول أنه يوجد كم كبير من الناس الذين يؤمنون بأشياء محددة قد يؤدي تحقيقها عملياً إلى تغيير الحالة القائمة وحقوق الإنسان…الخ، يوجد شيوعيون، أنصار الاشتراكية، ويوجد أنصار التيار العسكري الشيوعي، يوجد من يعتبرون أن نهاية العالم سوف تحل بعد عدة سنوات، ولذلك يجب إعادة تشكيل الحياة الحالية، وأن هذا حقيقة سيقع، فإذا استُخدمت في كل هذه الحالات قوة الدولة المسيطرة المطلقة فإن النتيجة وجود ملايين المعتقلين السياسيين. أنا لا أعتقد أن في اجتماع الشيوعيين بحرية ومناقشة قضاياهم ـ حتى يبدأوا بتشكيل مجموعات مسلحة أو يحددوا تاريخ الثورة أو يقوموا بأعمال تفضي إلى الاغتصاب المسلح أو مخالفة القانون ـ أنا لا أرى أن هناك أسساً قانونية لمنعهم من ذلك. أنا أعتقد أنه يجب أن يؤثر هنا نفس المبدأ: نعم يوجد أناس لا يؤمنون بشيء، يعتبرون أن عالمنا غير مكتمل، ويقترحون نظاماً لتحسينه، واضح أن أي “تصحيح للعالم” يؤدي إلى تغيير التوازن والحرية، وبشكل عام تغيير الوضع الراهن، ولكن هذا لا يعني إمكانية تبرير الاضطهاد من قبل الدولة.
تنجيز جوبافا: أنا أفهمكم، فهذا موقف طبيعي لحقوق الإنسان، ولكن أريد أن أحذر مسبقاً وأن أؤكد أن ذلك لن يكون مستساغاً عند الكل، فهذا ليس أمراً بسيطاً. كلاسيكي، لكنه ليس سهل الفهم.
فيتالي بونوماريف: على رسلكم، لنبدأ بالأمور البسيطة، ولنضع السؤال التالي: لنأخذ أي إمام مسجد في أي دولة ولنسأله إذا كان يريد إقامة دولة إسلامية؟ أنا أؤكد لكم أن أي مسلم لو طرح عليه هذا السؤال النظري فإن جوابه سيكون “نعم، بالطبع إنه يريد أن يعيش الناس وفق أحكام الشرع”، ولكن هذا لا يعني أن يقوم بأعمال محددة تجلب اهتمام السلطات الأمنية وانتقاداتها واضطهادها…الخ.
تنجيز جوبافا: لكن فيتالي لنعد إلى تسليط الضوء مرة أخرى على حقيقة أن حزب التحرير محظور في كل العالم الإسلامي ولا يوجد دولة واحدة تسمح بنشاطه، نخلص من هنا إلى ان هذه الدول استعملت بعض المسوغات عندما حظرته، من البديهي أن ما عند حزب التحرير ليس مجرد أحلام عن إقامة دولة إسلامية عالمية، بديهي أن هذا الحزب يقترح خطة ما للعمل، أنتم تعلمون أن هذا الحزب يسعى إلى تنفيذ خطته هذه عن طريق حرب النشرات، وماذا يقترحون غير ذلك؟
فيتالي بونوماريف: نظام دراسة منشوراتهم، توزيع النشرات والمشاركة في فعاليات مع حركات أخرى…
تنجيز جوبافا: الخلاصة، إلى ماذا يدعون؟
فيتالي بونوماريف: هم يعتبرون أنه بهذه الطريقة فإن قسماً كبيراً من الناس سيؤيدون فكرة الحكم بالإسلام خلال وقت قصير، وأن الحزب لن يأخذ الحكم مثل البلشفيين، بل إن الحزب يقوم بدوره. هم يعتبرون أن “هذا واجبنا أمام الله، تهيئة المجتمع لتقبل الحكم بالإسلام” أما بالنسبة لمن يأخذ الحكم وكيف…
تنجيز جوبافا: فيتالي، إذا كانوا يعارضون الطريق الديمقراطي في أخذ الحكم ونقله، أي الانتخاب، فكيف سيتم ذلك؟ لنفترض أن الجمهور قد أصبح مهيئاً فكيف ستتم عملية تحويل الحكم من حكم مدني إلى حكم يُوجِد “الخلافة العالمية”؟ كيف يتصور حدوث ذلك إذا لم يكن بالطريق الديمقراطي ولا عن طريق الإرهاب، وأنا لا أستطيع تصور طريق ثالث؟
فيتالي بونوماريف: أريد أن أضيف بعض الأمور حول قضية حظر حزب التحرير: أولاً: حزب التحرير لا يعتبرُ أيّاً من الدول القائمة حالياً دولةً إسلامية، وبذلك يتضح أن الحكم في الدول الإسلامية لا يتعامل جيداً مع أولئك الذين يتهمونه بأنه “ليس إسلامياً خالصاً”، النقطة الثانية: حزب التحرير يرفض أن تكون له علاقة بالمؤسسات غير الإسلامية، ويرفض بشكل قاطع أن يحصل على ترخيص، وأنا غير مرة طرحت على مؤيديهم السؤال التالي: لنفترض أنهم في دولة ما قالوا لكم، أنتم متأكدون أن لديكم قاعدة جماهيرية عريضة، إذن أحصلوا على ترخيص وشاركوا في الانتخابات! أجابوا: “لا، نحن لا نشارك في الانتخابات، لأن المؤسسات الديمقراطية صنعت بأيادي غير المسلمين”، وبالنسبة لمسألة كيفية نقل الحكم، يضربون مثلاً النبي عندما وصل المدينة أوكل الناس إليه مسألة الحكم، أي أن هذا لم يكن انتخاباً بالمفهوم الغربي، عندما يتم ترخيص أي أحزاب ذات قيادات وبرامج مختلفة، كان هذا تأييداً من قبل الأغلبية لشخص ولفكرة ما. يقترحون أن هذا سيتكرر الآن، أي أن تغيير شكل الحكم في الدولة التي تقام فيها الخلافة سيتم عندما تحتضن الجماهير الفكرة التي يقدمها الحزب، ووفقاً لذلك يوجد عدة مراحل لتحقيق هذا الهدف، في البداية يقوم الحزب بتشكيل حلقاته ثم يبدأون في خوض الصراع الفكري وفي مرحلة ما كما يقال تتم إقامة الدولة الإسلامية.
تنجيز جوبافا: الذي تقولونه وهو أن تتقدم أغلبية الأمة التي تقر بضرورة إقامة الدولة الإسلامية، وبعبارة أخرى وبمصطلح آخر فإنه يسمى “ثورة شعبية” بمعنى أن الأغلبية عندما تثور وتضغط، فإن الأقلية التي “لم تَعِ” ضرورة إقامة الدولة الإسلامية ستقاوم ذلك، هذه الأقلية دائماً تبقى… أنتم تقولون إن الحزب لم يرخص مطلقاً، أظن أنه مع ذلك في الأردن يوجد مقر عام، ولكن المسألة ليست في ذلك بل فيمن يموله ومن يحتضنه؟
فيتالي بونوماريف: الحزب يقوم على تبرعات أعضائه، وعلى الدخل من بيع كتبه وكذلك على تبرعات خاصة، ويكفي أحياناً التبرعات السخية، وعلى ما أذكر فإن الملف الجنائي الخاص بحفيظ الله ناصيروف أمير حزب التحرير الأوزبيكي يشير إلى أن الحزب في أوزبيكستان وحدها في العام 1998م حول 42 ألف دولار إلى مركز الحزب في الشرق الأوسط، ما عدا تلك التي أبقيت من أجل العمل داخل أوزبيكستان، وبذلك فإن القول بأن شباب الحزب يتلقون أجرة ودعماً خارجياً قوياً يعتبر مخالفاً للواقع.
تنجيز جوبافا: مَن مِن الناس يتم تجنيده في صفوف الحزب؟ ومَن منهم يصبح عضواً في حزب التحرير؟ أيُّ قسم من الناس؟
فيتالي بونوماريف: يشكل الشباب العنصر الرئيسي في الحزب ومعظمهم من حملة الشهادات العليا، أنا قرأت الملفات الجنائية حيث ورد أن هناك من أنهى دراسته في معاهد موسكو التكنولوجية، أو معهد العلاقات الدولية في طشقند تخصص لغة إنجليزية…الخ، وكذلك أناس يدرسون في المؤسسات التعليمية لم يدخلوا المسجد بالمرة، وعندما رجعوا إلى أوزبيكستان من موسكو بدأوا بالصلاة خلال عام وخلال عام أصبحوا أعضاء ناشطين في الحزب.
تنجيز جوبافا: ما هي ديناميكية حزب التحرير وكم يبلغ عدد أفراده في أوزبيكستان؟
فيتالي بونوماريف: نما الحزب بشكل سريع جداً في أوزبيكستان بعد تفجيرات طشقند. إن مواد الحزب المطبوعة والمتعلقة بالواقع في آسيا الوسطى لم تظهر حتى التفجيرات في فبراير من عام 1999، بمعنى أنه تم ترجمة مواد مختلفة إلى اللغة الأوزبكية، ولكنها تطرقت بشكل أساسي إلى الأحداث في الشرق الأوسط، وإلى الخطوط النظرية العريضة، في فبراير 1999 اتهمت حكومة أوزبيكستان حزب التحرير زوراً بعلاقته بالتفجيرات، ثم رفعت التهمة، وكرد على ذلك أصدر حزب التحرير أول نشرة تتعلق بأوزبيكستان، ثم تتابع إصدار مثل هذه النشرات بمعدل نشرة أو اثنتين في الشهر، والتي زاد عدد نسخها عن مئة ألف نسخة، وأصبحت وسيلة مهمة جداً لجذب المجتمع الأوزبيكي وخصوصاً الشباب، أو على الأقل أولئك المقربين من الشعارات الإسلامية، في فترة اعتقال حفيظ الله ناصيروف ذُكر في ملفه الجنائي أنه في أكتوبر 1999 يوجد في أوزبيكستان وحدها 15 ألف عضو، أنا أعتقد أن هذا العدد قد تضاعف مرتين أو أكثر خلال نصف عام، واستمر هذا النمو في العدد خلال الأشهر التالية. في البداية تشكلت مجموعات في غرب أوزبيكستان بسرعة حيث يوجد مستوىً متدنٍّ من العمل السياسي الإسلامي، وأنا أعتقد أنه يمكن الحديث الآن بشكل أكيد عن 20 ألف عضو ـ على الأقل ـ لحزب التحرير وأن عدد الملتحقين بصفوف الحزب يفوق عدد الذين تنجح الحكومة في اعتقالهم.
تنجيز جوبافا: فيتالي، أعتقد أن النشرات وحرب النشرات هذه ليست الشكل الوحيد على الوجود الذاتي لهذا الحزب، على ماذا تحتوي هذه النشرات وإلى ماذا تدعو؟ فماذا يوجد في نشرات حزب التحرير؟
فيتالي بونوماريف: نسبة لا بأس بها من هذه النشرات تعتبر ترجمةً لنشرات صادرة في الشرق الأوسط، والتي لا تتعلق بأوزبيكستان بشكل مباشر.
تنجيز جوبافا: بأي لغات توجد هذه النشرات في أوزبيكستان؟
فيتالي بونوماريف: داخل أوزبيكستان بالأوزبكية، وفي الخريف الماضي بدأت تصدر بالقيرغيزية، ويقولون إنه توجد نشرات بالطاجكية ولكني لم أرها، ولا توجد بلغة كازان نشرات حتى الآن، بل توجد ترجمة لبعض المواد، ولكن النشرات لا تذيل حتى الآن بحزب التحرير ـ كازاخستان.
تنجيز جوبافا: وبالروسية؟
فيتالي بونوماريف: بعض النشرات ومن ضمنها ما يصدر في أوزبيكستان وقيرغيزية وغيرها تترجم إلى الروسية، وأنا لم أسمع بحزب التحرير الروسي حتى يصدر نشرات خاصة به. وتنتشر في بعض المناطق صيغة مختصرة عبارة عن شعار قصير.
تنجيز جوبافا: وما هذا الشعار؟
فيتالي بونوماريف: لنقل انتخاب حاكم، فهم يكتبون أن مشاركة المسلم في انتخاب حاكم غير مسلم حرام، وكذلك النشرات، فهي كالعادة مكونة من 2ـ4 صفحات مكتوبة بخط كمبيوتري صغير، حيث يتم تعداد أعمال الاضطهاد التي تمارسها قوات الأمن الأوزبيكية، وتعلق بأن هذا “لن يحطم عزيمتنا”، وكالعادة تتوسع الحركة.
تصدر نشرات حول كل حادثة تصفية جسدية، فعندما يتم اعتقال عضو في حزب التحرير، يعذبونه في الشرطة حتى الموت، ثم يسلمون جثته إلى أقاربه، فتصدر نشرة حول ممارسات أجهزة الأمن، حيث يتم فيها وصف أساليب التعذيب التي يتعرض لها أعضاء حزب التحرير…الخ.
تنجيز جوبافا: يعني أن النشرات تحمل صيغة إخبارية؟
فيتالي بونوماريف: نعم، ولا بد من القول إن حزب التحرير يغطي فراغاً كبيراً، الفراغ السياسي الكبير الذي وجد أو الموجود واقعيا في آسيا الوسطى وخصوصاً في أوزبيكستان.
يبدو أن الأمر تم كالتالي: المنهج العلماني الذي يتخذه كريموف بقوة لم يكن سهلاً. النهج الإسلامي لم يتم تنظيمه، أي الوهابيين، والذين لا يجوز وصفهم بأنهم حزب سياسي أو حركة سياسية. هم عبارة عن مجموعات محددة تعرضت للملاحقة بسبب مواقفهم الدينية، وبشكل عام فإنه منذ 10 سنوات وُجِدت في أوزبيكستان الحاجة لحزب سياسي إسلامي ما ولكن الحكومة في ذلك الوقت لم تسمح بذلك والذي كان يمكن عمله حتى بداية التسعينيات، وقد أدى ذلك إلى أن يصبح حزب التحرير الحزب الإسلامي الوحيد الجاد في داخل البلد، أنا الآن لا أتكلم عن “الجماعة الإسلامية الأوزبيكية” لأنها تكونت خارج أوزبيكستان، وبدأت الآن تشكل نفسها داخل أوزبيكستان، لكن داخل البلد لم توجد حركة إسلامية سياسية جادة يمكن اللجوء إليها والانتماء لها، خصوصاً وأنه حصل تحول داخل المجتمع الأوزبيكي باتجاه الإسلام وأصبحت هناك حاجة في ظهور قوة إسلامية سياسية.
تنجيز جوبافا: وعلى الرغم من ذلك فلا بد من الإشارة إلى أن هذا الفراغ سدته حركة سرية، ألا يعتبر ذلك…؟
فيتالي بونوماريف: لا يمكن لأي حزب سياسي إسلامي الظهور الآن في أوزبيكستان إلا سراً. وغير ذلك فإن نشاطات حزب التحرير تتم بشكل علني، فإذا ألقت الشرطة القبض على عضو حزب التحرير فإنه يتوجب عليه أن يقول: “نعم أنا عضو في هذا الحزب وأعمل على إقامة الدولة الإسلامية”…الخ، وهناك عشرات المرات حين خرج المئات من أعضاء حزب التحرير إلى الشوارع وقاموا بتوزيع النشرات على الملأ وأمام أعين الناس، قسم منهم تم اعتقالهم أثناء ذلك. أريد القول على الناس وعلى أولئك الذين يحقدون على الدولة ويبحثون عن جهة يرتبطون بها، أقول هاكم هذا العمل، فهم يقومون بتأثير نفسي قوي، فمنذ وقت ليس ببعيد، في 20 أبريل وفي مدينة كاراسو في جنوب قيرغيزستان نظم حزب التحرير مناظرة مع المفتي والحكومة، دعوا ممثلي الصحافة، وقالوا: “عندنا 10 أسئلة موجهة لمسؤولي الإدارة الدينية الرسمية، فإذا أقنعونا بالإجابة ولو على 3 منها بأننا على خطأ، سنترك حزب التحرير” والحكومة خشيت من القدوم إلى هذه المناظرة.
تنجيز جوبافا: إذن الحكومة خشيت من المجيء لهذ المناظرة، وانتصر حزب التحرير فيها؟
فيتالي بونوماريف: نعم، وأعضاء حزب التحرير قالوا إنهم مستعدون الآن للانصراف ولكن لابد من قراءة نشرة حيث قالوا: “أنتم لم تحضروا ولكننا مستعدون أن نلتقي معكم وفقاً لشروطكم في أي مكان عام وبحضور الصحافة وأمام الناس “ولكن الصحافة لم تلق الضوء الكافي على ذلك الحدث الذي يُذكر في الجنوب على أنه انتصار نفسي ضخم لحزب التحرير، لأنهم يتهمون أعضاء الحزب بأنهم يعملون سراً وفي الظلام، والحقيقة أن الذين يتهمونهم بذلك يخافون النقاش المفتوح. والآن أحد الحاقدين على حزب التحرير في جنوب قيرغيزستان وهو علاء الدين منصور المشهور كعالِم إسلامي ترجم القرآن إلى عدة لغات، قام بإصدار نشرة خاصة ضد حزب التحرير حيث وردت العبارات التالية “حزب التحرير إيدز حيث لا علاج له، والوسيلة الوحيدة لعدم الإصابة به هو عدم الاختلاط بأعضائه”.
تنجيز جوبافا: الدعاة في حزب التحرير يصفون الرئيس الأوزبيكي إسلام كريموف بأنه “يهودي كافر”، ماذا يعني ذلك؟
فيتالي بونوماريف: الكافر هو غير المؤمن. ظهر مصطلح كافر لأول مرة في أبريل 1999في نشرة ورد فيها “لماذا يستخدم كريموف نظاماً قاسياً واضطهادياً ضد المسلمين؟” لأن الأمة الإسلامية لم تقم بأعمال من شأنها أن تفضح الممارسات الوحشية للنظام، وبشكل عام فإن وعي المجتمع الأوزبيكي دائماً يطرح هذا السؤال: لماذا؟” ماذا فعلنا نحن المسلمين… علام…؟
وكان هذا المدخل عبارة عن أحد خيارات الإجابة على السؤال، أريد القول بأن هذا ليس خاصاً بحزب التحرير، أنا تكلمت مع متسلق من أكرانيا والذي كان معتقلاً عند ثوار الجماعة الإسلامية الأوزبيكية لعدة أيام، وعندما سألته عن ماذا تكلموا فيما بينهم، قال سألوني عن الأخبار السياسية في روسيا وأكرانيا، فقلت أنا أسأل بماذا حدثوك؟ قال أن 80٪ من الوقت حدثوه عن أن “كريموف عميل للصهيونية العالمية”، ولهذا هو يتبع سياسة الاضطهاد. هذا نفس المعنى الذي نال وسط المسلمين شهرة كبيرة.
تنجيز جوبافا: مفهوم، معنى واحد، عدم الثقة بسبب العداء للصهيونية في القرن الماضي، وفي أوقات أخرى متقدمة كما نعلم كان ملجأ لهذه القوى الشريرة على الأرض، فإلى أي حد يعتبر حزب التحرير معادياً للصهيونية؟
فيتالي بونوماريف: أنا لم أطلع على تلك النصوص التي تتكلم بإسهاب عن النظرة للصهيونية، بإستثناء تلك العبارات عن كريموف.
حزب التحرير ظهر في الشرق الأوسط في وسط إسلامي حيث ينتشر العداء للصهيونية، أنا لا أستثني أن هناك بعض المواد المنشورة التي لم أرها وهي لمؤلفين من الشرق الأوسط فيها بعض الشيء عن هذا الموضوع.
تنجيز جوبافا: بالنسبة لما يتعلق بالعالم العربي فإن مفهوم العداء للصهيونية على أعلى مستوى من الغرابة، بسبب وجود العرب والصهاينة، ولكن لنحاول الإجابة على هذا السؤال الذي يطرحه المسلمون الأوزبيك: لماذا يدوس كريموف بكل حماس وقسوة وبدون رحمة المسلمين الملتزمين؟ كيف ستجيبون عن سبب ذلك؟ لماذا لا يستخدم النموذج الطاجيكي، والذي يشرك المسلمين في الحكم وبذلك يتم احتواؤهم، ومن ثم ستختفي الأصولية؟
فيتالي بونوماريف: أنا أعتقد أن عند كريموف خوفاً أمام الإسلام لا يسيطر عليه منذ أحداث ديسمبر 1999 في نمنغان والتي لم يستطع حتى الآن أن ينهيها، والتي تعتبر توجهاً محدداً عندما يدور الحديث حول الإجراءات المتخذة ضد الجماعات الإسلامية الأوزبكية.
تنجيز جوبافا: بناءً على ذلك فإن خطر حزب التحرير لا يزال موجوداً في عقول الأنظمة المريضة، وكذلك اضطهاد الأنظمة لأعضائه، وللأسف.
وبالنظر إلى أعداد المعتقلين التحريريين في أوزبيكستان هل يوجد مثل هذا في باقي جمهوريات آسيا الوسطى؟
فيتالي بونوماريف: حسب تقديراتنا يوجد الآن في أوزبيكستان 7.5 ألف معتقل بتهمة “التطاول على النظام الدستوري” وذلك خلال العامين والنصف الماضية، أكثر من نصفهم أعضاء في حزب التحرير، أما بالنسبة لباقي الجمهوريات فإن بضعة عشرات على الأقل في بداية هذا العام قد تم اعتقالهم في طاجكستان والآن توجد حملة جديدة، أما بالنسبة لقيرغيزستان فإنه تم في العام الماضي اعتقال عدة عشرات، والآن كلهم باستثناء واحد أو اثنين قد أفرج عنهم، وفي كازاخستان كانت هناك اعتقالات مرة واحدة حيث تم إلقاء القبض على شخص واحد وجدوا عنده أسلحة، ويبدو أن الأمر غير مرتبط بانتماءاته الحزبية وإنما بسبب الجنائية.
تنجيز جوبافا: كيف ينظرون في روسيا إلى تعقب حزب التحرير؟ وإذا وجد في روسيا أعضاء هذا الحزب فكيف ستتعامل الحكومة معهم؟
فيتالي بونوماريف: في روسيا وطيلة هذا الوقت لم تكن هناك أي إجراءات من قبل قوات الأمن ضد حزب التحرير، لأنه لم تصدر من جهتهم أي مخالفة قانونية. في مايو كان أول حادث عندما تم في موسكو وبيرم اعتقال مواطنين أوزبيكيين من أعضاء حزب التحرير ورفعت مسألة تسليمهم لأوزبيكستان، على ضوء ذلك عقدت عدة منظمات لحقوق الإنسان في 20 يونيو مؤتمراً صحفياً خاصاً حيث قالوا إن هذا يعد سابقة خطيرة، لأن مسألة تسليم أشخاص مرتبطين بالعمل المسلح أو متورطين بأعمال إرهابية، مسألة تختلف عن مسألة تسليم أشخاص في روسيا فقط بسبب أنهم ينتمون لحزب ينتقد إسلام كريموف، وعلى فكرة فإن الكثيرين من أعضاء حزب التحرير الآن يُحكم عليهم بمدد طويلة ليس بسبب قيامهم بأعمال محددة بل بسبب اعترافهم بالانتماء لحزب التحرير، وهذا يصنف تحت “مجموعة المنظمات الإجرامية”.
نحن نعتبر أن سبب تسليمهم من قبل روسيا إلى أوزبيكستان لم يستند إلى مرجعية كافية، وكذلك تسليم إمام مسجد الإشيمية حاجايف في العام الماضي والذي يعيش في روسيا منذ العام 96 والمتهم بالتطاول على النظام الدستوري .
2002-01-19