مع القرآن الكريم
(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)
هاتان آيتان في الصلاة أنزلهما الله خلال آيات الزواج والإيلاء والطلاق والخلع والأولاد والاسترضاع … ومما يستفاد من نزولها خلال خضم هذه الأحداث:
أولاً: أن لا ينسى المرء المحافظة على الصلاة خلال الأحداث التي تمر معه في حياته مع الزوجة والأولاد، فلا تنسيه مشاكله عماد دينه، الصلاة لله الواحد الأحد فهي ركن للإسلام عظيم.
والثاني: إنَّ الاهتمام بالصلاة والفزوع إليها أمر مهم في الإسلام وبخاصة عندما تتعاظم المشاكل والأحداث، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يفزع إلى الصلاة كلما أهمه أمر فضلاً عن أن الصلاة تقرب الإنسان من ربه وتقوي دافع التقوى عنده فيتقي الله ربه عند تعامله مع الزوجة والأولاد فيضفي على المعاملات تحرياً للحق ووقوفاً عنده في النكاح والطلاق والأولاد فيبتعد عن الظلم والإضرار بالآخرين.
الثالث: أن يتذكر المرء دائماً أن هذا الإسلام العظيم لا يفصل بين الدين والسياسة، لا يفصل بين العبادات والمعاملات أو ما يسمونه بالأحوال الشخصية أو الجهاد وبيعة الخليفة وغير ذلك، فلا فرق بين حكم وحكم ولا بين واجب وواجب، فالذي بيّن أحكام الزواج والطلاق والاسترضاع هو الذي بيّن أحكام الصلاة أو الجهاد أو الزكاة فكلها من عند الله لا يصح فصلها عن بعض ولا الإيمان ببعض دون بعض (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) البقرة/آية85-86.
ويبين الله سبحانه في هذه الآيات ما يلي:
-
يأمر الله بالمحافظة على الصلوات ويخص منها الصلاة الوسطى، ويأمرنا كذلك بأن نؤدي الصلاة خاشعين لا نتكلم فيها ما ليس منها.
(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) أي أدوها في أوقاتها بأركانها وأحكامها. أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، واللفظ للبخاري، قال: «سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قلتُ يا رسول الله: أي العـمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلتُ: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلتُ ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فسكتُّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو استزدتُه لزادني».
(وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) ذكرت عدة روايات عما هي الصلاة الوسطى، فقد قيل الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء وغيرها، وبالبحث فيها يتبين أنه لم يرد أحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا في صلاة العصر وصلاة الظهر أما غير هاتين الصلاتين فوردت عنها روايات موقوفة على الصحابة – رضوان الله عليهم – وقول الصحابي رأي له وليس دليلاً شرعياً، ولذلك سنترك بحثها.
ونستعرض الآن الأدلة الشرعية الواردة في العصر وتلك الواردة في الظهر لنرى الرأي الراجح في الصلاة الوسطى.
أولاً: أخرج مسلم من حديث علي – كرم الله وجهه -: «أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله تعالى بيوتهم ناراً» (مسلم).
وأخرج الترمذي عن سمرة: «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن الصلاة الوسطى فقال: هي العصر» (الترمذي وقال حديث حسن صحيح).
ثانياً: أخرج أحمد وأبو داوود بسند جيد عن زيد بن ثابت قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي الظهر بالهاجرة ولم تكن صلاة أشد على الصحابة منها فنزلت (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)» (أحمد وأبو داود).
وبدراسة هذه الأدلة يتبين أن المجموعة الأولى من الأحاديث صريحة في تسمية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وفي المجموعة الثانية أن الصحابي يذكر أن سبب نزول الآية بخصوص صلاة الظهر.
والمجموعة الأولى أقوى في الدلالة على الموضوع لأنها نص صريح فيه فترجح على الثانية.
صحيح أن سبب النزول أرجح في تعيين المطلوب لو كانت الأحاديث الأولى محتملة لكنها نصّ صريح في المسألة، ولذلك فالراجح أنها صلاة العصر. وقد وردت فيها أحاديث تؤكد فضلها.
فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» (مسلم والنسائي وأحمد). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» (البخاري، النسائي، ابن ماجه).
بذلك تكون في الآية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) ذكر الخاص بعد العام، فقد أمر الله سبحانه بالمحافظة على الصلوات وخصّ منها الصلاة الوسطى لحكمة يعلمها سبحانه.
(وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) أي خاشعين بدون كلام من غير الصلاة. أخرج البخاري ومسلم عن زيد بن أرقم قال: «كنا نتكلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» (البخاري ومسلم).
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: “أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما قضى الصلاة قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن نقوم لله قانتين لا نتكلم في الصلاة» (تفسير الطبري، الدر المنثور، النسائي).
-
وفي الآية الثانية يبين الله سبحانه كيفية الصلاة في شدة الخوف، فإن الله سبحانه يبين هيئة الصلاة في ثلاث حالات: