فلسطين للمسلمين بالفتح العمري وبطلان نظرية «الحق التاريخي»
2010/09/17م
المقالات
3,204 زيارة
فلسطين للمسلمين بالفتح العمري وبطلان نظرية «الحق التاريخي»
شاهر محمد – فلسطين
مقدمة:
إن الإنسان الذي يحمل عقيدة راسخة، وينضبط بمفاهيم تحدّد سلوكه هو الإنسان المبدئي الذي تكون أعماله وأفعاله تدور في دائرة المبادأة بالفعل بناءً على مفاهيمه، ولا تدور أفعاله في دائرة ردود الفعل؛ وذلك لوضوح طريقه، وثبات فكره، ورؤيته لغايته.
وأما من خبت ناره، فهو يدور في دائرة ردود الفعل، فليس له فعل يبتدئ به، وإنّما له رد فعل على فعل قد فعله غيره. وهذا ما تعاني منه الأمة الإسلامية اليوم، فالمسلمون اليوم بشكل عام لا يقومون بالفعل ابتداءً وإنما بردود أفعال لا ترقى إلى مستوى الفعل، ولا تنبع من وجهة نظر معينة، وإنما كل رد فعل بناء على الفعل المقابل.
ونحن كمسلمين مارس الكافر المستعمر وصنائعه ضدنا هذه العملية، فلا توجد أمة سهلة الامتطاء -في هذا الزمان- كأمتنا، فمن أراد أن يختبر سلاحاً ففينا، ومن أراد أن يستعرض قوته ففينا… فنحن حقل تجارب للجميع.
وانتصر الكافر المستعمر وصنائعه من حكام المسلمين، حتى أصبح تسهيل الأمور الصعبة طريقاً ومنهجاً ومفهوماً، وعدم الاكتراث واللامبالاة قواعد وضوابط تضبط الأفعال وردود الأفعال… فلم يتحرك المسلمون عندما سقطت فلسطين سنة 1948م وشرّد شعبها المسلم، بل حزنوا فقط من باب الشفقة والعطف وقالوا: يا حرام. وعندما هزم العرب سنة 1967م، مرت الهزيمة وسميت بالنكسة ولم يتحرك للمسلمين ساكن، وذبح المسلمون في العراق وإيران والشيشان والبوسنة والهرسك على مدار سنوات ولم يتحرك للمسلمين ساكن، وذُبح المسلمون في أفغانستان ولم يتحرك للمسلمين ساكن، فأين المفاهيم التي تحدد سلوكنا كمسلمين في الأفعال وفي ردود الأفعال؟ فليست قاعدة (خذ وطالب) من مفاهيمنا، وليست قاعدة (الدين لله والوطن للجميع) من قواعدنا ولا من مفاهيمنا.
لذلك فإن تحديد المواقف وضبط السلوك حسب المبدأ الذي نعتقده في كل أمر واجب.
إن مفهوم الحق التاريخي عند المسلمين والذي سنتناوله في هذا البحث، ظهر عند يهود أولاً، ثم ظهر عند المسلمين كردة فعل، ولا ينبغي للمسلمين المطالبة بفلسطين بناء على الحق التاريخي. وإن المبرر وراء كتابة هذا البحث بالذات؛ هو ذلك الانسياق والانشغال من عدد من العلماء والمفكرين بالرد على هذه المقولة، وما بذلوه من الوقت والجهد في سبيل إبطال دعوى اليهود بحقهم التاريخي في فلسطين، وإثبات عروبة فلسطين، وحق الفلسطينيين التاريخي فيها.
وسنحاول إلقاء الضوء على هذا الموضوع لبيان ما يتعلق به من خلال محاولة الإجابة على الأسئلة التالية:
ما المقصود بالحق التاريخي؟
متى ظهر هذا المفهوم؟
ما خطورة استعمال مفهوم الحق التاريخي؟ ولماذا نرفض فكرة الحق التاريخي؟
ما أحكام الأرض المفتوحة في الإسلام وكيف تصبح إسلامية؟
كيف فتحت فلسطين؟ وما حكمها؟
ما مكانة فلسطين في الدين الإسلامي؟
هل يحق لنا المطالبة بفلسطين بناء على الحق التاريخي؟
كيف تحرر فلسطين من وجهة نظر الإسلام؟
كيف تستطيع الخلافة أن تحرر فلسطين؟
المقصود بالحق التاريخي عند اليهود:
هو ذلك الحق الذي يدعيه اليهود في الأرض الموعودة -فلسطين-، حيث يزعمون أن فلسطين هي أرضهم التاريخية، وأن تاريخهم وتراثهم قد ارتبط بها، وأنهم الأصل في هذه البلاد، وأن غيرهم ليسوا من أبنائها وإنما عابرو سبيل, ويشيرون إلى فترات حكم داود وسليمان عليهما السلام.
و لقد قامت دولة (إسرائيل) على مجموعة من الأساطير، منها الادعاءات التاريخية، وأخذ اليهود يزيفون التاريخ، ويزعمون أنّ لهم حقاً تاريخياً في أرض فلسطين، وبهذا الحق يملكون شرعية العودة إليها، وإقامة دولة لهم فيها، وتمّ تجميع كثير من يهود العالم في هذه الأرض بناءً على ذلك.
وتعد فكرة الحق التاريخي في فلسطين، من أهم الذرائع التي تقوم عليها الحركة الصهيونية، والتي ملئت بها أدمغة يهود العالم، ويزعم اليهود أنهم أصحاب الأرض المقدسة، لأن أجدادهم وآباءهم مكثوا فيها فترة زمنية في التاريخ القديم، وأقاموا فيها مملكة داود وابنه سليمان عليهما السلام، ثم مملكة يهوذا في جنوب فلسطين، ومملكة إسرائيل في شمالها، وذلك منذ ثلاثة آلاف عام.
لقد دأب قادة (إسرائيل) السياسيون والدينيون على القول: إن أرض فلسطين المباركة، هي أرض (إسرائيل) التاريخية التي عاش فيها أجدادهم وآباؤهم العبرانيون و(الإسرائيليون)، وإن هذه الأرض ليست لشعب من الشعوب سواهم، لذا فهم أصحابها الشرعيون، وأن العرب الفلسطينيين أغراب عنها، وعليهم أن يرحلوا عنها إلى بلاد أخرى.
والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو عن ظهور هذا المفهوم، هل وجوده مرتبط بوجود اليهودية أم هو مصطلح حديث؟ والإجابة على هذا السؤال هو موضوعنا القادم بإذن الله.
ظهور مصطلح الحق التاريخي عند اليهود:
إن المدقق للوقائع التاريخية، يلاحظ أن مفهوم الحق التاريخي عند اليهود لم يظهر إلا حديثاً، والذي يؤكد ذلك، أن بداية فكرة توطين اليهود في فلسطين لم تكن فكرة يهودية ابتداءً، ولم يكونوا يفكرون بها؛ بل كانت فكرة صهيونية مسيحية بروتستانتية؛ وذلك لأن الفكر المسيحي الصهيوني يستند إلى عقيدة عودة المسيح المخلص في آخر الأيام ليحكم العالم لمدة ألف عام يسود فيها العدل والسلام، ويرى معتقدو هذا الفكر, أنه لن يتحقق الخلاص، ولن يتم إلا بعودة اليهود إلى فلسطين، وقد تمكن الصهاينة المسيحيون من تحويل فكرة الاسترجاع أو العودة إلى فكرة سياسة استيطانية يعود فيها اليهود إلى فلسطين، وكان قيام حركة الإصلاح الديني علي يد «مارتن لوثر وجون كالفن» والتي لا ينتمي أصحابها إلى الكنيسة الكاثوليكية أو إلى الكنائس الشرقية، أصبحت العودة إلى التوراة أساساً لهذه الحركة الإصلاحية التي هي في جوهرها حركة تحريرية.
ومع انبعاث التاريخ القديم في التوراة في المدارس المسيحية، تحولت فلسطين في الضمير البروتستانتي من الأرض المقدسة للمسيحيين إلى أرض الشعب المختار.وقد أدى ظهور حركة»البيوريتانية» أوحركة التطهر في بريطانيا في القرنين السادس عشر والسابع عشر إلى المزيد من الالتصاق باليهود، وتحويل المبادئ الدينية إلى مبادئ سياسية وأهمها فكرة عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين.
لقد حمل القرن التاسع عشر الميلادي تطوراً بارزاً في طبيعة حركة العودة، حيث أصبحت فكرة العودة ركناً أساسياً في العقيدة البروتستانتية، وتشابهت الدعوات وكثرت، من رواد الفكر والصحافة والفنون، ومن المستكشفين والجغرافيين والسياسيين والعلماء، نعم لقد حملت المسيحية البروتستانتية رأي عودة اليهود قبل أن يحملها اليهـود أنفسهـم.
وظل اليهود طيلة قرن تقريباً لا يعرفون بالضبط ماذا يريدون، أدولة أم كياناً سياسياً مستقلاً، أم مجرد أرض وأي أرض؟ وهل هذه الأرض فلسطين أم الأرجنتين أم أوغندا أم قبرص، وكان هيرتزل حامل اللواء لهذه المشاريع قبل فلسطين، ولكن لم يتجاوب اليهود في العالم مع هيرتزل، فبدأ يغير خطته، ووجد أن الشيء الذي يمكن أن يلهب العواطف ويجمع اليهود في العالم معه هو قضية فلسطين، فبدأ يركز على فلسطين واقترح حكاية أرض الميعاد، وهذا يؤكد أن هرتزل كان في مساوماته مع القُوى الاستعماريَّة المختلفة للحصول على مُستعمرة يهوديَّة في أيِّ مكان – يشير بداهة إلى أن الحق التاريخي في فلسطين لم يكُن سوى شعار حاشد لمشروع استعماري مَحض، وبناء عليه؛ فإنَّ المشروع الصِّهيوني كان في جذوره وبيئته الأساسيَّة مشروعاً حديثاً وغربيّاً، قبل أن يكون مشروعًا يهوديًّا؛ بل لولا جذوره الأوروبيَّة المسيحيَّة الصهيونية البروتستانتية لطغت ورجحت فكرة الاندماج في المجتمعات الأوروبية والتي كانت مطروحة وبقوة.
وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذا المفهوم لم يظهر إلا بعدما حملت المسيحية البروتستانتية رأي عودة اليهود وأقنعت بها اليهود، وبعدما استقر الرأي عندهم على فلسطين لتكون هي الوطن القومي لليهود.
المقصود بالحـق التاريخي عند العرب أو أهل فلسطين، ومتى ظهر؟
إن فكرة الحق التاريخي في فلسطين، لم تظهر إلا بعدما استقر رأي اليهود باتخاذ فلسطين وطناً لهم، وبادروا بالحديث عن هذا الموضوع, وحقهم التاريخي في فلسطين، وأنها أرض الآباء والأجداد وأرض الميعاد، عندها ظهر هذا المفهوم كردّات فعل عند المسلمين على مقولة اليهود هذه، وصاروا ينادون بالحق التاريخي للعرب في فلسطين، وأنه لا حق لليهود في القدس ولا في فلسطين, وقالوا: إنَّ القدس عربية، لأن الذي بنى القدس هم اليبوسيون، وهم العرب القدامى الذين نزحوا من شبه الجزيرة العربية مع الكنعانيين، وسكنوها إلى أن جاء إبراهيم عليه السلام مهاجراً من وطنه الأصلي بالعراق غريباً، ووُلد له إسحاق عليه السلام الذي وُلد له يعقوب عليه السلام الذي ارتحل بذريته إلى مصر (معنى هذا أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام دخلوا غرباء إلى فلسطين وخرجوا غرباء لم يمتلكوا فيها شيئاً).
كذلك مات موسى عليه السلام، ولم يدخل أرض فلسطين، وإنما دخل شرق الأردن، والذي دخلها بعده يشوع (يوشع)، وبقي فيها حتى الغزو البابلي الذي سحقها سحقاً ودمَّر أورشليم وأحرق التوراة. «فلو جمعت كل السنوات التي عاشوها -أي اليهود- في فلسطين غزاة مخربين ما بلغت المدة التي قضاها الإنجليز في الهند أو الهولنديون في إندونيسيا».
وأكدوا ردهم هذا بأدلة تاريخية فقالوا: إن أكبر رقعة استطاع الكيان الصهيوني السيطرة عليها، في أي وقت من الأوقات لم تكن في العصور القديمة، وإنما في العصر الحديث فقط، عند احتلاله مجمل أرض فلسطين ومرتفعات الجولان وجنوبي لبنان وأرض سيناء وكان ذلك للمرة الأولى عام 1967م.
ومن هنا ظهر هذا المصطلح عند المسلمين وبدأ البحث لإبطال دعوى اليهود، وإثبات دعوى الحق التاريخي للعرب في فلسطين.ويكون بذلك قد وقع المسلمون بالشَّرك الذي نصب لهم من قبل الكافر المستعمر.وقد قام العديد من العلماء والمفكرين بالانشغال بالرد على هذه المقولة، وبذلوا الكثير من الوقت والجهد في سبيل إبطال دعوى اليهود، وإثبات عروبة فلسطين.
ومنهم على سبيل المثال لا الحصر د.يوسف القرضاوي في كتابه: «القدس قضية كل مسلم»، ومنهم يوسف حداد في كتابه: «هل لليهود حق ديني أو تاريخي في فلسطين؟»، وبيان نويهض الحوت في كتابه: «فلسطين: القضية. الشعب. الحضارة»، وصالح الرقب في كتابه: «ليس لليهود حق ديني أو تاريخي في فلسطين»، وغيرهم ممن لا مجال لذكرهم هنا.
وبعد أن تبين لنا أن ظهور هذا المفهوم عند العرب والمسلمين، كان كردة فعل على قول اليهود وادعائهم، كان لزاماً علينا أن نبين الخطورة الكامنة وراء استعمال هذا المفهوم وترديده.
خطورة استعمال مفهوم الحق التاريخي:
تأتي خطورة المطالبة بفلسطين بناء على الحق التاريخي من عدة أوجه:
أولاً: إن فكرة الحق التاريخي واحدةٌ من سلسلة المؤامرات على بلاد المسلمين، حيث إن معناها وواقعها، إثبات من الذي سكن هذه الأرض قبل الآخر، فإن ثبت أن اليهود سكنوها قبلنا فمعنى ذلك أن الأرض ملكٌ لهم، وإن ثبت أن النصارى سكنوها قبل غيرهم فهم إذن أحق بها وهكذا.
ثانياً: يبرز خطر هذه الفكرة في إثبات الأرض أنهم يبحثون عن حق الفلسطينيين التاريخي في القدس والخليل ونابلس ولا يبحثونه في تل الربيع وعسقلان عروس الشام وصفد وعكا وحيفا واللد والرملة ويافا ودير ياسين والولجة ولفتة وسائر مدن فلسطين وقراها. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل قطعاً على أن الفكرة استعمارية خبيثة توضع حيث يريدها الاستعمار.
ثالثاً: إن فكرة الحق التاريخي في تحرير واسترداد البلاد, فكرة باطلة ليس عليها دليل من الشرع يجيزها لا في الكتاب ولا في السنة ولا في إجماع الصحابة، فوق كونها تخالف الطريقة الشرعية في تحرير المغتصب من بلاد المسلمين وطرد الغاصب.
رابعاً: إن فكرة الحق التاريخي, تصطدم مع كثير من الأحكام والأمور التي سار عليها المسلمون جيلاً بعد جيل منذ القرون الأولى للإسلام.
– ومن هذه الأحكام أن فكرة الحق التاريخي لا تعطي بلالاً الحبشي وصهيباً الرومي وسلمان الفارسي وأبناءهم الحق في فلسطين، لأنهم ليسوا من أصل عربي أو كنعاني، وهذا مناقض لأحكام الإسلام القاضية بأن العالم الإسلامي كله موطن لكل المسلمين أياً كان لونهم وجنسهم، فلا وطنية ولا قومية في الإسلام.
– ومنها عدم المطالبة باسترداد الأندلس التي فتحها المسلمون ووطئوها قروناً وحكموا أهلها بالإسلام، وعدم المطالبة كذلك باليونان وقبرص وصقلية من المدن والبلاد التي فتحها المسلمون وطردهم الكفار منها لمجرد أن المسلمين ليسوا أول من سكنها، وهذا مخالف لفرضية استرجاع كل أرض إسلامية غصبها الكفار.
– ومنها أن فكرة الحق التاريخي تعني إعطاء خيبر في البلاد الحجازية لليهود؛ لأن الحق التاريخي فيها لهم قبل المسلمين، ولا حق للمسلمين في إسطنبول -القسطنطينية- لأن المسلمين لم يكونوا أول من سكنوها، عن أَبي قَبِيلٍ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي وَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَدَعَا عَبْدُ اللهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ، قَالَ: فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ» (مسند أحمد وصححه الألباني).
لذلك فإن ما يذاع ويشاع عن الحق التاريخي في فلسطين للفلسطينيين خاصة، وللعرب والمسلمين عامة، حتى يثبتوا لليهود بأننا أصحاب حق في فلسطين، ما هو إلا خرافةٌ وأُلهية اخترعها الاستعمار لإبعاد المسلمين في فلسطين وفي غيرها عن التفكير في حقهم المبدئي فيها المبني على أساس العقيدة الإسلامية، وقبل الحديث عن إسلامية فلسطين، وكيف أصبحت ملكيتها للمسلمين جميعاً، علينا أن نعرف أحكام الأرض المفتوحة في الإسلام، وأين تقع أرض فلسطين من هذه الأحكام.
أحكام الأرض المفتوحة في الإسلام:
إن كل بلد فتحها المسلمون وحكموها، تصبح إسلامية وتبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فلو لم يبق عليها مسلم واحد تبقى إسلامية بحكم الفتح، سواء أكانت عشرية أسلم عليها أهلها، أم كانت خراجية فتحت عنوة أو صولح عليها أهلها، فقد جاء في كتاب الأموال لأبي عبيد بن سلام قوله «وجدنا الآثار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم ملك أيمانهم وهي أرض العشر، وأرض افتتحت صلحاً على خراج معلوم, وأرض أخذت عَنْوةً”.
ثم سرد الأخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن ذلك فتحه (صلى الله عليه وآله وسلم) لخيبر عنوة وتقسيمها بين المسلمين. ومنها: ما قاله الزبير بن العوام لعمرو بن العاص لما فتحت مصر: أقسمها كما قسم رسول الله خيبر. ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا وَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» (صحيح مسلم).
وجاء في كتاب الخراج لأبي يوسف في بيان أحكام الأرض المفتوحة وأنها على نوعين عشرية وخراجية ما نصه: «قال أَبو يوسف: وسألتَ يا أمير المؤمنين عن قوم من أهل الحرب أسلموا على أنفسهم وأرضهم ما الحكم فِي ذلك؟
فإن دماءهم حرام وما أسلموا عليه من أموالهم فلهم، وكذلك أرضوهم لهم، وهي أرض عشر بمنزلة المدينة حيث أسلم أهلها مَعَ رَسُوْل اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت أرضهم أرض عشر وكذلك الطائف.
وكذلك أهل البادية إِذَا أسلموا على بلادهم فلهم ما أسلموا عليه وهو فِي أيديهم، وأرضهم أرض عشر لا يخرجون عنها فيما بعد ويتوارثونها ويتبايعونها، وكذلك كل بلاد أسلم عليها أهلها فهي لهم وما فيها. وأيما قوم من أهل الشرك صالحهم الإمام على أن ينزلوا على الحكم والقسط وأن يؤدوا الخراج فهم أهل ذمة، وأرضهم أرض خراج، ويؤخذ منهم ما صولحوا عليه، ويوفى لهم ولا يزاد عليهم.
وأيما أرض افتتحها الإمام عنوة فقسمها بين الذين افتتحوها فإن رأى أن ذلك أفضل فهو فِي سعة من ذلك، وإن لم ير قسمتها ورأى الصلاح فِي إقرارها فِي أيدي أهلها كما فعل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فِي السواد فله ذلك وهي أرض خراج وليس لَهُ أن يأخذها بعد ذلك منهم، وهي ملك لهم يتوارثونها ويتبايعونها ويضع عليهم الخراج، ولا يكلفوا من ذلك ما لا يطيقون.
وجاء في كتاب المغني لابن قدامة المقدسي وهو على فقه الإمام أحمد بن حنبل «إن ما فتحه المسلمون عنوة ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: إن الإمام مخير بين قسمتها على الغانمين، وبين وقفها على جميع المسلمين.
الثانية: إنها تصير وقفاً بنفس الاستيلاء عليها، وعلى ذلك اتفاق الصحابة.
الثالثة: إن الواجب قسمتها».
والفائدة من هذا الاختلاف في الرأي الفقهي أنه لو قامت الجيوش الإسلامية بفتح شيء من البلدان غير الإسلامية فلولي الأمر العمل في ضوء هذه النظريات في المسألة تقليداً أو اجتهاداً.
أما بالنسبة إلى أرض فلسطين حيث هي قضية قديمة، حدث فتحها وحسم الأمر فيها في حينه وعمل فيها الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) باجتهاده وهذا هو موضوعنا التالي في البحث عن فتح فلسطين وحكمها.
فتح فلسطين وحكمها:
كانت فلسطين قبل الفتح الإسلامي تحت حكم الرومان، وفتح المسلمين لها كان عنوة، كان فتحاً عسكرياً أي أن جيوش المسلمين ذهبت إليها، وقاتلت وحاصرت وانتصرت وفتحت، وفي الفقه الإسلامي تُعرّف الأرض المفتوحة عنوة بتلك التي تفتح من قبل الجيش الإسلامي بعد حرب عسكرية بينه وبين أصحابها.
وفلسطين فتحت عن طريق دخول الجيش الإسلامي إليها بقيادة أبي عبيدة (رضي الله عنه)، وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وبعد حرب فعلية بين الجيش الإسلامي وجيش الروم، من أجنادين وانتصار المسلمين فيها، إلى اليرموك وانتصار المسلمين فيها، إلى حصار القدس والذي انتهى بعقد الصلح بين المسلمين وأهل البلاد وكتابة العهدة العمرية، فقد جاء في تاريخ الطبري ما نصه “كان سبب قدوم عمر إلى الشام أن أبا عبيدة حضر بيت المقدس، فطلب أهله منه أن يصالحهم على صلح أهل مدن الشام، وأن يكون المتولي للعقد عمر بن الخطاب، فكتب إليه بذلك فسار عن المدينة”.
ويؤيد ذلك أيضاً ما جاء في كتاب فتوح البلدان للبلاذري: «ثم طلب أهل إيلياء من أبي عبيدة الأمان والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء الجزية والخراج والدخول في ما دخل فيه نظراؤهم على أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه. فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق ثم صار إلى إيلياء فأنفذ صلح أهلها وكتب لهم به».
ومن هنا لابد من معرفة موقف الخليفة عمر بن الخطاب منها بعد فتحها: هل قسمها على الغانمين أو أنه أبقاها وقفاً على المسلمين؟
وبالنسبة إلى كل واحدة من الحالتين ما هو موقفنا نحن المسلمين -الآن- من الناحية الشرعية؟
جاء في «المغني» لابن قدامة المقدسي ما نصه: «ولم نعلم أن شيئاً مما فتح عنوة قسّم بين المسلمين إلا خيبر, فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قسم نصفها فصار ذلك لأهله، لا خراجَ عليه».
وسائر ما فتح عنوة مما فتح في خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ومن بعده، كأرض الشام والعراق ومصر وغيرها لم يقسم منه شيء. وروى أبو عبيد في الأموال: «أن عمر (رضي الله عنه) قدم الجابية فأراد قسمة الأرض بين المسلمين، فقال له معاذ: واللّه إذاً ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها اليوم، صار الريع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة، ثم يأتي بعدهم قوم آخرون، يسدون من الإسلام مسداً وهم لا يجدون شيئاً، فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم، فصار عمر إلى قول معاذ». وقال أبو عبيد أيضاً: «فقد تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين: أما الأول منهما فحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خيبر، وذلك أنه جعلها غنيمة، فخمسها، وقسمها، وبهذا الرأي أشار بلال على عمر في بلاد الشام. وأما الحكم الآخر فحكم عمر في السواد وغيره، وذلك أنه جعله فيئاً موقوفاً على المسلمين ما تناسلوا، ولم يخمسه، وهو الرأي الذي أشار به عليه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ومعاذ بن جبل (رضي الله عنه). قال أبو عبيد: وكلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء».
وهذا يعني -وبوضوح- أن كلمة الفقهاء المسلمين متفقة على أن أرض فلسطين وقفت للمسلمين عامة بفعل عمر، من كان موجوداً منهم عند الفتح الإسلامي لها، ومن سيوجد حتى تقوم الساعة.
مكانة فلسطين في الإسلام:
لقد ارتبطت مكانة فلسطين بقدسية المسجد الأقصى الذي ارتبط بالعقيدة الإسلامية منذ أن كان القبلة الأولى للمسلمين، فهو أولى القبلتين، وثالث الحرمين.
وتوثقت إسلامية المسجد الأقصى وبيت المقدس خاصة وبلاد الشام عامة بحادثة الإسراء والمعراج، قَالَ تَعَالَى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء 1] تلك المعجزة التي اختصت برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما أن أدرك واستوعب المسلمون أهمية هذه المكانة الدينية الرفيعة للمسجد الأقصى وبيت المقدس وعلاقتهما الوثيقة بالعقيدة الإسلامية، حتى بدؤوا بأسلمتهما مادياً وسياسياً. فكان الفتح العمري لبيت المقدس سنة 15 هجرية 636 ميلادية، عندما فتحها الخليفة عمر بن الخطاب صلحاً، وأعطى لأهلها الأمان من خلال وثيقته التي عرفت بالعهدة العمرية.
وهذه جملة من الآيات والأحاديث الواردة في فضائل بيت المقدس وبلاد الشام, تبين فضل وأهمية ومكانة وعلاقة هذه الأماكن بالدين الإسلامي.
فمن خصائص بيت المقدس والشام:
1- أنها أرض القداسة والبركة: فهي لا تذكر في كتاب الله إلا مقرونة بوصف البركة أو القداسة، قال تعالى عن المسجد الأقصى: (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: (يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) [المائدة 21] وقال تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم عليه السلام في هجرته الأولى إلى بيت المقدس وبلاد الشام: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء 71] وقال تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأعراف 137] وفي قصة سليمان عليه السلام يقول سبحانه وتعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأنبياء 81] وعند حديث القرآن عن هناءة ورغد عيش أهل سبأ يقول سبحانه: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً) [سبأ 18] وهي قرى بيت المقدس كما رُوي عن ابن عباس.
2- مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الأقصى: عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: «تذاكرنا -ونحن عند رسول الله- أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أَم بيت المقدس؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن (حبْل) فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً. قال: أو قال: خير له من الدنيا وما فيها» (المستدرك على الصحيحين).
3- دعوة سليمان عليه السلام بالمغفرة لمن صلى في بيت المقدس: فعن عبد الله بن عمرو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلاثاً: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لا يُرِيدُ إِلا الصَّلاةَ فِيهِ إِلا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» (ابن ماجه).
والرجاء المذكور في الحديث متحقق لنبينا بإذن الله، كما استجاب الله لدعوات سليمان عليه السلام. ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر (رضي الله عنهما) يأتي من الحجاز، فيدخل فيصلي فيه, ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء مبالغةً منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها.
4- أنها حاضرة الخلافة الإسلامية في آخر الزمان: عن أبي حوالة الأزدي (رضي الله عنه) قال: «… ثُمَّ وَضَعَ [رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)] يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، أَوْ قَالَ عَلَى هَامَتِي، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلازِلُ وَالْبَلابِلُ وَالأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ» (أبو داود).
5- المسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام: وفي البخاري عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ».
6- قبلة المسلمين الأُولى: كانت القبلة إلى المسجد الأقصى، لمدة ستة عشر أو سبعة عشر شهراً قبل نسخها وتحويلها إلى الكعبة ببلد الله الحرام. أخرج البخاري ومسلم بالسند إلى البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال: «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ».
7- مبارك فيه وما حوله: هو مسجد في أرض باركها الله تعالى، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء:1] قيل: لو لم تكن له فضيلة إلا هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية، لأنه إذا بورك حوله، فالبركة فيه مضاعفة. ومن بركته أن فُضل على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
8- مسرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كان الإسراء من أول مسجد وضع في الأرض إلى ثاني مسجد وضع فيها، فجمع له فضل البيتين وشرفهما، ورؤية القبلتين وفضلهما. أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ…».
9- إليه تشد الرحال: أجمع أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد منها المسجد الأقصى، وتلك المساجد الثلاثة لها الفضل على غيرها من المساجد، فقد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «وَلا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا».
10- الحث على سكناها: زار عدد كبير من الصحابة والعلماء والصالحين بيت المقدس وسكنوا في بلاد الشام، وصلوا في أكنافه، استجابة لدعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله» (الطبراني).
ولقد حرص المسلمون ومنذ الفتح العمري، على شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه ونشر الدعوة الإسلامية، حتى إن الخليفة الفاروق عمر (رضي الله عنه) قام بتكليف بعض الصحابة الذين قدموا معه عند الفتح، بالإقامة في بيت المقدس والعمل بالتعليم في المسجد الأقصى المبارك إلى جانب وظائفهم الإدارية التي أقامهم عليها. فكان من هؤلاء الصحابة عبادة بن الصامت أول قاض في فلسطين، وشداد بن أوس، وتوفي هذان الصحابيان في بيت المقدس ودفنا في مقبرة باب الرحمة. وممن زار بيت المقدس من الصحابة عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وأم المؤمنين صفية بنت حيي زوج رسول الله، ومعاذ بن جبل، وعبدالله بن عمر، وخالد بن الوليد، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وسلمان الفارسي، وعمرو بن العاص، وسعيد بن زيد، وأبو هريرة، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين. وواصل علماء الإسلام من كل حدب وصوب شد الرحال إلى المسجد الأقصى للسكنى والتعليم فيه، فكان منهم الإمام الأوزاعي فقيه أهل الشام، والإمام سفيان الثوري إمام أهل العراق، والإمام الليث بن سعد عالم مصر، والإمام محمد بن إدريس الشافعي أحد الأئمة الأربعة.
11- أرض المحشر والمنشر: في بيت المقدس الأرض التي يحشر إليها العباد، ومنها يكون المنشر، فعن ميمونة (رضي الله عنها) قالت: « قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاةٍ فِي غَيْرِهِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ».
12- نزول عيسى عليه السلام ومقتل الدجال: ففي صحيح مسلم عَن النّوّاس بن سمعان قال: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ… فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ…».
واللد مدينة معروفة في فلسطين، قال النووي فيها نهاية الدجال في بلاد الشام وحول بيت المقدس كما كانت نهايات أكبر أعداء الإسلام من الصليبيين في حطين والتتار في عين جالوت.
هذه بعض النصوص الشرعية التي تبين المكانة التي جعلها الله لبيت المقدس وما جاورها من أرض فلسطين، وما أوردناها إلا استئناساً بها للزيادة في التأكيد على إسلامية هذه الديار، مع أن الأمر حسم بإسلامية هذه الأرض، وبدأ حقنا -كمسلمين- في فلسطين منذ اليوم الأول الذي فتح عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فيه فلسطين، فأصبحت فلسطين إسلامية منذ أن فُتِحَت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في عام 15 هجري. يعني حقنا في فلسطين بدأ قبل 1415 سنة، وعلى المسلمين أن يقاتلوا كل من ينازعهم هذا الحق, حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فلا يجوز من مسلم أن يقلل من شأن القدس وأرض فلسطين والشام عموماً بعد كل هذه الفضائل.
تحرير فلسطين من وجهة نظر الإسلام
بالرجوع إلى الكتاب والسنة واستنباط الحكم الشرعي منهما، نجد أن الطريقة الشرعية التي ارتضاها رب العالمين لاسترداد البلاد المغتصبة هي الجهاد في سبيل الله، ولذلك اصطُلح عند فقهاء المسلمين على مرّ العصور أنه: «إذا هجم العدو أو داهم أو نزل بلاد المسلمين أو اغتصبها أصبح الجهاد فرض عين على المسلمين الأقرب فالأقرب حتى يتحقق طرد ذلك الكافر منها».
وهذا الحكم مأخوذ من قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) [التوبة 123] ومن قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) [الأنفال 15]، ومأخـــوذ من قــوله: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا) [التوبة 41]، ومن قوله: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ) [البقرة 191]، ومن قوله: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة 9] ومأخوذ من مفهوم الرباط في سبيل الله، وأنه لا يكون إلا على ثغور بلاد المسلمين للدفاع عنها ورد الطامع من الكفار فيها وكفى به دليلاً.
ومأخوذ من دفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحبه الكرام لقريش عن المدينة المنورة يوم بدر وأُحد، ومأخوذ من أحكام إغاثة الملهوف والمظلوم، ومأخوذ من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رواه أحمد عن سعيد بن زيد أنه قال «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ…».
فإذا كان هذا في شأن ما اغتصب من بلاد المسلمين عموماً، فكيف إذا كان الحديث عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وما حوله، فهو بلا شك يجب أن يأخذ الأولوية عند الأمة الإسلامية في تحريره واسترداده من مغتصبيه اليهود.
إن قضية فلسطين ليست هي قضية أهل فلسطين أو العرب وحدهم، بل هي في واقعها قضية إسلامية. إنها قضية أرض إسلامية، وقضية مقدسات إسلامية، احتلها اليهود بمؤازرة من الدول الكبرى: بريطانيا وأميركا. فكما عرفنا فلسطين أرض إسلامية، وهي الجزء الجنوبي من بلاد الشام، فتحها المسلمون، وأوقفها عمر بن الخطاب، وهي ملك لجميع المسلمين، وواجب على المسلمين استردادها، وأي تفريط في أي شبر منها هو خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، فالله أوجب على المسلمين الجهاد لاستنقاذ فلسطين من دولة يهود.
وربما يسأل سائل هل يمكن للمسلمين في هذه الأيام أن يقوموا بإعادة فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام؟ والجواب على هذا السؤال هو -نعم- إن بإمكان المسلمين القضاء على كيان يهود، وإعادة كل شبر احتل من أرض الإسلام.
إن بإمكانهم كل ذلك، ومفتاحه إقامة الخلافة الراشدة. فبلاد المسلمين هي بلاد المال والرجال، وفوق هذا وذاك، أرض المبدأ العظيم، الإسلام العظيم، الذي به تحيا الأمم وتُنقذ من الظلم والطغيان.
وبمراجعة التاريخ نرى أن هذا ثابت من خلال مراجعة تاريخ الدعوة الإسلامية حيث نجد أن المسلمين فتحوا الفتوح، وجعلوا أمماً كثيرةً تترك أديانها عن قناعة منها, وتصبح أمةً واحدةً، يجمعها الإسلام، ويحركها الإسلام.
والمسلمون هم من هزم الصليبيين في حطين، بعد أن بنوا ممالك ودولاً في أرضهم، وأخرجوا من بلاد المسلمين.
والمسلمون هم من قهر التتار في عين جالوت، بل وأدخلوا بطوناً منهم في الإسلام، لا زالت بقاياهم في شمال بلاد المسلمين تحمل الإسلام إلى اليوم.
إن (إسرائيل) وأميركا وبريطانيا وأتباعهم، هم من جنس أولئك الغابرين، لم يتحملوا إلا معركةً واحدةً، اندحروا بعدها مهزومين، فقد كانت حطين بداية السقوط للصليبيين، وكانت عين جالوت فاتحة الانهيار للتتار. وهكذا هؤلاء، معركة فاصلة واحدة، تهد بنيانهم وكيانهم، فَمَنْ غيرُ الخلافة يبدأ هذه المعركة؟
إن الخلافة وحدها هي الكفيلة بإزاحة أميركا وبريطانيا عن المسرح الدولي، والقضاء على تحكم أميركا بالموقف الدولي، وإنقاذ العالم من شرورها، ونشر الخير في ربوع العالم، والقضاء على كيان يهود المحتل لفلسطين، أرض الإسراء والمعراج، وإعادتها كاملةً إلى دار الإسلام. فكيف للخلافة أن تفعل كل هذا؟
كيف تستطيع الخلافة أن تحرر فلسطين؟
علينا أن نعرف أولا أن كل ما حصل للمسلمين ولبلادهم من تمزيق وإضعاف، حصل بعد أن تمكن الغرب من إضعاف دولة الإسلام ثم هدمها. فسقطت فلسطين بسبب مباشر ألا وهو سقوط الخلافة، وستعود بعودتها، ولبيان كيف للخلافة أن تحرر فلسطين، نبدأ بقول السلطان عبد الحميد (رحمه الله) لهرتسل حين راوده عن فلسطين: «إن فلسطين ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حي، فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة العثمانية. من الممكن أن تقطع أجسادنا ميتة، وليس من الممكن أن تشرح ونحن على قيد الحياة»، فلقد أدرك السلطان أن سقوط فلسطين هين سهل بتمزق الخلافة. وهاهي فلسطين تذهب بلا ثمن. لقد اعتبر أن الحياة للمسلمين تكون بوجود كيان الخلافة لهم وأن موتهم يكون بغياب هذا الكيان.
فلذلك إن اغتصاب فلسطين وضياع بلاد المسلمين يجب أن يربط بهدم دولة الخلافة ارتباطاً سببياً. فمواقف العثمانيين المشرفة الخالدة تجاه فلسطين أكبر من أن تنسى، ولعلها كانت من أوائل موجبات عمل الكفار لهدم دولة الخلافة. ذلك أنهم أدركوا استحالة وجود كيان ليهود في فلسطين بينما هناك خلافة، ومواقف العثمانيين تشهد بذلك، وما قول السلطان السابق إلا مثالاً على ذلك.
وهكذا إذا أدركنا أصل المشكلة وواقعها إدراكاً عميقاً، عندها يمكن وضع الحل الجذري لهذه المشكلة. والحل الجذري هو الحل المصيري، وهو الحل الشرعي الذي يرتضيه الله سبحانه لنا، وهو يكمن في الرجوع إلى الكتاب والسنة واستنباط الحكم الشرعي منهما، قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور 63] وقال: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية 18].
وهذا الحل هو أن تسترد هذه الأرض جميعها من قبضة الغرب ويهود، بالجهاد في سبيل الله، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة 190].
وحتى يستكمل هذا الحل، لا بد له من تحريك الجيوش أولاً للإطاحة بالحكام العرب الذين يحافظون على أمن يهود ويحرسونها من المجاهدين، لأن الجيوش الإسلامية لن تتمكن من القضاء على كيان يهود تحت إمرة هؤلاء. لذلك لا بد من إزالتهم وإقامة حاكم مسلم واحد بدلاً منهم يحكمنا بشرع الله ويوحد الجيوش ويوجهها لتحرير فلسطين من رجس الغاصبين.
وهذا يشبه إلى حد كبير ما فعله السلطان صلاح الدين حين وحّد مصر والشام تحت راية خلافة واحدة هي الخلافة العباسية، وما فعله من قبله آل زنكي من توحيد الإمارات المتناحرة تحت رايتهم؛ ما كان له الأثر الكبير في التمهيد لتحرير فلسطين من الصليبيين بعد ذلك.
فالتفريق بين الحكم بالإسلام وبين تحرير فلسطين، والفصل بين القضيتين، لا يجوز شرعاً ولا يصح واقعاً. فالمسألتان متلازمتان لا مجال للانفكاك بينهما، وعليه فالقضية الفلسطينية بدأت مع سقوط الخلافة ولن تنتهي إلا مع ميلادها من جديد بإذن الله.
فدولة الخلافة هي القادرة على إنهاء من يحرس يهود في بلاد المسلمين، وطرد الأميركيين وإنهاء نفوذهم، وتحريك الجيوش لتحرير بيت المقدس وكل أرض المسلمين السليبة، وإعادة فتح الأرض من جديد بإذن الله لنشر الخير والحق والعدل.
الخاتمة
إن مجرد التفكير في حق المسلمين في بيت المقدس وفي فلسطين عن طريق الحق التاريخي، يعد مخالفة شرعية وتعدياً على مصادر المسلمين الشرعية في إثبات أحقيتهم، ففلسطين فوق كونها فتحت على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، فإن القرآن قد ذكرها وربطها بمكة المكرمة، قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء 1].
وأما قول دعاة الحق التاريخي من أن أهل فلسطين اليوم من أصل كنعاني، فإنه اعتبار لرابطة القومية بدلاً من رابطة العقيدة الإسلامية، وقد ذمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما جاء في حديث أحمد: «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلا تَكْنُوا»، وروى أحمد وأبو داود من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «مَنْ انْتَسَبَ إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ كُفَّارٍ يُرِيدُ بِهِمْ عِزًّا وَكَرَمًا فَهُوَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ»، وعند البخاري ومسلم من حديث مطول عن دعوى الجاهلية بقوله «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».
لذا فإن الناظر في النصوص الشرعية, وأفعال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأقواله يجد أن فكرة الحق التاريخـي فكـرة باطلة ليس عليها دليل من الشرع، وتخالف ما درج عليه المسلمون جيلاً بعد جيل في فتح البلدان وتحريرها، منذ دولة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى آخر دولة للمسلمين. وإن اللجوء إلى هذه الفكرة يدل دلالة واضحة على ضعف المسلمين فكرياً وعقائدياً ومادياً، فاسترداد ما اغتصب من بلاد المسلمين لا يكون إلا كما فعل نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي وأمثالهما من أبطال الأمة، عندما حرروا بلاد الشام وبيت المقدس من أيدي الصليبيين.
فعلى المسلمين جميعاً أن يعملوا بمستوى أمتهم المبدئية التي كانت خير أمة أخرجت للناس، وأن يعملوا على إيجاد دولة كدولة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي من جديد، وعلى إيجاد رجال كأمثال خالد وشرحبيل وصلاح الدين من جديد، كي يعدوا العدة كما أمر الله سبحانه، ليرهبوا بها عدو الله وعدوهم, كما طلب الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال 60] وبهذا فقط تُسترجع البلاد ويُحرر العباد.
2010-09-17