ما يتعلق بالتحليل السياسي، والفهم السياسي، والقيادة السياسية
2001/10/11م
المقالات
2,891 زيارة
نعم إن التفكير السياسي المتعلق بالوقائع والأحداث والأخبار هو من أرقى وأصعب انواع التفكير. لأنه متعلق بفهم الناس، وخباياهم، وتصرفاتهم، وأهدافهم، وعلاقاتهم، وبرغباتهم وأهوائهم. فهو ليس متعلقاً بفهم نصوص أدبية، أو فكرية، أو سياسية نظرية، أو شرعية وفقهية حتى تفهم هذه النصوص بدلالاتها اللغوية، ولكنه، أي التفكير السياسي، متعلق بفهم الوقائع، ويتطلب سبر أغوار الناس، ومعرفة أهدافهم، ومراميهم الحقيقية. فالناس كثيراً ما يخفون أهدافهم ومراميهم، وهم يسعون لتحقيق مصالحهم، ويقيمون علاقات فيما بينهم. ويتطلب التفكير السياسي تتبع الأحداث يومياً فإذا ضاع خبر واحد فإنه يسبّب ضياع حلقة من حلقات الحدث، فربما تسبب من جراء ذلك سوء فهم للحدث، أو أن يفهم بعكس معناه الحقيقي. ويتطلب أيضاً دوام اليقظة والانتباه حتى لا يقع الإنسان فريسة التضليل. ولهذا يجب الإحاطة بكل مايحدث في العالم ولا يكفي تتبع الأحداث الداخلية وأن تكون نظرته إلى أحداث العالم من زاوية معينة حتى يتحقق لديه الوعي السياسي. فالتفكير السياسي المتعلق بالوقائع والأحداث والأخبار هو الذي يوجد الفهم السياسي ويقتضي التحليل السياسي. والتحليل السياسي يعتمد على تتبع الأحداث اليومية، وإسنادها إلى فهم الموقف الدولي مع ملاحظة الأوضاع الداخلية، وإدراك ما إذا كانت هذه الأوضاع مرتبطة بالموقف الدولي أم لا.
ولقد عرف الموقف الدولي بأنه هيكل العلاقات القائمة بين الدول الفاعلة في المسرح الدولي، وهي التي تؤثر في سير الكرة الأرضية سياسياً. والدول الأخرى تسير نحو اتجاه سيرها وتسيّر علاقاتها معها حسبها. فاما ان تدور في فلكها او تسيّر مصالحها بالسير في تحقيق مصالح الدول الكبرى او تكون عميلة او تابعة. وقد عبر رئيس جمهورية تركيا السابق سليمان ديميريل عن ذلك بقوله (إن تركيا تدور في الاتجاه الذي تدور نحوه الكرة الارضية).
فمن هنا لزم للتحليل السياسي معرفة الدول الفاعلة في المسرح الدولي اي معرفة الدول الكبرى وعلى رأسها الدولة الكبرى الاولى. ولزم معرفة مبادئها واهدافها واساليبها ووسائلها. فهذه الدول هي التي تؤثر في غيرها من الدول فينشأ عن ذلك صيرورة دول عميلة او تابعة ودول تدور في الفلك ودول مستقلة ولكن تسيّر علاقاتها بالسير في تحقيق مصالح الدولة الكبرى. وهناك دول مستقلة تماما تحاول ان ترسم لها خطاً مستقلا وهي تتعامل مع الدول الكبرى وتحاول ان تستفيد من علاقاتها مع هذه الدول ومع الدول الصغرى.
ويلزم للتحليل السياسي معرفة اوضاع كل دولة داخليا عندما يتعلق الامر بها وذلك بمعرفة نظام الحكم فيها ونوع حكامها وتبعيتهم واحزابها وطبيعة شعبها. ويجب ادراك ان الموقف الدولي متبدل ومتغير، فربما يثبت لفترة زمنية طويلة تدوم عشرات السنين أو قصيرة تستمر لبضع سنوات ولكنه يتبدل ويتغير ببطء إما بتغيرات داخلية وفكرية وسياسية كما حصل مع الاتحاد السوفياتي، وإما بحدوث حروب كبرى كما حدث مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. وأما الأساليب التي تتخذها الدول فهي متغيرة ومتبدلة بسرعة، ولكن الخطط التي ترسمها الدول أكثر ديمومة من الأساليب مع ملاحظة إمكانية تغيرها في اي لحظة.
كانت الدول المؤثرة في الموقف الدولي هي أميركا، الدولة الاولى، والاتحاد السوفياتي، ولكن عندما سقط الاتحاد السوفياتي وسقط مبدؤه معه عام 1991 أصبحت أميركا هي المؤثرة الفاعلة في الموقف الدولي منذ ذلك التاريخ حتى هذه الساعة مع ملاحظة محاولات الاتحاد الأوروبي أو بعض دوله في أن تتبوأ مقعدا بجانب أميركا للمشاركة في إدارة شؤون العالم ومقاسمة النفوذ، وقد تركت هذه المحاولات أثراً في جعل أميركا تعطيها بعض الاهتمام فقامت أميركا بالتحايل عليها فشاركتها تحت مظلتها بمسميات مختلفة.
فمن لا يدرك التغيرات في الموقف الدولي وفي العلاقات الدولية وفي تغيير الاساليب والوسائل والخطط يجمد في فهمه السياسي ولا يمكن ان يقدر على تحليل الاحداث ولا يمكن ان يخرج فهمه صحيحا. ويجب ان تدرك التغيرات الداخلية التي تحصل في الدول من بروز قوى سياسية واضمحلال اخرى والى غير ذلك مما يتعلق بالأمور الداخلية مع الانتباه اذا ما كانت مرتبطة بالتغيرات الخارجية ام هي داخلية بحتة. فمثلا الهند حكمها حزب المؤتمر لمدة خمسين سنة وكان وما زال حزبا انجليزيا فكانت الهند تابعة للانجليز ولكن عندما وصل فاجبايه وهو عميل أميركي على رأس التحالف الوطني الديموقراطي المكون من حزبه حزب بهارتيا مع تحالف أربعة وعشرين حزبا آخر عام 1998 الى الحكم تحولت الهند الى أميركا.
قلنا إن الفهم السياسي يعتمد على التحليل السياسي ولكن هذا التحليل ربما يكون صحيحا في يوم، وفي اليوم التالي يتبدل كل شيء فيتغير التحليل. فمثلاً عندما اندلع القتال قبل السنة الماضية في كشمير بين الهند والباكستان حلل هذا الحدث بان أميركا ارادت حربا طويلة الأمد بين البلدين ولكن هذا لم يحدث فلا يقال رأساً إن هذا التحليل كان خطأً، وانما حدث هناك تغيير فوقفت الخطة الأميركية لفترة من الزمن ربما تطول لعدة سنوات. ففاجبايه في الهند عميل لأميركا، وكان في الباكستان نواز شريف وهو عميل أميركي. ولكن عندما قام وفد عسكري من أميركا رفيع المستوى وزار الهند واجتمع مع عسكريين هنود تبدل كل شيء فعندئذ دعا كلينتون نواز شريف الى واشنطن وبعد الاجتماع معه طلب منه ان يوعز لقادة جيشه بوقف الحرب ولم يتركه يعود الى الباكستان ويبلغهم هناك فنفذ نواز شريف كل شيء وهو في واشنطن. فكأن أميركا قالت للعساكر الهنود ان الباكستان خاتم في اصبعي متى اريد ان اشعل الحرب اشعلها ومتى اريد ان اطفئها اطفئها. فرئيس وزراء الهند الحالي وان كان عميلا أميركيا ووصل الى الحكم عن طريق الانتخابات ولكن المؤسسة العسكرية الهندية انجليزية كما في تركيا. ففي الحروب عادة تصبح للعسكريين كلمة في الدول المتأخرة ويكون تدخلهم اكبر. فعندما وقفت الحرب سكت العسكريون وسكت حزب الانجليز حزب المؤتمر. فبعد ذلك دعمت أميركا عميلها في الهند ويظهر أن نفوذها قد قوي وهذا سيمكنها من اختراق الجيش. وايقاف الحرب لم يؤثر على عملائها في الباكستان لأن لها رجالاً في الوسط السياسي في هذا البلد ولها تحكم في الجيش الباكستاني, فإنها قادرة على استبدال عميل بعميل آخر. وبالفعل قامت واستبدلت نواز شريف وأتت بمشرف على رأس الجيش ليظهر وكأنه ينقذ سمعة البلد ومن ثم تحميل المسؤولية عما حدث في كشمير للعميل السابق.
ولهذا نستطيع ان نقول ان التحليل السياسي ربما يكون صحيحا في يوم وبعد يوم يتبدل لان الامور انقلبت راسا على عقب. ولهذا لا يقال فورا ان التحليل السياسي كان خطأ، ربما كان ذلك وربما لم يكن كذلك. فيجب الانتباه، لأنه ربما تبدلت الخطة او جرى عليها تعديل او انها قد أجلت او ان الهدف قد تحقق فلم يعد داع لها.
ولهذا كان التفكير السياسي في الاحداث والوقائع والاخبار من اصعب واعقد الامور فهو يحتاج إلى فهم دقيق للأحداث وسبر عميق للوقائع والأخبار. فقد يسير أحد العملاء في خطة ما ثم يغيرها إلى خطة أخرى حسب المقتضيات السياسية التي يتبعها، فمثلاً قد كان عرفات كعميل إنجليزي يسير في تنفيذ الخطة الإنجليزية لقضية فلسطين حيث كان ينادي بدولة علمانية في كل فلسطين تجمع اليهود والنصارى والمسلمين في الحكم على غرار صيغة لبنان. ثم سار في الخطة الأميركية منذ عام 1974 فأصبح ينادي بدولة فلسطينية في الضفة وغزة. ولما سئل عن حدوث هذا التغيير أجاب بأنه لم يكن يعلم من هو المسيطر في المنطقة، وفي مناسبة أخرى أجاب بان السادات والاسد قالا له اذا لم يقبل بالدولة الفلسطينية في الضفة وغزة فان الملك حسين سياخذهما. وبعد ان قبل عرفات بذلك اي بالمشروع الأميركي هذا قبلت منظمته بشخصه في تلك السنة في الجامعة العربية ومن ثم قبلت في منظمة المؤتمر الاسلامي وفي نفس السنة ايضا اي سنة 1974 قبلت في الامم المتحدة على اساس ان هذه المنظمة بقيادة عرفات هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. ودخلها عرفات حاملاً غصن الزيتون أي دخلها مستسلماً وقابلاً بوجود كيان لليهود في فلسطين.
وهذا يدفعنا لفهم بريطانيا فانها بعد الحرب العالمية الثانية خرجت محطمة الاضلاع، فالتدخل الأميركي الى جانبها هو الذي انقذها. ولكن لم يكن في حسبانها ان أميركا سوف لن تعود هذه المرة الى سياسة العزلة كما عادت بعد الحرب العالمية الاولى بعد ما نصرتها وانها، أي أميركا، سوف تدخل المسرح الدولي وتعلن منذ عام 1946 تخليها عن سياسة العزلة. ومنذ عام 1950 انفردت أميركا عن بريطانيا واتخذت لها سياسة معينة ومنافسة لها. وعندما قامت بريطانيا بالعدوان على مصر بالتحالف مع فرنسا والكيان اليهودي عام 1956 لاسترجاع مصر من أميركا هددتها أميركا فانسحبت إنجلترا وحلفاؤها في العدوان الثلاثي من هناك. فقررت بعد ذلك التاريخ عدم مواجهة أميركا مباشرة او الهجوم على المصالح الأميركية بشكل مباشر من طرفها. فصارت تسخر عملاءها للهجوم على المصالح الأميركية وعلى مناطق النفوذ الأميركي عسكريا وسياسيا. وفي عام 1961 قررت أميركا بالاتفاق مع الاتحاد السوفياتي إقصاء بريطانيا ومعها فرنسا عن المسرح الدولي وجعلهما دولاً صغرى وتصفية مستعمراتهما. فبقيت بريطانيا في الستينات والسبعينات حتى الثمانينات وهي تحاول المقاومة والحفاظ على مركزها كدولة كبرى وعلى مستعمراتها. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 ومنذ حرب الخليج الثانية رسمت إنجلترا لنفسها سياسة جديدة وهي السير مع أميركا ظاهراً في كل عمل دولي وأوعزت لعملائها بذلك، إلا إذا استطاعت ان تتفلت هي وعملاؤها من أميركا لتنفيذ خطة معينة، ولكن اذا كشفت سرعان ما ترجع وتقعد بجانب أميركا وتتظاهر بالسير معها. وهذا ما حدث في أوسلو فقد حاولت مع عملائها ان تتفلت من أميركا وتعمل في الخفاء اتفاقية أوسلو حتى لا تراها أميركا. ولكنها عندما انكشفت لم تظهر ردة فعل معينة خوفاً من أميركا. ففي القديم كانت بريطانيا تحرص على تنفيذ خططها وتحافظ عليها، ولكنها الآن لا تفعل مثل ذلك للسبب ذاته الذي ذكرناه.
وكذلك ابرمت اتفاقية وادي عربة بين عميلها حسين وبين الكيان اليهودي ولكن أميركا عندما رأت أن الامر سينفذ قامت على اعلى مستوى بالتحرك فقام رئيسها كلينتون بالذهاب الى هناك وتبني العملية حتى لايخرج شيء عن ارادة أميركا وحتى لا تعود إنكلترا للعمل مرة ثانية. وفي حرب تقسيم يوغسلافيا وبالاخص في مسألة البوسنة والهرسك حاولت انكلترة ان تقود أوروبا ولكن لم توفق وأفشلت أميركا خطة أوروبا. واعترف ممثل أوروبا لمسألة البوسنة والهرسك آنئذٍ وهو وزير خارجية بريطانيا الأسبق اللورد هيرد اعترف علناً بأن أميركا هي التي أفشلت خطة أوروبا وان أميركا تريد ان تبقى الزعيمة الوحيدة للعالم. فتأكد لبريطانيا انها لن تستطيع في ظل هذه الظروف ان تقف في وجه أميركا ولو مع أوروبا. ولهذا بقيت على سياستها الجديدة وهي التظاهر بالسير مع أميركا وموافقتها في كل شيء ظاهرا، والعمل في الخفاء ضدها ومحاولة التفلت منها كلما سنحت الفرصة.
ويحاول الاتحاد الأوروبي ان يكون قوة ثانية تنافس أميركا ولكن دون جدوى بسبب عدم توحد مواقف دوله، وتخوفهم على قومياتهم وتردد بعض دوله وميوعة البعض الآخر وعلى الأخص ميوعة الموقف البريطاني. أضف إلى ذلك أعمال أميركا لعرقلة مشروعهم هذا. ولقد اعترفت دول أوروبا بذلك في اجتماعها في بروكسل عام 1998 الذي عقدته للتداول في أسباب فشلها في يوغسلافيا فعزت اسباب ذلك إلى عدم توحد المواقف لدول أوروبا ولأن أميركا تريد ان تبقى قائدة أوروبا والعالم فعمدت أميركا إلى عرقلة المشروع الأوروبي. وعندما صارت دول أوروبا تنادي بتأسيس قوة أوروبية وبإنهاء الناتو قامت أميركا بعملية كوسوفا باسم الناتو وقامت بالعمل على توسيع الناتو.
وأما روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي فلم تعد تقوى على التسابق أو التنافس مع أميركا ورجعت عن كونها دولة كبرى عالميا الى دولة كبرى من الدرجة الثانية. وحطمت بيدها معالم الدولة الكبرى العالمية وآخرها محطة مير رمز التقدم والتفوق الروسي. فأ ظهرت عجزها عن تمويل مثل هذا المشروع او على الاقل اصلاحه، ناهيك عن عمل مشروع مشابه له او افضل منه كما تفعل أميركا. وصارت تشارك أميركا في النشاط الفضائي وذلك خدعة من أميركا لتمنع روسيا من التفكير بالقيام بمشاريع فضائية مستقلة بحجة التقليل من النفقات، لأن غزو الفضاء والتحكم فيه أصبح من معالم الدولة الكبرى العالمية.
وقد حطمت مبدأها بيدها من قبل، وهو سر قوتها، فغدت بلا هدف عالمي، وأهملت ترسانتها النووية حتى صَدِئت، فصارت هذه الترسانة عبئا على كاهلها لا تقدر أن تتخلص منها ولا ان تصلحها، وباتت تستجدي أميركا والمؤسسات المالية الدولية التي هي تحت السيطرة الأميركية لتساعدها.
وكما هو معلوم لدينا فان الدولة الكبرى عالميا تكون صاحبة مبدأ ورسالة عالمية تحملها للعالم ويجب أن يعتنقها شعبها. فروسيا كانت صاحبة المبدأ الشيوعي. والآن أخذت الراسمالية ولكن لم تتبنّها بعد كرسالة لها تحملها الى العالم وانما لتعالج بها شؤونها الداخلية ولتصلح اقتصادها فاذا لم تحمل المبدأ أو تطرح شعاراته، وتَقُمْ بالتدخل في شؤون الدول الاخرى تحت هذا الغطاء من الشعارات فلن تقوى على التدخل ولن تقبلها الدول الأخرى. فسابقا كانت روسيا تطرح شعار محاربة الاستعمار، وتحرير الشعوب، وتصفية الاستعمار، والاستقلال الوطني، وحق تقرير المصير، وردع المعتدين، ومحاربة الإقطاع والإقطاعيين والدعوة إلى اتحاد عمال العالم، والمطالبة بحقوقهم، ومحاربة الاحلاف الغربية المختلفة والى غير ذلك، فكان لها تاثير في العالم. وبذلك كانت تستطيع التدخل والتاثير في مختلف المناطق وقد انتهى هذا الدور بانتهاء الاتحاد السوفييتي.
ويجب ان تملك الدولة الكبرى امكانيات الدفاع والهجوم وارهاب الآخرين وان توجد هيبة لها واحتراما حتى تصبح مسموعة الكلمة. ولهذا يجب ان تغزو الفضاء وتتقدم في النواحي العلمية والصناعية والتكنولوجية وتظهر انها ناجحة في حل مشاكلها ومشاكل مجتمعها وان تظهر انها تحقق العدل والانصاف في الحقوق ومنح الفرص حتى تتاثر الشعوب والدول الأخرى بها.
فعندما فشل الاتحاد السوفياتي في معالجة المشاكل الاقتصادية التي بدأ يعاني منها اهتزت ثقة الناس بالمبدا الشيوعي، حتى إن قادته صاروا يراجعون مبدأهم ويجرون عليه تعديلات الى ان هدموه بايديهم. فالنجاح في تطبيق المبدأ وظهور ثماره محسوسة لدى الناس هو الذي يوجد دعاية له وللدولة التي تحمله ويسهل أعمال الدعوة له ويسهل عمل الدولة الكبرى في الساحة العالمية ويوجد لها التاثير والسمعة الطيبة والاحترام والتقدير.
والى جانب كل ذلك يجب ان تملك الدولة الكبرى المهارة السياسية والحنكة الديبلوماسية واتقان المناورات السياسية مما يوفر عليها الكثير من التكاليف والمتاعب والخسائر لو لم تقم بذلك. فمثلاً استطاعت أميركا بالأعمال السياسية، خلال أزمة كوبا، أن تجعل الاتحاد السوفييتي يتنازل شيئاً فشيئاً عن مبدئه تجاه أميركا ويتوقف عن محاربتها ويقبل بمصالحتها والسير معها في ادارة العالم، فأزالت التناقض الحتمي المزعوم بين الاشتراكية والراسمالية الذي يعتقده الشيوعيون. ومثلاً عدم إتقان فرنسا المناورات السياسية وفقدانها للحنكة الديبلوماسية جعلها تتأخر دون إنجلترا وتفشل في محاولاتها للحفاظ على مستعمراتها وفي التاثير في السياسة الدولية. ولهذا كانت بريطانيا دائما تسخرها. وفي الثمانينيات سارت في عهد ميتران مع أميركا.
فالدولة اذا لم تملك كل هذه الامكانيات فلن تقوى على ان تكون دولة كبرى ولن تستطيع مزاحمة الدولة الاولى في العالم ومحاولة زحزحتها عن مركزها.
ووجب ان تدرك من هي الدولة المستقلة: فالصين دولة مستقلة وهي كبرى فقط في منطقتها فتعتبر من الدول الكبرى إقليميا وليس دوليا لانها لا تقوم بالتدخل في شؤون العالم ولا تحمل رسالة له ولا تقوم بمحاولة زحزحة الدولة الاولى في العالم عن مركزها، بل تقوم بأعمال دون ذلك.وتحاول هي وروسيا أن توجدا نوعا من التحالف للوقوف في وجه السياسة الأميركية تجاههما.
وهناك دول تقوم بالعمل مع بعض الدول الكبرى لتحقيق مصالحها وذلك بالسير في تحقيق مصلحة احدى هذه الدول الكبرى ومثال ذلك ايطاليا فهي تسير في اكثر الاحيان لتحقيق مصالحها في خط تحقيق المصالح الأميركية لأنها تدرك انها لا تستطيع ان تحقق مصالحها في الخارج الا بموافقة أميركا لشعورها بالعجز في ناحية التاثير في العالم.
وتوجد دول فلك مثل ألمانيا واليابان فهما تدوران في فلك أميركا وهما مرغمتان على ذلك فلا تستطيعان الانفصال عن فلكها. بل ما زالت قوات الاحتلال الأميركية ترابط في هذين البلدين مجهزة بأسلحة استراتيجية وقد أخضعتهما لمعاهدات تكبلهما وتمنعهما من الانفلات من قبضتها.
وهناك دول مستقلة تسير بحكم الصداقة مع دول كبرى لعدم قدرتها على السير في السياسة الخارجية وحدها بسبب ضعفها مثل الدول الاسكندنافية فلها صداقات مع بريطانيا. ففي كثير من الاحيان كانت بريطانيا تشركهن معها. واليوم تعمل أميركا على ايجاد صداقات واصدقاء لها هناك وتحاول ان تساعدهم على الوصول الى الحكم وبالتالي تعمل على ايجاد تاثير لها في هذه الدول. وكذلك تعامل بريطانيا الكيان اليهودي بحيث تجعله شريكا لها وتجعل حكامه اصدقاء لها ليسيروا معها في سياستها. بعكس أميركا فانها تعمل على جعل هذا الكيان اداة بيدها وعلى جعل حكامه عملاء يعملون لحسابها حتى وهم يحققون مصالحهم.
والنوع الأخير من الدول هو الدول العميلة كالدول التي يحكمها العملاء في العالم الإسلامي وفي إفريقيا وفي أميركا اللاتينية وفي كثير من دول آسيا. فهذه الدول تتبع الدول الكبرى وترتبط بها بسبب ارتباط انظمتها وحكامها بهذه الدول الكبرى لأنها فاقدة لمبدأ تطبقه وتحمله للناس وكثير منها أسست من قبل هذه الدول الكبرى والكثير منها لا تستند في سلطانها إلى شعوبها ولا تستمد سلطانها من هذه الشعوب بل تستند الى الدول الكبرى. ولهذا يعتمد الوصوليون واصحاب النظرة الواقعية واصحاب المصالح الشخصية والزعامات الشخصية في الوصول الى سدة الحكم على الدول الكبرى وعلى الدول القوية ويكون ذلك بثمن التعامل مع هذه القوى الكبرى والسير معها.
وهؤلاء العملاء على شتى اصنافهم واهدافهم هم بشر تطغى عليهم بعض مظاهر غريزة البقاء مثل حب السيادة وحب السيطرة والتحكم وحب الظهور وحب التملك ويطغى عليهم مظهر الخوف فيشعرون بالخوف على أنفسهم وعلى عروشهم فيستعينون بدولة كبرى لتحميهم.وبما انهم غير مبدئيين او هم من قصيري النظر فيرون ان اقصر طريق للوصول هو الاستعانة بقوة كبرى سواء كانت عالمية او اقليمية أو أنهم يستعينون بأية قوة سواء كانت دولة أو منظمة. فيرون ان تغيير الواقع بغير التبعية لدولة أقوى هو أمر صعب جداً وطويل وشاق ويستأهل كثيراً من التضحيات وربما لا يصلون، ولكن الإنسان المبدئي يحرص على إيصال مبدئه إلى الحكم فلا يهتم بوصوله شخصيا فربما يموت أو يقتل ولكنه يصر على مبدئه فيرى أن أصحابه الذين تكتلوا معه سيكملون المشوار حتى يوصلوا المبدأ إلى سدة الحكم ويصبحوا سعداء بوصول مبدئهم إلى سدة الحكم بصرف النظر عن أشخاصهم. أمّا الذين لا يحملون مبدأً فإنهم يحرصون على أن يصلوا بأشخاصهم ولهذا فهم مستعدون للتعاون مع أية قوة ولو كان في ذلك كثير من التنازل فهم مستعجلون يريدون أن يصلوا قبل أن يموتوا وبدون أن يتعرضوا للأذى. فعرفات حتى يصبح رئيس دولة، ومهما كانت هذه الدولة، سار في الخطة الأميركية عندما عرف ان أميركا هي المتحكمة وأن عملاءها في مصر وسوريا هددوه بضياع ملكه الكرتوني. ورجال منظمته كنا نتكلم معهم فيقولون: هل يجب ان ننتظر خمسين سنة حتى تقوم الدولة الإسلامية وتحرر فلسطين؟! لا، بل نريد ان نحررها الآن! وكانت النتيجة أن المنظمة اعترفت بكيان لليهود في فلسطين قبل أن تحرر فعلياً شيئاً منها. والسادات يعترف في كتابه (هذا عمك يا جمال) بأنه هو وعبد الناصر وضباطهم الأحرار! ارتبطوا بأميركا لتعينهم ضد الإنكليز.
وفي تركيا منذ ثلاثين سنة ونحن نقول للمسلمين وخاصة المنتمين لحزب أربكان: إن الطريق الديموقراطي لا توصل الإسلام الى الحكم وان وصلتم انتم فلا توصلون الإسلام الى الحكم، فكانوا يجيبوننا: إذن يجب علينا ان ننتظر ثلاثين سنة او اكثر على طريقتكم. ولكن ماذا حدث لهم؟ كل فترة يغلق حزبهم فيتنازلون عن شعاراتهم القريبة إلى الإسلام ويقتربون إلى شعارات الكفر من علمانية وديموقراطية وجمهورية وكمالية وقومية. ومع ذلك يلاحقونهم بالإغلاق لأن فيهم رائحة الإسلام. وأمثالهم في البلاد العربية يجيبون نفس الجواب بل يمددون مدة الانتظار إلى خمسين أو إلى مئة سنة. فأمثال هؤلاء لا يعتمدون على بناء امتهم بناء فكريا قويا صلبا، ومن ثم يقودونها على اساس المبدا حتى تقوم الامة وتطرد القوى الاستعمارية بدون ان تستعين بقوى استعمارية اخرى وتأتي بمبدئها وبرجاله المخلصين الذين نبتوا فيها ليقودوها في حرب التحرير وفي بناء الدولة وفي قيادتها وفي تحقيق النهضة. فقد تخلصت مصر من الإنجليز ولكن ارتبطت بالأميركان فلم يتغير شيء في مصر الا وجهة العمالة. وكذلك استعانت اندونيسيا بأميركا ضد الاستعمار الهولندي فارتبطت بأميركا. والأحزاب الأفغانية استعانت بأميركا ضد الروس فوقعت في فخها وما زالت أميركا تلعب بهم. ففي مقابلة مع حكمتيار أثناء الجهاد ضد السوفيات سئل بأن هناك من يقول بأن أميركا تعطي السلاح بدون شروط؟ فأجاب: من قال لكم ذلك إنها لا تعطي السلاح إلا بشروط. وفي مقابلة شخصية اجريناها مع ممثله عام 1981 وحذرناهم من الاستعانة بأميركا وان ذلك انتحار سياسي فان خرجت روسيا فستحل مكانها أميركا كما حصل في عدة بلدان مثل إندونيسيا ومصر؟ أجاب: اننا الآن نستعين بهم وبعد التحرير سنرفصهم بأرجلنا. وفي النهاية يقعون فريسة بين أنياب تلك الدول تبتزهم وتهددهم كلما أرادوا أن يتمردوا على أوامرها أو أن يتحرروا منها، إلاّ أن يصبحوا عملاء لها فترضى عنهم. ولهذا وقعت إيران فريسة بيد أميركا عندما استعان الذين قادوا الثورة بأميركا لطرد الشاه، كما وقعت افغانستان فريسة بيد أميركا عندما استعانت بأميركا لطرد روسيا. وبعض الحركات الإسلامية في سوريا ارتبطت بالدول العميلة في المنطقة مثل الأردن والعراق وتركيا اي بعملاء الإنجليز حتى يسقطوا عميل أميركا في سوريا، فلعبت بهم هذه الدول وتركتهم لقمة سائغة في يد النظام في سوريا عندما ظهر العجز عن تغيير ذلك النظام. اما الاحزاب والتنظيمات الوطنية والقومية والاشتراكية والطائفية والمصلحية وأمثالها فلا يهمها الا الوصول، ولا ترى عيبا اذا ارتبطت بدولة اخرى بل ترى ذلك ضرورة مرحلية أو ذلك جائز على المدى البعيد لانها بعد الوصول تريد ان تحافظ على انظمتها وعلى كياناتها بدعم من هذه الدول. فحكام مصر واصلوا ارتباطهم بأميركا لشعورهم بالحاجة الى الدعم الأميركي. والاحزاب في لبنان كلها ترتبط بدول اقليمية أو بدول كبرى لتمول نفسها أو لتحمي نفسها أو لتصل الى الحكم. وهكذا نفهم كيف تصبح الدولة عميلة وكيف يصبح الأشخاص عملاء. حتى إن كل انسان يشاهد العملاء الصغار ومنهم الجواسيس يرتكبون الخيانة لأنهم يريدون تحقيق مصالح لهم؛ فهناك من ارتبط من اهل فلسطين باليهود وأصبح عميلا لهم، لأن الواحد منهم يريد ان يحقق له مصلحة شخصية او وظيفة او يريد أن يصبح مختارا او رئيس بلدية. وكذلك عملاء المخابرات او الجواسيس للدول القائمة في العالم الاسلامي تسألهم لماذا تفعلون ذلك؟ فيقولون نريد ان نعيش! فالمبدئيون اصحاب الارادة الصحيحة قلة بين الناس، حتى في زمن النبي r وُجِد المنافقون والموالون للكفار ومرضى النفوس والمترددون والمرجفون في المدينة. وكان ذلك خير العصور فكيف لا يوجد في مثل هذا العصر من هؤلاء الكثير؟ وكل عميل يزعم لنفسه عذرا ويبرر للناس عمالته او يغطيها بشعارات أو بألفا ظ وعبارات منمقة وبأمثال شعبية خطأ، وغير ذلك من التبريرات الكاذبة المختلفة. وهناك عملاء فكر؛ يتأثرون بالأفكار الاجنبية أو يتبنونها فيعملون على ترويجها وعلى العمل مع الدول صاحبة هذه الأفكار، مثل الذين يروجون للافكار الغربية فيرتبطون بأميركا او بفرنسا او بريطانيا مباشرة او غير مباشرة ويؤسسون أحزابا وطنية أو قومية أو ديمقراطية أو علمانية أو اشتراكية. وسابقا كان هناك من تبنى الأفكار الشيوعية وعمل على ترويجها وأسس أحزابا على أساسها ومنهم من ارتبط بروسيا أو بدولة استعمارية أخرى.
لقد قلنا إن أميركا هي الدولة المؤثرة في العلاقات الدولية وهي التي تمسك بزمام الامور وهي التي تملي على الآخرين، وكلمتها هي التي تمشي وهي التي تقرر، ولكن هناك بريطانيا وفرنسا كدولتين كبيرتين تحاولان ان تفعلا شيئا في العلاقات الدولية ولكنهما لا تمسكان بزمام الامور ولا تمليان على الدول الأخرى علناً وإنما تقومان في الخفاء بمحاولة الإملاء على بعض الدول، وتعملان للتأثير على أميركا حتى تشركهما في المسرح الدولي. وكما قلنا فإنه من عام 61 حتى عام 91 كان الموقف الدولي متمثلا في الولايات المتحدة وفي الاتحاد السوفياتي وقلنا ان بريطانيا وفرنسا تعتبران دولتين كبيرتين بسبب قيامهما ببعض الاعمال الدولية في محاولة منهما الإمساك بزمام الامور أو محاولة الاملاء على الآخرين أو العمل على أن تكونا شريكتين للدولة الكبرى الأولى. ولكن قبل عام 61 ورجوعا الى عام 1946 كان الموقف الدولي متمثلا في تلك الدول الاربعة الكبرى. فكانت بريطانيا وفرنسا تقومان باعمال دولية بشكل علني وكانتا تواجهان أميركا احيانا وكانتا تحاولان زحزحتها عن مقامها الدولي الأول.
هذا هو هيكل العلاقات الدولية في المسرح الدولي. وقد عرفنا الدولة الفاعلة في المسرح الدولي بأنها هي الدولة التي تؤثر في العلاقات الدولية وهي التي تملي سياستها على الدول الأخرى. وحالياً فإن الدولة المؤثرة الفاعلة هي أميركا مع وجود دول كبرى أخرى تعمل لأن تكون فاعلة في المسرح الدولي، ولكنها لا تقوى على مجابهتها، فإمّا أن تسير معها في العلن وتعمل ضدها في الخفاء ان امكن لها ذلك كبريطانيا، وإمّا أن تعمل على كسب ودها حتى تعطيها مكانة دولية لتشبع غرورها بحب العظمة كفرنسا، ولهذا تسمح أميركا لعملائها بزيارة فرنسا ليعطوها بعض المعلومات عما نفذوه من المخططات الأميركية كما يفعل زعماء سوريا ومصر ولبنان وغيرهم. فذلك يشبع مظهر حب العظمة عند الفرنسيين فيسكتهم فيحسوا ان لهم مكانة عظيمة. وروسيا لا تقوم بأية اعمال معاكسة لأميركا بل تقوم بالعمل الموازي لسياسة أميركا حتى تعطف عليها بالمال او بالسماح لها ببيع السلاح وغيره لبعض الدول التابعة لها كبيع روسيا السلاح لايران، وهذا تستفيد منه أميركا من ناحية أخرى فتغطي على عملائها وتخيف بتسلح إيران بعض الدول في المنطقة عندما تريد ان تتمرد على أميركا او لا تريد ان تطبق سياسة أميركا فتخيف بإيران اسرائيل وتركيا ودول الخليج. والصين وان كانت دولة مستقلة ولكن لا تؤثر في سياسة العالم بشيء فهي محصورة في بلدها وفي منطقتها وتحاول ان تنسق مع روسيا حتى توجد لها أصدقاء يقفون معها ضد أميركا أو لتحمي نفسها من أميركا ومخططاتها التي تستهدف الصين ولئلا تكون معزولة دوليا. وهناك دول عميلة لبريطانيا في آسيا وإفريقيا ولكن لا تجرؤ أية واحدة منها على مجابهة أميركا علناً، ولكنها تعمل في الخفاء ضد أميركا فتتكتل ضدها تحت مسميات معينة كدعوة القذافي عميل الانجليز للوحدة الافريقية وذلك لتوحيد عملاء الانجليز وغيرهم لمجابهة أميركا وعملائها. وأما في الشرق الأوسط وفي دول الخليج فان عملاء الإنجليز يظهرون كأنهم تابعون لأميركا.
وتأثير أميركا الفاعل في الموقف الدولي يشوبه احيانا ضعف ولكن لم يتغير بعد فسرعان ما تعود أميركا وتجمع قواها ضد الدول التي حاولت ان تلعب دورا خارج إرادتها او تقوم باحتواء ما عملته وما خططت له وأحيانا تشرك معها بعض الدول الكبرى أو أنها تقبل بمشاركتهم. ولقد شاهدنا أميركا منذ حرب الخليج الثانية وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وهي تحاول ان تضم كل دول العالم في أعمالها الدولية تحت لوائها لتثبت قيادتها وتركزها وتحول دون بروز أية قوى منافسة لها، فنادت بنظام عالمي جديد في عهد بوش الأب فقادت العالم في حرب الخليج إما بإشراك دول معها فعليا وإما بكسب تأييدها، وقادتْه بواسطة الأمم المتحدة، وكذلك في أعمال الفضاء حيث وضعت محطة دولية وجعلت روسيا تشترك فيها وتتخلى عن آخر معالم الدولة العظمى فتحطم محطتها مير، وكذلك في الاقتصاد فأوجدت منظمة التجارة الدولية وصارت تنادي للعولمة حتى تجعل شركاتها هي المهيمنة وجعلت الدولار هو العملة المتعارف عليها دوليا.
وبعد أن أدركنا ماهية الموقف الدولي وأدركنا الماهية التي عليها الموقف الدولي حالياً نستطيع أن نقوم بالتحليل السياسي ونستطيع أن نوجد فهماً سياسياً لكل مرحلة ولكل حدث. والهدف من ذلك ليس أن نكون سياسيين نظريين أو منظرين بل الهدف من ذلك هو القيام بالكفاح السياسي وبالأعمال السياسية الدولية في داخل حزب سياسي يريد أن يقود الأمة عالميا. وهنا يبرز سؤال: هل الحزب السياسي المبدئي الذي يعمل على التغيير قادر على التأثير في السياسة الدولية وما دور شبابه في هذا المجال؟ والجواب على ذلك أن دور الحزب وشبابه كبير ويستطيع أن يؤثر عندما يقوم بكشف خطط الدول الكبرى ومؤامراتها، ويكشف عملاءها ويعريهم للامة ويحاول ان يثير الأمة ضدها وضد العملاء، وهذا يحبط المؤامرات والخطط والعملاء عندما تثق الأمة في هذا الكشف، ويبقى ان تسلم الأمة قيادتها له حتى يعاد للامة مكانتها التي خسرتها بسبب العملاء والضعف الفكري الشديد والتمزق والتشرذم الذي استطاعت الدول الاستعمارية ان توجده في الأمة. وشباب الحزب المبدئي يستطيعون ان يخوضوا غمار الحياة السياسية بمحاولتهم دخول الوسط السياسي وصراع السياسيين المزيفين الموجودين فيه ومحاولة طردهم منه. وكمثال على ذلك فإن حـزب التحـرير الذي يعمل في الأمة لإقامة الخـلافة وجعلها دولة عظمى بل جعلها هي الدولة العظمى الوحيدة في العالم، استطاع ان يحبط قسما من المؤامرات ولكنه كشف كل المؤامرات والخطط التي حيكت ضد الامة.وكثير من التقارير من المخابرات العالمية والمحلية تبين خطورة هذا الحزب عليهم. ولقد كتب صدام حسين في كتابه (نظرة الى الدين) عام 1976 إن الرجعية الدينية استطاعت أن تنشئ حزباً سياسياً فصار يصدر تعميمات كلما صدرت منا أخطاء تكتيكية فاستطاع أن يبعد الشعب عن الثورة. ونشرت مجلة (نقطة) التركية عام 1984 تقريراً عن رئاسة الأركان في زمن الحكم العسكري عام 1971 بأن الجماعات الرجعية كحـزب التحـرير أخطر على الجمهورية من الحركات الشيوعة واليسارية.
إن الحزب السياسي المبدئي القائم على أساس العقيدة الإسلامية يستطيع بفهم الأحداث وإلقاء الضوء عليها من خلال زاوية العقيدة الإسلامية، وإنزال الأحكام الشرعية على الوقائع الجارية والمستجدة، وبيان زيف الحلول الأخرى وبطلانها، وكشف خطط الكافر المستعمر وعملائه، بالإضافة إلى ثبات شبابه في صراعهم الفكري وكفاحهم السياسي رغم تعرضهم للملاحقة والمضايقات والاعتقالات والسجون بل وحتى الاستشهاد في سبيل الله دون أن يخشوْا في الله لومة لائم، يستطيع بهذه الأعمال والمواقف كسب ثقة الأمة وتحريكها إلى جانبه وتسلم قيادتها.
صحيح أن الدولة المبدئية أقدر على صنع الأحداث السياسية وتحريكها بصورة عملية في الوجهة التي تخدم مبدأها، إلا أن الحزب السياسي المبدئي كذلك له دور مهم في هذا المجال إن أحسن استعماله واستغلاله في توعية الأمة وقيادتها.
إن فهم الأحداث السياسية وتحليلها والوعي عليها ذو أثر بالغ في إيجاد الدور الفاعل للأمة والدولة والحزب q
أبو أسيد ـ ألمانيا
2001-10-11