بسم الله الرحمن الرحيم
الاقتصاد العالمي… على حافة الانهيار!!. (1)
حمد طبيب-بيت المقدس
يعاني الاقتصاد العالمي هذه الأيام – بكافة أشكاله ومجالاته، وفي جميع الدول دون استثناء – من أزمات متتابعة، واحدة تلو الأخرى، حتى باتت هذه الأزمات والأوضاع الاقتصادية المتردية تهدد الاقتصاد العالمي برمته بالانهيار التام المدمر، وليست هذه هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يتعرض فيها الاقتصاد العالمي إلى الهزات والنكسات والأزمات، فمنذ نشأة هذا الاقتصاد- مع نشأة النظام الرأسمالي الغربي – وهو يعاني ما يعاني من أزمات واحدةً تلو الأخرى، ومنها ما كان مدمرًا. وقد عانت الدول من نتائجه وشروره وآثاره سنوات عديدة، وما زالت تعاني حتى اليوم، كالفقر، ونقص السلع في الأسواق، وتذبذبات الأسعار، وانخفاض أجرة العمال، والكساد في الأسواق… وغير ذلك من آثار مدمرة انعكست على حياة البشرية.
ولو استعرضنا بعض هذه الأزمات (العالمية الشهيرة) في تاريخ النظام الرأسمالي الفاشل السقيم؛ لرأينا بوضوح هذه الآثار الرهيبة التي عانت منها البشرية سنوات عديدة متتابعة…
– فالأزمة الشهيرة التي حدثت سنة 1929م والمسماة (بالكساد العظيم) قد أحدثت آثارًا مدمرة في المعمورة، وليس فقط في أميركا (مكان نشأتها)، وعانت البشرية منها، ومن آثارها الرهيبة سنوات طويلة، وتسببت بانهيار شركات كثيرة، ودمار مؤسسات مالية واقتصادية، وتسببت بالقضاء على اقتصاديات دول بأكملها…
جاء في تقرير للجزيرة نت عن أزمة الكساد العظيم نشر بتاريخ 3-10-2008م: «… كانت أسواق المال الأميركية – مكان الانطلاق- أول ضحايا الأزمة، وتم التأريخ لها بانهيار بورصة نيويورك في حي المال أو (وول ستريت) يوم 24 تشرين الأول عام 1929؛ الذي أطلق عليه «الخميس الأسود»، وتبعه «الثلاثاء الأسود» يوم 29 تشرين الأول من السنة نفسها، وحدث ذلك بسبب طرح 13 مليون سهم للبيع، لكنها لم تجد مشترين لتفقد قيمتها… ونشر الوضع الاقتصادي الذعر لدى المستثمرين في البورصة، وبادر الوسطاء إلى البيع بكثافة، ليجد آلاف المساهمين بعد ذلك أنفسهم مفلسين… وأعلنت عشرات المؤسسات المالية إفلاسها، وأغلق العديد من المصانع، وكثرت أعداد العاطلين عن العمل، وتوقف الإنتاج، وانتقلت الأزمة كالنار في الهشيم إلى جميع الأسواق العالمية، وخسر مؤشر (داو جونز المنهار) 22.6% من قيمته يوم 24 تشرين الأول، كما بلغت الخسائر الإجمالية بين 22 تشرين الأول و13تشرين الثاني (ثلاثين مليار دولار)؛ بمعدل يفوق الميزانية الاتحادية عشر مرات، ويتجاوز النفقات الأميركية في الحرب العالمية الأولى، ولم يحل عام 1932م حتى كان مؤشر (داو جونز) قد فقد 89% من قيمته…».
يقول الدكتور (عبد الحي زلوم) في كتابه المشهور (نذر العولمة – ص 73): «لقد وضعت نظريات كثيرة لتعليل ما حصل في أزمة الكساد الكبير 1929، ولكن كان هناك اتفاق بشكل عام على أن القوة الاستهلاكية غير الكافية، والتوزيع غير العادل للثروات كانا من الأسباب الرئيسة، أما انهيار سوق الأسهم فقد كان نتيجة وليس سببًا لدورة عدم التوازن، وقد تقلص الطلب، وهيمن الرأسماليون على رؤوس الأموال، وأحكموا قبضتهم عليها، وتفاقمت البطالة، وشهدت الأسعار والمداخيل مزيدًا من التقهقر…».
ويقول الدكتور (حسن النجفي) في (القاموس الاقتصادي): «يعود حدوث الأزمات المالية في الدول الرأسمالية بشكل عام إلى النظام الاقتصادي الحر؛ حيث يرفض تدخل الدولة للحد من نشاط الأفراد في الميدان الاقتصادي، وهذا يمكن أن نسميه فقدان المراقبة والتوجيه… ومن أسباب الأزمة في الولايات المتحدة بشكل خاص سنة 1929 عدم استقرار الوضع الاقتصادي، وسياسة كثافة الإنتاج خلال سنوات الحرب العالمية الأولى لتغطية حاجات الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية لانشغالها بالإنتاج الحربي، وبعد انتهاء الحرب أصبح هناك فائض كبير في الإنتاج وكساد كبير في البضائع الأميركية. ومن الأسباب كذلك تلكؤ الدول الأوروبية عن سداد الديون المستحقة عليها بعد الحرب، فانعكست هذه الأسباب وغيرها على (وول ستريت)؛ عندما أقدم المساهمون في الشركات الكبرى لطرح أسهمها للبيع بكثافة…».
– وفي سنة (2007م – 2008م) جاءت الأزمة المالية العالمية الشهيرة؛ التي ما زالت البشرية تعاني من آثارها ومن نتائجها الرهيبة؛ والتي سميت بأزمة الرهن العقاري، حيث كان لها نتائج خطيرة أدت إلى انهيار مؤسسات مالية، وإلى انهيار شركات عقارية وبنوك ومصانع، وأدت إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع، وخاصة المعادن والبترول والذهب، وأدت أيضًا إلى تذبذبات في أسعار العملات، وخاصة الدولار الأميركي، ونتج عنها خسارات قدرت بتريليونات الدولارات في أسواق المال والبورصات… وهناك نتائج أخرى ليس هنا المجال لذكرها… فقد وصف الرئيس الأميركي أوباما (في خطابه عن حالة الأمة في 26 فبراير 2009م) فقال: «…الأزمة الحالية عميقة ومدمرة…». وقال: «… لمدة قد طالت، لم تكن ميزانياتنا تُعلمنا الحقيقة كاملة؛ كيف يتم صرف دولارات الضرائب… إن كثيرًا من المصاريف قد تم إخراجها من الدفاتر المحاسبية، بما في ذلك الكلفة الحقيقية لحربنا في العراق وأفغانستان… إن مثل هذه الأساليب المحاسبية الكاذبة ليست بالأساليب التي تتبعونها بإدارة ميزانيات بيوتكم، ولا هي الطريقة التي يتوجب على الحكومة أن تدير أموالها…».
أما رئيس فريق أوباما الاقتصادي (بول فولكر) فقال في 20 فبراير 2009م: «… ليس هناك فهم لماهية الأزمة الحالية، لكن سرعة الانهيار أو الانصهار المالي في كافة أرجاء المعمورة تدعو إلى الصدمة». وأضاف يقول: «قبل سنة قلنا إن الأمور صعبة في الولايات المتحدة، لكن بقية العالم سيصمد، لكن بقية العالم لم يصمد» وأضاف: «لا أذكر أي فترة في التاريخ، بما فيها تاريخ الكساد الكبير- وقد ساءت فيه الأمور – بمثل هذا التسارع الآن».
أما (جورج سوروس) المستثمر العالمي المعروف فقال في ندوة في (جامعة كولومبيا) 2008م فقال: «إن النظام المالي العالمي قد انهار، وإنه لهذه اللحظة لا يوجد بارقة أمل لأي حلول على المدى القريب…»
وأضاف: «إن الاضطراب الحالي هو أكثر شدة مما كان أيام الكساد الكبير، وإنه أقرب لما حدث للاتحاد السوفياتي قبل انهياره!!…».
والحقيقة أن الأزمة المالية التي عصفت بالعالم سنة 2008م ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وأن البشرية ما زالت تعاني من آثار هذه الأزمة لأنها لم تنتهِ حقيقةً، ولم يتعافَ العالم منها ولا من آثارها ونتائجها، بل إن العالم ما زال يعاني من هذه الآثار المدمرة، ويدفع ثمن ذلك من أمواله وجهوده ومن مدخراته…
ففي ظل هذه الأزمات المتتابعة – وخاصة أزمة سنة 2008م – برزت أمور جديدة في ساحة الاقتصاد العالمي، وصدرت تصريحات من كبار الاقتصاديين في العالم ورؤساء مؤسسات اقتصادية دولية، كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، تدلل – بصورة لا شك فيها – أن الاقتصاد العالمي ما زال يعيش في أزمة كبيرة، وأنه مقبل على أوضاع مدمرة ستجر على العالم الويلات الكبيرة والكثيرة…
فقد صرح (بول كريغ روبرتس) مساعد لوزير الخزانة في عهد الرئيس الأميركي ريغان، في صحيفة(وول ستريت جورنال) قال: «مع إني لا أستطيع التنبؤ بالمستقبل، لكني أستطيع القول بأن هذه الأزمة لا يمكن علاجها بالوصفات التقليدية السابقة، والتي مثلها لن تنجح في إعادة عافية الاقتصاد الأميركي… فلقد كان استدانة المستهلكين الأميركيين من البنوك مصدرًا رئيسيًا للاستهلاك، حتى أصبح هؤلاء المستهلكون غارقين في الديون… أما البطالة، فإن في الولايات المتحدة 10 ملايين عاطل عن العمل، لكننا لو قسنا البطالة حسب المقاييس التي كانت سائدة قبل أن يغيرها كلينتون فإنها اليوم بحدود 15% . إذا ما توقف أو قلل الأجانب من شراء سندات خزينتنا، فليس أمامنا سوى طباعة المزيد من الدولارات».
ويقول الاقتصادي الشهير (روجر تري) في كتابه (جنون الاقتصاد): «يعرف الأميركيون أن هناك خطأ ما في أميركا، ولكنهم لا يعرفون ما هو، ولا يعرفون لماذا ذاك الخطأ، والأهم من كل ذلك فهم لا يعرفون كيف يصلحون ذلك الخطأ، وكل ما بإمكانهم هو الإشارة إلى أعراض المرض فقط، وفي الحقيقة فإن بعضًا مما يسمى حلولًا يزيد الطين بلّة، ذلك أن تلك الحلول تحاول أن تغير نتائج النظام، دون تغيير النظام الذي أفرز تلك النتائج… إن المشكلة لا تكمن في كيف نطبق نظامنا الاقتصادي، فنظامنا الاقتصادي بعينه هو المشكلة».
ويوضح الكاتب (بوب هربرت) في (نيويورك تايمز) 18-1-2010م فيقول: «إن الأزمة المالية في الولايات هي الأقسى منذ الكساد الكبير العام 1929م، وكذا الأمر بالنسبة إلى انهيار عائدات الولايات من الضرائب، وأن الكارثة لن تقع قريبًا، بل هي تحدث هنا والآن…)
لقد جرّت هذه الأزمات الجديدة- خاصة أزمة الرهن العقاري (2008م) – الكوارث الاقتصادية العالمية؛ وما زالت هذه الكوارث الاقتصادية تزداد وتتوسع دائرتها يومًا بعد يوم، ولم يتعافَ العالم منها حتى اليوم كما ذكرنا؛ ومن هذه الكوارث على سبيل المثال لا الحصر:
1- (أزمة الركود والكساد في الإنتاج، وحركة الأسواق التجارية) حيث إن جميع الدول في العالم الآن، ودون استثناء، تعاني من أزمة الركود وقلة وضعف الحركة الاقتصادية، رغم انخفاض أسعار البترول، وانخفاض أسعار المعادن والمواد الخام… فقد نقلت الـ (بي بي سي) في 16-1-2016م عن مدير عام صندوق النقد الدولي (كرستين لاغارد) حيث قالت: «إن هذا العام سيكون مخيبًا للآمال، ومازال التعافي من الركود العظيم الذي أعقب الأزمة المالية 2008م مستمرًا؛ لكنه غير قاطع بشدة)
وصرح (تشنغ هوا): الممثل الاقتصادي للصين في البنك العالمي سابقًا قال: «الاقتصاد العالمي يواجه مخاطر الانكماش؛ وخطر الانكماش العالمي أعلى الآن من أي وقت مضى خلال هذا العام 2016 والعام الماضي، بينما يحاول الاقتصاد العالمي النهوض من تراجعه…»
ويقول الخبير الاقتصادي (د. عمرو عدلي) في مجلة السياسة الدولية عن أيلول 2015م: «دخل الاقتصاد العالمي في إطار أزمة هي الأسوأ منذ الكساد الكبير الذي ساد في ثلاثينات القرن الماضي… حيث أصبح الاقتصاد العالمي مهددًا بالركود والكساد الذي ربما يطول…».
أما رئيس الوزراء البريطاني (دافيد كاميرون) في مقال له في (صحيفة الجارديان البريطانية) في نهاية 2014م، فقد قال: «إن المؤشرات سلبية على جدول الاقتصاد العالمي، فبعد ستة أعوام من الأزمة (يقصد الأزمة المالية العالمية في 2008م) التي دفعت إلى تركيع العالم… فإن منطقة اليورو مهددة بالغرق في مرحلة انكماش، بسبب أوضاع عدم الاستقرار والغموض…».
2- التقلبات التي حصلت في أسواق المال في السنتين (2015م- 2016م) وخاصة في أسواق الصين؛ حيث إن الصين خسرت تريليونات الدولارات خلال فترة لا تتجاوز الشهر من بداية هزات السوق المالي…
فقد ذكرت (صحيفة الشرق الأوسط) في عددها بتاريخ 9 يونيو 2015م: «بدأ مسار الهبوط لمؤشر شنغهاي – المؤشر الرئيس لأسواق المال الصينية – في 12 حزيران، وعلى مدى الأسابيع الأربعة الماضية فقد المؤشر(نح) 2044 نقطة أي نحو 39 % من قيمته متراجعًا 5166’ 35 نقطة أعلى مستوى منذ كانون الثاني 2008 لتفقد الأسهم ثلث قيمتها مما أكسب الأسواق خسائر قدرت بنحو 3،2 تريليون دولار في أقل من شهر…».
ويرى الاقتصادي الأميركي (توم دي مارك) «أن مخاطر انزلاق السوق الصينية تقلق الساسة ورجال المال في أنحاء العالم؛ لأن تباطؤ الاقتصاد الصيني أو احتمالات حدوث انهيار في سوق الأسهم، سيكون كارثة على الشركات الأميركية والأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على السوق الصينية. أما على صعيد العملة فإن انهيار اليوان سيعني عمليًا إغراق الأسواق العالمية بالسلع الصينية الرخيصة جدًا، وهو ما يعني قتل دورة انتعاش الاقتصاد الأميركي وعودة أوروبا للكساد الاقتصادي الكبير…».
3– ما جرى في أميركا من وضع خطة لرفع نسبة الفائدة حتى تصل إلى 2% بالتدريج، وذلك لرفع قيمة الدولار الأميركي، رغم أن أميركا لم تتعافَ من آثار ونتائج الأزمة سنة 2008م؛ حيث إنها عمدت في بداية الأزمة إلى خفض نسبة الفائدة حتى وصلت إلى الصفر المئوي، وذلك من أجل إيجاد السيولة في الأسواق، وتشجيع الاستثمار في المشاريع؛ لأن آثار الأزمة كانت مدمرة على القطاع الإنتاجي…
إن رفع نسبة الفائدة بهذه الطريقة تعتبر مقامرة بالاقتصاد الأميركي الداخلي؛ لأن المشاريع تقل نتيجة قلة السيولة وعدم تشجّع الناس لأخذ القروض الاستثمارية بسبب ارتفاع الفائدة على القروض. وزيادة على ذلك، فإن ارتفاع قيمة صرف الدولار الأميركي – نتيجة رفع سعر الفائدة – تجعل الحركة التجارية الخارجية في كساد كبير؛ لأن أسعار السلع ترتفع مقابل العملات الأخرى، وبالتالي فإن التجارة – خاصة الخارجية – يصيبها الكساد… حيث أشار استطلاع للرأي أجرته جامعة (ديوك) الأميركية على كبار المسؤولين الماليين في البلاد «إلى أن ارتفاع الدولار أثر بالسلب على الصادرات الأميركية، مع تأكيد 75% من الشركات التي تمثل الأسواق الخارجية حوالى 25% من إجمالي مبيعاتها الأثر السلبي لقوة الدولار، وخفضت حوالي 25% من الشركات خطط الإنفاق الرأسمالي بسبب تأثير صعود العملة الأميركية»، ولا يقف هذا التأثير على أميركا فحسب، بل ينتقل بسرعة كبيرة إلى جميع الأسواق العالمية، يقول الدكتور (عبد الله علاوي) – وهو رئيس قسم الأبحاث بالجزيرة كابيتال السعودية: «إن رفع أسعار الفائدة يعمق الركود ويضغط على الاقتصاد العالمي الذي تنتابه حالة من التباطؤ بالعديد من الدول، ومنها الصين وبعض دول أوروبا».
فما جرى من رفع سعر الفائدة في البنوك الأميركية كان دافعه كبيرًا، وهي بدون مبالغة عملية إنقاذ للدولار ولهيبته العالمية من الانهيار، حيث سبق إقدام أميركا على رفع سعر الفائدة عدة محاولات من قبل الدول الكبرى لاستبدال مدخراتها من الدولار بالذهب، وهذا الأمر قد بدأت به الصين وروسيا، حيث ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في عددها (12327) سنة 2012م نقلًا عن (نشرة ويلث وير)، في تقريرها الأخير «إن الحكومة الصينية تواصل زيادة مشترياتها من السبائك الذهبية؛ حيث اشترت بين (أيار) عام 2010م وحتى أبريل (نيسان) من العام الماضي 2011م نحو 66 طنًا من الذهب، ثم ارتفعت هذه الكميات إلى 489 طنًا حتى أبريل الماضي. وهذا يمثل زيادة في كميات الذهب التي اشتراها البنك المركزي الصيني بنسبة 640%. ولكن بعض المصادر في تجارة الذهب تقول: إن كمية الذهب التي تملكها الصين أكبر من هذا الرقم بكثير. وتقول الإحصائيات الرسمية للبنك المركزي الصيني (بنك الشعب الصيني) إن احتياطيات الصين من الذهب تبلغ 1054 طنًا. ويشير مجلس الذهب العالمي في تقريره الأخير إلى أن الطلب السنوي على الذهب في الصين يتجه لاحتلال المكانة الأولى بدلًا من الهند. وحسب قول (ماركوس غروب) المدير التنفيذي لمجلس الذهب العالمي: يقدر الطلب السنوي على الذهب في الصين حاليًا بنحو 850 طنًا.
وذكر محافظة البنك المركزي الروسي (ألفيرا نبيولينا) 20-11-2014م في كلمة أمام الدوما (إلى أن البنك اشترى ما يناهز 150 طنًا من الذهب منذ بداية عام 2014م لتعزيز احتياطيه من المعدن النفيس… ووفقًا لتقرير صادر في الثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول من قبل صندوق النقد الدولي فإن روسيا واصلت خلال أيلول شراء الذهب للشهر السادس على التوالي ليصل إلى 1149 طنًا؛ وهذا يعني أن روسيا صارت من أكبر حائزي المعدن النفيس داخل محفظة احتياطي مصرفها المركزي بالتزامن مع هبوط أسعاره في الوقت الذي تناهز نسبته 10% من تلك المحفظة).
وليست هذه المحاولة الأولى ولا الأخيرة في سعي بعض الدول التخلي عن الدولار الأميركي كغطاء مالي عالمي للعملات، فقد حاولت دول أخرى من قبل هذا أن تتخلى عن الدولار كغطاء نقدي، وكاحتياطي عالمي، وخرجت صيحات على ألسنة ساسة واقتصاديين تدعو إلى التخلي عن الدولار كعملة عالمية؛ وكان أول من بدأ هذه الفكرة هو رئيس فرنسا شارل ديغول في خطابه الشهير في 14 شباط 1965م؛ حيث قال: «… إن الدولار كان في السابق مغطى بالذهب، وأما الآن فهو مغطى بنسبة ضعيفة 20٪، ولو أرادت الدول تبديل رصيدها الدولاري بالذهب بالسعر الرسمي لما استطاعت أميركا ذلك، فيجب استبداله بنظام القاعدة الذهبية». وبعد الأزمة المالية 2008م صدرت صيحات وتحذيرات كثيرة تدعو إلى استبدال الدولار كغطاء نقدي عالمي، وتحذر من بقائه؛ ومن ذلك ما صدر على لسان وزير المالية الفرنسي (ميشال سابان)؛ حيث طرح بالفعل المشروع الفرنسي في بروكسل بمناسبة اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في شهر آب 2014م «بإيجاد بدائل للورقة الخضراء التي تتحكم في اقتصاديات العالم اليوم؛ ما يعني أن الأمر قد تجاوز عتبة التنظير الفكري، ودخل في عمق النقاشات الجدية. في هذا الاتجاه أيضًا حث (يويونج دينج) المستشار السابق للبنك المركزي الصيني- والمعروف بانتقاداته القوية لسندات الخزينة الأميركية التي تستثمر فيها الصين نحو 1.2 تريليون دولار من رصيد الاحتياطي الخارجي- حيث دعا في آب 2014م الزعماء الصينيين على اتباع قدر أكبر من التنويع النقدي في وجه ضعف الدولار… وحذر في المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في بكين من أن ديون الولايات المتحدة، والنسبة التي تمثلها في الناتج القومي الأميركي يسجلان ارتفاعًا مستمرًا، متوقعًا سلسلة من المتاعب الكبرى للأصول الأميركية والاقتصاد العالمي…».
4– انخفاض سعر البترول بصورة كبيرة وكذلك الذهب والمواد الخام، وهذا يدل أيضًا على كساد في الحركة الصناعية العالمية، وقلة الطلب على الطاقة من أجل الصناعة، حيث هبط سعر البترول إلى أكثر من النصف؛ وهذا الأمر( انخفاض سعر البترول) فيه جانب يتعلق بالناحية السياسية المقصودة نتيجة رفع سعر الدولار، وفيه جانب اقتصادي يتعلق بحركة الصناعة العالمية، وانخفاض الطلب على أسواق البترول، والكساد العالمي الذي يعاني منه الاقتصاد بسبب أزمة 2008م… وقد كان لذلك آثار مدمرة على اقتصاديات بعض الدول وعلى وارداتها المالية؛ مثل روسيا والجزائر؛ حيث أثر ذلك على وارداتها وعائداتها المالية التي تعتمد على صادرات البترول بنسبة عالية؛ فقد ذكرت محطة (روسيا اليوم) في 11-1-2016م نقلًا عن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) قال: «إن أكبر ضرر لروسيا ليست العقوبات؛ بل هبوط عائدات الطاقة التي طالما عوّلت عليها الحكومة» وأشار بوتين إلى أن روسيا تشهد حاليًا انخفاضًا في حجم الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.8%، وتراجعًا في إنتاجها الصناعي بنسبة 3.3%، فيما ارتفع معدل التضخم إلى 12.7% في السنة. وذكر التقرير من محطة (روسيا اليوم) «… يواجه الاقتصاد الروسي صعوبات نتيجة هبوط أسعار النفط بأكثر من 60% منذ منتصف عام 2014م، وبسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، وأثر ذلك على الروبل الروسي فانخفض بنسبة 60% تقريبًا مقابل الدولار الأميركي»؛ فقد ذكرت العربية نت في 2 ديسمبر 2014م تحت عنوان(انهيار سعر «الروبل» الروسي لأدنى مستوى منذ 16 عامًا) قالت: «إن قيمة الروبل قد انخفضت بنسبة 60%، مقابل الدولار منذ بداية هذا العام؛ بسبب انهيار أسعار النفط والعقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا؛ بسبب دعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا… وأثر انخفاض سعر النفط في الأيام الأخيرة إلى أدنى مستوى له خلال 5 سنوات بشكل كبير على الاقتصاد الروسي الذي تشكل صادرات الغاز والنفط المصدر الرئيس لدخل الميزانية الفدرالية، وأدى إلى هبوط سعر الروبل بشكل كبير».
أما تأثير هذه الهزة النفطية على اقتصاد الجزائر؛ فقد ذكر تقرير لمحطة (CNN) بالعربية في 19 كانون الثاني 2016م جاء فيه:(… معلوم أن 98% من دخل الجزائر من العملة الصعبة مصدره الجباية البترولية، وبالموازاة مع ذلك فالجزائر تستورد ما يفوق 70% من احتياجات مواطنيها، وبغية استدراك هذا، يقول الباحث في الاقتصاد (الدكتور بن حمو عبد الله ) لـCNN بالعربية: «كان لزامًا على الحكومة أن تجد حلًا لهذه الاختلالات في ميزان مدفوعاتها، فلجأت لرصيدها من العملة (احتياطي الصرف) لتغطية هذا العجز الذي كان يبلغ حوالى 200 مليار دولار قبل انخفاض أسعار النفط ليصل إلى 156 مليار دولار على حسب تقارير الحكومة مؤخرًا». ويقول (الدكتور عدالة العجال) مدير مجلة (الاستراتيجية والتنمية الدولية)، في حديثه لـ CNN بالعربية،: «إن التدابير التي اتخذتها الحكومة الجزائرية مجرد حلول ترقيعية مؤقتة، على المدى القصير، ونتائجها ستكون وخيمة على المدى المتوسط إن لم ترافقها حلول جدية وجذرية».
5 – ما قام به البنك المركزي الأوروبي من خفضٍ لقيمة نسبة الفائدة على اليورو. وهذا الأمر لا يحدث هكذا بدون أسباب، والسبب الرئيسي في ذلك هو تشجيع الحركة الاقتصادية الاستثمارية في الداخل كالصناعة والزراعة وغير ذلك، والشيء الثاني هو زيادة الحركة التجارية وخاصة الصادرات؛ لأن خفض نسبة الفائدة يزيد السيولة النقدية في الأسواق، وغالبًا ما يؤدي إلى انخفاض في سعر العملة أمام الدولار الأميركي، وبالتالي فإن أسعار السلع تنخفض قليلًا؛ مما يؤدي إلى زيادة الصادرات بصورة أكبر. ذكرت الجزيرة نت في 23-3-2016م : «خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي إلى الصفر لتعزيز اقتصاد منطقة اليورو، وهو قرار جاء مفاجئًا لأسواق المال، غير أن البنك استبعد مزيدًا من التخفيضات في الفترة المقبلة… وأعلن البنك عقب الاجتماع – الذي عقده الخميس- خفض سعر إعادة التمويل؛ وهو سعر الفائدة الرئيسي من 0.05% إلى الصفر، وقرر التوسع في برنامج التيسير الكمي عن طريق شراء السندات ليصل إلى ثمانين مليار يورو (89 مليار دولار) شهريًا من ستين مليار يورو (67 مليار دولار) شهريًا، كما خفض البنك سعر الإيداع من -0.3% إلى -0.4% ليتقاضى المزيد من البنوك مقابل إيداع أموالها لديه… وتسلط هذه الإجراءات الضوء على المصاعب التي يواجهها المركزي الأوروبي في ظل تراجع توقعات التضخم، والمخاوف من نمو الأسعار بمعدلات بالغة التدني، غير أن رئيس البنك (ماريو دراغي)، استبعد في تصريحات أعقبت الاجتماع أن يقوم البنك بمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة؛ فالاقتصاد الأوروبي مثله مثل باقي اقتصادات العالم يعاني من ركود عالمي، ولا بد من التغلب على هذا الركود بأساليب ووسائل متعددة…»
ويقول: خبير الاقتصاد الإسلامي (مضر خوجه) في 10-3-2016م: «الخطوة الأوروبية في خفض نسبة الفائدة هدفها دفع العجلة الاقتصادية إلى الإمام، خاصة في ظل خطر الانكماش في منطقة اليورو( 19 دولة)…وتأتي الخطوة التي اتخذها المركزي الأوروبي، بخفض نسبة الفائدة الأساسية من 0.05٪ إلى صفر، في محاولة لإنعاش اقتصاد الدول الـ 19، بعد أكثر من عام من التباطؤ والتراجع الاقتصادي، وزيادة مضطردة في نسب البطالة، وتراجع في معدلات التضخم لأقل من 1٪…» وأضاف خوجه الأمين العام لغرفة التجارة العربية النمساوية، «إن من شأن خفض نسبة الفائدة أن يساعد على ضخ مزيد من السيولة في الأسواق الأوروبية عن طريق الاستثمارات…».q