الأمة الإسلامية أمة واحدة
فلاح أبو ارميلة – بيت المقدس
قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92)
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِىِّ ﷺ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ النَّاسِ» رواه البيهقي في السنن الكبرى.
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (رواه مسلم).
الأمة الإسلامية هي أمة واحدة ولا بد أن تتحقق الوحدة الإسلامية فيها، فكيف السبيل إليها؟ وما هي معالمها ومظاهرها؟ وما هو الحكم الشرعي المتعلق بها؟
الحكم الشرعي
في الوحدة الإسلامية:
قال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)) (سورة المؤمنون).
تحقيق الوحدة الإسلامية بجميع معالمها السياسية أو الفكرية أو الشعورية فرض لازم لا يجوز له أن يتخلف في أي حالة من الأحوال، فالوحدة السياسية هي النتيجة الطبيعية للوحدة الفكرية والشعورية إن تحققت في المجتمع وأصبحت الأفكار والمشاعر الإسلامية رأياً عاماً صادقاً، وهي بدورها العامل المساعد بل المحوري لحماية الوحدة الفكرية والشعورية من الانهيار أو الاختراق من كل فكر ليس من الإسلام.
معالم الوحدة الإسلامية ومظاهرها:
– الوحدة السياسية (الخلافة) أو الطريقة العملية لتنفيذ الإسلام وأنظمته المتعلقة في جميع شؤون الحياة، واعتبار القوي ضعيفاً حتى يؤخذ الحق منه، واعتبار الضعيف قويا، حتى يؤخذ الحق له.
– الوحدة الفكرية (العقيدة والشريعة بأحكامها القطعية والفروعية ونفي ونبذ كل فكر أو رأي غير مبني على العقيدة أو منبثق عنها).
– الوحدة الشعورية (وحدة الفرح والسرور لظهور الإسلام أو أي من معانيه، أو الغضب والنفور لظهور الباطل أو أي من علاماته) أو (هي الحياة العملية في ظلال الأخوة الإسلامية) أو (هي المشاعر الفياضة الحميمة التي تجعلك تفرح لكل خير أصاب مسلماً، كما تفرح لما أصابك من الخير وتحزن لكل شر أصاب مسلماً كما تحزن لما أصابك من شر).
الوحدة السياسية:
عَنْ أَبِى حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌ خَلَفَهُ نَبِيٌ وَإِنَّهُ لاَ نَبِيٌ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ». قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» (رواه مسلم).
أما الوحدة السياسية فيجسدها إقامة الخلافة إن لم تكن قائمة، والحفاظ عليها من الانتكاس أو التراجع وحماية ثغورها إن كانت قائمة، وهذا المعلم هو أهم المعالم على الإطلاق؛ لأنّ له تأثيراً ملموساً على تطبيق الإسلام وحماية الدار والضرب على يد المسيء ممن يخرم هذه الوحدة الإسلامية مطلقاً: بغياً وخروجاً على السلطان أو على أفكار الإسلام ارتداداً أو ذنبا.عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ». (رواه مسلم)، هذه الوحدة السياسية هي التي تذيب الفوارق الجغرافية وتحطم الحدود القطرية وتقضي على التفاخر بالأنساب أو الجاه أو تحقير الآخرين أو ذمهم أو قدحهم أو قذفه.
فهي التي تجعل المسلمين أمّة من دون الأمم، وتميزهم بتوادهم وتعاطفهم وتراحمهم وحبهم عن سائر الناس. فالوحدة السياسية تحققها الأمة وتجسدها بإنابة حاكم أمير للمؤمنين خليفة سلطان ينفذ عليها شرع الله ويحول النصوص الجميلة كونها وحياً من الله من نصوص تهفو النفوس إلى تطبيقها إلى تطبيقها بالفعل، فيصبح إطعام الفقير حقيقة على الأرض تتحول إلى مال يقام به مشروع للاستغناء عن السؤال أو طعام وشراب يذاق فيقضي على الجوع والعطش دون منّة وأذى بل كحق لمستحق وجب تنفيذه، ويصبح الدفاع عن الثغور واقعاً يجعل الكفار يفكرون ألف مرة قبل أن يتجرؤوا على الاعتداء على مسلم أو مسلمة في أقصى الأرض، وهو الذي يأخذ من أموال الأغنياء ليردها على الفقراء، وهو الذي يضرب على يد المسيء ممن استحوذ عليه الشيطان، وهو الذي يحافظ على كرامة غير المسلمين ممن ارتضوا أن يدخلوا في عقد الذمّة ويكونوا جزءاً من الرعية. فهذا المظهر هو الذي يباشر الحفاظ على المظاهر والمعالم الأخرى للوحدة، أي هو الترجمة العملية للوحدة الفكرية والشعورية للأمة الإسلامية، وذلك لأن الوحدة الفكرية والشعورية للأمة تبقى أمنيات نظرية ما لم تتجسد في كيان تنفيذي، وهذا الكيان هو الذي يوجد المجتمع الإسلامي عملياً وواقعياً بتوحيد النظرة إلى المصالح والمفاهيم الأساسية عن الحياة بعد وحدة العقيدة (الفكرة الكلية عما وراء الكون والإنسان والحياة) وتوحيد مشاعر السرور والرضا أو السخط والنفور إزاء الأعمال التي تقع في الكون في الدائرة التي يسيطر عليها الإنسان.
وفي حال غياب هذا الكيان وجب على المسلمين العمل بجدية وإرادة حقيقية لإيجاده ؛لأن بوجوده وجود للإسلام في الحياة والمجتمع والدولة، وبانعدامه إنعدام للإسلام في واقع الحياة؛ لأنّ الإسلام لا يمكن أن يطبق إلا من خلال دولة وكيان تنفيذي يترجم رغبة المسلمين الجامحة وإرادتهم الصادقة في تطبيق شرع الله عليهم بعد إن ذاقوا حلاوة الإسلام وحلوا العقدة الكبرى وأدركوا مركزهم من هذا الكون ووظيفتهم في هذه الحياة.
ولكن، هل بانعدام وجود هذا الكيان كما هو واقع المسلمين اليوم للأسف (الوحدة السياسية العملية) تنعدم مظاهر الوحدة بين المسلمين؟ أم يجب عليهم إيجاد بعض مظاهرها مما له علاقة مباشرة في إيجاد الوحدة السياسية لأنّ إيجاد الوحدة السياسية (الخلافة الإسلامية) لا يمكن أن يكون إلا إذا توحد المسلمون فكرياً وشعورياً كي يتوصلوا إلى تطبيق أنظمة الإسلام عملياً؟.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبِنَاءِ فِي زَمَنِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ فَقَالَ عُمَرُ: «يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ، الأَرْضَ الأَرْضَ، إِنَّهُ لاَ إِسْلاَمَ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ إِلاَّ بِإِمَارَةٍ، وَلاَ إِمَارَةَ إِلاَّ بِطَاعَةٍ. فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفِقْهِ كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هَلاَكًا لَهُ وَلَهُمْ» (رواه الدارمي).
وكما أنّ المسلم مطلوب منه تطبيق الإسلام ما استطاع إلى ذلك سبيلا وبكل الأحوال، سواء أكانت دار الإسلام قائمة أم لم تكن، بدافع التقوى قبل خوف السلطان، كذلك مطلوب من المسلمين أن يحققوا الوحدة الفكرية والشعورية امتثالاً للأوامر والنواهي التي شرعها الله بدافع التقوى أيضاً.
الوحدة الفكرية:
أما الوحدة الفكرية فهي التي توحد المسلمين في نظرتهم لما وراء الكون والإنسان والحياة،أي العقيدة التي منها أنّ لله وحده حق إصدار الأحكام على الأفعال والأشياء من جهة المدح والذم أي الثواب والعقوبة، وأنّ الإنسان ليس له دور هنا إلا فهم دلالات خطاب الله، أي وحي الله المتمثل في الكتاب والسنة.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب:36).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» (رواه البخاري)، ولا يخرم ولا يجوز أنّ يخرم هذه الوحدة الفكرية اختلاف المجتهدين في فهم النصوص الاجتهادية، أي غير القطعية؛ لأنّ الإسلام أقرّ حصول الخلاف فيها، فمن تعصَّب لرأي مختلَف فيه فعامله معاملة الرأي القطعي خالف الوحدة الفكرية ووجب على العقلاء والراشدين الأخذ على يديه ومنعه من ذلك، فوجود الأحناف أو الشوافعة أو المالكيين أو الحنابلة أو الظاهريين أو غيرهم ممنوع أنّ يشكل طوائف وجماعات ومذاهب تنفي عن المخالف العلم أو تدعو إلى ازدرائه والانتقاص من شأنه، فتدعي كل فئة أنّها حازت الحق ومن خالف ليس على شيء كما فعلت اليهود والنصارى. فالمسلمون مجمعون على أن للمجتهِد في المجتهَد فيه له أجران إن أصاب عين الحق، وله أجر واحد إن أخطأه، ولكن كيف السبيل إلى معرفة من الذي أصاب عين الحق في هذه الدنيا؟ لا سبيل. ولهذا كان الله هو الذي يحكم بين الخلائق فيما كانوا فيه يختلفون، وهو الذي يعطي الأجرين لمن يستحق، والأجر الواحد لمن يستحق من المجتهدين، ويعاقب من اتبع الهوى وتجرأ على الفتيا وهو ليس من أهلها.
قيل للإمام أبي حنيفة: هذا الذي تقول، أهو الحق الذي لا شك فيه؟
فأجاب رحمه الله: وما أدراني، لعله الباطل الذي لا شك فيه.
وكون الفكرة الأساس هذه متفق عليها بالإجماع، وهي إنّ وقوع الاختلاف في فهم النصوص الظنية يجعل من هذا الخلاف الجائز شرعاً غير خارم للوحدة الفكرية، سواء جمع الخليفة المسلمين على رأيٍ مما اختلف فيه أم ترك الأمر للمسلمين أن يعبدوا الله كل حسب ما غلب على ظنه وفق أحكام الاجتهاد الصحيح والتقليد السائغ.
وفي اللحظة التي تصدر الآراء والأحكام على الأفعال والأشياء والأفكار من غير النصوص بدافع الهوى أو التقليد للأجنبي وما لديه من وجهة نظر خاصة به عن الحياة يَخرج من صدر منه ذلك عن هذه الوحدة ليس إلا؛ لأن ذلك تحاكم إلى الطاغوت وقد أمرنا أن نكفر به.
وبناء عليه: من وقع من المسلمين في داء احتقار أو ازدراء أو اتهام من خالفه في حكم شرعي صدر عن اجتهاد صحيح فهو الذي خرج عن الوحدة الإسلامية؛ لأنه هو الذي خالف الهدي النبوي ومفاهيم الإسلام.
فالدائرة الإسلامية (الوحدة) تتسع لكل الاجتهادات الصحيحة وليست حكراً على فئة دون أخرى، والعلماء أقصى ما قالوه في هذا الشأن:
“رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” وما أروع ما قاله احدهم لمثل هؤلاء الذي يسفهون مخالفيهم ويدّعون أنّ رأيهم هم هو السنة: مثلاً الإمام أحمد بن حنبل هو من أكثر العلماء الذين لهم في المسألة رأيين وربما أكثر، فهل الإمام يرمي بعضه بعضه بما ترموا به مخالفيكم؟ فهل بعض الإمام يفسق بعضه إن فسقتم؟ وهل بعض الإمام يكفِّر بعضه إن كفَّرتم؟ أم هي دوران مع الأدلة الأقوى حيث وجدت؟
وهنا نكتة لا بدّ من توكيدها، وهي أنّ وقوع هذا الخلاف لا يجعل الأمر محلاً للهوى والتشهي في الاتباع، فيختار المقلد الحكم الذي يميل إليه ويهواه ويشتهيه؛ وذلك لأن اتباع المجتهد لما غلب على ظنه أنه حكم الله فرض كما الحكم القطعي، واتباع المقلد للحكم الشرعي الذي غلب على ظنه أنّ المجتهد الفلاني هو الأعلم والأورع فرض كما الحكم القطعي من ناحية الالتزام به، فليس الأمر اختيار رأي من آراء هكذا دون مرجِّح يقره الشرع.
إنّ الجاهل هو من يظن أنّ الخلاف في الفروع يخرم الأخوة الإسلامية وحقوقها شرعاً، وأن هذا الخلاف يمزق الوحدة الإسلامية.
أما التنكر للإسلام نفسه، والتقليد الأعمى أو البصير أي عن قناعة به، واستيراد مناهج ملل الكفر وأنظمتهم، أو جعل الإسلام يقول بقولهم وتأويله بما يلائم أهواءهم، فهو الذي يقضي على الوحدة الفكرية بين المسلمين كتبني العلمانية الديمقراطية أو المادية الاشتراكية أو غير ذلك من ملل الكفر ونحلهم… وهنا البغض في الله مطلوب والشفقة على هؤلاء، والحرص على إقامة الحجة عليهم واجب.
الوحدة الشعورية:
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ» (رواه أحمد).
أما الوحدة الشعورية فهي الوحدة التي لا يجوز أن تنتهك بحال، فالمصيبة التي تقع على مسلم أو مجموعة منهم يجب أن يستشعر الحزن فيها جميع المسلمين في العالم الإسلامي، فما يقوله بعض الجهلة عند إعلامه بمآسي المسلمين في مكان ما من أنّ هذا لا يعنيه كبيرة من الكبائر، والفرحة التي تحل بمسلم أو مجموعة من المسلمين يجب أن تفرحهم جميعاً، فمن سمع أنّ مسلمة اغتصبت أو حتى أهينت من علج من العلوج وجب عليه أن لا ينام الليل كمداً وأسى، ومن سمع أنّ النساء في المكان الفلاني بدأت تعود للالتزام بالإسلام وترتدي الجلباب وغطاء الرأس ولو على يد جماعة يخالفها في بعض الأحكام الاجتهادية فيجب عليه أن يفرح فرحاً شديداً كما يفرح لو كان هذا الخير جرى على يده نفسه، فالأمر ليس استعراض عضلات ومزايدات وتفاخر، فذلك يحبط العمل وينسف الأجر، ولا مانع من أن يغبط إخوته وينافسهم في هذا الخير ففي هذا فليتنافس المتنافسون.فمن منَّ على الله إسلامه أو أعماله فهو ممن ادعى الإيمان ولم يدخل الإيمان قلبه بعد.
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.» (رواه البخاري).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» (رواه مسلم).
ليس سلام الألسنة التي لا يتجاوز الحناجر بل سلام القلوب بكل ما فيها من محبة في الله لعباد الله في الله ولله.
ولأن المشاعر تتشكل نتيجة الفكر الذي يؤمن به الإنسان أو يراه صواباً، فان الوعي على الإسلام فكرياً هام جداً للحفاظ على مشاعر الحب للمؤمنين والبغض للكافرين ولأعمال المذنبين. فالله أمرنا بالعدل مطلقاً ومنعنا من الظلم ولو كان بيننا وبين قوم شنآن، ومنعنا أن نحابي ذوي القربى على حساب الحق، وبمعنى آخر أوجب الإسلام أن تكون المشاعر نتيجة إدراك الفكر الإسلامي الصحيح وامتثاله وليس نتيجة الدفع الغريزي وبواعثه.
فهل حبي الغريزي لأبي يجعلني أدافع عنه وأقف معه ضدّ جار لنا إن كان أبي على باطل؟
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا». قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وهل إطعام ولا أقول إحسان (جندي كافر) لبعض المحجوزين لا لكلهم يجعلني أنسى العداء المتأصل فأحبه لذلك؟
نعم، إنّ الخلل في النظرة والحكم على الواقع يؤدي بشكل آلي في داخل الإنسان إلى خلل في المشاعر والنفسية، وهذا بدوره يؤدي إلى خلل في العمل إلا أن يضبط وفق الشرع.
فالمسلم الحق يجب أن يمعن النظر مبتعداً عن الهوى عند إصدار الأحكام على الواقع، وعلامة ذلك تأثيره على المشاعر، فإن كانت المشاعر منسجمة مع ما أمر الله سبحانه به من حب المسلمين ولو كانوا من مرتكبي بعض المعاصي، والشفقة عليهم والحرص على هدايتهم لأن النفرة هنا من أعمالهم لا منهم، فإن وجد الأمر منسجماً مع شرع الله أقدم ولا يبالي، مثل إقدام الجلاد لإيقاع عقوبة الزنا على الزاني استجابة لأمر الله وليس حباً في التشفي أو لغلظة في القلب، فهنا لا يقال الرأفة مطلوبة لأن المشاعر في هذه الحالة تستجيب لأمر الله بإيقاع العقوبة لأنه تعالى أعلم بالإنسان وما يصلحه، ومشاعر الشفقة والرأفة هنا هي من نوازع الشيطان ووسوسته، بل المذنب المخلص نفسه يكون فرحاً مسروراً لإيقاع العقوبة عليه كما حدث مع ماعز رضي الله عنه و الغامدية رضي الله عنها؛ لأنّ إيقاع العقوبة في الدنيا جابرة لعقوبة الآخرة عند من تاب التوبة النصوح.
فالمشاعر الإسلامية ليست مشاعر ضبابية ولا ضابط لها، بل الشرع نفسه أرشدنا إلى كيفية التعامل معها حتى لا نتبع خطوات الشيطان ونحن نظن أننا نحسن صنعاً.
أما الجماعة التي تستحي من مفاهيم الإسلام وتميِّعها وتحوِّرها أو تحرفها مخالفة للقطعي من الأمور أو مستنبطة للأحكام مما يسمى الشرعة الدولية فهؤلاء يجب بغضهم في الله لهذا الاعتبار مع استفراغ الوسع واختيار أنجع الوسائل والأساليب لإنقاذهم من النار؛ لأن المشاعر الفياضة عند المسلم تقتضي منه إنقاذ العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، فمثل هؤلاء المنهزمين أولى بدعوتهم أن يرجعوا إلى دينهم الحق وتنفيذ شرع الله.
إنّ مشاعر المسلمين تحتاج إلى انقلاب كما أفكارهم وحلولهم المستوردة سواء بسواء، وعلى حملة الدعوة أن يبدعوا الآن في كيفية إحداث هذا الانقلاب في المجتمع.
وأول خطوات ذلك حب الخير للناس وحب هدايتهم لا جلدهم بالقول عند الحديث أو اعتزالهم طلباً للراحة أو السلامة.
فالأمة الإسلامية أمة واحدة في أفكارها ومشاعرها ولا يكمل أمرها إلا بوحدة أنظمتها عبر إقامة الخلافة الراشدة، التي قَرُب زمانها بإذن الله.
فلاح أبو ارميلة (أبو رمضان)
بيت المقدس/ فلسطين
16 من جمادي الثاني 1433هـ
(محل سلوان)