مواقف يتحكم فيها الهوى
2012/07/11م
المقالات
2,001 زيارة
مواقف يتحكم فيها الهوى
حمد طبيب-بيت المقدس
إن المتابع المدقق لأحداث الثورة السورية العظيمة، يرى أن هناك مواقف متعددة قد صدرت من الأفراد والجماعات تجاهها، ويرى التباين والاختلاف والتناقض في المواقف للشخص الواحد أو الجماعة الواحدة .. فمن مؤيد لهذه الثورة الأبية العظيمة، إلى معارض يُظهر الإنكار والتنكر لدماء الشهداء فيقول: إن النظام السوري هو نظام ثوري ونظام ممانعة و صمود في وجه الصهيونية والإمبريالية، إلى متردد بين هذا وذاك؛ مرةً يُظهر التأييد والمباركة، ثم ينعكس مؤشر اتجاهه ليظهر التنكر مرة أخرى.
فقد أظهرت على سبيل المثال (حركة حماس) داخل فلسطين التنكّر في بداية الأمر لنضال الشعب السوري الأبيّ، ثم صارت تقول بعد ذلك بفترة زمنية: «هذا شأن سوري داخلي وليس لنا علاقة به.. »، ثم راجعت حساباتها هذه الأيام بعد تيقّنها أن هذا النظام زائل لا محالة، وأن التعلّق بحباله البالية قد جلب عليها نقمة الجماهير المسلمة، وحتى نقمة البعض من أتباعها، فأخذت تعلن تأييد الثورة ضد النظام الأسدي المتهاوي المتهالك قريباً بإذنه تعالى…
فقد صرح خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لمحطة الجزيرة الفضائية في 27/12/2011م قال: «…قيادة حماس موجودة في سوريا، ولنا تاريخ طويل فيها، وقطعاً لدينا وفاء لهذا النظام الذي وقف مع المقاومة الفلسطينية ومع حماس ودعمنا دعماً بلا حدود… »، وصرح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (موسى أبو مرزوق) لمحطة العربية (برنامج أستوديو بيروت) في 2/3/2012م حيث قال: «إن حركة حماس تقف مع الشعب السوري المطالب بالحرية، لكنها في الوقت نفسه ليست ضد النظام السوري… »، وفي 25 /2/ 2012م قال رئيس حكومة حماس في غزة في خطبة الجمعة: «نحيّي الشعب السوري البطل الذي يسعى للحرية والديمقراطية والإصلاح…»
ويشبه هذه المواقف أيضاً في التناقض؛ الحديث عن الشيعة من قبل حماس وبأنهم من الفرق الضالّة المضلّة، وأن أكثرهم كفّار، ثم في نفس الوقت يقوم رئيس حكومة هذه الحركة بزيارة إيران وتأييد مسؤوليها وحكّامها، مع العلم أن إيران هي على المذهب الشيعي، وفي نفس الوقت تؤيد النظام الإجرامي -العلوي النصيري- في سوريا، وتقدّم له كل دعمٍ ماديٍّ ومعنويّ!! ..
ومن المواقف المتناقضة ما يظهره حكام تونس الحاليين – وهم من نتاج الثورة ضد الظلم – من عداء للنظام السوري والمناداة بتغييره على نهج ما جرى في اليمن… وفي نفس الوقت يُظهر حكام تونس الحاليّين التأييد والمباركة لأنظمة دكتاتورية على شاكلة النظام الأسدي في مناطق متعددة من البلاد العربية؛ كالنظام الجزائري الذي حصد عشرات الآلاف من الأبرياء المسلمين في الجزائر بمشاركة الفرنسيين، وكالنظام المغربي الذي يتنكّر للإسلام والمسلمين، وكباقي الأنظمة الدكتاتورية في الجامعة العربية!! ..
ومن المواقف المتناقضة -والتي لا تستند إلى فكر ولا إلى حكم سليم من المبدأ- ما كانت تظهره حركة (الإخوان المسلمين) من تأييدٍ للمجلس العسكري الحالي في مصر في بداية الأمر، وفي وجوب المحافظة عليه وعدم إسقاطه، وما صدر على ألسنة قادتها في دعم هذا المجلس العميل لأميركا وكيان يهود، والانضواء تحت لوائه في البرلمان، وفي نفس الوقت كانوا يحاربون الفرعون السابق وأتباعه ويطالبون بمحاكمته، فما هو الفرق بين الفرعون السابق (مبارك) والحالي (طنطاوي)، وماذا تغير في حقيقة الحكام داخل مصر؟!
ثم انقلبت هذه التصريحات والأقوال رأساً على عقب في هذا العام، فقد صرح الدكتور محمود غزلان (المتحدث الرسمي باسم الإخوان المسلمين) في 2012/2/2 م: «إنه لا فرق بين المشير الطنطاري ومبارك في التعامل مع الأمور الجادة…» وصرح كذلك في 2012/4/4 م أن البرلمان المصري بأغلبية ٪90 يطالب بإقالة حكومة الجنزوري وإعطاء القوى السياسية الممثلة للبرلمان حق تشكيل حكومة توافقية، وقال أيضاً إن دفع الجماعة بالمهندس الشاطر للسباق الرئاسي لا يعني تراجع الإخوان بالمطالبة بإقالة الحكومة… »
ومن المواقف المتناقضة لحركة الإخوان في مصر ما كانوا يظهرونه من عداء لكافة الاتفاقات الموقعة مع اليهود في (كامب ديفيد) وغيرها قبل الثورة، وما يعلنونه اليوم من موافقة على بقاء هذه الاتفاقات ضمن (القانون الدولي والاتفاقات الدولية(، وذلك بعد دخول البرلمان المصري!! .. ذكرت مجلة (نيويورك تايمز) أن رضا فهمي (أحد المسؤولين في الجماعة الذي يتولى مسؤولية الإشراف على العلاقات مع الفلسطينيين، ويرأس حالياً لجنة الشؤون العربية في مجلس الشورى المصري)؛ قد صرح في 24/3/ 2012م فقال: «إن الوحدة الفلسطينية قد تكسر الحاجز في وجه المحادثات مع إسرائيل، وقال بأن الحركة تلتزم باتفاق السلام الموقع عام 1979م كونها أعضاء في الكيان الحكومي لمصر.. »
وصرح (الدكتور مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين) في 9/3/2012م: «أن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، يرفض اتفاقية كامب ديفيد مع الجانب الإسرائيلي، ولكن ليس من حق الحزب أو الجماعة رفضها الآن، جاء ذلك في مؤتمر عقد بجامعة سيناء بالعريش، وأضاف المرشد السابق، أن الاتفاقيات الدولية، ومن بينها كامب ديفيد، يجب أن تعرض على البرلمان، وهو صاحب القرار في رفضها أو إلغائها…»
ومن مواقف التناقض أيضاً تجاه قضية سوريا ما كان يعلنه زعيم حزب الله في لبنان بأن الشعب هو الذي يختار حكومته في لبنان، وأن له الحق في نزع ثقته من هذه الحكومة، وما يعلنه اليوم بأن الشعب الذي قام في سوريا بأغلبه يرفض الحاكم في سوريا ويريد التخلص منه بأن هذا الشعب موجّه من القوى الإمبريالية والصهيونية المعادية للنظام الأسدي في سوريا…
فلماذا هذا التناقض في المواقف أو التردّد والتأخّر في الوقوف بجانب الحق؟! ولماذا التناقض -بعض الأحيان- بين المواقف الصادرة عن الحكام وبين الجماعات والأفراد؟!
هل هو يا ترى جهل وعدم دراية بمجريات الأحداث داخل سوريا، أو ببعض الأنظمة العربية ممن هم على شاكلته ؟! أم يا ترى هي المصلحة التي تتقلب حسب الأهواء والظروف والأحوال؟!
وقبل الإجابة عن هذا السؤال نقول: إن موقف المسلم تجاه أي حدث يجب أن يكون مبدئياً ولا يتبع الهوى، لأن الهوى يضل الإنسان ويوقعه في التناقض والتردد والحيرة من أمره قال تعالى: ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)) وقال: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)).
فهكذا كانت مواقف الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً تجاه الظلم والشرك وأهل الباطل، لدرجة أن كثيراً منهم قُتلوا على أيدي أقوامهم بسبب ثباتهم على الحق وعدم مجاراتهم للباطل، فقتل من بني إسرائيل يحيى وزكريا عليهما السلام، وحاولوا قتل عيسى عليه السلام لولا أن رفعه الله إليه، وهكذا كان موقف سيد الأنبياء عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث رفض الجاه والسلطان والحماية أو النصرة إلا إذا كانت حسب شروط الوحي الرباني، وعندما جاءه عمه أبو طالب يريد منه التخفيف من التعرض لآلهة قريش أجابه قائلاً: «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك دونه ما تركته… » (السيرة النبوية- ابن كثير)، ورفض كذلك عليه السلام أنصاف الحلول أو الملاينة أو المجاراة في العقيدة حين عرض عليه كفار مكة أن يعبد آلهتهم شهراً مقابل أن يعبدوا إلهه سنة كاملة، وتلا عليهم قوله عز وجل: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6))0
فالمسلم المبدئي الذي يستند إلى العقيدة الصحيحة والأحكام النيرة المستقيمة، لا يلتفت إلى أي مصلحة دنيوية، مقابل مواقفه وولائه أو تأييده للزعماء والحكام وسكوته عنهم، بل إن موقفه دائماً يستند إلى دينه رضي الناس منه ذلك أو سخطوا؛ لأنه يلتزم قوله تعالى: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13))، وقوله تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس» رواه الترمذي؛ يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسير الظلال: «..وأول خطوة في الطريق هي تميُّز الداعية وشعوره بالانعزال التام عن الجاهلية: تصوراً ومنهجاً وعملاً. الانعزال الذي لا يسمح بالالتقاء في منتصف الطريق. والانفصال الذي يستحيل معه التعاون إلا إذا انتقل أهل الجاهلية من جاهليتهم بكليتهم إلى الإسلام؛ لا ترقيع، ولا أنصاف حلول. ولا التقاء في منتصف الطريق… مهما تزيت الجاهلية بزي الإسلام، أو ادعت هذا العنوان! وتميُّز هذه الصورة في شعور الداعية هو حجر الأساس. شعوره بأنه شيء آخر غير هؤلاء. لهم دينهم وله دينه، لهم طريقهم وله طريقه. لا يملك أن يسايرهم خطوة واحدة في طريقهم.»
فلا يوالي المسلم التقيّ الحكام يوماً وينابذهم آخر من أجل الدنيا الفانية الزائلة، ولا تستهويه مناصب ولا مراكز ولا غير ذلك، إنما يعلن للملأ رأيه بما يرضي الله عز وجلّ فيقول: النظام السوري نظام كافر يحارب الله ورسوله والمؤمنين، ويجب على الأمة أن تقف في وجهه، ويتصدى ويتحدى من أجل ذلك، لا يخاف أحداً ولا يخشى في الله لومة لائم أبداً، ويقوم بكل ما بوسعه فعله من أجل تقديم يد العون والمساعدة لإخوانه الصامدين في وجه الظلم في سوريا، ويشعر أن كل قطرة دم تسيل في أرض سوريا على أيدي هؤلاء المجرمين سيحاسب عنها جميع المسلمين على وجه الأرض إن هم قصّروا في تقديم المساعدة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73))، قال عليه السلام: «مَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَتُسْتَحَلُّ حُرْمَتُهُ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ»
أما هؤلاء الذين يتقلبون في كل يوم حسب المصالح والأهواء، فإن الأمة لن تقبلهم قادة لها؛ لأن الأمة لا تعطي قيادتها- وقت الأزمات والمحن- إلا لأمين على دينه أولاً، وأمين على أمته من منطلق هذا الدين ..
لذلك فإن شعب سوريا الأبي الحرّ لن يُسلم قيادته إلا لأمين عليها حتى ولو انخدع بعض الوقت بمن يرفعون رايات الوطنية في المجلس الوطني أو غيره، وكذلك باقي الشعوب في بلاد المسلمين سوف تتلمّس وتبحث عن أهل الإخلاص والثبات على الحق فتقدّمهم في مقدمة الركب حتى ولو انخدعت في بداية الأمر نتيجة جهلها ببعض الحركات والأحزاب، وهذا مصداقاً لقوله تعالى عز وجل: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)) ، وقوله عليه السلام «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله». صدق الله العظيم ورسوله الكريم.
2012-07-11