ألاعيب الغرب لإجهاض الثورات المباركة
2012/07/11م
المقالات
2,049 زيارة
ألاعيب الغرب لإجهاض الثورات المباركة
محمد عايد (بيت المقدس)
منذ أن انطلقت صرخة الثورة في تونس، وهدرت حناجر المسلمين هناك تطالب بالتغيير وإسقاط النظام، ودوّى صوتها في أرجاء الأرض، وتردد بقوة في مصر وليبيا واليمن وسوريا وأقطار العرب والمسلمين، ولمع بريق أمل للأمة يبشر بمستقبل جميل يسقط فيه الطاغوت وتعلو فيه رايات الحق، رايات الإسلام خفّاقة من جديد، منذ تلك اللحظة التي هرب فيها زين الهاربين كالفأر المذعور لا يدري أين المفر… والغرب الكافر يكثف مكره وكيده ليحبط هذه الثورة المباركة ويوصل الليل بالنهار في وضع الخطط والبحث عن مخرج يخرجه من هذا المأزق الذي تردّى فيه هو وعملاؤه من حكام الجور والباطل.
لقد أدرك الغرب أن ما فعله كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى، وهو الآن يحاول أن يعيد سحره ودجله على المسلمين من جديد، ويعيد مكره مرة أخرى فيرسل أبواق إعلامه في طول الدنيا وعرضها تنادي بالدولة المدنية وترتيب الأوضاع الديمقراطية في بلاد المسلمين، ويحاول تغيير وجوه أنتنت وأزكمت رائحتها الأنوف بوجوه تعلوها بعض المساحيق ليغطي بها بشاعته.
وعلى أمة المسلمين الخيّرة أن تتنبَّه لألاعيب الغرب وتحذرها، لأن الغرب لا يبحث إلا عن مصالحه فقط، وإن قتل المسلمين جميعاً وأهلك حرثهم ونسلهم وخرَّب بيوتهم, وما يجري في سوريا الآن أكبر دليل على ذلك، وإن طريق خلاصها هو طريق رسولها e ولا طريق سواه.
ونود في هذا المقال أن نسلط الضوء على بعض ألاعيب الغرب في ثورة العرب والمسلمين، والتي يريد منها تحويل ربيعنا إلى شتاء بارد يريد فيه إعادة إنتاج عملاء له يجدد بهم وجوده، ويمدِّد لنفوذه في بلادهم، ويجهض آمال المسلمين في العودة إلى خلافتهم التي هي موعود ربهم وأملهم القريب إن شاء الله تعالى، ومن هذه الألاعيب:
1) ما يسمى بـ (الإسلام المعتدل): أدرك الغرب المستعمر أن الأفكار والحركات الغريبة على المسلمين كالاشتراكية والرأسمالية والعلمانية والقومية سقطت ولم يعد لها حضور في أوساط المسلمين، بل هي أصبحت ممجوجة منبوذة، وأن المسلمين ما عادوا يثقون إلا بدينهم وبأفكارهم وبالحركات الإسلامية التي تعلن الإسلام مبدأً لها وتسعى لنصرته، فأجرى دراساته على الحركات الإسلامية وصنّفها إلى قسمين، قسم يمكنه التعامل معها ووجد فيها ضالته، وهي الحركات الإسلامية التي تقبل ببعض الأفكار التي ينادي بها الغرب مثل الدولة المدنية والديمقراطية، وكذلك تقبل التدرّج في تطبيق الإسلام، وأطلق على هذه الحركات اسم الحركات الإسلامية المعتدلة، وأجرى اتصالاته معها، كحركة النهضة التونسية، وحركة الإخوان المسلمين في مصر، وسمح لها بدخول اللعبة الانتخابية الديمقراطية بعد أن أعلنت هذه الحركات عزمها إن وصلت إلى السلطة الإبقاء على أسس النظام السابق، كإبقاء البنوك والشركات الرأسمالية، والسماح بتناول الخمور ولباس الشواطئ الغربية في قطاع السياحة وما شابه ذلك، حتى إن وزيرة خارجية أميركا علّقت على ميثاق إخوان سوريا الذي أعلنوه من لندن وقالوا فيه إننا نلتزم بالدولة المدنية الديمقراطية وبكل المعاهدات والقوانين والاتفاقيات الدولية، فقالت نرحب بهذا، وإن التزموا بما أعلنوه فأهلاً وسهلاً بهم، وهذا يعني وبكل وضوح تنازل من الإسلاميين عن أسس مهمة من الأسس المبدئية التي طالما نادوا بها، وطالما هتفوا بأن (الإسلام هو الحل). إنه تنازل من طرف واحد مقابل أن يصل بعض الإسلاميين إلى الحكم على الطريقة الغربية، وهذا مخالف لشرع الله ومغضب لله رب العالمين.
أما القسم الثاني من الحركات، فهو الحركات الملتزمة بكامل طرحها الإسلامي ولم تتنازل عنه قيد شعرة، الملتزمة بمشروعها الإسلامي وهو العمل لإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي يطبقون بها نظام الإسلام كاملاً دون تأخر أو تلكؤ. كما أمر الله سبحانه وطبّق رسوله e، ومن هذه الحركات حزب التحرير. هذا وقد أطلق الغرب على هذه الحركات اسم الحركات الإسلامية الراديكالية أي المتطرفة، والغرب يخشى من هذه الحركات ويحاول التعتيم عليها بكل وسائله ويقاوم مشروعها الذي يعتبره الخطر الزؤام الذي سيقضي عليه وعلى وجوده مستقبلاً، وهذه الحركات وعلى رأسها حزب التحرير يقولون إن الإسلام هو الإسلام كما أمر الله به، وكما أنزله على محمد e، فلا يجوز أن نصنِّف المسلمين إلى معتدلين وراديكاليين، ولا يجوز قبول تصنيف الغرب وأعوانه وحلفاءه للمسلمين حتى لا يشق عصاهم ويفت في عضدهم ويشوش على مشروعهم الإسلامي الذي يجب أن تصب كل الجهود في سبيل عودة الخلافة الإسلامية التي فيها حكم الله لا حكم الديمقراطية والمدنية العلمانية، وحيث يقسم أعضاء مجلس الأمة في دولة الخلافة الإسلامية على حماية العقيدة والشريعة والخلافة الإسلامية لا كما فعلوا في برلمان مصر الجديد والذي أغلب أعضائه من الإخوان المسلمين والسلفيين على حماية النظام الجمهوري بما يعنيه من مخالفات للإسلام.
2) ما يسمَّى بالدولة المدنية: خرج علينا الغرب الكافر بما يسمى الدولة المدنية، وجعل إعلامه يروِّج لها ويحاول إلصاق الطلب والمنادة بها بالثائرين المسلمين المطالبين بالتغبير وإسقاط أنظمة الحكم الفاسدة، علماً أن معظم الشعوب الثائرة على ظلم الرأسمالية الدكتاتورية ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية، بينما فلول العلمانيين ليسوا إلا قلة قليلة لا تذكر، ونتائج الانتخابات التشريعية في مصر وتونس والمغرب أثبتت فوز الحركات الإسلامية، لأن شعوب الأمة الإسلامية لا تختار إلا الإسلام عندما يتاح لها فرصة وحرية الاختيار، وهذا يبشر أن المستقبل إنما هو لدين الإسلام ولأمة الإسلام إن شاء الله تعالى.
فالدولة المدنية هي دولة ديمقراطية علمانية تقوم على أساس العقيدة الرأسمالية وهي (فصل الدين عن الحياة)، وعلى أساس الحريات، وهذه عقيدة كفر مخالفة لعقيدة الإسلام ولدين الإسلام القائم على أساس شهادة أن (لا اله إلا الله محمد رسول الله)، فيحرم المناداة بها واعتبارها دولة قائمة على أساس الإسلام. فالدولة المدنية أصلها عند الغرب عكس الدولة الدينية الكهنوتية التي كانت قائمة في أوروبا إبان العصور الوسطى حيث نادى مفكرو الغرب بإسقاطها لظلمها، ونادى مقابل ذلك بإنشاء ما أسموه الدولة المدنية بعد أن فصلوا الدين عن الحياة، وردّدوا عبارات من مثل (أعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله), و(الدين لله والوطن للجميع)، فإسلامنا يتناقض مع هذه المفاهيم مئة بالمئة، وحكام الدويلات القائمة في عالمنا الإسلامي هم عبيد عند الغرب، سلطهم على أمة الإسلام لإذلالها وللإبقاء على نفوذه ووجوده في بلادنا التي مزقها بعد أن أسقط دولتنا دولة الخلافة الإسلامية التي كانت توحد المسلمين وتحكمهم بشريعة الإسلام… هؤلاء الحكام سفهاء مضلون جبريون تنطبق عليهم أحاديث النبي e حيث قال: (أَلا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرقَانِ، فَلا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ, ألا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ, يَقْضُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَا لا يَقْضُونَ لَكُمْ, إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ», قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: «كَمَا صَنَعَ أَصْحَاَبُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرَ، وَحُملُوا عَلَى الْخَشَبِ, مَوْتٌ فيِ طَاَعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فيِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ». المستدرك. وقال e: «أَعَاذَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ, قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ: أُمَرَاَءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لا يَهْدُونَ بِهِدَايَتِي، وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلا يَردُونَ عَلَى حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذبهمْ وَلَمْ يُعنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَى حَوْضِي». البيهقي. والأمة اليوم لا تريد هؤلاء الحكام ولا من نصّبهم عليها وأجبرها على الخضوع لظلمهم وذلك مهما كلفها من ثمن، فكيف تقبل ببدلاء لهم على نفس منهجهم ومبدئهم الغربي الكافر الفاجر؟! فالعيب في أساس نظامهم، وعيب الأساس لا إصلاح له إلا بهدم البناء والكيان كله وإعادة البناء من جديد. فحتى لو وضع في كراسي الحكم أشخاص ممن يسمَّون بالإسلاميين، فالمسألة ليست متعلقة بإصلاح الأنظمة بل بتغييرها، أي بهدم كيانات الكفر الرأسمالي وإنشاء كيان على أساس الإسلام سمَّاه النبي e الخلافة الإسلامية. روى أبو هريرة أن النبي e قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبَيٌّ خَلَفَهُ نَبِيُّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدي، وَسَيَكُوَنُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ. قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُو بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». متفق عليه.
فالدولة التي يجب على المسلمين إقامتها، شعوباً وحركات وجيوشاً، هي دولة الخلافة، والحكم الذي يجب أن يعيدوه هو حكم شريعة الإسلام، لا تجديد الرأسمالية الجاهلية قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)) فالرأسمالية والاشتراكية والقومية… هي جاهلية تماماً كجاهلية أبي جهل وأبي لهب أيام أصنامهم الأولى؛ لأن الجهل والجاهلية هو عدم معرفة الحقيقة الكونية العظمى، وهي الخضوع لمالك الملك وصاحب الأمر الذي خلق الكون والإنسان والحياة، ووضع نظامها، وكذلك وضع للإنسان نظامه فأمره ونهاه، وأرسل له الرسل وختمهم بسيدنا محمد e فمن يعترف بهذا ويدركه ويلتزم به يكن عارفاً للحقيقة عالماً بها، ومن يخالف هذا يكن في جاهلية ظلماء كائناً من كان. ومصير هؤلاء عند الله معروف ومستقرهم مكشوف.
3) لعبة الانتخابات الديمقراطية: حاولت بعض الأنظمة المتهاوية أمام زخم الغضب الجماهيري العربي في بلاد المسلمين استباق الأحداث الساخنة والالتفاف على ثورات الشعوب وربيعها، فقررت إجراء انتخابات تشريعية كما حدث في المغرب وتونس ومصر، وما تخطط له الجزائر وعمان من إجراء انتخابات تشريعية ليسرقوا إنجاز الأمة، ويقفزوا على دم الشهداء الذين قضوا مطالبين بتغيير حقيقي يرفع فيه الظلم عن أمتهم، ويشرق فجر جديد يحق فيه الحق ويزهق الباطل، فكل المخلصين يتوقون شوقاً أن يكون التغيير على أساس الإسلام، لا تجديداً للعلمانية والديمقراطية، فإلى متى تظل شريعة الإسلام غريبة مغرَّبة في بلادها رغم الملايين الهادرة المنادية بعودتها؟! وإلى متى تتحكم شرذمة علمانية قليلة مع بعض العسكر الموالين للغرب الكافر بمصير هذه الأمة؟!. فعلى أصحاب الفعاليات وعلى كبار الضباط أن يفيقوا من كابوسهم المزعج ويعودوا إلى رشدهم لنصرة دينهم وإعلاء كلمة الله التي بها النجاة والفوز والنصر والفلاح في الدنيا والآخرة. فالديمقراطية الرأسمالية باطلة، وهي نظام جائر متهاوٍ في بلاده التي ولد فيها، وها هي الهتافات في أميركا وأوروبا وأستراليا تنادي بإسقاط الرأسمالية, والعالم تابع المظاهرات الكبيرة التي نادت وما زالت بإسقاط وول ستريت في نيويورك، وحصون الرأسمالية في كبريات عواصمهم .
4) إعداد دساتير جديدة:
الدستور هو القانون الأساسي للدولة, وهو القانون الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، ويبين حدود واختصاص كل سلطة فيها. والغرب يقول إن الدستور هو أم القوانين، ومن الأساليب الملتوية التي اتبعها الغرب، وعلى رأسه أميركا، في محاولةٍ لحرف الثورات العربية عن مسارها ولإجهاضها والالتفاف عليها هو إعداد دساتير جديدة للدول التي حصلت فيها الثورات المطالبة بتغيير نظم الحكم الفاسدة. فهو يحاول الآن إنشاء دستور جديد في كلٍّ من تونس ومصر، على أساس علماني ديمقراطي، وبحسب مفاهيمه المخالفة والمعادية للإسلام. وقد شكّل لجنة للدستور في مصر، نصفها من البرلمانيين، وما لبث أن حلت المحكمة الدستورية اللجنة البرلمانية لأن معظم أعضائها كما يقول العلمانيون وأحزابهم الليبرالية هم من الحركات الإسلامية التي شكلت معظم أعضاء مجلس الشعب، والوضع في مصر الآن مضطرب وفي غاية الصعوبة بسبب إقصاء بعض المرشحين الإسلاميين عن الانتخابات الرئاسية، ومحاولة إعادة إنتاج نظام مبارك عن طريق محاولة انتخاب أحمد شفيق رئيس وزرائه السابق ما أثار الشارع المصري، فعادت الإضرابات والاعتصامات إلى شوارع وميادين القاهرة وكبريات المدن المصرية بسبب تلاعب عملاء أميركا في مسار الأحداث في مصر. وعلى الحركات الإسلامية وممثليهم في مجلس الشعب وعلى كل المسلمين أن يعلموا أنه لا يجوز للمسلمين الاحتكام إلى دستور قوانينه أو بعضها وضعية، ولا يكفي أن ينص الدستور على أن دين الدولة الإسلام، ولا يجوز أن تكون الشريعة الإسلامية هي إحدى مرجعيات قوانين الدستور في أي بلد إسلامي، فهذا حرام، وقد يصل إلى الكفر إن اعتقد واضعوه الأمر اعتقاداً؛ لأن الدستور الإسلامي يجب أن يكون كله من الشريعة الإسلامية، ولا يسمح بوجود قانون واحد من قوانين الدستور من غير أحكام الشريعة؛ لأن هذا احتكامٌ إلى غير شرع الله، وحكم بغير ما أنزل الله، والله سبحانه وتعالى يقول في سورة المائدة: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)). وكذلك يقول تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47))، وفي آية أخرى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)) ويقول أيضاً في سورة النساء: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)), ويقول في سورة المائدة الآية 50: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)).
وعلى المسلمين أن لا يغفلوا عن أن أي دستور يشرع تعدد الدول في أمة الإسلام الواحدة هو دستور باطل وحرام؛ لأنه يخالف النص الذي يفرض وجوب وحدة المسلمين في دولة واحدة. قال e: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» مسلم. وهذا يؤكد حرمة تعدد الكيانات للمسلمين. فدولتهم واحدة، ورئيسهم واحد هو خليفة المسلمين كما سماه رسول الله e. وعلى الحركات الإسلامية التي تشارك في الحراك السياسي الآن أن تعلم هذه الأحكام وأن تلتزم بها إذا أرادت أن ترضي ربها, وعلى المسلمين أن ينهجوا الطريق نفسه الذي سلكه رسول الله e في إقامة دار الإسلام، وإذا أرادوا النصر والفوز عليهم أن يعتقدوا ويلتزموا فكرة أن النصر من الله وليس من أحد سواه، ولا يجوز مداهنة الكفر وأهله، ولا مجاملتهم على حساب ديننا الذي هو عصمة أمرنا وطريق نجاتنا. قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9))، وقال أيضاً: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً). هذا ولا ننسى الآية الكريمة: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)). إن الكفر وأهله عدو للإسلام وأهله، فلا يجوز للمسلمين وحركاتهم الإسلامية الاصطفاف إلا في صف الأمة ودينها، تماماً كما أراده الله سبحانه من غير لبس أو تلاعب بالنصوص الشرعية أو ليّ أعناقها. فها هو الغرب يعبث في تونس واليمن وليبيا ومصر، وها هو يتآمر على سوريا ويتلذذ في قتل النظام لأبنائها المسلمين شيباً وشباباً أطفالاً ونساءً، ويمهله المهلة تلو المهلة لإنجاز ألاعيبه وتحقيق مصالحه.
وإننا نقول للجميع إن دستور دولة الإسلام جاهز منذ مدة طويلة، وقد طرحه حزب التحرير على الأمة الإسلامية دستوراً كاملاً متكاملاً من ألفه إلى يائه، مصدره الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس، جاهزاً للتطبيق الفوري، كفيلاً بحل كل مشاكل المسلمين حلاً إسلامياً عادلاً قويماً لكل رعايا دولة الإسلام، مسلمين وغير مسلمين، ضامناً لهم التابعية الصالحة، أو كما تسمى اليوم المواطنة الفاضلة التي يعيش فيها الجميع باحترام وعز وفخار.
هذه هي دولتنا المرجوّة، دولة الخلافة، أما الغرب فلا يأتينا منه ومن رموزه حكام الجور الرويبضات إلا الداء والبلاء. فخلع الحكام لا يكمل إلا بخلع نظم حكمهم وخلع نفوذ أسيادهم والعودة إلى دين سيدنا الحبيب المصطفى e.
5) دعم الأقليات وتبنّيها: يعمل الغرب على دعم من يسمّيهم بالأقليات في بلاد المسلمين لاستغلالها في الإبقاء على نفوذه, وما جرى ويجري في سوريا أكبر مثال على ذلك، فقد أطلق يد العلويين، وعلى رأسهم نظام الأسد للفتك بالمسلمين السنّة ومن يواليهم للإبقاء على حال سوريا كما هو، وكما رسمته أميركا من بدايات سبعينات القرن الماضي، وسمحت لروسيا والصين بالتدخل السافر الفاضح المخزي في شأن سوريا الشام، حيث راحتا تمدان نظام الأسد بالدعم العسكريّ والسياسيّ والمعنويّ الكامل لتستفيد هي من فرصة ترتيب الأوراق ريثما تهيّئ البديل، وقد بلغ الأمر بـ لافروف وزير خارجية روسيا أن قال إن المعارضة السورية تريد إسقاط نظام الأسد العلويّ لإقامة نظام إسلاميّ سنيّ مكانه, ودعم الغرب لمن سمّاهم الأقليات ليس حباً فيها بل استغلالاً لضعفها ليتسنّى له الاستمرار في سيطرته وقبضه على زمام الأمور في بلاد المسلمين من خلالها. وسياسة أميركا القائمة على المراوغة مع إيران وإطلاق يدها في العراق وسوريا ولبنان والخليج العربي شاهد على ذلك.
هذه بعض ألاعيب الغرب في بلاد المسلمين التي يجب على المسلمين جميعاً الانتباه لها والحذر منها، ونود أخيراً أن نلفت النظر إلى الحقائق التالية مؤكدين ضرورة فهمها وتنفيذها إن نحن أردنا الخروج من النفق المظلم الذي يحاول عدونا حشرنا فيه، ويحاول جاهداً إبقاءنا تائهين في دهاليزه المظلمة:
1- إن الحكام الذين قبلوا السير في ركاب الكافر المستعمر وتنفيذ أوامره ومطالبه هم أعداء للأمة، بل هم أس الداء والبلاء، وهم من سهّل للكافر مهامّه، ومكّنه من السيطرة والإبقاء على نفوذه في بلادنا هذه السنين الطويلة، فيجب خلعهم وخلع نظمهم من جذورها وعدم الاكتفاء بتغيير الرؤوس وإبقاء الأجساد البالية الفاسدة، فلولاهم لما ضاعت فلسطين وأخذها اليهود على طبق من ذهب، ولما ضاع العراق وأفغانستان، ولما مزق وقطع السودان وأقيم في جنوبه (إسرائيل) جديدة. فالبشير الذي قبل تقسيم السودان ليظل في مقعد الرئاسة ها هو الآن يهاجم في عقر داره من الدولة الجديدة في هجلج وغيرها كدارفور وأب، فهو وأمثاله ممن ضيع البلاد والعباد يجب أن يخلع ويحاسب على تفريطه بحق المسلمين في السودان شعباً وأرضاً.
2- قطع يد الغرب من التدخل في شؤون المسلمين، ورفض كل من يتعامل معهم من الحركات أو الحكام أو الأحزاب في بلاد المسلمين، ونذكر ما قاله معاوية بن أبي سفيان لملك الروم عندما حاول التدخل مستغلاً الخلاف بينه وبين الإمام علي t عندما ردّ على كتابه الذي أرسله له “بلغني كتابك، ولئن بقيت على ما هممت عليه لأصالحنَّ صاحبي ولأكوننَّ مقدمته إليك، ولأجعلنَّ القسطنطينية البخراء حممة سوداء، ولأنتزعنَّك من الأرض كما تنتزع الإصطفلينة –أي قطعة الجزر أو البطاطا- ولأعيدنَّك أريساً ترعى الدوابل” –أي راعياً ترعى الخنازير أو مواشي الروم.
وعلى المسلمين أن يعالجوا مشاكلهم بأنفسهم من خلال مفاهيم دينهم، لا من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن والسفارات الأجنبية. فهؤلاء كلهم لا يريدون للمسلمين الخير، ولا يرقبون فيهم إلاًّ ولا ذمة.
3- المستقبل القادم لصالح الإسلام والمسلمين. فرغم قسوة الأحداث وشراسة الأعداء إلا أن المستقبل يبشر بخير للإسلام والمسلمين إن شاء الله تعالى، فقد أثبتت الثورات التي فجرتها شعوب الأمة المسلمة نقاء معدنها وصدق نيتها وقوة إرادتها في التغيير، وكسرت حاجز الخوف الذي كُبِّلت به سنين طويلة، وثبت لها من خلال تجربتها قوتها وضعف جلاديها وأعدائها وأنها تستطيع أن تفعل الكثير، ونرى هتافها ودعوتها للعودة إلى الخلافة في مصر والشام واليمن وتونس والأردن وغيرها، وستصل إن شاء الله تعالى إلى مبتغاها ولو بعد حين. وقد شهد بهذا العدو قبل الصديق، فها هم قادة الغرب ومفكروه يحذرون من عودة الخلافة الإسلامية التي توقع بعضهم أن تحكم من جاكرتا إلى طنجة. قال نيال فيرغسون وهو مؤرخ وكاتب غربي أميركي في 29/10/2011م: “خلال العشر سنوات القادمة سيحدث تغيير جذري وكبير في العالم، وستقوم فيه دولة الخلافة الإسلامية التي ستحكم العالم الإسلامي وتفرض سياستها على العالم كله. والمستقبل لن يكون للصين كما يتوقع البعض، بل سيكون للإسلام في دولة الإسلام، وستتراجع أميركا وأوروبا كثيراً”. وقال حاخام يهودي في مقالة تلفزيونية نشرت على بعض مواقع الإنترنت: “الإسلام هو الدين الصحيح وهو دين المستقبل، واليهودية والمسيحية اندثرتا منذ زمن طويل، وعقيدة الإسلام تستطيع الصمود وتحمل حالات التغير في العالم. فقد بنى محمد الإسلام بناء صحيحاً، وقد أثبت الإسلام ذلك، فلن تؤثر فيه الضربات، بل ظل ثابتاً متماسكاً أمام أصعب التحديات والصدمات، والمسلمون على اتصال دائم مع الله حيث يجثو المسلم على ركبتيه خمس مرات في اليوم في صلاة قصيرة فاعلة مؤثرة، بينما المسيحيّ يذهب إلى الكنيسة يوم الأحد مرة في الأسبوع دون أن يترك أثراً فاعلاً في سلوكه مع الله”. وقال: إن الديمقراطية هي الإلحاد الجامح (اللامحدود)، وهي الشيء القبيح جداً، وقد أغرقت العالم في الوقت الذي لم يبقَ من المسيحية إلا المباني، وإنه لم يبقَ في العالم إلا الإسلام”. وقال: “اسرائيل دولة الشر وأصل الشر، وسوف تسقط، وبعدها سيدخل الناس في الإسلام بالملايين”.
ونشرت قناة الأقصى الفضائية تحليلاً أميركياً ظهر فيه أن الإسلام سيحكم العالم قريباً خلال خمس إلى سبع سنوات. فعلى المسلمين أن يدركوا هذه المعاني، وأن يعملوا للإسراع بعودتها، وأن يهيئوا أنفسهم لكبير الأحداث القادمة قريباً إن شاء الله تعالى.
4- إقامة الخلافة من خلال طريقة الرسول e: فمنذ بدايات الخمسينات من القرن الماضي وحزب التحرير يدعو المسلمين وما زال للعمل معه لإقامة الخلافة الإسلامية على طريقة الرسول e التي رسمها وسار عليها بوحي الله سبحانه وتعالى. فبعد كل هذه السنين والتجارب الطويلة أدرك الكثير من المسلمين أن الخلاص لهم فقط بالعودة إلى الخلافة, ولكن بقي عليهم أن يفهموا جيداً أن إقامة الخلافة وهي حكم شرعي من الله لا تقوم إلا بالحكم الشرعي نفسه الذي أمر الله به، وهي طريقة الرسول e في إقامة الدولة الإسلامية، وطريقته واضحة في سنته فيجب فهمها والالتزام بها، فهي ليست ديمقراطية ولا شرقية ولا غربية بل إسلامية وإسلامية فقط، فقد آن للجميع أن يدركوا هذا وان يلتزموا به.
أما الخلافة فهي موعود الله سبحانه وبشرى نبيه e، فهي آتية إن شاء الله تعالى. فهنيئاً لمن أدركها ولمن أدرك العمل لها، وكما أمر رسول الله e، فهي دولة المستقبل التي ستحكم العالم كله بإذن الله، وتملؤه عدلاً ورحمة كما ملأه الحكام الظَلَمةُ ظلماً وجوراً, قال e: «ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ». اللهم اجعلها قريبة عزيزة قوية منيعة قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون).
2012-07-11