على هامش منتدى دافوس
2004/03/10م
المقالات
1,802 زيارة
على هامش منتدى دافوس
المنتديات والمؤتمرات في هذا الزمان أصبحت لازمة من لوازم السياسة وضرورة من ضروراتها، بل إنها الرئة الاصطناعية التي يتنفس بها السياسيون خارج بلدانهم، ففيها تبدأ صناعة القرارات الدولية، ومنها يبدأ التحضير لوضع الاستراتيجيات النهائية التي يسترشد بها صنّاع القرار. فأنصاف القرارات يتم طبخها في هذه المنتديات والمؤتمرات ويكملون طبخ الأنصاف الأخرى في بلدانهم.
ومنتدى دافوس هذا أصبح يعتبر من أهم المنتديات الدولية لكونه يُعقد في دولة محايدة، وتشترك فيه كل دول العالم من حكومات ومؤسسات وشخصيات، وهو منتدى دولي، وليس إقليمياً، ويعقد سنوياً، مما يجعله ملتقى مناسباً للسياسيين والمفكرين وأصحاب الملايين، الذين يلقون بعروضهم وأطروحاتهم بوصفها مجسات لاستشعار ردود فعل المشاركين والغرماء.
فمثلاً خطب ديك تشيني في الحضور، فقال: إن لأوروبا جيشاً يزيد عن المليون ونصف، ولا يستخدم منه أكثر من 45 ألف خارج أوطانه، فلماذا لا يستخدم المزيد من أعداد هذا الجيش في مساعدة القوات الأميركية، في محاربة الإرهاب، ونشر السلم العالمي؟ فكان هذا هو العرض وجاءت الاستجابة فاترة فلم يتحمس الأوروبيون للفكرة. ولما صفق الحاضرون كان تصفيقهم تصفيق مجاملة. وهكذا عُرف أن أميركا ما زالت تنتهج سياسة أمنية هجومية، بينما أوروبا تتلكأ في الاستجابة لهذه السياسة.
وفي القضية الفلسطينية التزم جميع الفاعلين بإهمال الحديث عن هذه القضية، رضوخاً للضغط الأميركي، وانسجاماً مع خطاب بوش عن حالة الاتحاد الذي أهمل فيه هذه القضية.
ولما قام نبيل شعث وزير الدولة للشؤون الخارجية بالحديث عن القضية، خرج سلفان شالوم من ردهة المؤتمر، متذرعاً بذرائع واهية، علماً بأن من أدبيات المشاركة في مثل هذه المؤتمرات أن لا ينسحب المعني بالمسألة المعروضة، لكن التوافق على إهمال القضية جعل انسحاب شالوم أمراً مألوفاً.
والتقى برويز مشرف رئيس الباكستان بشمعون بيرس رئيس المعارضة في الدولة اليهودية على هامش المؤتمر، كما التقى وزير خارجية قطر بوزير الخارجية اليهودي على نفس الهامش.
وهامش المؤتمر هنا لا تعني ما تعنيه اللفظة من أمور تقع بشكل جزافي غير مقصود، وإنما كلمة هامش هنا هي قلب الحدث، وتعني التخطيط والقصد، لأنه لا يوجد أعمال غير منظمة في اللقاءات السياسية، فكل شيء في الاتصالات السياسية مدبر ومخطط له سلفاً.
وعادة ما تبدأ المؤامرة في الاتصال مع الأعداء بكلمة على الهامش وتنتهي بكلمة التطبيع، وهكذا تتدرج العلاقة ابتداء من البسيط الشكلي العفوي إلى أن تصل إلى الجوهري والضروري والطبيعي.
فعلى السياسيين المخلصين أن يقاطعوا مثل هذه المؤتمرات والمنتديات، سواء أكانوا يتبعون دولاً، أم يتبعون مؤسسات، أم كانوا أفراداً؛ لأن أميركا والدول الكبرى تهيمن على قرارات هذه المنتديات والمؤتمرات، فلا يبقى للآخرين دور غير التلقي أو التلقين .
أبو حمزة
2004-03-10