نظام النقد الدولي (4) تاريخ تقويم العملات المؤثرة في العالم
2004/06/01م
المقالات
3,049 زيارة
نظام النقد الدولي (4)
تاريخ تقويم العملات المؤثرة في العالم
تم اعتماد آلية مراقبة الصرف وتثبيته، على ضوء تحديد قيم أغلب العملات المستخدمة في التبادل الدولي كما يلي:
تم تحديد قيمة الجنيه بوزن (7.988) غرام من الذهب، بموجب قانون صدر بتاريخ 22/6/1816. وكان الإسترليني يحتل المرتبة الأولى بين عملات التجارة العالمية، بنسبة 21% من إجمالي مدفوعات التجارة الدولية عام 1900.
تحددت قيمته بوزن (322.58) ملليغرام ذهب، بموجب قانون صدر بتاريخ 10/4/1802. وكان يحتل المرتبة الثانية بنسبة 8% من التجارة الدولية سنة 1900.
تم تحديد قيمته بوزن (398.2) ملليغرام ذهب، بموجب قانون صدر بتاريخ 9/8/1873. ولم يكن المارك يلعب دوراً مهماً في التجارة الدولية.
تحددت قيمته بوزن (744) ملليغرام ذهب، بموجب الأمر الإمبراطوري الصادر سنة 1897. ولم يكن الروبل يلعب دوراً خارج حدود الإمبراطورية القيصرية.
بعد تقلبات عديدة، تحددت قيمة الدولار بوزن (1.5) غرام ذهب، بموجب القانون الصادر بتاريخ 14/3/1900 والمعروف باسم (ميثاق المعيار الذهبي). ولم يكن الدولار يلعب أي دور على المستوى العالمي، نظراً لعدم وجود مصرف مركزي (تأسس مصرف الاحتياط الفيدرالي سنة 1913).
سار العالم، طيلة فترة القرن التاسع عشر حتى بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وهو ملتزم بنظام (القاعدة الذهبية)، وما يتعامل به من أوراق قانونية تصدرها المصارف المركزية هي أوراق نائبة، أو بديلة عن ذهب هو غطاء لها 100%. حتى إنه كان لهذه الدول مسكوكات ذهبية مقدرة بمقدار معين، ونسب ثابتة لباقي مسكوكات الدول الأخرى، كما ذكر سابقاً.
فنظام النقد الدولي، وهو قائم على الذهب، لا يعترف بهوية معينة. وليس له وطن معين ينحاز إليه. فهو قائم على الحيادية وعدم التحيز. فليس هناك مجال لأن تحدث أزمات اقتصادية، ولا مشاكل مالية أو نقدية. فالكل يسعى لتوفير ما أمكن من هذا المعدن الثمين ليكون لديه رصيد يقوّي به اقتصاده، ويغطي به أوراقه القانونية الورقية المتداولة.
ولما بدأت الحرب العالمية الأولى، واتسع نطاقها، واتسع نطاق متطلبات المجهودات الحربية والنفقات العسكرية، خرج الأمر عن إطاره المعتاد، وبدأت الدول في إصدار نقد ورقي قانوني إلزامي، وبكميات هائلة جداً تتساوى مع حجم النفقات الحربية؛ فانفرط عقد نظام النقد الدولي؛ لأن كل إمكانيات الدول المتحاربة قد سخّرت لهذه الحرب، وغدت وقوداً لها.
ولما انتهت الحرب العالمية الأولى، وحاولت الدول المنتصرة الإفاقة من هذه المحنة المدمرة، وأخذت تلمّ شعثها. فانعقد مؤتمر جنوة الآنف الذكر للدول الكبيرة، وبحثوا فيه ضرورة العودة إلى نظام (القاعدة الذهبية). ولكن الانضباط حسب هذه القاعدة يحتاج إلى لملمة جميع الأطراف، ثم الاتفاق على معايير وقواعد تعود بها المياه إلى مجاريها. فإذا بالعالم يصطدم بكارثة اقتصادية، وأزمة مالية مدمرة هي أزمة 1929، التي ابتدأت من أميركا، حتى دمرت اقتصادها بالكلية، ثم اتسعت حتى عمّت العالم بأسره، وبقيت هكذا مستعصية على أي علاج حتى بدأت الحرب العالمية الثانية.
كان الذهب، في يوم من الأيام، يدرج في عداد النقود السلعية. وعبارة النقود السلعية تعني: الماشية، الحبوب، الاسماك المجففة، وسبائك الشاي، وغيرها. فإذا أخذنا الماشية، وسلخنا عنها صفة النقدية، تبقى قيمتها قائمة، لأنها قادرة على إشباع حاجة أساسية عند الإنسان. ولكن إذا أخذنا الذهب، ونزعنا عنه صفة النقدية، فإنه حينئذٍ ينحدر إلى أهبط المستويات، حيث إنه لا يشبع في ذاته حاجة عند الإنسان.
كان الدولار، ابتداءً من سنة 1946، عندما بوشر العمل باتفاق بريتون وودز، مغطى بالذهب بنسبة 100% وبقي كذلك حتى سنة 1960. وهذا يعني أن أصحاب الأرصدة من الدولارات إذا أرادوا تبديله بالذهب بالسعر الرسمي، استناداً إلى بنود الاتفاقية المذكورة، فإن الولايات المتحدة تستطيع تأمين ذلك بسهولة.
وهكذا سار نظام النقد الدولي، طوال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الخمسينيات، سيراً حسناً. وهذا يرجع إلى الأسباب التي جعلت من الدولار الأميركي نقداً قوياً ثابتاً، لا يمكن أن يُشكّ في قيمته. واستقر الدولار. واستقرار قيمة الدولار، وثقة المجتمع الدولي به، معناه استقرار نظام النقد الدولي، على اعتبار أنه الأساس، بيد أن كل شيء له نهاية.
لقد انقلب الوضع رأساً على عقب، منذ نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات، حتى أخذت الأزمات والاضطرابات النقدية تتعاقب. فما هي الأسباب يا ترى؟؟؟
الأزمات النقدية الحادة بدأت بالانفجار فعلياً من 1967، ثم تعاقبت بعد ذلك. لكن بوادر الاضطرابات أخذت في الظهور منذ نهاية الخمسينات. وبالتحديد في مطلع 1958.
خسرت الولايات المتحدة من أرصدتها الذهبية، في الفترة الممتدة من شهر كانون الثاني 1958 إلى شهر كانون الأول 1960، خمسة مليارات دولار. إذ كان حجم هذه الأرصدة سنة 1958 (22.8) ملياراً من الدولارات، فانخفض في سنة 1960 إلى (18.8) ملياراً. ويعود السبب في ذلك إلى أن كمية الدولارات في الخارج، رسمية كانت أو خاصة، ازدادت بنسبة محسوسة. حيث أخذت السلطات النقدية المسؤولة في العالم تلمس تراكم العجز في ميزان المدفوعات الأميركي. وعندئذٍ بدأت الثقة بالدولار تتضعضع، مما أدى إلى زيادة الطلب على الذهب. فأخذ الأفراد يسارعون إلى اكتناز الذهب. كما أخذت المصارف المركزية تطلب من الولايات المتحدة الأميركية تبديل قسم من أرصدتها بالذهب، وأخذت تسدد عجز ميزان مدفوعاتها بالدولار فقط دون استعمال الذهب (وهنا تكمن الخطورة). وقد بلغت أزمة الذهب أشدّها سنة 1960، عندما أخذت بعض المصارف المركزية تضاعف طلبها على الذهب، من الولايات المتحدة الأميركية، ومن سوق لندن أيضاً.
ويمكن القول أنه، لأول مرة منذ 1954، وصل الطلب على الذهب مستوى لم تعد كميات الذهب المستخرجة جديداً تكفي لتلبيته. وهكذا ارتفع الذهب في 20 تشرين الأول 1965 من (35) دولاراً للأونصة، حسب بريتون وودز، إلى (40) دولاراً. ما يفيد أن الثقة بالدولار الأميركي قد فقدت، وفقدان الثقة بالدولار يعني تضعضع نظام النقد الدولي. فاضطرت الولايات المتحدة، أمام هذه الأحداث الخطيرة، إلى التحرك. وأعلنت أن باستطاعة مصرف بريطانيا أن يحصل على الذهب من الولايات المتحدة، من أجل عرضه للبيع في سوق لندن، لتثبيت السعر عند مستوى (35) دولاراً للأونصة. إلا أن تصريح الولايات المتحدة هذا لم يستطع تهدئة الأوضاع؛ لذا طلبت معونة البلدان الرئيسية في العالم من أجل معالجتها. وبذلك تم إنشاء (مجمع الذهب).
حقوق السحب الخاصة:
عندما قاربت المرحلة الثانية في سلسلة (نظام النقد الدولي) على الانتهاء، وهي مرحلة الصرف بالذهب، حاملةً معها مآسي وأزمات مالية حادة، رأت أميركا – كما رأى كثير من الخبراء الاقتصاديين – أنه لا بد من الانتقال إلى مرحلة جديدة تنقذ الاقتصاد الأميركي من الأزمات التي تردّى فيها، وتعيد للدولار عافيته؛ لأن نظام النقد الدولي الحالي يومئذ كان من إفرازات اتفاقية بريتون وودز. وقد رأت أميركا أن هذا النظام يثقل كاهل الاقتصاد الأميركي، ويوقع دولارها واقتصادها في ورطة لا تستطيع الوقوف أمامها، وهي الصرف بالذهب، أي صرف الدولار بالذهب؛ لأن هذه الوظيفة أوكلت للدولار وحده. فلما اتسع نطاق إصدار النقد الورقي الإلزامي، وكانت المصارف المركزية العالمية ملتزمة بضمان حمايته، وتسهيل عملية صرفه، بموجب الصلاحية التي منحتها المصارف المركزية العالمية، المرتبطة بشروط صندوق النقد الدولي، عند التوقيع على اتفاقية بريتون وودز، أرادت أميركا كسرها وإلغاءها، فقامت بعدة إجراءات علاجية كمقدمة للتخلص من نظام النقد الدولي. ومن أهم هذه الإجراءات، الإجراء الذي دخل حيّز التطبيق العملي في أول 1970، ويعرف باسم «حقوق السحب الخاصة» أو كما يطلق عليه في بعض الأحيان «الذهب الورقي». وكان الهدف من هذه الإجراءات أن تجعل من الدولار النقد الدولي بكل ما في هذه الكلمة من معنى؛ لتتخلص من التزامها باستبدال الدولار بالذهب، وينتهي شيء اسمه الذهب من المعاملات المالية والتجارية، ويوضع نظام الصرف بالذهب على الرفّ، كما وضع من قبله نظام القاعدة الذهبية، في نهاية الحرب العالمية الثانية بموجب اتفاقية بريتون وودز.
كان احتياطي أميركا الذهبي قد وصل إلى حالة الذوبان، ولكثرة الأوراق الدولارية المبعثرة والمنتشرة في أنحاء العالم، كثر الطلب على استبدال الدولار بالذهب وبخاصة من قبل فرنسا أيام ديغول وبعده.
أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، اقتضت ظروف ومتطلبات ونفقات الحرب رحيل الأرصدة الذهبية، من دول أوروبا الغربية وغيرها إلى الولايات المتحدة الأميركية. وما انتهت الحرب العالمية الثانية إلا وخزائن دول الحلفاء خاوية من الأرصدة الذهبية؛ لأنها في معظمها انصبّت في خزائن المصارف المركزية والخزينة الأميركية. فما كان من أميركا إلا أن عمدت إلى وضع قاعدة جديدة لنظام النقد الدولي، كسرت بها القاعدة الذهبية، ووضعت بدلها، بموجب اتفاقية بريتون وودز، قاعدة الصرف بالذهب، وجعلت من الدولار مرجعاً دولياً، يصرف بموجبه معيارٌ متفقٌ عليه وهو (35) دولاراً لكل أونصة من الذهب، يتعهد المصرف الفدرالي الأميركي باستبدالها وصرفها. وأخذ الاقتصاد الأميركي في النمو والاتساع طيلة فترة الخمسينيات، لأن أميركا نصبت نفسها سيدةً لهذا العالم. فأخذت على عاتقها بناء ما تهدّم، وأغدقت المعونات والمساعدات على ما سمي بالدول النامية، والتزمت بإنشاء أحلاف عسكرية، وبناء قواعد عسكرية في معظم أرجاء العالم، وأفرطت في تطوير السلاح النووي والصاروخي، وتبنّت خطة غزو الفضاء. فاقتضى ذلك منها أن تطبع من الدولارات ما يفوق الحصر، وتاهت هذه الدولارات في الأرض شرقاً وغرباً، وكانت تسمى بالدولارات الضائعة.
ولكن اتفاقية بريتون وودز تلزمها باستبدال الدولارات بالذهب، وفي بداية الستينيات كانت قد انتهت فترة ازدهار الاقتصاد الأميركي، وظهر العجز في ميزان مدفوعاتها، وأخذ يزداد ويتفاقم، فبدأت الأزمات الاقتصادية.
كان من المعلوم يومئذ أنه يوجد هناك رأيان على الصعيد الدولي: رأي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، ومن ورائها بريطانيا، وهو أن حجم السيولة الدولية غير كافٍ، ويجب العمل على زيادته لتأمين حاجة النشاط التجاري الدولي. والرأي الثاني تتزعمه فرنسا، وهو على النقيض تماماً من الرأي الأول، حيث يرى أن حجم السيولة الدولية يمر في حالة فائض، الأمر الذي يسبب الاضطرابات النقدية الدولية.
ولكن انتصر الرأي الأول، فكان لا بد من إصلاح الوضع، بالقضاء على عجز ميزان المدفوعات الأميركي، الذي يعتبر من المصادر الهامة للسيولة الدولية. وقد آل هذا الانتصار إلى خلق عنصر جديد من عناصر السيولة الدولية، وهو حقوق السحب الخاصة. ويرى البعض أن خلق هذا العنصر الجديد المبتدع لا يرمي فقط إلى زيادة حجم السيولة الدولية، وإنما أيضاً إلى إزاحة الذهب من الصعيد الدولي، وإحلال الدولار مكانه. وهذا ما تسعى له أميركا. وقد تثبت هذا الوضع بعد إعلان نيكسون مبادئه الاربعة يوم 15/8/1970.
ومن أجل تطبيق هذه الفكرة عملياً، كان لا بد من أخذ موافقة الدول المعنية عليه. ففي الاجتماع الذي عقدته البلدان الأعضاء، في نادي الدول العشر في 28/8/67، عرضت هذه الخطوط على الجمعية العامة لصندوق النقد الدولي، خلال اجتماعها في ريو دي جانيرو في شهر ايلول 1967، حيث قرر المجتمعون أولاً – وذلك تحت ضغط الدول الأوروبية – أن عملية إصدار هذا العنصر يجب أن تجري بموافقة 85% من عدد أصوات الدول الأعضاء في الصندوق؛ ولأن الدول الأوروبية الاعضاء في السوق تستطيع أن تحول دون إصدار كمية من حقوق السحب هذه لأنها تمتلك من هذه الناحية حق النقض (الفيتو). مع العلم أنه في اتفاقيات بريتون وودز كانت الولايات المتحدة وحدها تملك هذا الحق بالنسبة إلى القرارات النقدية المهمة. كما نصت الاتفاقية على أن حقوق السحب هذه هي تسهيلات نقدية إضافية، أي إنها عنصر مساعد لعناصر السيولة النقدية التقليدية. إذ لا يلجأ إلى استعمالها إلا إذا اقتضت الحاجة، أي إذا لم يعد حجم هذه السيولة يكفي بسبب الطلب عليه. هذا يعني أنه لا يمكن استعمال العنصر الجديد، إلا ضمن شروط وظروف محددة، أي خلافاً للعنصر السابق، وهو حقوق السحب العادية.
أما بالنسبة لتسديد حقوق السحب الخاصة، فقد ورد في الاتفاقية أن البلد الساحب، أي البلد المدين، مجبر على تسديد 30% فقط من قيمة قرضه. أما الـ 70% الباقية فإنه ليس مجبراً على تسديدها، أي إنها تبقى معلقة في الهواء بدون تسديد. وهذا البند الجديد يقتصر حق استعماله على البلدان المدينة فقط، وهي صاحبة العجز في ميزان المدفوعات. وبذلك لا يحق للبلدان الدائنة صاحبة الفائض اللجوء إلى استعمال الحق المذكور، ولا يحق استعمال هذا العنصر إلا في حالة المديونية.
ولقد وضع سقف – أي حدّ أعلى – لحقوق السحب هذه، أي وضعت الاتفاقية سقفاً للمقدار الذي يستطيع أن يسحبه بلد مدين على بلد دائن، أي في حالة فائض. لكن البلدان صاحبة الفائض هي التي تقوم بتمويل عمليات السحب، وليس الصندوق. وأما السقف، أي الحد الأعلى للسحب، فيجب ألا يتعدى، بأي حال من الأحوال، ثلاثة أضعاف حصته من حقوق السحب العادية. فلو فرضنا أن حصة فرنسا من حقوق السحب هذه هي (100) مليون دولار، فإنه لا يمكنها أن تسحب عليها أكثر من (300) مليون دولار.
وهناك ظاهرة أخرى تنص عليها الاتفاقية، وهي أن صندوق النقد الدولي له الحق وحده في تحديد نوع النقود التي يراد سحبها. ولذلك لا يترك للبلد الساحب حق اختيار النقد الذي يريد سحبه. ويلاحظ هنا أن هناك فرقاً بين حقوق السحب الخاصة، وحقوق السحب العادية. ففي الأخيرة يحق للبلد الساحب اختيار النقد الذي يرغب فيه، بخلاف حقوق السحب الخاصة، حيث إن الصندوق هو الذي يقرر نوع النقد الذي يراد سحبه.
هذه هي الخطوط العامة لاتفاقية حقوق السحب الخاصة، التي وافق عليها القسم الساحق من البلدان الأعضاء، فيما عدا البلدان الغنية المصدرة للنفط مثل العراق، والكويت، وليبيا والسعودية؛ لأنها تملك كميات كبيرة من القطع الأجنبي، أي إنها في حالة فائض دائمة. وعلى كلٍٍ فقد دخل نظام حقوق السحب الخاصة الميدان العملي بتاريخ 1/1/1970.
أما طبيعة هذا العنصر وهو حقوق السحب الخاصة، فإنه لا يحق استعماله إلا في حالة حدوث عجز في ميزان المدفوعات، فهو في حقيقته قرض، أو بتعبير أدق هو عبارة عن فتح اعتماد للبلد الساحب لدى صندوق النقد الدولي. وهو في طبيعته لا يختلف عن طبيعة الاعتمادات التي تفتحها المصارف التجارية لزبائنها من الشركات التجارية.
ولكن من أين يأتي صندوق النقد الدولي بالأموال اللازمة لذلك؟ طبعاً هو لا يقرض من أمواله الخاصة، وإنما من الاشتراكات التي دفعتها إليه البلدان الأخرى. وبعبارة أخرى يقتصر دور الصندوق على كونه يلعب كهمزة وصل، بين البلدان صاحبة الفائض التي تقدم الاشتراكات، والبلدان صاحبة العجز التي تقترضها.
حقوق السحب العادية نصت عليها اتفاقية بريتون وودز عند إنشاء صندوق النقد الدولي، وبموجبها يحق للبلد الساحب أن يختار النقد الذي يريد اقتراضه، ويجب عليه تسديد المبلغ المسحوب بكامله في الأوقات المحددة.
أما حقوق السحب الخاصة فجاءت لاحقة في اتفاق جديد، بعد مضيّ أكثر من عشرين عاماً على تأسيس الصندوق. وهي خاصة للدول ذات العجز في ميزان المدفوعات، كما أنها لا تملك حرية اختيار النقد الذي تريد اقتراضه. وأما تسديد المبلغ المسحوب، فيجبر البلد المدين على تسديد 30% من المبلغ، في حين تذهب 70% الباقية مع الهواء.
في الفترة التي كانت المناقشات دائرة حول وضع بنود حقوق السحب الخاصة، كان العجز في ميزان المدفوعات الأميركي حوالي (20) بليون دولار. فكان التشديد ظاهراً في موقفها حيال إقرار تسديد 30% فقط، وأما الـ70% الباقية فإنها تذهب في الهواء، أي لا تلزم الدولة المستفيدة من حقوق السحب هذه بدفع أو تسديد ما فوق 30% من المبلغ المقترض.
لقد ظهر خلاف عندما أريد تحديد كمية حقوق السحب الخاصة، التي يجب أن تصدر. فالولايات المتحدة الأميركية، على اعتبار أنها في حالة عجز بنياني، أرادت أن يصدر في كل عام (5) مليارات دولار ولمدة (5) سنوات. أما ألمانيا الغربية، وبلدان أوروبا الشمالية – على اعتبار أنها في حالة فائض دائم – فقد حاولت الحد من إصدار ههذ الكمية. وبعد مناقشات طويلة وشاقة، تم الاتفاق على أن يصدر بصورة تدريجية كمية تبلغ (9.5) مليار دولار في مدة 3 سنوات (3.5 مليار خلال 1970، و3 مليار خلال 1971، وتصدر الكمية المتبقية أي ثلاثة مليارات دولار خلال 1972).
ما هي الأسباب التي استند إليها تحديد هذه الكمية وهي 9.5 مليار دولار دون سواها؟
ظاهرياً لا يوجد أي أساس لذلك، وإنما كان حصيلة المناقشات والمفاصلات التي جرت بين الفريقين.
ولكن بواطن الأمور وخفاياها تشير إلى غير ذلك. وهذا الحال يعيدنا إلى سعر الذهب وإلى حجم الأرصدة الذهبية في العالم.
كان سعر الذهب الرسمي في ذلك التاريخ (35) دولاراً للأونصة الواحدة من الذهب. ولم يكن يوجد إلا سعر واحد للذهب. ولكن بعد إيجاد السوق الحرة أصبح يوجد له سعران: السعر الرسمي وهو (35) دولاراً والسعر الحر وهو (44) دولاراً للأونصة.
فتكون كمية السحب المحددة المذكورة وهي (9.5) مليار دولار، هي كمية الفرق بين السعر الرسمي والسعر التجاري الحر، مع نسبة الأرصدة الموجودة كغطاء. وهذه الدراسة قامت بها المصارف المركزية على ضوء ما لديها من أرصدة ذهبية. فهذه إذن هي في حد ذاتها لعبة، والمستفيد منها أميركا فقط. ومجرى المناقشات الحادة التي تجري بين المجتمعين يبين أن أميركا كانت تريد عدم التسديد بالمرة. حتى إن طريقة التسديد الجزئية هذه التي اتفق عليها وهي (30%) كانت غامضة، إذ تركت لسلطات الصندوق تحديدها.
ويعتبر بعض المختصين في الاقتصاد الدولي أن عملية حقوق السحب الخاصة هذه ما هي إلا مؤامرة دولية، حاكتها البلدان الغنية ضد البلدان الفقيرة، وسيكون أثرها الرئيسي الإسهام في تعميق الهوّة التي تفصل الآن بين هاتين الكتلتين من البلدان.
وخلاصة القول إن حقوق السحب الخاصة هي عنصر جديد أضيف إلى عناصر السيولة الدولية السابقة. كما أنها ترمي بصورة صريحة إلى مساعدة البلدان الكبرى، التي تعاني من عجز مزمن في ميزان مدفوعاتها مثل بريطانيا والولايات المتحدة. كما يرى المختصون في هذا المضمار أن الاستمرار في إصداره في الأمد الطويل سيؤدي حتماً إلى إحداث اضطرابات نقدية مهمة. كما أن خلق هذا النظام يعتبر انتصاراً جديداً للولايات المتحدة، التي تسعى إلى استبعاد الذهب من الصعيد النقدي الدولي.
فحقيقة هذه الحالة الجديدة، وهي حقوق السحب الخاصة، أنها عبارة عن فتح اعتماد جديد في صندوق النقد الدولي. والمستفيد الأول من هذه الحالة هو الولايات المتحدة الأميركية، نظراً لحجم العجز الذي أصاب ميزان مدفوعاتها، ولأن 70% من هذه القروض، وهذا الاعتماد، ستذهب وبدون تسديد. فهي عبارة عن عملية إنقاذ للدولار الأميركي المتعثر. بل هي مقدمة لتفرّد الدولار في ساحة الاقتصاد الدولية، نتيجة تنحية الذهب كلياً عن أن يكون له أية علاقة بنظام النقد الدولي.
وهذه الاتفاقية في حقيقتها أيضاً هي إجبار البلدان صاحبة الفائض الدائم – كالسعودية – على تقديم كميات مجانية من السلع والخدمات بالإضافة إلى رأس المال إلى البلدان صاحبة العجز .
2004-06-01