بيان علماء الحجاز والرد عليه
2005/01/10م
المقالات
1,652 زيارة
بيان علماء الحجاز والرد عليه
26 عالماً سعودياً يوجهون خطاباً مفتوحاً للشعب العراقي
وجه نحو 26 داعيةً سعودياً، يوم الجمعة22/9/1425 هـ الموافق 5/11/2004م، خطاباً مفتوحاً للشعب العراقي، دعوهم فيه إلى الوحدة، والتآزر، ومقاومة المحتلين، ووقف الاحتراب الداخلي، مؤكدين في خطابهم على مشروعية المقاومة، وأن على الشعب العراقي الدفاع عن نفسه وعرضه وأرضه، وأفتوا بحرمة التعامل مع المحتلين ضد أعمال المقاومة. وهاكم نص الخطاب.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، وبعد:
فقد دعا إلى تدوين هذا الخطاب الحالُ الاستثنائية التي يمر بها أهلنا في العراق، والتي توجب التناصر، والتضافر، وتبادل الرأي، والمشورة، والنصيحة التي هي من حق المسلم على أخيه.
ولن نألو جهداً فيما نراه صواباً ومصلحة لإخواننا المسلمين في هذا البلد العريق الذي يتعرض لحرب خطيرة على الأصعدة كلها، خاصة والبلد مفتوح على كافة الاحتمالات بغير استثناء، من حرب داخلية، إلى تفكك وانقسام، إلى قيام حكومة مهيمنة تابعة للمحتل. ونوجز رؤيتنا فيما يلي:
-
وأعظم نصيحة هي الإخلاص لله وإرادة وجهه، والتخلي عن المطامع الدنيوية، والمصالح الشخصية والحزبية والفئوية، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[القصص]، فليعلم الله في قلوبكم جميعاً يا أهل العراق -وخصوصاً من له رتبة، أو جاه، أو تأثير مادي أو معنوي- التوجه الصادق والنية الصالحة، والتخلي عن حظوظ النفس، واقتفاء سنة محمد عليه الصلاة والسلام، كما قال سبحانه: ﴿إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنفال].
وليكن من أول ذلك التعاون وإمضاء العدل والإنصاف فيما بينكم، ورفق بعضكم ببعض، وتجنب أسباب الفتن وموجباتها التي تطل برأسها في هذه المرحلة الحرجة. ومن أعظم أسباب الفتن التعاند وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وأن يظن بنفسه الصدق والصواب، وبالآخرين الريبة وسوء النية. وهذا يمهد للحرب التي ينتظرها الكثيرون من خصوم الأمة، ويسعدهم أن تقع بأيدينا لا بأيديهم.
-
ثم إن شروط النجاح فهم الظرف والمرحلة والواقع الذي يعيشه الإنسان فهماً جيداً؛ فإن أي طموح أو تطلع لا يعتد بالرؤية الواقعية، ولا يقرأ الخارطة وتناقضاتها وألوانها، فإنه يؤدي إلى الفشل، وإذا كان الله تعالى قال:﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال60]
فإن أعظم القوة هي قوة العقل والنظر والرؤية الاستراتيجية.
وأكثر الإشكالات تأتي من جهة اختلاف الرؤية للواقع، وعدم تمثله بشكل صحيح، أو من النظر إليه من زاوية واحدة، أو من التعويل على صناعة المستقبل دون اعتداد بالحاضر، أو إدراك لصعوباته. وهذا شأن يعز إدراكه على الكثيرين، ويحتاج إلى رؤية جماعية ذات معايشة، وفهم، ودراية، ودربة، وتعقل، وتجربة.
-
ولا شك أن جهاد المحتلين واجب على ذوي القدرة، وهو من جهاد الدفع، وبابه دفع الصائل، ولا يشترط له ما يشترط لجهاد المبادأة والطلب، ولا يلزم له وجود قيادة عامة، وإنما يعمل في ذلك بقدر المستطاع، كما قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن16].
وهؤلاء المحتلون هم -ولا شك- من المحاربين المعتدين الذين اتفقت الشرائع على قتالهم حتى يخرجوا أذلة صاغرين بإذن الله، كما أن القوانين الأرضية تضمنت الاعتراف بحق الشعوب في مقاومتهم.
وأصل الإذن بالجهاد هو لمثل هذا، كما قال سبحانه: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾[ الحج]. وقد قرر سبحانه سنة التدافع التي بها حفظ الحياة، وإقامة العدل، وضبط الشريعة، فقال: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج].
فالمقاومة إذاً حق مشروع، بل واجب شرعي يلزم الشعب العراقي الدفاع عن نفسه، وعرضه، وأرضه، ونفطه، وحاضره، ومستقبله، ضد التحالف الاستعماري، كما قاوم الاستعمار البريطاني من قبل.
-
ولا يجوز لمسلم أن يؤذي أحداً من رجال المقاومة، ولا أن يدل عليهم فضلاً عن أن يؤذي أحداً من أهلهم وأبنائهم، بل تجب نصرتهم وحمايتهم.
يحرم على كل مسلم أن يقدم أي دعم أو مساندة للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال؛ لأن ذلك إعانة على الإثم والعدوان.
أما ما يتعلق بمصالح البلد وأهله -من توفير الكهرباء، والماء، والصحة، والخدمات، وضبط المرور، واستمرار الأعمال، والدراسة، وديمومة المصالح العامة، ومنع السرقة، ونحوها- فلا بد من السعي في توفيرها بحسب الإمكان.
6- إن من مقررات الشريعة الثابتة المستقرة -التي لا خلاف عليها بين أهل الإسلام- حفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.
ولم يرد في القرآن وعيد على ذنب بعد الشرك، كما ورد في وعيد من قتل مؤمناً متعمداً، قال الله سبحانه: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء].
وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار». وفي الصحيحين عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: «استنصت الناس» فقال: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض». وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دماً حراماً».
ولسنا نعرف لغة أقوى وأوضح وأصدق، في إقامة الحجة وقطع المعذرة، عن المتأولين والمتحايلين والمتساهلين، وأكثر حفظاً لدماء المسلمين وأعراضهم من هذه اللغة النبوية المحكمة؛ ولهذا يجب أن يحفظ هذا الأصل الذي هو حقن دم المسلم، وتحريم ماله وعرضه. وعدم فتح باب التأويل في ذلك.
7- من المصلحة الظاهرة للإسلام والمسلمين في العراق وفي العالم ألا يستهدف المستضعفون ممن ليسوا طرفاً في النـزاع، وليست دولهم مشاركة في الحملة العسكرية على العراق، كمن يقومون بمهمات إنسانية، أو إعلامية، أو حياتية عادية لا علاقة لها بالمجهود الحربي، وقد قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة].
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل المنافقين، وعلله بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه».
فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداري مثل هذا، ويدفعه بترك من قد يكون مستحقاً للقتل في الأصل فكيف بغيره؟! خاصة والإعلام اليوم قد سلط الأضواء كثيراً على مجريات الوضع في العراق، وعلى كل عمل يقوم به أهل الإسلام.
فالواجب تحري مردود الأعمال التي تقع، ومدى تأثيرها على الشعوب من المسلمين وغيرهم.
8- إن المحافظة على وحدة العراق مطلب حيوي وضروري.
وهناك أصابع خفية تحاول إيقاد نار الفتنة، وتمزيق العراق إلى طوائف، وإثارة المعارك الداخلية بين الشيعة والسنة، أو بين الأكراد والعرب.
ومثل هذا الاحتراب الداخلي – الذي ينجر إليه المتسرعون من كل فئة – ضرر ظاهر وخدمة مجانية لليهود الذين يتسللون إلى العراق، ولقوى التحالف التي توظف الخلاف في ترسيخ سيادتها، وتسليط كل طرف على الطرف الآخر يقتل رموزه، ويفشي أسراره، والمحصلة النهائية أن كل فئة تقول: الأميركان خير لنا من هؤلاء؛ ولهذا يجب أن يتواضع العراقيون جميعاً على أن حقهم أن يعيشوا بسلام -تحت راية الإسلام- بعضهم إلى جوار بعض، وهذا وضع تاريخي مرت عليه قرون طويلة، وليست هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق بالفرصة الذهبية التي يطمع كل طرف أن يوظفها لصالحه، والأولوية في هذه المرحلة هي لترسيخ وحدة البلد، والمصالحة الداخلية، وتجنب أسباب الفتنة والاحتراب، وكف بعض الطوائف عن بعض، فهذه مصلحة مشتركة.
9- إذا استطاع أهل الإسلام عامة، والمنتسبون إلى الدعوة خاصة، أن يتجهوا إلى الإصلاح، والبناء، والإعمار المادي والمعنوي، والأعمال الإنسانية والتربوية والعلمية، والمناشط الحيوية، وكانوا قريبين من نبض الناس ومشاعرهم، متصفين بالحلم والصبر وسعة الصدر، وتركوا خلافاتهم جانباً – إذا استطاعوا ذلك – فسيكون لهم في بناء البلد وإعماره وقيادة مؤسساته تأثير كبير. والبلد الآن في مرحلة تشكل وتكون، والأسبقية مؤثرة، وخصوصاً إذا صاحبها إتقان لفنون الإدارة والتدريب العملي والعمل الجماعي المؤسسي.
ولذا يجب الاستفادة من المساجد والمدارس وغيرها في توجيه الناس، ومخاطبتهم، واستثمار وسائل الإعلام، من الإذاعات والقنوات الفضائية والصحف والمجلات، وإقامة الدروس والمحاضرات والحلقات على هدى وبصيرة وعلم وتأسيس صحيح، بعيداً عن التحيز والهوى والموقف الشخصي والحزبي، وبعيداً عن إقحام الناس في الانتماءات الخاصة، والمواقف الضيقة، والخلافات المذهبية التي تؤدي إلى الشتات والفرقة والاختلاف والتطاحن.
10- ونوصي إخواننا المسلمين في العالم بالوقوف إلى جانب إخوانهم في العراق بالدعاء الصادق والتعاطف والتراحم والنصرة قدر الإمكان، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً وهم يشهدون معاناتهم في قبضة المعتدين بالقصف العشوائي، التدمير، والقتل الأعمى، الذي طال معظم مناطق العراق، ولعل من آخرها ما نشهده اليوم في مدينة (الفلوجة) الصامدة المنصورة – بإذن الله – وما حولها.
ونوصيهم بإعانة إخوانهم بالرأي السديد، والنظر الرشيد المتزن البعيد عن التسرع والاستعجال، وأن يكف عن إطلاق الفتاوى المربكة ذات اليمين أو ذات الشمال،مما يتسبب في اضطراب الأمر بينهم.
ونوصيهم بمؤازرة الشعب العراقي في محنته الأليمة، وأن تسارع الجمعيات المؤسسات الخيرية إلى السعي في سد حاجة العراقيين للغذاء والدواء واللباس وضروريات الحياة.
نسأل الله أن يحفظ شعوب الإسلام في العراق وفلسطين وفي كل مكان، وأن يكف بأس الذي كفروا، والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً، والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
الموقعون:
الشيخ الدكتور أحمد الخضيري أستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود – الشيخ الدكتور أحمد العبد اللطيف أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى – الشيخ الدكتور حامد بن يعقوب الفريح أستاذ التفسير بكلية المعلمين بالدمام – الشيخ الدكتور الشريف حمزة الفعر أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى – الشيخ الدكتور الشريف حاتم العوني أستاذ الحديث بجامعة أم القرى – الشيخ الدكتور خالد القاسم أستاذ الدراسات الإسلامية بحامعة الملك سعود – الشيخ الدكتور سعود الفنيسان أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الإمام – الشيخ الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي أستاذ العقيدة في كلية الشريعة-أبها – الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى سابقاً – الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم – الشيخ الدكتور سليمان الرشدوي محام – الشيخ الدكتور صالح بن محمد السلطان أستاذ الفقه في جامعة القصيم – الشيخ الدكتور صالح الدرويش القاضي بالمحكمة العامة في القطيف – الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن علوش مدخلي أستاذ الحديث في كلية المعلمين – الشيخ الدكتور عبد العزيز الغامدي أستاذ الفقه بجامعة الملك خالد بأبها – الشيخ الدكتور عبد الله بن إبراهيم الطريقي أستاذ الثقافة الإسلامية بحامعة الإمام – الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الله الزايدي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام – الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الله الزايد مدير الجامعة الإسلامية سابقاً – الشيخ الدكتور عبد الله بن وكيل الشيخ أستاذ الحديث في جامعة الإمام – الشيخ الدكتور عبد الوهاب بن ناصر الطريري نائب مشرف مؤسسة الإسلام اليوم – الشيخ الدكتور علي بن حسن عسيري أستاذ العقيدة في كلية الشريعة أبها – الشيخ الدكتور علي بادحدح أستاذ الحديث وعلوم القرآن جامعة الملك عبد العزيز – الشيخ الدكتور عوض بن محمد القرني أستاذ أصول الفقه في جامعة الإمام سابقاً – الشيخ الكتور قاسم بن أحمد القثردي أستاذ التفسير في كلية الشريعة-أبها – الشيخ الدكتور محمد بن حسن الشريف أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الملك عبد العزيز سابقاً – الشيخ الدكتور محمد بن سعيد القحطاني أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى سابقاً – الشيخ الدكتور مسفر القحطاني أستاذ الفقه بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن – الشيخ الدكتور مهدي محمد رشاد الحكمي أستاذ الحديث في كلية المعلمين جازان – الشيخ الدكتور ناصر العمر المشرف على موقع المسلم.(انتهى)
2005-01-10