عالمان سياسيان: (ايمانويل فاليرشتاين)، أميركي من مواليد 1930، مدير «مركز فرنان بروديل لدراسة الاقتصاد والأنظمة التاريخية والحضارات» في جامعة ينغامتن في الولايات المتحدة. و (دومينيك مويزي)، فرنسي، المدير المساعد «للمعهد الفرنسي للشؤون الدولية (IFRI)». هذان العالمان اشتركا في ندوة وأجابا على مجموعة من الأسئلة عن رؤيتهما للمستقبل بعد انهيار الشيوعية.
يتفق العالمان على أفول النجم الأميركي، ولكن يختلفان بما سيحل بعده. يرى فاليرشتاين انهيار الغرب مع فجر القرن الحادي والعشرين أمام الضغط السكاني للجنوب.
وفيما يلي جانب من الحوار:
س: أفسح «النظام الدولي الجديد» المكان أمام الفوضى العامة أي دولة قادرة على السيطرة على هذه الفوضى؟
فاليرشتاين: الولايات المتحدة هي الدولة القادرة للوهلة الأولى، لكنها ضعفت ولن تبقى طويلاً زعيمة العالم. بالطبع لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بسلطة معينة بالنسبة إلى حلفائها القدامى الأوروبيون واليابانيين.
إن الولايات المتحدة هي الأقوى غير أن سلطتها مستمرة في التراجع لمصلحة أوروبا واليابان. وسيكون التحرك ممكناً من غير الولايات المتحدة بعد عشر سنين وربما ضدها وهذا ما بدأته أوروبا واليابان.
مويزي: القضية ليست في أن نسير خلف الولايات المتحدة أو لا نسير. القضية هي في أن نعرف إلى أين نسير. والرؤية الأميركية للموضوع غير واضحة. ليست لدى الأميركيين الرغبة ولا الإمكانات كي يكونوا شرطة العالم. إننا لا نعيش في عالم وحيد القطب تقوده الولايات المتحدة بل في عالم متعدد الأقطار وغير متساو. الولايات المتحد هي فوق الجميع في فئة منفردة ولكنها لا تتولى الإدارية ولا تقوم بالقيادة.
صحيح أن إدارة كلينتون ليست مسؤولة تماماً عن الوضع، لكن مشكلة الزعامة في أوروبا وفي الولايات المتحدة قائمة بالفعل. لقد شهدنا ثورة في العلاقات الدولية ولم تقدم هذه الثورة شخصيات في مستوى الأحداث. فنهاية الحرب الباردة لم تجد نابوليونها.
س: هل تتوقعون قيام تحالفات بين ثلاثة: الولايات المتحدة واليابان وأوروبا؟
فاليرشتاين: لن تكون أوروبا قوية إلا كانت متحدة. وهذا الأمر يعرفه الأوروبيون جيداً. إن المشروع الوحيد الممكن بالنسبة إلى أوروبا هو أن تعود مركز حضارة مستقلاً. وستكون كذلك ولكن ضد الولايات المتحدة لا ضد أي دولة أخرى. إن العالم كله بكل قاراته سيكون معنياً بمشروع بناء أوروبا اقتصادياً وثقافياً. ولكن هذا المشروع سيكون مناهضاً للولايات المتحدة، النافس الثقافي الوحيد. أن قبول قادة أوروبا بمهانة السيطرة الأميركية في العام 1945 لا يعني أنهم على استعداد للقبول بها في السنوات المقبلة. هذه هي الخميرة التي ستبعث أوروبا الجديدة.
مويزي: يجب ألا يكون هدف أوروبا الغربية محاربة أميركا ثقافياً بل الدفاع عن الديمقراطية والمساعدة على انتشارها.
لقد حدد مستشار الرئيس كلينتون لشؤون الأمن انطوني ليك في خطاب أخيراً هدف السياسة الخارجية الأميركية بأنه الانتقال من «من سياسة احتواء» التهديد الشيوعي إلى العلم على «انتشار الديمقراطية». وأنا أتحمل كأوروبي مسؤولية المساهمة في هذا الانتشار على حدود القارة. أن اعترافنا بوجود خلافات ثقافية بين أوروبا والولايات المتحدة لا ينفي اجتماعنا حول الثقافة السياسية، حول الديمقراطية.
س: كيف سيكون وضع اليابان في خضم هذه المنفسة بين الولايات المتحدة واليابان؟
فاليرشتاين: هذا المثلث الاقتصادي وإلى حد ما السياسي والعسكري سيصبح من الآن وحتى السنوات الخمس عشرة المقبلة ثنائية ستضع وجهاً لوجه وفي تحالف جديد تماماً، أوروبا من جهة والولايات المتحدة واليابان من الجهة الأخرى.
مويزي: لا أؤيد هذه الإمبريالية في النظرة الجيو ـ اقتصادية للعالم. والتاريخ هو الذي سيبت هذا الخلاف.
إني أرفض قدرية التحالف بين آسيا الواقعة تحت سيطرة اليابان والولايات المتحدة.
فاليرشتاين: أياً تكن الصورة الغالبة، سيبقى الجنوب في غالبيته مرفوضاً، اقتصادياً، من الدخول إلى «الشمال السعيد» والمزدهر. وسيؤدي ذلك إلى تعاظم التفاوت الاجتماعي ـ الاقتصادي والسكاني بين الشمال والجنوب. وستستمر حركة الهجرة من الجنوب إلى الشمال، إلى المثلث على رغم كل القوانين التي سنت للحد من هذا المد. وسيتمخض الأمر عن بروز مجموعات سكانية لا تتمتع بالحقوق السياسية ولا الاجتماعية وفي وضع اقتصادي سيئ. وستشهد الدول الغربية عودة إلى الوضع الاقتصادي الذي عرفته الدول الصناعة في القسم الأول من القرن التاسع عشر.
وأتوقع، في حال صحت هذه الفرضية، أن تنهار الدول «الليبرالية» وأن تتعرض إلى ما يشبه الحرب الأهلية. وعلينا ألا نستمر في الدفاع عن حقوق الإنسان في الصومال بل أن ندفع عنها في فرنسا وفي الولايات المتحدة.
إني مقتنع بأن هذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً.
مويزي: إني أكثر تواضعاً منك لذا يصعب عليّ الجزم في أي تحليل أعطيه للمستقبل البعيد.
إن نظرتك المتشائمة لاحتمال العودة إلى صراع الطبقات، كم كان الأمر في القرن التاسع عشر، ليست مستحيلة، ولكنها تبدو لي غير محتملة.