الإعلام ونظرية المؤامرة
2005/06/07م
المقالات
2,012 زيارة
الإعلام ونظرية المؤامرة
استطاع الإعلام أن يسخّف من فكرة وجود مؤامرة على الأمة الإسلامية إلى حد بعيد، خصوصا مع ذلك الوهج الذي حظي به الإعلام في العقد الأخير. حيث باتت وسائل الإعلام هي السيد المسيطر على عقول البشر، والعامل الرئيس في فرض رؤيتهم للأشياء.
والواقع أنَّ المؤامرات بقصد المكر بالخصوم والنيل منهم هي جزء من طبيعة البشر، منذ أن عُهِدَ لهم وجود اجتماعي على الأرض. ولا يعني هذا أنّ المؤامرة تقف وراء كل تصرف أو كل حدث يقع في الدنيا، ولكنه من الخطأ تماماً تجاهلها عند وجود دواع لها وشواهد عليها، وخاصة إذا ما تضافرت الأدلة معاً مشيرة إليها، كما هي الحال في كثير من الأحداث القائمة في عالمنا اليوم.
==========================================================
والفيصل بين صحة أيّ حكم من زيفه، هو توفر الدليل الذي يرشد إلى تحديد طبيعة الحدث، أسبابه، والظروف المحيطة به. وبدون ذلك تختلط الأمور، ولا يعود ممكنا تمييز الحكم الصحيح من الفاسد.
وبما أنّ موضوع تآمر الغرب على الأمة الإسلامية، هو أهم المواضيع المثارة، وأكثرها حساسية لدى الحديث عن نظرية المؤامرة، رأيت ضرورة الوقوف عليه وتجليته تحديداً.
كنت قد شهدت لقاء جمع عدداً من المثقفين والأكاديميين، كان محور اللقاء فيه: هو الفرق بين الحضارة والمدنية، وقد تعرضت شخصياً للنقد الشديد من بعض الحاضرين من أصحاب الفكر والقلم، عندما قلت إن المدنية تتناول الأشكال المادية عموماً، وتتضمن أنواع التكنولوجيا المختلفة، وينبغي على الأمة الإسلامية تحصيلها، بغض النظر عن مصدرها، شرقية كانت أم غربية؛ لأنه وكما يقال: العلم لا وطن ولا جنسية له، وهو يخضع لمفهوم قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «أنتم أدرى بشؤون دنياكم». إلا أنّ الغرب يريد أن يلزمنا بتجرع ثقافته وحضارته التي نمتلك منها ما يكفينا وما يثرينا، بل يسعى الغرب حثيثاً إلى ضمان حرمان الأمة، ومنعها من تحقيق التقدم التقني والعلمي اللازمين لها؛ للحاق بركب التطور المادي العالمي، ولردم الهوة الواسعة بين الشرق والغرب.
نعم لقد رأيت وجوها تمعرّّت وتغير لونها عند إنهائي لمداخلتي، وبدأ بعضهم بشن هجوم عاصف يزبد فيه ويرغي على القائلين بأن الغرب يتآمر على الأمة، وأن علينا إزالة هذه الفكرة من نفوسنا وعقولنا، والكفّ عن إلقاء التهم جزافا على الغرب.
ولحسن الحظ أن وزيراً سابقاً من أرض النيلين كان حاضراً ذلك المجلس فقال: أنا لا أريد أن أدخل في محاكمة نظرية المؤامرة، ولكن في نفس الوقت أود أن أدلو ببعض تجاربي بهذا الصدد، كوني كنت في مركز يسمح لي برؤية الأمور بشكل دقيق:
فقد شاركت بمؤتمر عالمي، عقد إثر انهيار الاتحاد السوفياتي للتقنيات والتحديث التكنولوجي، وعلى الرغم من التكلفة الباهظة لدخول المؤتمر، والتي بلغت آنذاك 50000 دولار لأي مشارك من العالم الثالث، في نفس الوقت الذي كانت فيه مجانية للمشاركين من أوروبا، ولمندوبي الشركات والجامعات الغربية، فقد منحتني حكومتي المبلغ المذكور، وكنت شاهداً في المؤتمر على قراراته، والتي كانت ملخصة في ثلاث نقاط محورية هي:
-
ضرورة بذل الدول الغربية كل الإمكانيات المتوفرة لمنع تسرب أي من العلماء في الاتحاد السوفياتي سابقاً، والذين يقدرون بحوالي 11000 عالم إلى أي من بلدان العالم الإسلامي، وخصوصا البلدان العربية.
-
على الشركات التقنية في العالم الغربي إبقاء بحوثها أمينة ومحروزة بعيدة من أن تصل إليها أيدي الدول العربية والإسلامية.
-
عدم نقل التكنولوجيا إلى العالم العربي والإسلامي ولو لم تكن مرتبطة بالسلاح ومتعلقاته.
كما أضاف في معرض حديثه أنه في بدايات اكتشاف النفط في التسعينات في السودان، قامت الحكومة برصد ميزانية لشراء مصاف نفطية من إيطاليا حتى تستفيد من عوائد النفط بشكل أفضل، وقد قامت الحكومة آنذاك بعقد اتفاقية مع شركة إيطالية، وبإشراف مباشر من الحكومة الإيطالية، ودفع لها المبلغ اللازم لنقل المعدات، وبعد 8 سنوات من المماطلة تمّ إلغاء الصفقة تماماً، بدلاً من الوفاء بمستحقات العقد!
كما كان الوزير قد سبق وأعطى مثالاً وقع معه أثناء عقد مؤتمر في مصر بخصوص التعاون بين مصر والسودان في الشؤون الزراعية، فعرض قائلاً للفريق المصري: إنّ نيل السودان طويل، وأراضيها خصبة، تنفع تماما لزراعة القمح، وبالتالي نعقد اتفاقا نزود مصر بقمح السودان، فقيل له: «هص…إلا القمح، دى بتاع غيرنا اللي فوق، منقدرش نتحدث فيه، فقفل على الموضوع لو سمحت».
ولن أزيد كثيراً على تلك النماذج الصارخة السابقة الذكر، إلا بعضاً مما هو مستفيض بين عموم المسلمين للدلالة على ما أذهب إليه:
l فمن هدم دولة الخلافة الإسلامية التي كانت رمز وحدة الأمة ومكمن قوتها، والتي وقفت بالمرصاد لبيع فلسطين لليهود، سوى بريطانيا وفرنسا!؟
l ومن قسّم بلاد المسلمين، ووضع بينها حدوداً وهمية تقسم العشيرة والعائلة الواحدة بين سوري ولبناني وسعودي وعراقي سوى بريطانيا وفرنسا!؟
l ومن دعم دولة إسرائيل، وأمدّها بالمال والسلاح؛ لفرض هيمنتها، وترسيخ وجودها في العالم الإسلامي، إلا أميركا وبريطانيا!؟
l ومن احتل العراق، وانتهك حرماته، وهدم مساجده، ونهب ثرواته، سوى أميركا وبريطانيا!؟
l ومن ارتكب تلك المجازر الوحشية في أفغانستان والشيشان، وشرد أهاليهما سوى روسيا سابقاً، وأميركا وحلفاؤها لاحقا!؟
l ومن الذي يدعم حكومات الطغيان في البلاد العربية، وفي آسيا الوسطى، وفي عموم الشرق الأوسط الكبير سوى أميركا وبريطانيا وفرنسا، كل بحسب تبعية هذا الحاكم أو ذاك له!؟
l ومن الذي يمنع تلك الجيوش الجرارة في العالم الإسلامي من الانقضاض على دولة إسرائيل وإنهاء عربدتها في فلسطين، ومن يشلهم عن نصرة أهل الفلوجة الميامين الأبطال إلا جلاوزة الغرب في بلاد المسلمين!؟
وخلاصة القول هي إن كل ما سبق يضع بصمة لا يمكن تجاهلها على عداوة الغرب وخصومته وتآمره على الأمة الإسلامية، محاولا إبقاءها كسيحة مع أنها أعز الأمم، تتضور جوعا بينما هي أغنى الأمم، مجزأة مبعثرة مفككة الأوصال وقد وحدها ربها بقوله: ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء].
إن تآمر الغرب على الأمة الإسلامية هو حقيقة واضحة لا لبس فيها ولا مراء، ولن يستطيع المضبوعون بالغرب وثقافته، والخاضعون لإرادته، من إخفاء الشمس في كبد السماء، في يوم صيف مشرق.
ومن هنا كانت وسائل الإعلام تحاول العبث في عقول أبناء الأمة، محاولة تدجينهم مع واقعهم، تدفعهم لتصور أن الغرب متقدم بسبب ذكائه، وحسن فهمه، ونشاط حركته، وعلو همته، وأن المسلمين متخلفون بسبب بلادتهم، وكسلهم، ورغبتهم في رمي مشاكلهم على ظهور الآخرين. ومن يدري، فلعلّ هذا التوجه من وسائل الإعلام هو جزء من المؤامرة، وهو ما تشير إليه أدلة كثيرة لا يتسع المقام لسردها الآن، وقد تأتي تباعاً في مقالات أخرى. ولا يعني هذا أن كل شيء يحصل في الكون ناتج عن المؤامرة، أبدا ليس هذا هو المقصود، إنما حيث توفر الدليل لزم إصدار الحكم المناسب، وإلا بات الأمر مجرد عبث لا طائل تحته.
حسن الحسن
2005-06-07