أثر فساد الاقتصاد الغربي في البشرية (3)
2000/03/07م
المقالات
2,145 زيارة
ثالثاً: النظام النقدي:
النظام النقدي عند الغربيين هو من دعائم الاقتصاد وركائزه التي قام عليه البناء الاقتصادي بشكل عام، ونظامه يستند إلى قوة الدولة العسكرية والاقتصادية، ولا يستند إلى قوة في ذاته. وهذا النظام الذي عليه النقد الآن في بلاد الغرب قد مر في مراحل زمنية قبل أن يتشكل على صورته الحالية.
فقبل الحرب العالمية الأولى كان النظام النقدي الورقي مغطى بالذهب، أي يستند في قيمته، وفي إصداره وكميته في الأسواق إلى الغطاء الذهبي، وبعد الحرب العالمية الأولى، بعد بروز أجواء جديدة خلفتها الحرب، ظهرت المضاربات، والعراقيل والقيود على الذهب، وبعض الدول أوقفت قابلية تحويل عملاتها إلى ذهب مما دفع الدول الفاعلة إلى اتفاق جديد قبلوا فيه الدولار الأمريكي لتحديد قيمة العملات المختلفة ووضعوا له قانونا عرف بنظام «بريتين وودز»، وهكذا، وبعد بروز الولايات المتحدة قوة عسكرية واقتصادية ضخمة في بلاد الغرب أصبح الدولار الأمريكي هو الغطاء للعملات العالمية، على أن تربط قيمة الدولار بالذهب لكل خمسة وثلاثين دولار أونصة ذهبية واحدة، ووضعت لهذا النظام قيود معينة من حيث كمية الدولار المطروحة، وسعر الفائدة في البنوك، وسعر الدولار مقارنة بالذهب إلا أن هذا النظام لم يدم طويلا، حيث هدمت الولايات المتحدة هذا النظام وعوّمت الدولار وجعلته غير مرتبط بالذهب وذلك سنة واحد وسبعين في ولاية نكسون .
فأصبحت النقود الورقية منذ ذلك التاريخ على الصورة التي عليها الآن، ليس لها أية قيمة في ذاتها وليس لها غطاء ذهبي أو فضي، وإنما تستمد قوتها من القانون الذي تفرضه الدولة لهذا النقد ومن هنا جاءت التسمية “النظام الورقي الإلزامي”.
والنظام النقدي الورقي على صورته الحالية له أثار سيئة وخطيرة في المجتمعات بشكل عام ومن أثاره السيئة:
أولاً: التذبذب والاضطراب المستمر في أسعار الصرف، لان الذي يحقق الاستقرار في سعر الصرف،هو ربطها ـ أي العملات ـ بأساس أو بغطاء ثابت، وهذا الأساس يجب أن تتوفر فيه صفات قادرة على إعطائه هذه الصفة، منها أن يكون هذا الغطاء قابلا للتحويل إلى سلع وخدمات أو نقود في أي وقت دون أي عائق، وأن يتصف بصفة الثبات المصرفي، أي أن يكون غير متذبذب، وأن يكون متوفر بشكل عالمي وليس خاصا بمنطقة دون أخرى، وتحتكره الدول بسبب ذلك. وأن تكون تكاليف إنتاجه الاقتصادية مقاربة لما يطبع منه من وحدات نقدية، بحيث لا تستطيع أي دولة طباعة ما تشاء منه، وبالتالي إغراق السوق متى شاءت، وهذه الميزات لا تتوفر إلا في نظام الذهب والفضة.
وقد أخذت أرقام لأسعار صرف عملات مقارنة بالذهب في فترات زمنية مختلفة فوجد أنها كانت متقاربة عندما كان الذهب غطاء لهذه العملات.
ومسألة التذبذب في سعر الصرف للعملات يلحق الأذى الكبير بأصحاب الأموال والمدخرات النقدية في البنوك وغيرها، ويلحق الأذى بالعمال وأصحاب الأجور الثابتة، ويتسبب في رفع الأسعار في الدولة.
ثانياً: التذبذب في سعر صرف الغطاء النقدي العالمي ـ الدولار ـ يلحق ذلك خسارات فادحة إما في اقتصاد الولايات المتحدة وإما في اقتصادها واقتصاد الدول المرتبطة بها.
فقد تقوم الولايات المتحدة بأعباء اقتصادية داخلية أو خارجية، أو بأعباء عسكرية يسبب ذلك تأثيراً في اقتصادها ويؤثر على عملتها فيسبب الانخفاض، وهذا بالتالي يؤثر على الاقتصاد الداخلي فترتفع الأسعار، وتنخفض الأجور.
ويؤثر كذلك على الدول المرتبطة بالدولار مثل الدول الأوروبية أو الدول النفطية. فعندما انخفضت قيمة الدولار الأمريكي سنة سبع وسبعين عشرة بالمائة مقابل الين والمارك والفرنك السويسري، ارتفعت قيمة هذه العملات مقابل الدولار، وبالتالي أثر ذلك على تجارتها الخارجية، حيث ارتفعت أسعار المنتجات الصناعية المعدة للتصدير مما سبب الإحجام عنها وبالتالي إلى كساد اقتصادي في هذه الدول، مما اضطرها إلى شراء الفائض من الدولار في الأسواق وتقديم الدعم الاقتصادي له.
وقدرت خسارات بعض الدول النفطية مثل الكويت في سنوات واحد وسبعين، واثنين وسبعين نتيجة تخفيض قيمة الدولار ثمانية عشر بالمائة “18%” بحوالي ستة وسبعين مليون دولار أمريكي، وقدرت خسارة دول النفط لمنظمة الأوبك سنة سبع وسبعين بحوالي خمسة عشر مليار دولار أمريكي نتيجة انخفاض برميل النفط من 12.7 دولار إلى 7 دولارات للبرميل الواحد.
ثالثاً: تستخدم مسألة الغطاء النقدي عند الولايات المتحدة كورقة ضغط سياسية واقتصادية على بعض الدول، أو للتأثير في اقتصادها إن كانت دولة منافسة. فعندما قامت ألمانيا مثلا سنة سبع وثمانين برفع قيمة الفائدة خلافاً لاتفاقية اللوفر قامت أميركا بالمقابل بخفض قيمة الدولار الأمريكي ـ الغطاء للمارك ـ مما أدى إلى خفض قيمة الأسهم اثنين وعشرين بالمائة في يوم واحد. وهذه العملية قامت بها الولايات المتحدة للضغط على ألمانيا للالتزام باتفاقية اللوفر المتعلقة بسعر الفائدة المصرفية.
رابعاً: التقلبات في أسعار صرف الأوراق الإلزامية تؤثر سلباً في الاستثمار الاقتصادي للمشاريع داخل الدول التي لا يوثق بعملتها أو الدول التي تعاني من تقلبات في سعر صرف عملتها، فلا يتشجع أصحاب رؤوس الأموال لاستثمار أموالهم خوفا عليها، وكذلك تؤدي هذه العملية ـ عملية التقلبات ـ في بعض الدول إلى أزمات سياسية مؤثرة قد تطيح بحكومات كما يجري في العالم الثالث عندما يقوم البنك الدولي بفرض قيود اقتصادية منها خفض قيمة العملة ورفع الأسعار، ويؤثر ذلك أيضا في تآكل أجور العمال واستمرار الاضطرابات العمالية، وارتفاع الأسعار باستمرار.
خامساً: عندما تزيد واردت الدولة عن صادراتها يحدث ذلك عجزاً في ميزان المدفوعات التجاري، فيسبب ذلك التضخم النقدي. أي تزيد كمية الأوراق المطبوعة وتقل قيمتها الشرائية، فترتفع الأسعار نتيجة هذا الخلل بين كمية النقود الموجودة وبين السلع والخدمات.
فقد بلغ العجز في ميزان المدفوعات التجاري عند أميركا سنة سبع وسبعين حوالي ثلاثين مليار دولار، وهو الفرق بين الصادرات والواردات، وأدى ذلك إلى التضخم في الولايات المتحدة، وقامت بمعالجة المشكلة عن طريق طباعة أوراق إلزامية وطرحها في الأسواق. أي قامت بتحميل الدول الأخرى جزءاً كبيراً من هذه المشكلة. هذا في الدول الصناعية، أما الدول الأخرى وخاصة النامية، فعند حصول مشكلة من هذا النوع فإنها تتحمل وحدها مشكلة التضخم، فترتمي في أحضان الدول الاستعمارية، أو ترتبط بسياسات صندوق النقد الدولي وتعيش تحت رحمة قروضه وشروطه الاستعمارية. وهذا كله يؤدي إلى التبعية والاستعمار الاقتصادي الذي هو الوجه الجديد للاستعمار الحديث.
هذه بعض المقتطفات لمساوئ النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي الذي قام على فكرة الحل الوسط وتأثير ذلك النظام على البشرية وعلى علاقتها ومعاملاتها.
أما الحلول التي تطرحها دول الغرب، أو تقوم بالفعل بمزاولتها لمعالجة هذه لمشاكل، سواء أكان ذلك في أسس النظام القائم عليها، مثل معالجة مشكلة عدم قدرة بعض الأفراد الحصول على الحاجات الأساسية للعيش عن طريق الثمن الذي جعلوه الأداة الوحيدة للتوزيع والإنتاج، حيث عالجوا هذه المشكلة عن طريق الضمان الاجتماعي. أو مثل التدخلات في سياسة الأسعار وتقييدها، واختراق فكرة “أن جهاز الثمن هو الذي يحدد العرض والطلب في الأسواق”، وأن العرض والطلب هو الذي يفرض الأسعار للسلع والخدمات. أو مثل التدخلات في فرض قوانين جديدة تلغي فقرات في أسس النظام مثل إلغاء أو منع التعامل بالمخدرات، وبالتالي إلغاء فكرة أن كل مرغوب فيه يعتبر مادة اقتصادية.
أو سواء أكان ذلك في البناء الاقتصادي مثل مشكلة التضخم الذي نتجت عن الأوراق الإلزامية، والتي يحاولون معالجتها بطرق ملتوية تنهب ثروات الناس ومدخراتهم أو تسلب دول أخرى مدخراتها النقدية، عن طريق طرح الأوراق في الأسواق دون أي غطاء. أو محاولة تحديد سعر الفائدة في البنوك عن طريق اتفاقات عالمية، أو وضع قانون للتعرفة الجمركية بين الدول. فكل هذه الحلول وغيرها ما هي إلا ضغث على إبالة، تزيد المشاكل العالمية تعقيداً، دون أن توجد حلا صحيحا شافياً.
أما الحل الصحيح وطريقة المعالجة المثالية فإنها تنبع من نظام صحيح نَظَر للإنسان ولحاجاته ولما يجب أن يكون عليه المجتمع نظرة صحيحة متكاملة. نظرة لم تهمل في الإنسان شيئا من حاجاته الروحية أو الأخلاقية أو المادية، تعتبر أن المادة في هذا الكون هي المسخرة للإنسان وليس الإنسان مسخر لها باللهث وراء الجمع ثم الجمع.
إن الحل الصحيح الذي يجب أن يطبق هو النظام الإلهي العادل، الشامل الكامل، والذي طبق بالفعل حقبة من الزمن كان فيها الخير والعدل والأمن، وكان الغني والفقير في بحبوحة من العيش لا طبقية بمفهومها السقيم، ولا سياسة تحكمات، ولا استغلال ولا استعباد، الكل يملك حريته التي وهبها الله له، يتصرف وفق أحكام إلهية عادلة تجعله عبداً لله لا للبشر. إن الحل الصحيح هو النظام الاقتصادي المبني على وجهة النظر الإسلامية.
أما كيف عالج الإسلام المشاكل الاقتصادية، وكيف نظم شؤون الإنسان المرتبطة بذلك فإننا سنتحدث عن ذلك في موضوع آخر بإذن الله تعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو المعتصم
2000-03-07