حزب التحرير: ميثاق الأمّة (ميثاق الخلافة الراشدة الثانية) (3)
2012/01/07م
المقالات
2,175 زيارة
حزب التحرير: ميثاق الأمّة (ميثاق الخلافة الراشدة الثانية) (3)
يعلن اليوم في الدول العربية التي حدثت وتحدث فيها ثورات كمصر وليبيا وسوريا عن الدعوة إلى إعداد مسودات دستور أو ما يعرف بـ «الميثاق» الذي يشكل عادة مجموعة القواعد الفكرية التي تتخذ مصدراً للدستور والقوانين، وفي هذه الدعوة إعلان بفشل الدستور القديم في حل مشاكل الناس في المجتمع… ويلاحظ أن يد الغرب الي وضعت الدستور القديم تريد أن تلعب لعبتها في إجراء تغييرات شكلية لا جذرية عن طريق توجيه هذه الدول التي ما تزال قابضة على دفتها لتبنّي دستور جديد لا يختلف عن سابقه من حيث استسقائه من التوجه الفكري للغرب.
وحزب التحرير كعادته، كان سباقاً في هذا الأمر؛ إذ أصدر في 15 ربيع الآخر 1410هـ الموافق 14/11/1989م «ميثاق الأمة» وهو الذي سيكون ميثاق دولة الخلافة الراشدة الثانية إن شاء الله تعالى، ذلك المشروع العتيد الذي أصبحت الأمة تنتظر خلاصها فيه…
ونحن في مجلة الوعي رأينا أن ننشر بعض ما جاء فيه ليكون هو الخط المستقيم الذي يجب أن يقارنوا به الخطوط العوج من المسودات التي تصدر من هنا وهناك، وفي أحيان من جهات تدعي أن مشروعها إسلامي، ليتبينوا مدى بعد هؤلاء عن النبع الصافي للإسلام.
نظام الحكم
– يقوم نظام الحكم على أربع قواعد هي: أ – السيادة للشرع، لا للشعب. ب – السلطان للأمة. ج – نصب خليفة واحد فرض على المسلمين. د – للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية، فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين. أما أن السيادة للشرع وليس للشعب كما تنص على ذلك الدساتير الديمقراطية فذلك أن الأمة الإسلامية ليست مسيّرة بإرادتها، تفعل ما تريد، بل هي مسيرة بأوامر الله ونواهيه، فهي خاضعة للشرع، ومن هنا كانت السيادة للشرع. وأما قاعدة السلطان للأمة فمأخوذة من جعل الشرع نَصْبَ الخليفة من قِبَل الأمة، ومِن جعله يأخذ السلطان بالبيعة، وأما القاعدة الثالثة فإن فرضية نصب الخليفة ثابتة في الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية»، فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده، وأما القاعدة الرابعة فقد ثبتت بإجماع الصحابة، ومن هذا الإجماع أُخذت القواعد الشرعية المشهورة (أمر الإمام يرفع الخلاف)، و( وأمر الإمام نافذ)، و(وللسلطان أن يُحدث مِن الأقضية بقدر ما يَحدث مِن مشكلات).
– تقوم الدولة على ثلاثة عشر جهازاً هي:
1 – الخليفة.
2 – المعاونون (وزراء التفويض).
3 – وزراء التنفيذ.
4 – الولاة.
5 – أمير الجهاد – دائرة الحربية (الجيش).
6 – الأمن الداخلي.
7 – الخارجية.
8 – الصناعة.
9 – القضاء.
10– الجهاز الإداري (مصالح الناس).
11– بيت المال.
12– الإعلام.
13– مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة).
وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاز الدولة على هذا الشكل فقد كان هو رئيس الدولة، وأمر المسلمين بأن يقيموا لهم رئيس دولة حين أمَرهم بإقامة خليفة، وقد اختار الرسول عليه الصلاة والسلام أبا بكر وعمر وزيرين، أي معاونين له، وقال: « وزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر»، وهو قد عين للمقاطعات ولاة، وعين قضاة يقضون بين الناس، وأما الجهاز الإداري فقد عين صلى الله عليه وسلم كُتَّاباً لإدارة مصالح الدولة. وأما إمارة الجهاد التي تشرف على الناحية الحربية والخارجية والداخلية والصناعة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا هم بأنفسهم يتولون ذلك. غير أن عمر بن الخطاب أنشأ ديواناً للجند وجعل له مسؤولاً خاصاً، وهو من صلاحيات أمير الجهاد. وأما مجلس الأمة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستشير المسلمين حينما يريد، وكان يدعو أشخاصاً معينين بشكل دائمي ليستشيرهم وكانوا من نقباء القوم، ومن هذا يتبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام جهازاً معيناً للدولة على شكل مخصوص.
– يُعيّن الخليفة معاون تفويض له، يتحمل مسؤولية الحكم، فيفوض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده تفويضاً عاماً.
ولذلك يشترط في هذا التقليد حتى يكون عقد نيابة أن يشتمل على لفظ يدل على عموم النظر، أي يدّل على أن له جميع صلاحيات الحكم، وأن يشتمل كذلك على لفظ يدل على أنه نائب عن الخليفة، أي لا بد في التقليد للمعاون من ألفاظ تدل على واقع المعاون، وهو النيابة عن الخليفة، وأخذ جميع ما للخليفة من صلاحيات، فهو بيده ما بيد الخليفة من صلاحيات الحكم، فهو كالخليفة في السلطة سواءً بسواء، ولذلك كان الناس يشكون لأبي بكر من عمر حين كان يتولى سلطة المعاون، ويسألونه هل أنت الخليفة أم عمر؟ فيقول: أنا وهو، وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، إلا أن المعاون لا يقوم بعمل إلا إذا أطلع الخليفة عليه قبل القيام به، فإن منعه الخليفة امتنع وإلا قام به، وإطلاعه الخليفة على العمل ليس أخذ إذن به، بل هو مجرد إطلاع، ولا ينتظر الإذن، بل يقوم بالعمل بعد إطلاع الخليفة، إلا أن يمنعه عن القيام به، وكذلك للخليفة أن يُلغي الأعمال التي قام بها المعاون، إذا كانت مما لو حصلت من الخليفة له أن يرجع عنها، أما الأعمال التي إن حصلت مِن الخليفة نفسه ولا يصح أن يرجع عنها، فلا يملك إلغاءها إذا قام بها المعاون، وذلك كحكم نَفّذه على وجهه، أو مال وضعه في حقه، ويجب على الخليفة أن يتصفح أعمال المعاون كلها ليُقر منها الموافق للصواب، ويستدرك الخطأ، فالمعاون نائب عن الخليفة في كل أعمال الخلافة، غير أن عمله هو مطالعة الخليفة لما أمضاه من تدبير وأنفذه من ولاية وتقليد قبل تنفيذ ذلك، وامتناعه عن العمل إن أوقف عنه، وكان يسمى وزير تفويض.
– يُعيِّن الخليفة معاوناً للتنفيذ، وعمله من الأعمال الإدارية وليس من الحكم، ودائرته هي جهاز لتنفيذ ما يصدر عنه أو عن معاون التفويض للجهات الداخلية والخارجية ولرفع ما يرد إليه من هذه الجهات ليكون واسطة بين الخليفة وغيره، يؤدي عنه ويؤدي إليه، وهذا الجهاز يكون بمثابة معاون للخليفة ولكنه معاون في التنفيذ، وليس في الحكم، فهو موظف، وليس بحاكم، وكان يُسمّى وزير تنفيذ، والأصل فيه أن يكون واحداً، له أن يُعيِّن معه من يقوم بالأعمال، إلا انه يجوز أن يُعيَّن أكثر مِن واحد، وإذا عيّن أكثر من واحد جعل كل وحد على قسم معين، ووزير التنفيذ هذا متصل مباشرة برئيس الدولة، وعلاقته إنما هي مع رئيس الدولة لأنه ينفذ له ما يريد، ويرفع إليه ما يأتي فهو كالمعاون من أجهزة الخليفة المتصلة به مباشرة، وإن كان ليس من أجهزة الحكم. ومن هنا كانت دار الخلافة مؤلفة من ثلاث جهات: أحدها الخليفة وهو رأس الدولة، وثانيها المعاونون أو وزراء التفويض، وثالثها جهاز التنفيذ أو وزير التنفيذ.
– مجلس الأمة مكون من الأشخاص الذين يمثلون المسلمين في محاسبة الحكام وفي الرأي ليرجع إليهم الخليفة، ويجوز لغير المسلمين أن يكونوا في مجلس الأمة من أجل الشكوى مِن ظلم الحكام، أو من إساءة تطبيق أحكام الإسلام عليهم، ولا حق لهم في الشورى، ولا في حصر المرشحين للخلافة، ولا في انتخاب الخليفة، ولا في مبايعته، ولا في مناقشة القوانين وتشريعها. وهؤلاء الأعضاء ينتخبون انتخاباً مباشراً من الناس، ولكل مَن يحمل التابعية إذا كان بالغاً عاقلاً الحق في أن يكون عضواً في المجلس رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو غير مسلم. وللمسلمين من الأعضاء حق حصر المرشحين للخلافة، ورأيهم في ذلك ملزم.
– للمسلمين الحق في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام، أو للوصول إلى الحكم عن طريق الأمة على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكاماً شرعية، ولا يحتاج الحزب لأي ترخيص، ويمنع أي تكتل يقوم على غير أساس الإسلام كالأحزاب الشيوعية أو القومية أو الوطنية.
– لكل فرد من الرعية أن يصدر أي جريدة أو مجلة سياسية كانت أو غير سياسية، وأن يصدر أي كتاب دون حاجة لأي ترخيص، ويعاقب كل من يطبع أو ينشر أو يصدر أي شيء من شأنه أن يناقض الأساس الذي تقوم عليه الدولة أي العقيدة الإسلامية.
السياسة الخارجية
– العالم كله في حكم الشرع قسمان لا ثالث لهما ، وهما دار حرب أو دار كفر ، ودار الإسلام. فكل بلاد تحكم بالإسلام، وأمانها بأمان الإسلام، كانت دار الإسلام، ولو كان أهلها من غير المسلمين. وكل بلاد تحكم بغير الإسلام، وأمانها بغير أمان الإسلام، فهي دار حرب أو دار كفر، ولو كان أهلها من المسلمين. ففي حديث سليمان بن بُرَيْدَةَ «ادعُهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم». فهذا نص يشترط التحول لدار المهاجرين، ليكون لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، ودار المهاجرين كانت هي دار الإسلام، وما عداها دار حرب، وهؤلاء الذين أسلموا طُلب منهم أن يتحولوا إلى دار الإسلام، حتى تُطَّبق عليهم أحكام دار الإسلام، وإن لم يتحولوا لا تطبق عليهم أحكام دار الإسلام، يعني تطبق عليهم أحكام دار الحرب، ثم إن كلمتي دار كفر، ودار إسلام اصطلاح شرعي، وهي مضافة إلى الإسلام، وإلى الحرب والكفر وليست مضافة إلى المسلمين، ولا إلى الكفار، وإضافتها إلى الإسلام تعني الحكم والأمان بالنسبة للدولة، فتكون دار الإسلام هي التي يتحكم بالدولة فيها دين الإسلام، وتحكمه في الدولة إنما يعني السلطان والأمان، وهذا كله دليل على أن العالم إما دار الإسلام، وإما دار الكفر، وبناء عليه فإن السياسة الخارجية إنما تعني علاقة الدولة بالبلاد التي تُعتبر دار كفر، سواء كان أهلها مسلمين أو غير مسلمين. وكل بلاد تحكم بالإسلام، وأمانها بأمان الإسلام لا تنطبق عليها السياسة الخارجية، بل تُعتَبر من السياسة الداخلية ولو كانت منفصلة عن الدولة بكيان مستقل.
– العلاقة الخارجية للدولة مبنية على أساس حمل الدعوة الإسلامية، سواء أكانت علاقة سياسية أم اقتصادية، أم ثقافية أم غير ذلك، فيتخذ فيها حمل الدعوة أساساً لكل تصرف من التصرفات، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل علاقاته مع كل دار كفر سواء مع قريش، أو مع سائر القبائل مبنية على أساس حمل الدعوة، سواء في الحرب أو الصلح، أو الهدنة، أو حسن الجوار، أو التجارة أو غير ذلك، وكذلك صحابته من بعده. فالسياسة الخارجية أساسها حمل الدعوة الإسلامية.
– السياسة الخارجية تقوم على أمرين – أحدهما القيام بأعمال مقصودة لتبليغ الدعوة وهذا يأخذ ناحيتين – القيام بما يسمى بالحرب الباردة، والسير في خطة الدعوة والدعاية، من دعاة وبرامج تبليغ وما شاكل ذلك، وثانيهما القيام بالأعمال السياسية، وما يُسمى بالأعمال الدبلوماسية، فذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم للعمرة في حادث الحديبية من الحرب الباردة، وآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) من الدعاية، وإرساله عليه السلام في يوم الرجيع ستة من أصحابه ليعلموا الناس الإسلام، وإرساله يوم بئر معونة أربعين رجلاً من خيار المسلمين إلى نجد يعلمونهم الإسلام من خطة الدعوة، وإرساله الرسل إلى الملوك من الأعمال الدبلوماسية، وعقده المعاهدات مع صاحب أيلة على حدود الشام من الأعمال السياسية، وهكذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقوم بأعمال مقصودة لتبليغ الدعوة، ويقوم بأعمال سياسية ودبلوماسية لحمل الدعوة، هذه الأعمال كلها تعتبر من تبليغ الدعوة قبل القتال، وهو مما طلبه الشرع، عن ابن عباس قال: «ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم»، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لفروة بن مسيك: «لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام».
– الأصل في القانون الدولي أن العالم كان منذ القديم يجري بين دوله عرف عام واصطلاح يوافق عليه الجميع، بقواعد وأفكار معينة. مثل عدم قتل الرسل، ومثل عدم قتل النِساء، ومثل عدم الإجهاز على الجريح، ومثل عدم تعذيب الأسير، وما شاكل ذلك، ولكن الأصل في القانون الدولي الحديث هو أن الدول المتقاربة الغايات، وهي الدول النصرانية في العالم قد عقدت عدة مؤتمرات، واتفقت على قواعد معينة، وأفكار معينة جعلتها قوانين دولية، وألزمت نفسها بها، وكان ذلك لتنظيم علاقات الحرب والسلم فيما بينها وحصرت مراعاة هذه القوانين بها وحدها، ولم تدخل فيها الدولة الإسلامية التي كانت قائمة يومئذٍ، ولم تعتبر القوانين الدولية منطبقة عليها. ولذلك كانت القوانين الدولية لا تشمل الدولة الإسلامية، ولا تراعيها الدول الغربية مع الدولة الإسلامية، فلما ضعفت الدولة العثمانية، وأخذت تسترضي الدول الغربية، أرادت أن تدخل في القوانين الدولية، وأن تجعلها تشملها، فمانعت الدول الغربية في أول الأمر، ولكن لمّا تنازلت الدولة العثمانية عن جعل الشرع هو الحكم في علاقاتها الدولية، ورضيت بجعل القوانين الدولية هي الحكم في علاقاتها مع الدول، وافقت الدول الغربية على إدخالها معها، وصارت تراعي القوانين الدولية بالنسبة لها، ومنذ ذلك التاريخ غلب التعامل بين الدول على جعل القوانين الدولية عامة، وهذا ما هو جارٍ الآن، غير أن هذا يخالف أحكام الشرع، فإن علاقة الدولة الإسلامية مع الدول الأخرى يُحكَّم فيه الشرع، لا القوانين الدولية، ولذلك يُنظر للقوانين الدولية لكل قانون على حدة ، فيُؤخذ واقعه ويُفهم تمام الفهم ، ثم يُؤخذ النَصُّ الشرعي، ويُفهم كذلك تمام الفهم ، ثم يطبق عليه ، ويعطى الحكم الذي دل عليه النص الشرعي، ولذلك يُحَّكم الشرع بالعلاقات الدولية بيننا وبين الدول الأخرى، وليس القوانين الدولية.
– كما أن وجود الفرد الحقوقي إنما هو بالنسبة لعلاقته بغيره من الأفراد، وليس بالنسبة لأعماله لذاته فقط، فكذلك وجود الدولة الحقوقي إنما هو بالنسبة لعلاقاتها بغيرها من الدول، وليس بالنسبة لأعمالها الداخلية فقط، لأن الدولة شخصية معنوية، تُعتَبر بحسب ما لهذه الشخصية من مكانة، وما لدى الدول الأخرى من صورة عنها. والدولة الحاملة للدعوة أكثر تأثيراً بالنسبة لعلاقاتها بغيرها من الدول، فإن وجودها الحقوقي وحمايتها يتوقفان على مدى هذه العلاقات كأي دولة، يضاف إلى ذلك أن تبليغها الرسالة التي تحمل دعوتها يتوقف على مدى هذه العلاقات، وعلى مدى ما لشخصيتها من تأثير، وما لدى الدول الأخرى من صورة عنها، ولذلك تعتبر المحافظة على شخصيتها بين الدول مِن أهمِّ أهداف السياسة الخارجية، وقد اعتادت الدول أن تشوّه سمعة الدول الأخرى التي تعاديها، وأن تحط من منزلتها لدى العالم، بإيجاد رأي عام ضدها، كما كانت تفعل الدول الغربية تجاه الدولة الإسلامية، والرأي العام الدولي والعالمي له تأثير كبير في مكانة الدولة، وفي الحرب وفي السلم، ولهذا لا بد للدولة أن تهتم بالرأي العام الدولي، حتى تقاوم إيجاد رأي عام ضدها، وحتى توجد رأياً عاماً لها ولفكرتها ولدعوتها. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يهتم بذلك، قال عليه الصلاة والسلام: « نُصرت بالرعب من مسيرة شهر».
– إن الله سبحانه قد أمر المسلمين بحمل الدعوة إلى الناس كافة، وإدخالهم في دولة الخلافة، وشرع الجهاد طريقة لحمل الدعوة، فيجب أن تنهض الدولة إلى إعلان الجهاد على الكفار دون هوادة، ودون توقف، ومنذ أن قامت للمسلمين دولتهم حتى آخر الخلافة الإسلامية، والمسلمون هم الدولة الأولى في العالم سياسة وعلماً وقوة، فلا يجوز للمسلمين أن يعقدوا أحلافاً عسكرية، أو معاهدات حماية مع الكفار مطلقاً، ولا يجوز لهم أن يضعوا قضاياهم في يد مجلس الأمن، أو هيئة الأمم المتحدة، أو في يد أيَّة دولة في الدنيا، وأن يقبلوا الخضوع للقوانين الدولية الكافرة، أو الهيمنة الأجنبية مهما كانت الظروف، والله سبحانه يقول: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) ، فمثل هذه العلاقات والمساعدات من قبل الكفار والهيئات الدولية الكافرة تتنافى مع سياسة الدولة الإسلامية، التي يجب أن تهيمن هي على الموقف الدولي، وتعود ثانية الدولة الأولى في العالم. [انتهى]
2012-01-07