الحملة الرأسمالية على المرأة المسلمة (2) المرأة في العصر الحديث
2006/01/06م
المقالات
2,061 زيارة
الحملة الرأسمالية على المرأة المسلمة (2)
المرأة في العصر الحديث
تخضع المرأة المسلمة لحملة شرسة من دول الغرب الرأسمالي الكافر، حيث يريد أن يخرجها من مخدع الطهر، وعفاف العلاقة، إلى جعلها سلعة تجارية، وموضعاً لإشباع الشهوة فقط… إن هذه الحملة بدأت منذ بواكير حملته على الأمة، ولكن وتيرتها زادت في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد 11/9. فكيف ينظر العالم قبل الإسلام، وفي العصر الحديث، إلى المرأة؟ وما الذي تخططه الولايات المتحدة وربيـبتها الأمم المتحدة في هذا الموضوع؟.. هذا ما سنبينه إن شاء الله تعالى.
=================================================================
في مطلع هذا العصر وقبل هدم دولة الخلافة عام 1924م كانت المرأة المسلمة تعيش في ظل الأحكام الشرعية معززة مكرمة يُنظر إليها نظرة إكبار واحترام.
أما المرأة غير المسلمة سواء في الغرب أو الشرق فكان وضعها يختلف تبعاً لاختلاف الديانات والأنظمة والأعراف السائدة، فهي في أوروبا غيرها في جنوب شرق آسيا أو أفريقيا أو استراليا أو أمريكا اللاتينية.
ففي أوروبا كانت تتمتع ببعض الحقوق والامتيازات ولكن هذه الحقوق كانت ناقصة، وكان هناك تمييز واضح بين الرجل والمرأة، فالسيطرة الكاملة للرجل حيث يعيش الاثنان في ظل ما تبقى من تعاليم الديانة النصرانية، خاضعين لهيمنة الكنيسة، التي كان همّها الأساس دعم مراكز الملوك أكثر من رعاية المرأة أو الرجل، وكانت المرأة شأنها شأن الرجل تسعى لإرضاء الكنيسة ومن يقوم عليها، وهؤلاء كانوا ينظرون إليها بمهانة ودونية.
وقد بقيت الحال هكذا إلى أن جاءت الرأسمالية وحل عصر الثورة الصناعية، فبدأ الرأسماليون يطالبون بحقوق المرأة.
وأما المرأة في باقي بلاد العالم، فكانت في حال أسوأ من حال المرأة في أوروبا. ففي أفريقيا كانت المرأة مهانة وينظر إليها نظرة احتقار، يسمح باستعبادها، فتباع وتشترى وتستغل في العمل سواء في البيت أم الحقل أم غيرهما. وفي باقي البلاد كان الوضع شبيهاً إلى حد ما بالوضع في أفريقيا إذا استثنينا موضوع العبودية والاسترقاق.
ولما كانت المرأة المسلمة قبل هدم الخلافة في وضع جيد، لها من الحقوق والتكريم الشيء الكثير، فقد تعرضت للحقد والمكر، فأُريد لها الشر، وجرى السعي لإفسادها لأنّ في ذلك إفساداً للمجتمع الإسلامي كله. وأدرك الغرب أنّ إفسادها لا يكون إلا بزعزعة تمسكها والتزامها بالأحكام الشرعية الخاصة بها، وبذلك يسهل إبعادها عن الفضيلة وجرها إلى الرذيلة، فأمعنوا التفكير بالطريقة التي تحقق لهم ذلك، وتوصلوا إلى التذرع بالدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل وبدفعها إلى المطالبة بحقوقها، وجرت أولى المحاولات بذلك عندما احتل نابليون بونابرت مصر عام 1798 م، فسعى إلى حثّ المسلمات على التمرد على النظام المطبق عليهن يعني على الإسلام. وفي عهد محمد علي الكبير وخلفائه انفتحت الدولة على الغرب، فأرسلت البعثات إلى أوروبا. كما فُتح المجال أمام الإرساليات التبشيرية لدخول البلاد التي كانت تحت حكمه، فاستغل نصارى بلاد الشام هذه الفرصة بدافع من تلك الإرساليات، ونشطوا في مجال الصحافة والفن، ولاسيما في لبنان ومصر، وجرى التركيز على مصر، فاحتلت قضية المرأة فيها حيزاً كبيراً من قبل الغرب، فرموا بثقلهم هناك واتخذوا كافة الأساليب الخبيثة لتحقيق أهدافهم، فأوجدوا فيها كل ما من شأنه إفساد الناس، بل قاموا بنشر قذارتهم عن طريق الأفلام والمسلسلات الجنسية وغيرها، ما أدى إلى انتشار الرذيلة في كثير من بلاد العالم الإسلامي. وفي مصر فتح قاسم أمين الباب للدعوة المشبوهة التي تدعو إلى تحرير المرأة، حيث تلقف المغرضون هذه الدعوة ففتحوا المدارس المختلطة للذكور والإناث، وانتشرت المدارس الأجنبية في مصر. وفي البداية كان الأغنياء والحكام هم الذين يرسلون أبناءهم إلى هذه المدارس رغبةً منهم في تقليد الغربيين، ثم انتشر الأمر بين الناس عامة.
ومع حرص الغرب على إفساد المرأة المسلمة والتظاهر بالدعوة إلى تحريرها، فإنّ المرأة في بقية العالم، أي في بلاد غير المسلمين، بدأت بعد مجيء الرأسمالبة تسعى للحصول على حقوقها بدافع من دعوات ظهرت تطالب بإنصافها وتخليصها من سيطرة الكنيسة ومن سيطرة الرجل، وقد أشار كثير من المؤرخين إلى أن عام 1792م هو بداية الحركة النسائية الأوروبية، وهو العام الذي نشرت به (ميري ولسون) في إنجلترا كتابها المسمى «دفاع عن حقوق النساء» والذي لقي رواجاً في أوساط النساء في كثير من دول أوروبا.
وفي عام 1859 م صدر كتاب «أصل الأنواع» لدارون والذي نشر فيه نظريتهُ في التطور مزعزعاً فيه العقيدة النصرانية التي تقول إن الأشياء ثابتةٌ لا تتغير ولا تتبدل، فجاء هو ليقول: «ليس هناك قصد ثابت في الأشياء، وإنّ الإنسان جاء نتيجة لعملية التطور البطيئة التي استغرقت ملايين السنيين»، كما تطرق دارون إلى الأسرة وقال: «كانت الأسرة بمفهومها التقليدي شيئاً جميلاً في الماضي ومناسباً لمرحلة معينة من التطور، وليس من الضروري أن يكون هذا المفهوم اليوم مناسباً ولا جميلاً، بل ليس من الضروري أن تكون هناك أسرة على الإطلاق، لأنّ احتياجات المجتمع هي التي صنعت الأسرة».
ثم ظهر بعد داروين بخمسين سنة من هو أكثر منه تطرفا وهو اليهودي (فرويد) فجاء ليقول «الجنس هو كل شيء، وكل شيء نابع من الجنس»، وقد حضَّ الشباب من الجنسين للخروج على التقاليد التي كانت مفروضة عليهم، ودعاهم لممارسة الجنس كيف شاءوا، فظهرت الكتب الجنسية والأشعار التي أُلفت ليتلذذ القارئ بالجنس، وظهرت دور السيمة والمسارح التي استغلت جسد المرأة وأُنوثتها، ما أوجد وضعاً جديداً للمرأة في أوروبا.
وقد انعكس هذا الوضع الجديد على القوانين التي كانت سائدة في الدول الأوروبية، والتي كان فيها نوع من القيود وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة، فعقدوا المؤتمرات لبحث هذه القوانين وتغييرها حتى خلت قوانينهم الجديدة من أي قيمة روحية أو أخلاقية أو حتى إنسانية، وصارت السعادة عندهم هو الأخـذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية ومنها التلذذ بالجنس، وصارت المرأة لا قيمة لها إن شوهت أو أصيبت بمرض أو عاهة أو كبر سنها، وقيمتها أصبحت عندهم تكمن في صغر سنها وجمالها وجاذبيتها الجنسية. وأخذوا بالحرية الشخصية، فكان التحلل والتفكك الأسري والانفلات من كل قيد، فأصبحت الرذيلة مقننة عندهم، يمارسونها في بيوت مرخصة، تحميها الشرطة والقانون، وصاروا يطالبون شعوب العالم بأن يحذوا حذوهم، وأخذوا يُسوقون هذه الحرية إلى معظم شعوب الأرض باسم الديمقراطية، وبالأخص إلى الشعوب المستعمَرة كشعوب العالم الإسلامي. وقد نظروا إلى مصر نظرة خاصة لأهميتها وخطورة موقعها لاتصالها جغرافياً ببلاد الشام من جهة وبالسودان وباقي شمال أفريقيا من جهة أخرى، ولما لها من تأثير على سائر المسلمين. لذلك عندما احتل الإنجليز مصر أعطوا اهتماما خاصاً لموضوع المرأة، ومن خلالها استطاعوا اختراق بلاد المسلمين عن طريق الأفلام السينمائية والمسرحيات والأغاني والكتب التي دخلت كل بيت، وقد تم الاعتماد في إفساد المرأة في هذه البلاد على من سُموا بالمصلحين من مفكرين وأدباء، الذين استجابوا للدعوات الزائفة تحت شعار تحريرالمرأة.
لقد بيَّن المعتمد البريطاني في مصر (كرومر) مدى اهتمام الإنجليز بالنساء المسلمات عندما قال في تقريره الموجه للساسة البريطانيين: «إنّ وضع النساء في مصر وفي البلاد الإسلامية يُعد عقبة قاتلة تحول دون رفع المستوى الفكري والشخصي، الذي يجب أن يصحب دخول الحضارة الغربية إلى بلاد المسلمين، وإذا أرادت هذه الحضارة أن تُحقق أفضل فائدة ممكنة فليس أمامنا إلا تعليم المرأة…»، وكان (كرومر) يرصد تحولات المرأة المصرية فقد كتب عام (1898م): «إنّه بالرغم من بطء التقدم إلا أنّه لم يعد هناك وجود للمبالاة التامة التي كان الرأي العام يواجه بها قضية تعليم البنات في السنوات الماضية».
ثم عاد وكتب عام (1900م): «إنّ التغيير الذي حدث للرأي العام المصري خلال السنوات الماضية بخصوص قضية تعليم المرأة لهو تغيير يثير الانتباه». لذلك نجد الإنجليز قد فتحوا الباب على مصراعيه للإرساليات التنصيرية والمدارس الأجنبية في مصر، حيث بلغ عددها عام (1892م) أكثر من (50) مدرسة. كما تم فتح مدارس أهلية بلغ عددها في تلك السنة (40) مدرسة. وقد تولت خريجات هذه المدارس فيما بعد مهمة التدريس والتعليم على الأسس الغربية، والتحق بعضهن بالجامعات الأجنبية ليعدن إلى مصر بأفكار الحضارة الغربية متمردات على الدين وفضائله. ففي عام (1919م) خرجت مظاهرة نسائية طافت شوارع القاهرة مطالبة المعتمد البريطاني بإعطاء المرأة المصرية حريتها، وكان عدد المتظاهرات ثلاثمائة على رأسهن صفية زغلول زوجة سعد زغلول، وهدى شعراوي زوجة علي شعراوي باشا.
ونظراً لأهمية الإعلام فلم يقتصر نشاط الإرساليات على إنشاء المدارس للبنات، بل وجد الاهتمام بإصدار صحف ومجلات تختص بالمرأة كان يجري توزيعها على قطاع عريض من النساء وخاصة المتخرجات من المدارس الأجنبية، وكان معظم المشرفات على هذه الصحف والمجلات من نصارى لبنان، وخلال الأعوام من 1892 – 1906 تم صدور ثماني مجلات نسائية مثل: مجلة الفتاة، والفردوس، والحسناء، والزهرة، وفتاة الشرق، وأنيس الجليس، وغيرها.
وهناك مجلات صدرت عن نساء غير مسلمات في كل من لبنان وتركيا، وهدف هذه المجلات جميعها واضح جداً وهو إبعاد المرأة المسلمة عن قيم دينها وتعاليمه. وقد نجح الغرب في تحقيق هذا الهدف إلى حد ما. كما أنّ الحكام الذين نصّبهم الغرب على بلاد المسلمين أطاعوا أسيادهم وساهموا في إفساد الشباب من الجنسين، فجعلوا الجامعات مختلطة، والدوائر الحكومية كذلك.
أمَّا المرأة الغربية بشكل خاص، فإنّ وضعها في العصر الحديث يبدو ظاهرياً أنّه حسن أمام من لا يدركون حقيقة الواقع الذي تعيش فيه، فقد أدّى عصر الثورة الصناعية إلى خروجها من المنـزل للعمل، وذلك لتحريرها من الرجل على حدّ زعمهم، حيث اعتبروا أنّ الرابط الأساسي للمرأة بالرجل هو حاجتها المادية إليه، فتمكينها من العمل والكسب يُمكِّنها من فك الارتباط بالرحل، ما يتيح لها فرصة وسهولة التخلي عن الحياة الأسرية وعن الزواج. كما أنَّه وفقا للمبدأ الرأسمالي القائم على الحريات الأربع وأبرزها الحرية الشخصية، فقد أُتيح للمرأة الغربية أن تشارك الرجل في كل شيء وأن يكون لها علاقات جنسية دون قيود أو حدود. ففي موقع (B.B.C. NEWS) على الإنترنت في 13/6/2002م ورد دراسة لمجلة (Top Sante) أُجريت على عينة مكونة من خمسة آلاف إمرأة عاملة قال 28% منهن أنهن مارسن الجنس مع زملائهن في العمل وأنّ ثلاثة أرباع العينة قد تعرضن للمغازلة والمداعبة من زملاء العمل، وقال خمس العينة إنهنّ مستعدات للمغازلة مع رؤسائهن في العمل من أجل تحقيق طموحاتهن في الوظيفة. ونتيجة لهذه العلاقات الجنسية خارج بيت الزوجية، ونتيجة لانشغال المرأة في العمل للحصول على لقمة عيشها، لجأت النساء إلى التخلص من أحمالهن بالإجهاض، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد بلغت حالات الإجهاض المسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية من عام 1973م إلى عام 1998م أكثر من (38) مليون حالة.
لقد أصبحت النظرة إلى المرأة نظرة نفعية جنسية بحتة، تتصدر هي وصورها العارية شاشات التلفاز والإعلانات التجارية، ومحلات البيع والشراء، وأماكن اللهو والترف والمجون، لترويج الملذات المُحَرَّمة والخمور ونوادي القمار ودور الدعارة، ما أدى إلى ظهور مشكلات اجتماعية خطيرة وكثيرة في الغرب، منها انتشار الأمهات غير المتزوجات، وكثرة الأولاد غير الشرعيين، والذين تعدت نسبتهم في إحدى الدول الغربية (50 %) من عدد السكان، كما فشت الأمراض الفتاكة والمعدية الناجمة عن ممارسة الجنس خارج نطاق الأسرة، مثل: مرض الإيدز والهربز والزهري والسيلان وغيرها، وأصبح لكل فتى صديقة، ولكل فتاة صديق، كما أصبح بقاء البنت عفيفة محافظة على عفتها وبكارتها قبل الزواج من الأمور النادرة بل والمستهجنة، كما انتشر عندهم الاغتصاب والاضطهاد والعنف الأسري ومعاشرة المحارم، وسُنَّت في بعض الدول قوانين تبيح الشـذوذ الجنسي من لواط وسحاق، وتعترف بالزواج المثلي ببين رجلين أو بين امرأتين. وإضافة إلى ذلك كله فالزوجة أصبحت كالزوج مسؤولة عن الأسرة – هـذا إن وجدت أسرة – خارج البيت كتأمين االنفقات وتوصيل الأولاد والزوج إلى المدارس وأماكن العمل، إلى جانب قيامها بأعمال البيت. فهل هـذه هي الحقوق والتشريعات التي ينادون بها، ويريدون تسويقها للمسلمين؟!
ومع تفشي الانحلال الخلقي وطغيان العلاقات الجنسية المشبوهة على العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة في الغرب، فقد ظهرت بوادر أحاسيس النهضة على أساس الإسلام في البلاد الإسلامية، وأصبحت المناداة بالعودة إلى الدين الإسلامي والالتزام بأحكامه ظاهرة من الظواهر العامة في العالم الإسلامي ما أغاظ الكفار، وزاد في حنقهم على الإسلام والمسلمين، فعادوا إلى سيرتهم الأولى بالكيد إلى الإسلام بادعاء تحرير المرأة المسلمة من قيودها، ومساواتها بالرجل سواء بسواء. وأخذت الولايات المتحدة الأمريكية زعيمتهم تدعم هذه الأفكار بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ وما تملك من وسائل ترغيب وترهيب باسم رعاية الحرية والديمقراطية، وقد اعتمدت على جهتين تقاسمتا العمل في الاهتمام بشؤون المرأة المسلمة وهاتان الجهتان هما:
الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة.
الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حاملة لواء العولمة والديمقراطية.
[يتبع]
2006-01-06