الانتخابات المؤامرة في تونس
2011/10/05م
المقالات
1,690 زيارة
الانتخابات المؤامرة في تونس
محمود الكرعاني – تونس
ستجري في تونس في 23/10/2011م انتخابات المجلس التأسيسي الذي ستكون مهمته صياغة دستور جديد للبلاد. وتوجد بعثة للاتحاد الأوروبي هي أكبر بعثة دولية ستراقب الانتخابات. وسترصد كل المراحل في الحملة الانتخابية إلى يوم الانتخابات. وستقدم تقريرها النهائي في 25/10.
وقال رئيس البعثة ميخائيل غاير: «إنه متفائل بأنه أول اختيار ديمقراطي سيجري في ظروف طيبة مشيراً إلى أن الأوضاع الأمنية لا تثير القلق».
وقالت كاترين أشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بيان: «تمثل هذه الانتخابات لحظة تاريخية في المسار الانتقالي لتونس الديمقراطية».
وهذه الانتخابات يعدها الغرب أول اختبار للديمقراطية الناشئة في تونس منذ الإطاحة ببن علي على أثر احتجاجات شعبية. وسيتنافس في هذه الانتخابات عشرات الأحزاب والمستقلين على 218 مقعداً في المجلس التأسيسي.
إن الصراع الأبدي بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الاستضعاف والاستعلاء. . . . بين شعب حالم يتوق للحرية والانعتاق وبين حاكم ظالم يبحث عن التسلط والتجبر.
ويتجلى هذا الصراع أو التدافع المجبول في الإنسان بأشكال وصور عديدة طبقاً للإطار والحيثيات، ونحن الآن بصدد الحديث عن الثورة التونسية محاورة ومثاقفة يجدر بنا تبيان طرفي النزاع أو بالأحرى طرفي الصراع، لأنهما تقريباً على طرفي نقيض حتى وإن تماثلا في بعض الأحيان، فمن جهة نجد شعباً أعزل ثائراً على أوضاعه البائسة يتلمس طريقه نحو التحرر والانعتاق من ربقة الظلم والاستبداد يقابله في ذلك أخطبوط بلون الحرباء وسم الأفعى يملك السلطة والمال والإعلام، ينشب مخالبه بقوة في مراكز القرار حتى يحافظ على مصالحه وذلك بتأبيد حالة البؤس والهوان… شقان متقابلان لا يلتقيان إلا مخاتلة، وجهان رئيسيان لمعركة واحدة، معركة الهوية والتأصيل ضد الاستيلاب والتغريب، أو النهوض بالاعتماد على الذات ضد النكوص والارتهان للآخر والإبقاء على حالة التبعية. وتمتد تمظهرات هذا التمايز لتشمل الأخلاق والسلوك والممارسة اليومية لتصل إلى الأطروحات والرؤى والمشاريع الاستشرافية… إذن وباعتبار الشق التغريبي هو المتنفذ وهو المالك الحقيقي للسلطة قبل الثورة وبعدها فهو يعمل جاهدًا وبكل الوسائل المتاحة والخسيسة للحيلولة دون ارتقاء الآخر، إلى مصاف الحكم والإدارة، وشعاره في ذلك «الغاية تبرر الوسيلة» و«من ليس معي فهو ضدي» ومن هنا بدأت فصول المؤامرة تحاك ضد هذا الشعب التونسي المسلم الطيب الأبي وذلك باعتماد المخططات والنظرات الاستشرافية لمراكز البحوث الاستعمارية. حيث عمدوا أولاً إلى استئصال كل المعارضين وأخص بالذكر الإسلاميين عندما زج بهم بورقيبة ومن بعده بن علي في السجون والمعتقلات وأبعدهم عن مراكز القرار والتواصل مع الناس فكرياً وسياسياً؛ فكانت حملة شرسة أتت على الأخضر واليابس، فعمد نظام الفاسد بن علي إلى منع الإسلاميين من العمل في الوظيفة العمومية لاعتبار سوابقهم العدلية وبالتالي أحال الآلاف من المعلمين والأساتذة والأساتذة الجامعيين والمهندسين والأطباء وغيرهم من الموظفين على البطالة المهنية والعطالة الفكرية، كما منع التلاميذ والطلبة من إتمام تعليمهم بعد خروجهم من السجن وذلك بإيهامهم بعدم القبول بالوظيفة العمومية، بل عمد إلى المحجبات ومنعهن من مزاولة دراستهن. وبناء عليه ذهب كل هؤلاء للبحث عن لقمة العيش لهم ولأبنائهم، وتركوا أماكنهم مرتعاً لذئاب التغريب والتمييع… وبعد سقوط بن على بدأت المخابرات الأجنبية تعمل جاهدة لتوجيه مسار الثورة حتى لا تنفلت وتخرج عن المسارات المرسومة لها مسبقاً؛ فكان أن جيء بشخصيات من خارج الحدود للإشراف على تكوين هيئة عليا للانتقال الديمقراطي، باعتبار أن هذه الهيئة يجب أن تتكون من النخبة ومن الشخصيات الوطنية، وباعتبار كذلك أن الإسلاميين كانوا مغيبين عن الساحة، إذن لم يبق من الإنتليجنسيا إلا فلول اليسار الانتهازي والعلمانيين المتواطئين مع بن علي، فكانت فسيفساء هذه الهيئة أغلبيتها من التغريبيين الباحثين عن موطئ قدم في تمفصلات الثورة ليواروا سوءاتهم وللمحافظة على عروشهم المبنية على التزلف والتملق… وبعد أن جلسوا في مقاعدهم وبدأت عملية التصويت على القوانين والأنظمة التي ستنظم الحياة السياسية ظهر بشكل واضح أن العملية هي للتزكية أقرب منها للتصويت باعتبار أن أغلب الأعضاء «الأصوات» هم من أزلام الغرب وبطانته، بالتالي يقع تمرير كل المشاريع عن طريق هذه الهيئة بشكل {ديمقراطي} وباسم الشعب الحاضر تمثيلاً بهؤلاء والغائب فعلياً، ففتحت الأبواب على مصراعيها لمناقشة مسلمات وقواسم مشتركة بين كل التونسيين كمسألة الهوية وشكل الدولة المرتقبة ومسالة التطبيع مع دولة يهود. . . وغير ذلك من المسائل المراد من وراء إثارتها إحداث نوع من الإرباك والتشكيك لخلخلة الأواصر الاجتماعية وضرب العقيدة الإسلامية باعتبارها العروة الوثقى لكل التونسيين، وهي الجامع الذي يشدهم لبقية الأمة…
ثاني فصول المؤامرة اتضحت معالمها يوم أن منع حزب التحرير من تأشيرة العمل القانوني، ذلك أن هذا الحزب زيادة على الشعبية التي يحظى بها وعراقته في الحياة السياسية التونسية فإنه – ويا للغرابة- هو الوحيد -على حد علمنا- الذي يملك رؤية أيديولوجية حضارية وثقافية كاملة متكاملة ومنسجمة داخل نسق فكري واحد، وهو كذلك الوحيد الذي يطرح مشروعاً مجتمعياً مترابطاً يسيجه بنظام اجتماعي سياسي اقتصادي يكمل بعضه بعضاً في تناغم تام يموضعه بدستور غاية في الحرفية ويفي تمام الوفاء بمبدئه الأم وبشكل بعيد عن كل الإسقاطات والترقيعات من هنا وهناك، لذلك ولخوف السلطة من توسعه وانتشاره خصوصاً وإنه يعتمد الإسلام كمحدد وحيد للعلاقات ولشؤون الحياة، وهو كذلك من القلائل الذين ناكفوا بورقيبة وبن علي جهرة وبدون مواربة، لذلك سعت الحكومة الانتقالية إلى منعه من العمل القانوني بعد أن تأكد لديها استحالة ترويضه أو استدراجه إلى حلبة الاعتدال والوسطية على النمط الغربي… ومن ثمة أقصت الإسلام الراديكالي من حلبة الصراع ليخلفه إسلام «معتدل» ليبرالي لا لون ولا طعم ولا رائحة له، يتشكل مع الواقع ويتأثر به، وكذلك بقايا من اليسار المنهك بانقساماته، الحامل لوزر نظرياته الفاشلة ولوثة تعامله مع بن علي وتزكية ظلمه وفساده، إضافة إلى التيارات العلمانية المحسوبة على الغرب الاستعماري، والمنبوذة اجتماعياً والمرفوضة أخلاقياً وقيمياً، يضاف إلى هذه الأطياف الطيف القومي بدفاتره الملوثة وأياديه الملطخة بدماء الأبرياء…
أما الفصل الثالث وهو الأخطر في نظرنا وتكمن خطورته في تقييد إرادة المترشحين للمجلس التأسيسي حيث عمدت هذه الهيئة بدعم فكري وتقني من الغرب الخائف على مصالحه من وضع سياج أسموه العهد الجمهوري، وجعلوا فيه أطراً قانونية وتنظيمية لا يمكن لواضعي الدستور الجديد تجاوزها، بل واعتبرت خطوطاً حمراء لا يجب المساس بها كالديمقراطية والنظام الجمهوري ومجلة الأحوال الشخصية… ولتمرير هذا الطعم المسموم ألحق به شعار فضفاضٌ سمي بالهوية العربية الإسلامية لذر الرماد في العيون، وقد اعتبر المتتبعون للشأن السياسي هذا العهد في حقيقة الأمر ملاحقة فكرية لحركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية والمتوقع فوزها بأغلبية المقاعد حتى لا تعتمد المشروع الإسلامي… وتمتد فصول المؤامرة هذه المرة لتتدخل في تقنيات العملية الانتخابية وذلك بالاعتماد على نظام التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا وهذا الإجراء يمكن الأحزاب الصغيرة من الحصول على مقاعد بالمجلس المرتقب مقابل حرمان الأحزاب الكبيرة من أصوات مناصريها الزائدة على النصاب، وبعد ذلك تعقد هذه الأحزاب تحالفات فيما بينها لإجهاض أي سيطرة للأغلبية على المجلس وهذا كله لا يخدم الإسلاميين… وتقنياً كذلك وقع تمرير قانون يسمح بتغيير القوائم الانتخابية قبل 24ساعة من موعد الاقتراع، ويعني ذلك إمكانية دخول التجمعيين أزلام النظام السابق هذه القوائم والالتفاف على الثورة خصوصاً وأن أسماءهم {قوائم المناشدين} بقيت سرية بين أعضاء الهيئة العليا… ولتهميش العملية الانتخابية أكثر ولسحب البساط قدر الإمكان من تحت حركة النهضة قاموا بإنشاء العشرات من الأحزاب السياسية ذات الطابع العائلي أو العشائري بطرق مريبة منها سرعة تسليمهم التراخيص القانونية، ومنها كذلك ما يتعلق بمؤسسيها، إذ العديد منهم معروف بعلاقاته المشبوهة مع رموز الفساد في نظام بن علي… وأخيرًا وليس آخراً هو تاريخ إجراء الانتخابات، وهو يتزامن مع تواجد آلاف التونسيين بالعربية السعودية لأداء مناسك الحج، وهو كذلك يحرم عشرات الآلاف من طلبة الولايات الداخلية من الإدلاء بأصواتهم وذلك لبعدهم عن مقرات سكناهم بسبب الدراسة والتكلفة الغالية للتنقل، وهاتان الشريحتان محسوبتان بشكل كبير على الإسلاميين… نتبين إذاً مما أسلفنا ذكره أن جماعة بن عاشور-الهيئة العليا- وتكنوقراط السبسي بمعاضدة اليسار المتفرنس هي كلها قوى متعاونة مع بعضها للالتفاف والوصاية على الإرادة الشعبية والتحكم في مسارات الثورة والتضييق على الاختيارات وحصرها في برامج ومقترحات وتطلعات تتطابق مع النهج الغربي العلماني، الديمقراطي، الرأسمالي واستنساخاً لتجاربه ورؤاه في الحياة، فحتى المشهد السياسي قسم كما يشتهي وطبقاً لتصوراته يمين ويسار- بالأسماء فقط- ولكن كلهم لم يخرجوا عن الرؤية الليبرالية المهادنة والمتلونة، فلا اليسار مؤدلج ووفي لأطروحاته الماركسية، ولا اليمين يتبنى الإسلام فكراً وممارسة ويدافع عن مشروعه، فكل الرؤوس مشرئبة نحو الغرب تعمل على نيل رضاه الديمقراطي والحداثي-أو هكذا شبه لهم-.
وأمام هذا الواقع التزويري الذي يمارس الغرب سحره وألاعيبه فيه، ينبري حزب التحرير كعادته لإبطال هذا السحر وكشف هذه الألاعيب مبيناً كلمة الحق بكل وسيلة متاحة طامعاً من الله سبحانه وتعالى أن يبلغ صوته قلوب المسلمين في تونس، ومن ذلك بيان للناس فيه هدى وموعظة للمؤمنين في إطار حملته على الدستور الذي سيمدد الغرب بواسطته حكمه للبلاد، والذي سيمكن عملاءه من الوصول إلى سدة الحكم، وإليكم هذا البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
دستوركم شرع ربّكم فلا تتبدّلوا الخبيث بالطيّب
أيّها الأهل في تونس، إنّكم مسلمون، جزء من أمّة الإسلام أعرق الأمم على الأرض، قاسيتم الظّلم الشديد من جراء بُعدكم عن الإسلام ، ومن جراء سيطرة الغرب وأفكاره وأنظمته وعملائه عليكم. وبعد أن انكشف لكم كيدُ الغرب الكافر المستعمر، وأدركتم فساد أفكاره وأنظمته، وانكشفت لكم أوروبا وأمريكا على حقيقتها البشعة، حقيقة مصاصي الدماء، ومستعبدي أمم الأرض، حقيقة الحقد اللئيم والعداء المتأصل للإسلام والمسلمين، وحقيقة ما جرته على المسلمين وبلادهم من ويلات ونكبات، وما ألحقت بهم من دمار وهلاك ودعم للطواغيت فيها لعقود، و بعد أن انكشف لكم فساد دعوات القومية الضيقة وتهافت الأطروحات الوطنيّة الهالكة المنحطّة، ومدى خطرهما عليكم، وعلى كيانكم باعتباركم أمة واحدة. قد آن الأوان لتعودوا إلى إسلامكم؛ ففيه الحلّ لمشاكلكم، فهو أملكم في الخلاص، وفي إنقاذكم من الظّلم، وآن لكم أن تُدركوا أنّ العقيدة الإسلامية عقيدة سياسية، وأنّ الكتاب والسنة يحويان نظاماً كاملاً للحياة والدولة والمجتمع، وأنّ لهما الصّفة السياسية والصّفة التشريعية، ولذلك فالأمر الطبيعي وأنتم تشعرون بضرورة التغيير وبناء مجتمعكم على أسس الإسلام المتينة، وتؤمنون بالكتاب والسنة، أن تجعلوا الكتاب والسنة ميثاقاً بينكم، وأن تتّخذوهما مصدراً وحيداً للدّستور والقوانين. وتتركوا كل مصدر سواهما، ولقد عرضنا عليكم وما زلنا مشروع دستور مستنبط من كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم لمناقشته ووضعه موضع التنفيذ. ونعرض عليكم اليوم أهمّ أسس نظام الحكم في الإسلام.
إنّ نظام الحكم في الإسلام هو نظام فريد متميّز عن جميع أنظمة الحكم في العالم، فهو نظام أساسه الإيمان بأن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله، وقوامه أحكام الله المستنبطة من الكتاب والسنّة.
ويتضمّن مشروع الدستور الذي نعرضه عليكم أركان الحكم في الإسلام وهي أركان لا يوجد سلطان الإسلام إلاّ بها مجتمعة وهي قواعد استنبطت بالاستقراء من الأحكام الشرعيّة.
المادة 22 – يقوم نظام الحكم على أربع قواعد هي:
1 – السيادة للشرع لا للشعب.
2 – السلطان للأمة.
3 – نصب خليفة واحد فرض على المسلمين.
4 – للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية
في دولة الإسلام السيّد المتفرّد بالسيادة الذي له وحده الأمر والنهي هو الله سبحانه وتعالى فالله الذي خلقنا وصوّرنا فأحسن صورنا ومنّ علينا بنعم لا نحصيها، سخّر لنا الأرض ومكّننا فيها، وأسبغ علينا نعمه .
وإنّه من تمام نعمته على عباده أن أرسل إلينا محمدا عليه الصلاة والسلام هادياً ومبشرًا بشرع يحمينا من تقلب أهوائنا وتسلط قوِيّنا على ضعِيفنا، فمِن نِعم الله علينا أن جعل التشريع له وحده فليس للمسلم حاكمًا أو محكومًا أن يسير وفق هواه أو يخضع لمخلوق، بل هو يسير وفق أوامر الله ونواهيه. وفي دولة الإسلام الأفراد والجماعة يخضعون لأحكام الله خالقهم ومدبّر أمرهم، وليس للأمّة ولا للخليفة حقّ التشريع، فالمشرّع هو الله سبحانه وتعالى، هذا هو الحقّ الذي قامت عليه الأدلّة القاطعة، وهذا وحده الذي يضمن أن لا يستعبد القوي الضعيف، فبشرع الله وحده يتساوى النّاس. وبإبعاد التشريع عن هوى الإنسان ضمن لنا الإسلام أن لا يستعبد البشر بعضهم بعضًا، بل الكلّ يخضع لشرع الله ووحيه الذي أوحاه إلى نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وقد خاطب الله سبحانه وتعالى المسلمين جميعًا بتنفيذ شرعه ووحيه الذي أوحاه إلى رسوله، فجعل بذلك للأمّة سلطان التنفيذ لا التشريع، وبيّن الإسلام كيفيّة التنفيذ، ففرض أن يختار المسلمون من يرتضونه من بينهم ليحكمهم بشرع الله.
( المادة 24 : الخليفة هو الذي ينوب عن الأمة في السلطان وفي تنفيذ الشرع، المادّة 25: الخلافة عقد مراضاة واختيار، فلا يجبر أحد على قبولها، ولا يجبر أحد على اختيار من يتولاها، المادّة 26: لكل مسلم بالغ عاقل رجلاً كان أو امرأة الحق في انتخاب الخليفة وفي بيعته، ولا حق لغير المسلمين في ذلك) فليس الخليفة ملكًا يرث الحكم عن أبيه، ولا يختصّ بامتيازات من بين الناس، وليس هو رمزًا للأمّة، ولا هو مصدر القوانين، إنّما هو فرد من أفراد المسلمين وكلّ من توفّرت فيه الشروط الشرعيّة يجوز له أن يترشّح ليختاره الناس(المادّة 31: يشترط في الخليفة حتى تنعقد له الخلافة سبعة شروط وهي أن يكون رجلاً مسلماً حراً بالغاً، عاقلاً، عدلاً، قادراً من أهل الكفاية.) وليس الخليفة دكتاتورًا متسلّطا يحكم الناس بهواه بالغلبة والقهر (المادّة 28: لا يكون أحد خليفة إلا إذا ولاه المسلمون. ولا يملك أحد صلاحيات الخلافة إلا إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي كأي عقد من العقود في الإسلام. المادّة 37: الخليفة مقيد في التبني بالأحكام الشرعية فيحرم عليه أن يتبنى حكماً لم يستنبط استنباطاً صحيحاً من الأدلة الشرعية، وهو مقيد بما تبناه من أحكام، وبما التزمه من طريقة استنباط، فلا يجوز له أن يتبنّى حكماً استنبط حسب طريقة تناقض الطريقة التي تبناها، ولا أن يعطي أمراً يناقض الأحكام التي تبناها.) ومتى بايع المسلمون خليفة يحكمهم بشرع ربّهم كان عليهم واجب الطاعة له والامتثال لأوامره، وليس معنى وجوب الطّاعة أن يسكتوا عليه إن ظلم وأكل الحقوق، بل إنّ الله سبحانه وتعالى فرض على الناس محاسبة الحاكم، فأمرهم أمرًا جازمًا ملزمًا بالتغيير عليهم، إذا هضموا حقوق من يرعون شؤونهم، أو قصّروا بواجباتهم نحوهم، أو أهملوا شأنا من شؤونهم، وعدّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أفضل الجهاد فقال «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر» وتوعّدهم بغضب الله إن هم سكتوا عن الحقّ فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» ويسقط حقّ الطاعة للحاكم إذا هو أمر بأمر مخالف للشرع قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ عَلَيْهِ وَلَا طَاعَةَ»
هكذا جعل الإسلام الأمة قوَّامة على قيام الحاكم بمسؤولياته، فألزمها بالإنكار عليه، وعيّن لها كيفيات عمليّة تسلكها فلا تكون محاسبتها شكليّة:
الأولى: هي مجلس الشورى، أو مجلس الأمة، الذى له حق المحاسبة في كل ما يقع من الحاكم من أفعال وتصرفات. (المادّة20: محاسبة الحكام من قبل المسلمين حق من حقوقهم وفرض كفاية عليهم. ولغير المسلمين من أفراد الرعية الحق في إظهار الشكوى من ظلم الحاكم لهم، أو إساءة تطبيق أحكام الإسلام عليهم.)
الثانية: هي الأحزاب السياسية التي تقوم على العقيدة الإسلامية، وعملها الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. (المادّة 21: للمسلمين الحق في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام، أو الوصـول للحـكم عن طريق الأمة على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكاماً شرعية. ولا يحتاج إنشاء الحزب لأي ترخيص ويمنع أي تكتل يقوم على غير أساس الإسلام.)
الثالثة: عامّة المسلمين، وذلك بموجب ما فرضه الله على كل فرد منهم من قول الحق والمحاسبة، وتوجيه النقد بكل الوسائل مثل: الحديث، الندوات، المحاضرات، الخطب، الكتب، الصحف، المجلات، الإذاعة، والتلفاز، الشريط، والنشرات، وغير ذلك من الوسائل.
الرابعة: هي محكمة المظالم، التي لها صلاحية إصدار الحكم بعزل الخليفة إذا أخلّ بالشرع بأن لم ينفذه، أو نفذ غيره، أو لم يحمل دعوته، فقد وجب خلعه، ويخلع بحكم صادر عن محكمة المظالم، فيصبح بمجرد صدور الحكم مخلوعاً فاقداً للصلاحية، ولا يعتبر ولياً للأمر، وإذا لم يخضع لحكم محكمة المظالم كان متمرداً على حكم الله، وكان على المسلمين بمجموعهم أن يخلعوه فعلياً بالقوة، فقد حُلّت من أعناقهم بيعته.
أيّها المسلمون:
إن الله قد حصر حق التشريع به فقط، فكما أفردتم الله بالخلق، فأفردوه بالتشريع، وفرض عليكم أن تسودكم أحكامه المنبثقة من عقيدتكم، لتحققوا سيادة الإسلام فيكم، وقد حرم عليكم، أن تتحاكموا لأي شرع أو قانون، ما لم يكن منبثقاً عن العقيدة الإسلامية، وباجتهاد صحيح معتبر.
ولذلك كله فإننا ندعوكم في حزب التحرير أن تعملوا معنا لاستئناف تطبيق الإسلام في دولة الخلافة الراشدة الثانية التي وعد بها الرسول عليه الصلاة والسلام ونوحد أمّة الإسلام كلّها من جديد في هذه الدولة فتكون أقوى وأعز.
16/9/2011م حزب التحرير
18/شوال/1432هـ تونس
2011-10-05