إدارة القضايا المصيرية عند إقامة الخلافة
2011/10/05م
المقالات
1,885 زيارة
إدارة القضايا المصيرية عند إقامة الخلافة
جعفر محمد أبو عبد الله – بنغلادش
لقد شهد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين غطرسة القوى الغربية، وإلحاق الأذى الوحشي من خلال الغزوات والمذابح والتعذيب ضد أبناء الأمة الإسلامية العظيمة، أتباع النبي محمد ﷺ، فقد كانت الإبادة الجماعية في العراق وأفغانستان وباكستان وغزة وأماكن أخرى في العالم الإسلامي، وكان الاعتداء على النبي محمد ﷺ بالرسوم المسيئة وعلى القرآن الكريم، وكانت الفظائع التي ارتكبت في “أبو غريب” وباغرام وغوانتانامو… كل ذلك كشف عن المعنى الحقيقي للديمقراطية الغربية والعلمانية وشعارات الحرية وحقوق الإنسان، ولم تكن أمة محمد ﷺ عمياء عن هذه الكوارث.
حان وقت أن تتولى الأمة الإسلامية القيادة.
بينما كان الحديث عن الازدهار الاقتصادي في الغرب انهار هذا الصرح بدءًا من انفجار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة، حيث هوت اقتصادات الدول الغربية واحدة بعد الأخرى، وحتى أصبحت الأزمة الاقتصادية الحالية واحدة من بين أكبر الأزمات الاقتصادية في تاريخ البشرية المعروفة، ومع هزيمة الغرب الواضحة في العراق وأفغانستان تكشّف زيف القوة العسكرية الغربية، وهكذا فإنّ الأزمة المالية العالمية أزالت أي ثقة كانت متبقية بالنظام الرأسمالي وتفوقه الأيديولوجي.
ولكن، الرغم من كل هذا ظلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مهيمنين على العالم الإسلامي من خلال وحشية الديكتاتوريات أو الديمقراطيات القائمة في العالم الإسلامي، حتى جاء عام 2011م ليكون مختلفًا، فعملاء الغرب مثل بن علي ومبارك أصبحوا الآن من التاريخ، والآخرون على الطريق! حيث اضطر الغرب إلى التضحية بهم واحدًا تلو الآخر! وبالنسبة للأمة في جميع بلاد المسلمين فإنّ هذا أمارة على انتصار وشيك لها، وسوف يكون القادم فرار عبد الله والأسد والقذافي وصالح وجيلاني وزرداري وحسينة وخالدة وكريموف وغيرهم الكثير! إن شاء الله تعالى.
لقد أظهرت الأمة استعدادها للتضحية من أجل دينها، وإن شاء الله فإنّ المهمة الآن تقع على أكتاف الضباط المخلصين والشجعان في الجيوش المسلمة في جميع أنحاء العالم لإقامة دين الله سبحانه وإرجاع السلطان للأمة مرة أخرى من خلال إعادة إقامة الخلافة (خلافة على منهاج النبوة). فالمهمة الآن هي تدمير وسائل إنتاج قادة الرقيق القمعية الغربية، أي النظام العلماني الديمقراطي والدكتاتوري، واستكمال توحيد الأمة تحت خليفة واحد.
إنّ عودة الإسلام أمر لا مفر منه، ولا يمكن لأي مقدار من الكراهية والعدوان والقوة والخداع وتبديل الوجوه وتكتيكات العواصم الغربية مثل لندن وواشنطن وباريس وبرلين أو أي مكان آخر من تغيير هذه النتيجة الحتمية، وقد حذر مؤخرًا ديفيد كاميرون بحضور الزعماء الغربيين من الإسلام السياسي وتأثيره على رفاهية طبقة الرأسماليين والشركات المتعددة الجنسيات الغربية في قمة حلف شمال الأطلسي في ألمانيا، وفي الواقع فإنّ هناك سببًا لهذا الصراخ والتحذير والغضب في ردة فعل رئيس الوزراء البريطاني، وفي الواقع فقد كان غاضبًا حين قال إنه لن يقبل أي تغيير جذري وشامل في العالم الإسلامي والذي سوف يحقق استقلاله السياسي والاجتماعي والاقتصادي في إطار دولة الخلافة الإسلامية، وأشار مذكرًا العالم بأنّ بريطانيا لا تزال رابع أكبر دولة في الإنفاق العسكري في العالم!
وعلاوة على ذلك فإنّ خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير أمام أعضاء مجلسي البرلمان في “ويست منستر” تشير بوضوح إلى أنّ الغرب خائف من انزلاق قدميه وتفسخهما! حيث قال : “ومع ذلك، ولأن هذا التغيير السريع قد حدث، فقد أصبح من الشائع في بعض الأوساط التساؤل عما إذا كانت الثورات في هذه الدول سترافق تراجع النفوذ الأميركي والأوروبي في جميع أنحاء العالم، ربما! ويضاف أيضًا بأنّ هذه الأمم ستكون أمم المستقبل، والوقت لقيادتنا قد انقضى، ولكن هذا الجدل خطأ، فالوقت الآن هو لقيادتنا”
أكدت هذه القيادات الاستعمارية الغربية مرارًا وتكرارًا القول بشكل قاطع بأنّهم لن يقبلوا أو يتسامحوا مع قيام أي دولة إسلامية، أو مع أي تأثير للإسلام، أو أي حزب سياسي ذي جذور إسلامية للوصول إلى السلطة في أي جزء من العالم الإسلامي، وهذا تدخّل واضح في العالم الإسلامي، قاتلهم الله أنى يؤفكون؟! إنّ هذا التدخل يفضح الغرب أكثر فأكثر ويجعل الأمة أكثر إصرارًا على تحديد مستقبلها، وفي لغة لا لبس فيها وواضحة نقول للقوى الغربية الصليبية الكافرة إنّ إرسال السفن الحربية والجيوش وإقامة قواعد لها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ورشوة الحكام وقادة الجيوش في العالم الإسلامي، وإيجاد قيادات بديلة مصطنعة بمساعدة وسائل الإعلام لن تساعدها بأي حال من الأحوال، ومهما طال بهذه القوى الزمن لإبقاء الأمور معلقة قبل أن تجد بديلًا، فإن الأمور لن تكون لها كما كانت عليه في السابق، فحقًا إنّ الشيء الذي تخشاه القوى الغربية وهي الخلافة الإسلامية، هو قدر محتوم لا مفر منه، ويجب أن تعلم تلك القوى كيف تتعايش مع الخلافة القادمة إذا كانت تريد الأمن والعدالة، وإذا كانت لا تزال تلعب في الطريق الخطأ وتريد أن تستمر في النهب والسلب لثروات الأمة وسفك دمها، فإن هذه الأعمال تؤخذ على أنّها من أعمال الحرب، ودولة الخلافة الإسلامية ستتصرف معها بشكل مناسب إن شاء الله، فرغبة الأمة الإسلامية بأن تكون الأفضل لا نقاش فيها ويجب احترامها.
إنّ الأغلبية الساحقة من الأمة تريد عودة الخلافة الإسلامية من المغرب إلى إندونيسيا، ومن والشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، فالأمة تكرر هذا الطلب في كل الانتفاضات والاحتجاجات، ليقل لنا أوباما! ما هي نتائج استطلاعات الرأي بشأن “رسم خريطة المستقبل العالمي” التي تضطلع بها إدارتك وإدارة سلفكم بوش، والتي تكشف عن نبض المسلمين في جميع أنحاء العالم؟ ماذا تريد الأمة؟ ألم تقرأ أنّه في الآونة الأخيرة كشفت استطلاعات جالوب في باكستان أنّ 13٪ فقط من المقترعين يقولون بأنّهم لا يريدون الإسلام، و67٪ المتبقية تقول بأنّها تريد الإسلام و20٪ فضّلوا الصمت مفضلين مجتمعًا قائمًا على الإسلام، ألا تعرف هذا يا أوباما! بل إنك تعرفه، ويشكّل هاجسًا مؤرقًا لك ولإدارتك.
بالرغم من رفض الأمة بوضوح للنفوذ الغربي عليها إلا أنّ الطريق ليس دائمًا واضحًا أمامها وضوح الشمس، وعلاوة على ذلك، فإنّ القادة الغربيين الذين يثيرون الغبار والسحاب في الهواء في جميع أنحاء العالم الإسلامي لإضافة مزيد من عدم الوضوح والنقاء على الفكرة والأسلوب على الرغم من حقيقة أنّ الأمة على يقين من أنّ الغرب خادع، ومع ذلك فإنّ الأمة تدعو إلى العدالة، ولكن الدعم الغربي المستمر لجيلاني والشيخة حسينة وصالح والأسد وعبد الله وكريموف لم يبقوا على أية مصداقية للدعم الغربي للحرية والعدالة.
ولذلك فمن الأهمية بمكان أن يتم توجيه الأمة نحو القيادة الإسلامية العالمية من حزب التحرير، فهو أمر حيوي في تقديم تصور واضح بشأن كيفية عرض الهدف النهائي للانتفاضة والنضال العالمي للأمة وكيفية إقامة الخلافة مرة ثانية، وعلاوة على ذلك يمكن التذكير بالاستراتيجية اللوجستية لإعطاء الأمة ثقتها بنفسها وبأنّ الوقت الآن هو لقيادتها؛ ذلك أن قوة حزب التحرير تنبع من إيمانه بطريقة المصطفى محمد ﷺ، فهو النبي الذي أرسله سبحانه وتعالى لنا هاديًا ومبشرًا، ومن الضروري بالنسبة لنا أن نعود إلى حياة النبي محمد ﷺ للعثور على طريقة معالجة الخلافة الإسلامية مختلف القضايا في الحكم وإدارة الشؤون التي ستنشأ عند إقامتها وتوليها المسؤولية عن الأمة الإسلامية، وهناك نقطة واحدة لأولئك الذين يريدون أن يتعلموا الدرس من بين المسلمين الذين يعتقدون أنّ إقامة دولة الخلافة الإسلامية على طريقة النبوة مستحيلة في القرن الواحد والعشرين، ويريدون أن يتعاملوا مع الأميركيين والغربيين عمومًا، نود أن نقول لهم بأنّ هذا هو وعد من رب العالمين القادر على إنجاز هذا الوعد المبارك للبشرية، ولن يخلف الله وعده، وإذا كان هذا ليس كافيًا لهم فلن تكون أي حجة أخرى كافية لهم!
فشل قوى الشر في منع إقامة دولة الخلافة:
إذا كان لنا أن نلقي نظرة على كيفية أخذ النبي محمد ﷺ النصرة لإقامة أول دولة إسلامية في المدينة المنورة على الرغم من وجود الإمبراطوريات الرومانية والفارسية، فإنّها قصة جذابة جدًا من حيث الواقع الدولي اليوم، فسيرة النبي عليه الصلاة والسلام تشير بوضوح إلى أنّ دور الجيش المسلم هو دور حاسم وهو العامل الأكثر أهمية في إقامة دولة الخلافة الإسلامية اليوم، فطريقة فرار مبارك وبن علي كانت نتيجة للانتفاضة غير المسبوقة، وهي تعزز نظرية أنّه من دون دعم الجيش فإنّ إمكانية إحداث التغيير الانقلابي والشامل أمر مستحيل، وبمجرد إلقاء نظرة على المثال الليبي والسوري، حيث إنّ الجيش لا يزال يعمل لصالح النظامين، فإن النظرية الغربية في تغيير النظام عبر الرصاص وإرهاب الدولة (أي كما حصل في العراق أو في أفغانستان) أو عن طريق الحرب الأهلية أو عن طريق الاقتراع (أي كما في الديمقراطية العلمانية) ليست طريقة لتحقيق تغيير حقيقي، لذلك فإنّ هذه الأساليب إما أن تؤدي إلى إراقة دماء الأمة أو إلى تضليل الأمة عن طريق تغيير تجميلي في الحكم، وبالتالي فإنّ التغيير الحقيقي لن يحدث إلا مرة واحدة من خلال الجيش المسلم بتأييد ودعم من الأمة الإسلامية، ودعم للقيادة الحقيقية للأمة، أي لـ «حزب التحرير».
هذا ما شهدناه في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، فبفضل دعم بعض قادة الأوس والخزرج من أمثال سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وأسعد بن زرارة y، في جو من العداء الشديد للدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية بأسرها كان نجاح إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، ولا يجب لأحد أن ينسى بأنّ المدينة كانت دولة صغيرة، فقد كانت بعيدة لبضع مئات من الأميال فقط عن أي عدو للإسلام من أمثال التحالف المكي من المشركين، حدث هذا عندما لم تجد دعوة النبي عليه الصلاة والسلام أي نجاح في مكة المكرمة والمناطق المحيطة بها؛ ولذلك فإنّ نجاح مهمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وعجز التحالف المكي من القوى المعادية عن منع إقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة هو درس كبير للجيش المسلم اليوم على ما يمكن أن تتكشف عنه أحداث لم يسبق لها مثيل في العالم الإسلامي وخصوصًا الشرق الأوسط ومنطقة المغرب العربي، فإنّ الجيوش الإسلامية اليوم تحت الضوء، تحت اهتمام العالم كله، وبالتأكيد فإنّ التحالف السابق من المشركين لم يستطيعوا أن يفعلوا أي شيء لسعد وأسيد عندما نصروا إقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة. وكذلك اليوم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا للجيوش المسلمة بمنعهم من أن ينصروا الدولة الإسلامية.
إنّ الجيوش الإسلامية في مصر وسوريا وباكستان وبنغلادش واليمن وإندونيسيا وليبيا… لا ينبغي لهم أن يخافوا من أي نوع من ردود الفعل والعداء الذي قد يأتي بناء على مجرد نصرتهم لإقامة دولة الخلافة، بل عليهم أن يعلموا بأنهم يمكنهم الاعتماد على هذه الأمة العظيمة، ويجب أن يؤمنوا بوعد رب الكون الذي ورد في سورة النور حيث قال: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)
إدارة القضايا المصيرية عند إقامة الخلافة :
إنّ معظمنا في هذا العالم يرى بأنّ العالم قد تغير كثيرًا، فمن يعتقد بأنه من المستحيل عمليًا عودة الإسلام في أنقى صورة يكون مخطئًا ومتأثرًا بطريقة التفكير البراغماتية؛ لأنّ هؤلاء قد فشلوا في إدراك أن الأدوات والوسائل قد تغيّرت بسبب التقدم العلمي ولكن الإنسان في جوهره لم يتغير على الإطلاق، فعلى سبيل المثال فإنّ أول عملية قتل حصلت على وجه هذه الأرض كانت بحجر في حين القتل اليوم يحدث بالقنابل العنقودية والأسلحة الفتاكة الأخرى. وعلى الدولة الإسلامية الناشئة أن تلتزم بالشرع الحنيف لترقى بالإنسان فتنهض به، وأن تحوز أفضل مستوى من التقدم العلمي من أجل المحافظة على المبدأ ونشره وتأمين الحياة المريحة السهلة للناس في هذه الدولة.
لذلك، فإنّه وفقاً لوعد الله سبحانه وتعالى ووفقاً لحديث رواه نعيم بن بشير في مسند الإمام أحمد فإنّ عودة دولة الخلافة الإسلامية مرة أخرى في العالم أمر محتوم، ومنذ بداية «ثورة الياسمين» تحدثت الأمة كثيرًا وبدأت في التحدث والسعي بنشاط لإيجاد بديل سياسي من شأنه أن يغير الواقع بشكل جذري وكامل وليس فقط في الحياة الاقتصادية والسياسية، وليس للأمة فحسب بل وللبشرية جمعاء، ولكن مع هذا البديل فإنّ هناك مسؤوليات كثيرة على الأمة وتحديات كثيرة يجب مواجهتها والتعامل معها، وفي سيرة سيدنا محمد ﷺ الحسنة دروس علينا أن نتعلم منها. فالتحديات التي ستنشأ لن تكون مختلفة عن تلك التي واجهها نبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام، ففي البداية فإنّ معظم هذه التحديات ستصب في قضايا توحيد الأمة والأمن والاستقرار الداخلي، ومع ذلك فإنّ العدوان الخارجي والتهديد الذي يصل إلى مستوى الحرب يوجب على الخلافة وبسرعة إدارة ذلك بذكاء حاد، ولكن الشيء الوحيد والمؤكد هو أنّ أمة محمد عليه الصلاة والسلام ستكون جاهزة إن شاء الله، من القاهرة إلى إسلام آباد ودكا، ما يمكنها بالتأكيد من ضرب جذور قوية لعودة الخلافة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
التماسك الداخلي:
إنّ نسيج المجتمع القائم حاليًا وشكل السلطة يهدد التماسك الداخلي والأمن والاستقرار في البلاد الإسلامية، فضلًا عن قلة الموارد المادية المختلفة مثل المال والأطعمة والأدوية والوقود بسبب سوء سياسات الحكام الحاليين وعملائهم، كل ذلك يحتم على الدولة القادمة التعامل معها بالعمل على صهر المجتمع بأسره بسرعة كبيرة، وإعادة تشكيل الأمن الفكري، وتطبيق الأنظمة الإسلامية بشكل كلي في المجتمع، فكيف ستتمكن دولة الخلافة الإسلامية التي ستقوم في هذا القرن الحادي والعشرين من قلب الأفكار في العواصم الإسلامية مثل مصر أو في قلب منطقة جنوب آسيا، كيف ستتعامل مع هذه الأمور؟
1- إلى جانب التطبيق الجذري للنظام الإسلامي، فإنّ الخليفة ومعاونيه في السلطة التنفيذية أي ديوان الخليفة الذي يجب أن يُشكل بذكاء، ويحتاج إلى استخدام الوسائل الاستراتيجية المتاحة ووضعها تحت تصرفهم، وفي الواقع فإنّ كل مسلم على وجه هذه الأرض لامس قلبه الشعور بالإيمان يعرف ذلك، وبعون من الله سبحانه وتعالى وبإعلان دولة الخلافة الإسلامية عن طريق أخذ النصرة من الجيش المسلم فإنّ الشارع نفسه قد يكون العامل الأكثر أهمية في تحقيق النجاح والأمن والاستقرار في الخلافة الإسلامية، فالإعلان مثلًا ومنذ اليوم الأول عن: «ابتداء من اليوم فإنّ أيام الجاهلية قد انقضت وقُطعَ خط التدخل الغربي، واعتبارًا من اليوم فإنّ جميع القواعد الاستعمارية ستغلق والسفارات وموظفيها وقواعد التعامل معها ستتوقف لتنظم من جديد بناءً على الأحكام الشرعية. والقوانين والتعليمات والجمارك وغيرها لاغية وباطلة، والنظم التي تقوم على القرآن والسنة هي المحددات الوحيدة لمستقبل الدولة في ظل القيادة الرشيدة لدولة الخلافة الإسلامية بحفظ الله سبحانه وتعالى»، فإنّ كل ذلك من شأنّه أن يكون أساسًا لتوطيد دعائم الدولة الداخلية، وفي الوقت نفسه فإنّ هذه الإجراءات مرعبة جدًا للاستعمار الغربي مما سيحول دون مجرد تفكير الغرب بالاعتداء على دولة الخلافة الإسلامية كما قال النبي عليه الصلاة والسلام «نصرت بالرعب مسيرة شهر» (رواه البخاري).
2- في أول خطاب للخليفة من عاصمة الخلافة، سواء أكان ذلك من القاهرة أم إسلام آباد أم جاكرتا أم دمشق أم طرابلس أم دكا أم في أي مكان آخر، فإنّه سيكون من المهم للغاية تنسيق أفكار الأمة وعواطفها وإنهاء كل رواسب الاستعمار وخيوطه من بلادنا، ولنا في الخطاب الذي ألقاه نبينا عليه الصلاة والسلام حال وصوله إلى المدينة المنورة للمواءمة بين الفكر والعواطف عند الناس عبرة وعظة، لما كان له من أثر على الناس في المدينة المنورة.
فقد َكَانَتْ أَوّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللّهِ ﷺ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَن أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ قَالَ: أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَقَدّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ . تَعَلّمُنّ وَاَللّهِ لَيُصْعَقَنّ أَحَدُكُمْ ثُمّ لَيَدَعَنّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ ثُمّ لَيَقُولَنّ لَهُ رَبّهُ وَلَيْسَ لَهُ تَرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ أَلَمْ يَأْتِك رَسُولِي فَبَلّغَك ، وَآتَيْتُك مَالًا وَأَفْضَلْت عَلَيْك ؟ فَمَا قَدّمْتَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ ، فَإِنّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا ، إلَى سَبْعِ مِئَةِ ضَعْفٍ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ» سيرة ابن هشام.
وعلاوة على ذلك وبعد وقت قصير من استلام النبي عليه الصلاة والسلام للسلطة خطب قائلًا «قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ مَرّةً أُخْرَى، فَقَالَ إنّ الْحَمْدَ لِلّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللّهُ فَلَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. إنّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيّنَهُ اللّهُ فِي قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النّاسِ، إنّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ. أَحِبّوا مَا أَحَبّ اللّهُ، أَحِبّوا اللّهَ مِنْ كُلّ قُلُوبِكُمْ وَلَا تَمَلّوا كَلَامَ اللّهِ وَذِكْرَهُ وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنّهُ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللّهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي قَدْ سَمّاهُ اللّهُ خِيرَتَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ وَمُصْطَفَاهُ مِنْ الْعِبَادِ وَالصّالِحَ مِنْ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كُلّ مَا أُوتِيَ النّاسُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فَاعْبُدُوا اللّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتّقُوهُ حَقّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابّوا بِرُوحِ اللّهِ بَيْنَكُمْ، إنّ اللّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ».
عرف النبي عليه الصلاة والسلام الوضع في المدينة المنورة والتركيبة القبلية للمجتمع المدني، وعرف الحرمان الاقتصادي من الحروب، كما عرف أن ليس جميع أركان السلطة في المجتمع في المدينة المنورة قد اعتنقوا الإسلام، وأدرك أنّ هناك تهديدات أمنية داخلية من اليهود والمنافقين. ولكن أول شيء فعله هو تعزيز إيمان المسلمين وإعطاؤهم الثقة والطمأنينة، وتطرق النبي عليه الصلاة والسلام للقضايا الجوهرية في العقيدة الإسلامية، وبذلك نجح في تنسيق أفكار الأمة وعاطفتها.
لذا ينبغي على خطاب الخليفة الأول للأمة عند إقامتها التركيز على ما نحن عليه وما هي طبيعة نضالنا وجهًا لوجه في رحلتنا في هذا العالم، وذلك لتعزيز وتأكيد أنّ العقيدة هي أساس دولتنا وقوتها، فقوتنا ليست في هيكل دولة الخلافة أو جيشها لكن هي بالتأكيد في أكثر من ذلك بكثير، هي في قوة العقيدة، وقوة شهادة أن (لا اله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)، فالخلافة ستعمل على التأكيد للناس بأنّ الخلافة هي واجب لأنها هي الخلافة التي تضمن التنفيذ الكامل للإسلام، وينبغي أن يعي الناس على فكرة أنّ الخلافة هي الطريقة الوحيدة للتطبيق الكامل للإسلام، وعلاوة على ذلك يجب أن يتعزز عندهم بشكل واضح جدًا الفرق بين الخلافة والنظام القديم من حيث الهيكل والمبادئ والسياسات، وحتى في نتائج تطبيق هذا النظام، وهو ما كانوا يبحثون عنه، أي مساءلة الحكومة، والحق السياسي، ومحاسبة الحكومة ضد ارتكاب أي مخالفات، والفرص الاقتصادية والاستقلال السياسي للدولة [بأنّها ليست دولة تابعة للولايات المتحدة والغرب]. وبالتالي فإنّ تحضير الأمة الإسلامية على أساس صحيح هو الأولوية الأولى وقبل كل شيء، وإن شاء الله ومع وجود المساجد في جميع أنحاء الأرض فإنّه بعد عودة الخلافة وامتلاك الإعلام فإنّ مكتب الخليفة سيكون قادرًا على تحقيق هذا التثقيف في أقصر وقت ممكن.
3- من أجل ذلك فإنّ على الخليفة أن يكون على دراية كاملة على الواقع في البلاد، فربما تنشأ الاضطرابات السياسية الداخلية، ومع ذلك، فإنّ الشيء الأكثر أهمية هو أن يكون الأمر متعذراً على أولئك الذين يرغبون في زعزعة سلطة الدولة، ففي الواقع الحالي فإنّ المخابرات الغربية هي الجهة المستفيدة من الأنظمة الحالية القائمة، فالحكام الحاليون والعملاء السريون والعلنيون على مختلف مستوياتهم قد يكونون عامل إزعاج، لذلك يجب أن يأخذ الخليفة هذه المسألة في يده، ويجب ألا يسمح لأي كان من الذين يرغبون في خلق حالة من الفوضى في الدولة، وعلى الخليفة أن يستخدم وسائل الإعلام، بما فيها قنوات الاتصالات ووسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية، بما في ذلك الهيكل الطبيعي للدولة الإسلامية أي شبكة المساجد في جميع أنحاء الدولة لحشد ثقافة أمة محمد ﷺ لتصبح الضمان لحماية الدولة جنبًا إلى جنب مع الجيش والأجهزة الأمنية الإسلامية، ولا يمكن لأحد أن يفعل شيئًا حيال ذلك ما دامت الخلافة ستكون قائمة على حدود الله سبحانه وتعالى والله حاميها والأمة معها.
4- سيتم إعادة هيكلة النظام التعليمي بسرعة، مع إعطاء الأولوية لبناء جيل المستقبل الذي سيعمل على تطوير نوع معين من العقلية القائمة على القناعة بالأيديولوجية الإسلامية، وعلاوة على ذلك، فإنّ جعل نظام التعليم واحدًا أمرًا لا بد منه في جميع أنحاء البلاد، والتنمية المدرسية في الأمة ستكون حاسمة للغاية في دفع عجلة القيادة الفكرية في حل المشاكل العملية.
بعض القضايا في الاقتصاد:
5- معظم الناس اليوم على قناعة بأنّ نظام السوق الحر في حد ذاته هو العقبة الكبرى نحو تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، فستلغي الخلافة عند إقامتها نظام السوق الحر وتبدأ بتطبيق نظام اقتصادي غير ربوي قائم على مبادئ الاقتصاد الحقيقي الإسلامي، وعلاوة على ذلك فإنّ أحد الأسباب الرئيسة لعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي هو اعتماد العملة الورقية في النقد مثل الدولار أو الجنيه الإسترليني أو اليورو.. الخ، وحتى المؤسسات الرأسمالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نفسها قد دعت مرارًا لنظام عملات احتياطية متعددة، وفضلوا أن يكون التعامل النقدي على أساس معيار الذهب، وفي الواقع فإنّ النظام الاحتياطي للدولار نفسه هو آلية من آليات الولايات المتحدة الأميركية لتهيمن وتسيطر من خلالها على الاقتصاد العالمي، على الرغم من عجزها التجاري الهائل الذي يبلغ حوالي 58 ٪ من الرصيد العالمي بأسره من العجز التجاري، غير أنّ الخلافة الإسلامية ستكون في مأمن من هذا النوع من الهيمنة حيث ستكون العملة فيها هي الذهب والفضة، والتي سوف تلغي تأثير الوصفات الاقتصادية الغربية التي أوجدت الملايين من الشباب العاطلين عن العمل مع وجود حالات الغضب والإحباط والحرمان، ولكن مع عملة الذهب والفضة في إدارة الاقتصاد الكلي والنقدي سيصبح أسهل وسيصل التضخم إلى مستوى الصفر تقريبًا، وسوف يؤدي إلى زيادة القوة الشرائية للمواطنين، وبالتالي ستزيد من مستوى معيشة المواطن من جانب، وزيادة النمو في النشاط الاقتصادي من جانب أخر.
6- وعلاوة على ذلك، سيتم استخدام ثروة الدولة وفقًا للأحكام الشرعية الإسلامية وهو في مصلحة الأمة، وسيتم إلغاء الربا في السلطة النقدية في البنك المركزي بالكامل، وسيتم استبداله بخزينة بيت المال، والتي سيكون لها فروع في جميع أنحاء البلاد وتقدم الخدمات المالية للمواطنين، وستحصل خزينة الدولة الأموال من خلال تحصيل الزكاة والعشر والخراج والجزية والفيء وغيرها من المصادر الشرعية، ومن أولويات الخلافة حال قيامها استخدام الأموال من أجل القضاء على الفقر في الأمة بسرعة، والتي تعيش فقرًا مدقعًا في ظل النظام الديمقراطي العلماني أو الديكتاتوري، واستثمار الإمكانات المادية في تعزيز قوة الجيش المسلم الذي سيدافع عن الدولة.
7- سيتم إطلاق سراح جميع الصناديق المخزونة حاليًا من القناة المصرفية الربوية في الاقتصاد بحيث يزداد الاستثمار وتولد المزيد من فرص العمل، والاستهلاك سيزيد على مستوى جوانب متعددة من دون أي مخاطر كبيرة ودون وجود للقطاع المصرفي الافتراضي لزيادة الأرباح والذي يؤدي إلى زيادة تكلفة التمويل، لذلك سيتم تخصيص صندوق لدعم الإنتاج والنشاط الاقتصادي الحقيقي، وسيتم إلغاء جميع أشكال الأسواق المالية مثل رأس المال أو سوق المال على أساس الربا والتي تعمل من خلال شبكات من البنوك والأوراق المالية والسندات والأسهم وأسواق المشتقات من الاقتصاد الربوي والقمار وتحويلها إلى الاقتصاد الحقيقي، وهكذا فمع عدم التركيز على القطاعات المصرفية والمال الذي يتمركز في أيدي عدد قليل من الناس، ومع عدم وجود أسواق الأوراق المالية في الاقتصاد لسرقة المال العام حيث يتم استخدامها في قطاعات غير منتجة، فإن الإيداع في بيت المال هو للحاجة الماسة للادخار، وهكذا ومن دون أي سياسة نقدية تضخمية مع معيار الذهب، ودون انخفاض لقيمة المدخرات، وبالتالي فإنّ المرء لن يلجأ للادّخار، بل سيلجأ للاستهلاك ما سيزيد من استهلاك التجزئة العامة والمبيعات، أو للاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، حيث لا يوجد مكان للاقتصاد المالي، أو إعطاء القروض للآخرين من دون فائدة لغرض تجاري كما حددتها الشريعة، وستؤدي هذه العوامل الثلاثة إلى زيادة غير مسبوقة في الأنشطة الاقتصادية وتوليد فرص العمل وتنمية الثروة والحد من التفاوت في الدخل عن طريق تداول الثروة.
التعامل مع العدوان الخارجي:
1- قبل أن نتحدث بالتفصيل عن العدوان العسكري، يجب أن نفهم شيئًا واحدًا، وهو أنّ قدرة الغرب في مهاجمة أي بلد ليست مسألة فورية، فبالنظر في حرب الخليج الأولى، والحرب الأفغانية وحرب العراق، نرى أن الاستعمار استغرق وقتًا قبل القيام بالهجوم، ولكنها لن تكون مثل الخليفة يلقي خطبة الجمعة فيكون الجيش جاهزًا في المغرب.
2- الحمد لله أنّ في الأمة الإسلامية جيوشًا قوية بالفعل، وما على المرء إلا التحقق من القوة العسكرية المشتركة للأمة، فهي أكبر من قوة الأعضاء الخمسة الدائمين في الأمم المتحدة، ولكن الأهم من ذلك هو عقيدة ووجهة نظر الجيش بحيث تدفعها للقتال في سبيل الله سبحانه وتعالى لحماية الدين ونشر أفكاره والمحافظة على الحياة والشرف وموارد الأمة، فالجيش المسلم يقاتل لنيل رضوان الله ونيل الجنة، لذلك فإنّ الغرب لن يكون قادراً على خوض حرب ضد الأمة تحت قيادة الخلافة، وحرب العراق وحرب أفغانستان دليل واضح على ذلك، إذ خاض ما يسمى المعسكر الأكثر تقدمًا في العالم حربًا لأكثر من 10 سنوات من دون أن ينجح في كسر إرادة المسلحين مثل طالبان، فكيف سيكونون قادرين على هزيمة الجيش الذي يرفع راية لا اله إلا الله محمد رسول الله؟
3- علاوة على ذلك من الطبيعي أنّه يمكن القيام بالمناورات السياسية لردع أي تهديد بشكل فعّال لإعاقة الغرب، ومعاهدة الحديبية هي مثال واضح في هذا الصدد، حيث تظهر كيف يمكن للخلافة التصدي بفعالية للدعاية السلبية ومن رد أي عدوان ضدها، وهو أمر لن يجبر القادة الغربيين على السكوت فقط، ولكن أيضًا يمكنها إزالة الأسنان الشرسة التي تتربص بالخلافة كما كان الحال في الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، لقد تم توثيق إبرام معاهدة الحديبية في أعقاب مؤامرة من الكفار في مكة وشركائهم في خيبر الذين كانوا يريدون شن حرب فعلية ضد الدولة الإسلامية، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام نجح في وقت لاحق في فصل اليهود في خيبر عن كفار قريش في مكة المكرمة وفض تحالفهم ضد الدولة الإسلامية، ونزع فتيل القوة المكية ما أعطى النبي عليه الصلاة والسلام المجال لهزيمة خيبر في وقت لاحق. وعلاوة على ذلك، وضعت هذه المعاهدة الأسس لغزو الأرض بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، وبالتالي فإنّه يمكن للخلافة الإسلامية أن تعقد مثل هذه المعاهدات حسب الحاجة مع الدول المحاربة فضلًا عن الدول المحايدة، وعلاوة على ذلك فإنّ موارد الأمة والأسواق المميزة استراتيجيًا مربحة للغاية ما سيسيل لعاب بلدان مثل الصين واليابان وألمانيا فيجعلها تفكر بالتعامل مع دولة الخلافة الإسلامية ما يمكنها من إضعاف موقف الدول الغربية أو يفكك تحالفها ضدها.
4- سيتم إغلاق وطرد جميع سفارات الدول المحاربة فعلًا، وسيتم الإعلان عن بطلان أي اتفاق أمني أو تدريبات عسكرية مشتركة، وسوف تعمل الخلافة على نحو فعّال لتأمين الدولة من الداخل. ويمكن أيضًا إلغاء أي خطط مدبرة من قبل الأجانب بمساعدة أولئك الذين يعارضون فكرة دولة الخلافة.
5- يمكن بسهولة مواجهة قضايا مثل الحصار والحرب الكلامية والدعاية، بالحكمة والاستراتيجية السياسية، وفي القيادة الفكرية في الإسلام ما يكفي لتنفيذ ذلك، ولا يمكن للأفكار الفاسدة مثل العلمانية الرأسمالية والديمقراطية أو الشيوعية أن تقف ضد ذلك، كما يمكن أن يستخدم العدد المتزايد من المسلمين في الغرب على نحو فعّال للعب دور إيجابي في هذه القضية.
وبالنسبة للحصار الاقتصادي، فإن القلائل من النخبة قد يعانون من ذلك وليس الأمة كلها! فكيف ستجوع الأمة عندما تستخدم الخلافة الموارد الوافرة لرفاهية مواطنيها، تلك المنهوبة حاليًا من قبل الحكام؟ وعلاوة على ذلك، كيف يمكن محاصرة العالم الغربي للخلافة اقتصادياً والله هو الرزّاق؟ والسيرة النبوية تشير إلى أنّه عندما غادر عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي الله عنهما مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حاولت قريش ثنيهم عن الهجرة بتخويفهم من فقدان ثروتهم، ولكن ما حدث خلال عدة سنين أثبت أن الله هو وحده الرزاق!
6- وعلاوة على ذلك فإنّ تواجد حزب التحرير القوي في الأمة يمكّنه من توحيد الأمة في غضون أشهر، وهذا لن يترك للغرب أي فرصة للمسّ بالخلافة بأي وسيلة كانت؛ ولذلك ومع أكثر من 75٪ من المسلمين ممن شملهم المسح الذي أجرته جامعة ميريلاند في الولايات المتحدة الأميركية يرغبون في توحيد الأمة في كيان سياسي تحت راية الخلافة، ومطالبة الأمة الحكم بالإسلام ضمان نجاح الخلافة على منهاج النبوة إن شاء الله.
الخلاصة:
إنّ إعادة إقامة دولة الخلافة سواء في شبه القارة في جنوب آسيا، أو في الأرض المباركة من الشام، أو في المنطقة المغربية سيكون بدءًا لعصر جديد للأمة وللعالم، وسيكون الأمر كما قال المقوقس حاكم مصر بعد سماعه خطاب عبادة بن الصامت حيث قال لمن حوله: هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط؟ لقد هبت منظره، وإن قوله لأهيب عندي من منظره، ما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها.
اللهم إنّ أمة رسولنا الحبيب ﷺ لا تريد أن ترى هيلاري كلينتون أو وليام هيغ وغيرهما ينفذون رغبتهم في مصر ديمقراطية علمانية أو في شرق أوسط جديد، ولا تريد أن ترى البيت الأبيض أو 10 داوننغ ستريت يرسمان مستقبل جنوب شبه القارة الآسيوية، بل إنها تريد عودة دولة الخلافة الإسلامية في الأرض جميعها. اللهم هب لنا الخلافة التي ستقيم عدلك على الأرض. اللهم اغفر لهذه الأمة المباركة واجعل أيًّا من المدن الإسلامية، القاهرة أو دمشق أو طرابلس أو إسلام أباد أو دكا أو جاكرتا نقطة ارتكاز عودة دولة الخلافة.اللهم اشدد من أزرنا ومن أزر إخواننا وأخواتنا في جميع أنحاء شبه القارة وآسيا الوسطى والمغرب العربي، وأتمم علينا نعمتك، واجعل لنا من بين أيدينا نورًا ومن خلفنا نورًا، وهب لنا الشجاعة والثبات والحزم.اللهم لا تنسنا أن أجدادنا تغلبوا على الصليبيين والمغول والتتار، فانصرنا على ذريتهم.
آمين ، آمين، والحمد لله رب العالمين.
2011-10-05