ماذا بعد (الشعب يريد إسقاط النظام)؟! أخلافة أم دولة مدنية؟
2011/05/05م
المقالات
1,721 زيارة
ماذا بعد (الشعب يريد إسقاط النظام)؟!
أخلافة أم دولة مدنية؟
إن الظلم قد يقع وقد يمر دون أن يجابه ودون أن يُعلم أنه ظلم، فالفرق بين وقوع الظلم والإحساس به هو العلامة البارزة، فأعظم الظلم قد مَّر بهذه الأمة حين هُدمت الخلافة وما علمت الأمة حينها أن وجود الخلافة حياة لها وواجب عليها إعادتها، هذه واحدة، وأما الثانية فهي إدراك الأمة بأن ما يقع عليها في كل حين هو ظلم، فدفعها هذا الظلم الفظيع وهذه الأحداث الضخمة للتفكير، فكل واحد من الأمة قد وقع عليه الظلم بطريقة مختلفة، فكان التفكير الفردي الذي أنتج التفكير الجماعي الذي دفع بدوره مختلف الشعوب لرفع الشعار نفسه، وتطالب بالمطالب نفسها؛ فتحصَّلَ عند الأمة أمران أنها أحست بالظلم وعلمت الظالم، وصدق رسول الله ﷺ.: «إذَِا رَأيْتُمْ ُأمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أنَْ تَقُولَ لَهُ إنَِّكَ أنَْتَ ظَالِمٌ فَقَدْ
توُدِّعَ مِنْهُمْ» (أخرجه أحمد عن طريق عبد الله بن عمرو).
إن المسلم الذي يعمل للتغيير يجب أن يدرك الفرق بين التحليل السياسي والتفكير السياسي والوعي السياسي، وهذه ليست فلسفة أو تنطع على الإطلاق، فقد يتفق المسلم وغيره في تحليل أمر تحليلا سياسيا، ولكن وجود التفكير السياسي بدون الوعي السياسي قدي قزم أو يهدم العمل ويحرفه عن مساره، وهنا تكمن الخطورة، فالنظرة إلى الأحداث التي تقع وضخامتها وعنفوان الشعوب التي تحمل الشعار ذاته بأنها تريد التغيير هو تفكير سياسي لا بد له حتى يكمل من إتباعه بالوعي السياسي الذي يقابل ويواجه التضليل السياسي الذي يحرف الرأي العام عن مساره ويوجهه لغير مبتغاه، وهذا مع الأسف ما نعيشه ونشهده في غمرة هذه الأحداث، فالوعي العام على الإسلام موجود ومشاهد في أعداد المصلين في ساحة التحرير وغيرها، ولكن التضليل الفكري قد حصل لجعل هذا الوعي لا ينتج رأياً، وغدا هذا الوعي غير مستند إلى قاعدته الفكرية العملية المستمدة من طريقة الرسول ﷺ، بل غلبت عليه المشاعر فقط، فالطريق الواضح لا درجة وضوحه، حتى يكمل الجواب فإن كان المطلب إسقاط النظام فالسؤال هو: ماذا بعد إسقاط النظام؟ أو ما هي الغاية؟ لقد سارت عملية التضليل الفكري في ثلاث طرق، طريق فكري تجلّى في العقائد وأنظمة الحكم، وطريق سياسي تجلّى في العملاء والأحزاب السياسية العميلة، وطريق ثقافي يتلف النفوس ويضلل العقول. فقد شرّعت الأبواب أمام كل ما يرد من الغرب دون تفريق بين الحضارة والمدنية، ودون تفريق بين الثقافة والعلم. وبدأت أفكار الغرب تغزونا الفكرة تلو الفكرة. فغزتنا فكرة الديمقراطية، وغزتنا فكرة الحريات العامة وفكرة القومية وفكرة الوطنية، كل ذلك مع التظاهر بالتمسك بالإسلام، فكانت تنسب تلك الأفكار إلى الإسلام وهو منها بريء. فيقول المسلمون إن الديمقراطية من الإسلام، والإسلام صان الحريات العامة، والإسلام يحفظ للقوميات خصوصيتها وكرامتها، والإسلام عزز الحس الوطني حين أمر بالدفاع عن “الأوطان”. وهكذا أصبحت كل فكرة تأتي من الغرب وتفرض نفسها على الرأي العام تقحم في الإسلام زوراً وبهتاناً، بواسطة قواعد قالوا إنها قواعد “فقهية” مثل قاعدة “لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان” وقاعدة “حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله”، وبواسطة الكلام عن “مرونة الشريعة وتطورها” وما شاكل ذلك من المغالطات والتي يقصد منها إدخال ما ليس من الإسلام فيه لتضليل الرأي العام. وقامت حركات وجماعات تتبنى الإسلام بوصفه نظاماً للحياة والمجتمع والدولة، إلا أنها تطرح الإسلام على نحو لا يتعارض مع الحضارة الغربية والقانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، ولا تطرح بديلاً كاملاً عن الأوضاع القائمة في البلاد الإسلامية. وإنما تقترح بعض الإصلاحات والتعديلات، وتفهم الإسلام على نحو يؤهلها للتعايش مع الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية والدولية، وعلى نحو يرضي الرأي العام الذي يرتبط شعورياً بالإسلام، ويتأثر فكرياً بالحضارة الغربية. إن حسن النوايا والبراءة بممارسة الأعمال السياسية والتي تحدد مستقبل الشعوب والأمم ليس من الحصافة أو سداد الرأي، إذ إن منطقة العالم الإسلامي ومنه العربي هي منطقة صراع بين دول الغرب الكافرة المتعددة المتصارعة على الهيمنة عليه، وهذه الأحداث الجليلة التي تقع فيه قد أدخلت لاعباً قوياً في هذا الصراع. فالشعوب فيما مضى لم يكن لها وجود في صراع الدول الكافرة، ودخول هذه الشعوب لإسقاط الأنظمة قد أضفى بعداً جديداً لهذا الصراع ولم ينهه أو يخلعه، والمعادلة اليوم هي صراع الدول فيما بينها على ثروات هذه الأمة، وبين الشعوب التي تحاول التخلص من هذه الأنظمة العميلة لهذا الكافر، فحسني مبارك فاسد وظالم نريد استبداله بغيره لا يكفي بل لا بد من قطع دابره ودابر سيده، فالقضية ليست استبدال ظالم بظالم أو غاشم بغاشم، بل لا بد من طرح البديل حتى تكمل الصورة ويتضح الموقف. إن الكافر قد استعمر بلاد المسلمين ردحاً طويلاً من الزمن، وكان جيشه وموظفوه هم الذين يقومون بالعمل المباشر ضد المسلمين، ثم بعد ذلك قام بإعادة إنتاج نفسه وتطوير وسائله وأساليبه، فأعطى لمستعمراته حكماً ذاتياً أو استقلالاً اسمياً تحت شعار تحرير الشعوب، وبقي يحكم ويرسم ويخطط من وراء حجاب بعد أن سحب جيشه وتوارى موظفوه، واستبدل وجهاً غير مألوف بوجه مألوف من أبناء البلد يحكمها من خلاله، وقد بذل المسلمون الغالي والنفيس والأرواح التي لا تعد ولا تحصى لنيل هذا الاستقلال تحت شعارات القومية والوطنية، ظانين أن هذا الاستقلال سوف يحقق لهم السيادة والسعادة، ولم يخطر ببال أحد من المجاهدين من بلد المليون شهيد أو غيرهم أن هذه التضحيات الجسام سوف يقطفها عميل مستبد لا يرقب في شعبه أو أمته إ ولا ذمة، وأن هذا الاستقلال سيكون أشد وطأة عليهم من الاستعمار، وأنه أسلوب متطور له، وما تخيل عمر المختار أو غيره ذلك. لقد أثبتت الوقائع الجارية بما لا يدع مجالاً للشك بأن الوسط السياسي فاسد فساد النظام أو ربما متقدم عليه، وأنه أداة من أدواته التي تحاول تمييع الأمر وحرفه عن مساره، ورفع شعاراتٍ براقةٍ الهدف منها التضليل لعدم إيجاد الوعي السياسي المنبثق عن العقيدة الإسلامية بطرق عديدة وبخداع الثعالب التي تمتهن السياسة حتى لا تنفى أو تذروها رياح التغيير حين انكشاف عوارها، وقد ظهر هذا الأمر حين دعت أحزاب المعارضة، ليس في مصر وحدها وإنما في كل مساحة الأحداث، إلى إيجاد الدولة المدنية وبناء المجتمع الديمقراطي، فلم تتطرق الحركات الإسلامية إلى ضرورة إيجاد المجتمع المسلم، بل وذهبت إلى أبعد
من ذلك بكثير حتى قبولها بالديمقراطية كنظام حكم، ومدت يد التفاوض للنظام لإنعاشه في وقت احتضاره، وليس هذا الأمر في مصر وحدها مع الأسف، فالدعوة للدولة المدنية تضليل، فقد سبق أن وقع المسلمون في شرك الاستقلال ورفعوا شعار (الاستقلال التام أو الموت الزؤام)، وحين نالوه وأحسوا بناره وبواره، بعد سنين طويلة، يريدون فعل ما فعله السابقون من تضليل حين كانوا حديثي عهد بدولة الخلافة. إن نظام الحكم في الإسلام يقوم على أربعة قواعد وهي: السيادة للشرع، والسلطان للأمة، ونصب خليفة واحد لكل المسلمين واجب شرعاً، وأن للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية، و يقوم جهاز الدولة الإسلامية على 13 ركناً هي: الخليفة (رئيس الدولة)، المعاونون (وزراء التفويض)، وزراء التنفيذ، الولاة، أمير الجهاد، الأمن الداخلي، الخارجية، الصناعة، القضاء، مصالح الناس (الجهاز الإداري)، بيت المال، الإعلام، مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة). والدولة الإسلامية هي دولة بشرية وليست دولة إلهية وهي الخلافة، لأنها هي المنصب الذي يملك من يتولاه جميع صلاحيات الحكم والسلطان والتشريع دون استثناء. وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي بالأفكار التي جاء بها والأحكام التي شرعها، ولحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، بتعريفهم الإسلام ودعوتهم إليه، والجهاد في سبيل الله. ويقال لها: الإمامة وإمارة المؤمنين، فهي منصب دنيوي وليست منصباً أخروياً. وهي موجودة لتطبيق دين الإسلام على البشر ولنشره بين البشر. إن الخطر الأكبر من ذلك بكثير هو ما يطرح، فالعنوان يكثف مجمل المطالب ويلخصها بالدعوة للدولة المدنية، إذ إن نشأتها واكبت ظهور المبدأ الرأسمالي للتخلص من تحكم الكنيسة وتحالفها مع الملوك، بل وإعطاءهم الحق الإلهي ليتحكموا برعيتهم كيفما أرادوا بمباركتها ومنح صكوك الغفران والحرمان، فكان المطلب عندهم فصل الدين عن الحياة، فقام المبدأ الرأسمالي على هذه العقيدة، وحياد الدولة تجاه الدين يعني (دولة مدنية)، وأن السيادة للشعب وأنه مصدر السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، يستأجر من يحكمه به، فالديمقراطية نظام حكم وضعه البشر، من أجل التخلص من ظلم الحكام والكنيسة، وتحكمهم بالناس باسم الدين، فهو نظام مصدره البشر يغيرونه كلما اهترأ أو جد واقع، ولا علاقة له بوحي أو دين، وأنه فكر دخيل علينا حمله المستعمر وأبواقه. لقد واكبت الدعوة للدولة المدنية دعوة أخطر من الدعوة لها، وهي التخويف من الدولة الدينية على الصعيد الداخلي والخارجي، وأن الدين لله والوطن للجميع، وذلك لطمأنة الغرب بأن هذا الأمر لن يوثر على العلاقات، وأن الأمر يدور في دائرة إصلاح الأوضاع الداخلية، وأن الوسط السياسي ما زال هو هو، وأن لا خوف عليكم من الإسلام، ودليلهم رفع شعار الديمقراطية لتبرئة أنفسهم من تهمة التعصب للإسلام، بل ومارسوا كل أنواع التعتيم على كل من يدعو لهذا الأمر، وزينوا للعامة من الناس الحرية وحلاوة ممارستها، فلا يلام أبو سفيان حين نادى )أعلُ هبل( ولكن من يرفع شعار الديمقراطية في حال مسيس حاجة المسلمين لفهم أعظم الأعمال وأجلها، فلا يقال إنه لا يعلم بل إنه يمارس عملية التضليل الجماعي للأمة التي هي في أحوج ما تكون لرأيه، قال تعالى: ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ]التوبة[.
إن الكافر المستعمر الذي بقيت عينه ساهرة للحيلولة دون تحرر المسلمين من سيطرته ونفوذه، أدرك في السنوات الأخيرة أن الإسلام سيبقى يفرض نفسه على المسلمين، ولن يأتي يوم يندرس فيه هذا الدين بوصفه نظاماً للحياة. فعمد من جديد إلى تغذية الأطروحات التي تعرض إسلاماً يوافق الحضارة الغربية والقانون المدني وشرعة الأمم المتحدة، ويتساير مع الزمن ويبدل ثوبه من يوم إلى يوم. ذلك أنه إذا كان لابد من وصول الإسلام إلى السلطة، فليصل أناس يعلنون الدولة دولة إسلامية بالقول ويطبقون ما طبقه سلفهم من الحكام العلمانيين بالفعل. فراح يفسح المجال أمام تلك الأطروحات وحركاتها ومفكريها وروادها ممن يحسنون فن التلبيس وفقه المغالطات، ويضرب طوقاً حديدياً وتعتيماً إعلامياً على من يدعون إلى الإسلام دعوة مبدئية، لأنه يعلم تمام العلم أن هذه الدعوة هي التي ستقطع دابره في بلاد المسلمين حين ينصهر المجتمع بأفكارها ويسلمها القيادة. وهكذا تحول الصراع من صراع بين الدعوة الإسلامية والدعوات العلمانية والإلحادية، إلى صراع بين الفهم المبدئي النقي للإسلام، والفهم الملّوث والمشوش، بل والمضلّل للإسلام. إن لَمحَة الدعوة لن يحققوا التغيير المنشود إذا اتبعوا الطرق الملتوية، أو حاولوا مسايرة الواقع الفاسد، أو جربوا تملق الناس، أو داهنوا حملة أفكار الكفر والضلال. فمن المتوقع -عندما ينطلق الدعاة ليخوضوا غمرات الدعوة إلى فكرتهم ويبدؤون بالتفاعل مع المجتمع- أن يتعرضوا للإغراءات التي تدعوهم إلى مسايرة الأوضاع، أو مداهنة السوقة، أو كسب رضا الناس، كما قد تثنيهم المصاعب والأهوال عن الاستقامة على الطريق المرسوم، وتدفعهم إلى البحث عن وسائل وأساليب قد تؤدي بالدعوة إلى الانكفاء والتقهقر. وقد لفت القرآن الكريم النظر إلى هذه الحقيقة حين خاطب الرسول ﷺ قائلاً: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) ]الإسراء[. لقد كانت الأمة الإسلامية وهي في سباتها مسبوقة بخطوات كثيرة، والكافر المستعمر وأعوانه يخططون وينفذون ما يحلو لهم، فكأنهم يرعون في حقل لا صاحب له، وحين جاء موسم الخير وهبت الأمة من غفوتها وفاجأت الكافر مفاجأة أذهلته وضيعت خططه، وكلما أراد أن يستوعب أمراً في قطر فاجأه أمر أعظم منه في قطر آخر فازداد ارتباكاً أفقده اتزانه حتى إنه بدأ يتحسس رأسه، وقد صرح بوتين بأنه يخاف من أن تؤثر أحداث الشرق الأوسط على منطقة آسيا الوسطى، وبدلاً من أن تكون الأمة كعهدها في موقع رد الفعل أصبح الكافر وأعوانه هم في موقع رد الفعل، وأصبحت الأمة هي الفاعلة والمؤثرة، وأمسى هو وأزلامه يلهثون وراء الأمة في المحاولة الأخيرة لحرفها بالمغالطات (الشرعية)، أو محاولة إدخالها القفص من جديد، ولكن هيهات هيهات فكل فعلهم إلى بوار بإذن الله عز وجل، فإنه لم يعد يمسك من الحبل إلا آخر قبضة يد، ولسوف يفلتها قسراً قريباً بعون الله تعالى، وكذلك أزلامه المحنطون الذين استدعاهم ليعينوه وأحزابه وقواعد حكمه ومؤسساته في بلاد المسلمين، فكلهم يحاولون الاستماتة للحفاظ على موقعهم الأخير بطرح حيلة الدولة المدنية، ولكن الأوان قد فات، فلم يعد الأمس كالغد، واليوم ليس كالأمس، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
2011-05-05