تركيا .. إيران .. سوريا: محور يخدم أميركا ويضلل المسلمين (1)
دكتور حازم بدر – فلسطين
لقد بات مدركاً عند الغالبية الساحقة من أبناء المسلمين أن الأنظمة في العالم الإسلامي أنظمة جور, عميلة لأعداء الأمة في الغرب الكافر, وأنها ممزقة, ومستباحة الخيرات لصالحه. وباتت هذه الأنظمة (الأصنام) لا تستطيع تضليل شعوبها في أنها دول ذات سيادة, وأنها تقدم خيراً للمسلمين, فالصغير, قبل الكبير, من أبناء الأمة يعي اليوم أنها سبب بلائنا, وهواننا, وتشرذمنا, وخضوعنا بين الأمم. أما انكشاف هذه الأنظمة, فيعود – والحمد لله – للعمل الجاد الذي يقوده أبناء المسلمين المخلصين, في إنهاض الأمة, بإفهامها إسلامها, وإعادة حكمها بالإسلام, في دولته, دولة الخلافة, وإعادتها خير أمة أخرجت للناس, كما أمر الله عز وجل. ولا شك أن انكشاف هذه الأنظمة عامل مهم في السعي للوصول إلى دولة المسلمين الجامعة, التي ستقوم, قريبا بإذن الله, على أنقاضها. وهو أيضاً خسارة كبيرة للغرب, الذي وقف وراءها ردحا من الزمن, تكريساً لفرقتنا, واستمراراً في هيمنته. وعلى الرغم من أن الغرب, وتحديداً أميركا, لا تزال تمرر سياساتها الاستعمارية في بلادة المسلمين, من خلال أنظمة أضحت مكشوفة للأمة, كمصر والسعودية, وباكستان, وعملائها الجدد في العراق وأفغانستان, إلا أنها باتت تستخدم, بشكل أكبر, أنظمة لم تحترق ورقتها بالكامل عند الأمة, مثل تركيا وإيران وسوريا. فأميركا لم تتخلَّ عن عملائها الذين انكشف دورهم بالكامل, لكنها تعطي اليوم لتركيا وإيران وسوريا دوراً محورياً في تنفيذ سياساتها الاستعمارية, كون هذه تستطيع -إلى الآن- تضليل كثير من أبناء الأمة, من أنها أنظمة (شريفة), وأنها (مقاومة), وتقف ضد سياسية أميركا في المنطقة, وتتخذ سياسات سيادية, تخدم الأمة؟! والمدقق في محور تركيا, إيران وسوريا, يجد أنها لا تختلف عن أخواتها, في المنطقة, في الارتماء في أحضان أميركا, وتنفيذ أجندتها الاستعمارية. لكن الاختلاف هو في أن أميركا تريد لها أن تظهر أنها دول ممانعة, أو مقاومة, حتى يسهل عليها تمرير سياساتها, في المنطقة, بشكل أكبر وأسهل. وقبل استعراض واقع هذا المحور, من أجل كشفه, يجدر بنا لفت الانتباه إلى أبرز سياسات الدول, في العالم الإسلامي, ممن ثبت وانكشف ولاؤها للغرب عند الأمة, حتى نستطيع أن نقيس, في ضوء ذلك, ما يفعله هذا المحور (تركيا, إيران, سوريا), خدمة لأميركا والغرب, لأننا, إن كنا نقول, أن هذا المحور, يخدم أميركا, في بلاد المسلمين, فلا بد لنا أن نظهر أنه يقود سياسات, لا تختلف عن باقي الدول (المكشوفة) إلا في شيء واحد, وهو الإظهار -تضليلاً- بأنه يناوئ ويناهض أميركا!
أما أبرز ما باتت الأمة, بمجموعها, تدركه وتلمسه لمس اليد, عن دول الضرار, التي يحيا فيها المسلمون, فالأمور التالية:
-
إن هذه الدول صنيعة للغرب الكافر, قامت على أنقاض دولة الخلافة, تكريساً لفرقة المسلمين.
-
إن هذه الدول لا تحكم بالإسلام, بل تحاربه, وتحارب عودته, وتحارب العاملين له, وسجونها تعج بكل من يقول ربي الله.
-
إن هذه الدول توالي الغرب في فكره الرأسمالي, وتنفذ سياساته الاستعمارية القذرة, في كل مناحي الحياة في بلادنا. وهي تتخذ ما يسمى بالشرعة الدولية (قانون الغاب الرأسمالي) قانوناً يجري عليها داخلياً وخارجياً.
-
إن هذه الدول فتحت بلاد المسلمين, على مصراعيها, للغرب, نهباً وسلباً, لكل مقدرات وخيرات الأمة, وبدون مقابل يذكر, تاركة الأمة ترسف في فقر مدقع.
-
إن هذه الدول تركت الغرب يصول ويجول في بلادنا, من خلال سفاراته التي تتدخل وتتحكم في قرارنا, حتى باتت بلاد المسلمين محميات له, يفعل فيها ما يريد.
-
إن هذه الدول تركت الغرب, وتحديداً أميركا, تتولى إدارة شؤون المسلمين في كل
قضاياهم, فلا تمضي أمراً إلا بعد سؤال الإدارة الأميركية, وتنتظر المبعوثين ليحملوا التعليمات والأوامر, ولا يتحرك حكامها, إلا لتنفيذ ما يرسم لهم.
-
إن هذه الدول مع أميركا ارتبطت باتفاقيات سياسية, واقتصادية, وعسكرية, وثقافية, جعلت لها سبيلاً على كل شيء في بلادنا.
-
إن هذه الدول أذعنت للغرب, فأقام فيها القواعد والمطارات العسكرية, في طول البلاد وعرضها, وسيطر على الموانئ البحرية, ناهيك عن مشاركتها لأميركا في مناوراتها العسكرية, وأعمال ما يسمى بالدفاع المشترك.
-
إن هذه الدول تقف مع أميركا في حروبها ضد المسلمين, كما يحصل في العراق وأفغانستان, وتدعمها بالمال والرجال, كما وتدعمها, قلباً وقالباً, في حربها على ما يسمى بالإرهاب.
-
إن هذه الدول لا تنصر مسلماً في أي مكان, وتتفرج على أميركا ويهود وهم يعملون قتلاً في المسلمين, في كل مكان, صباح مساء, بل وتشجعهم وتدعمهم في ذلك.
-
إن هذه الأنظمة تدعم كيان يهود, وتتفق مع أميركا على تصفية ما يسمى قضية فلسطين, وإسلام البلاد والعباد فيها بالكامل لهم.
-
إن هذه الدول تتآمر مع أميركا على تفتيت بلاد المسلمين, كما يحصل الآن في السودان, وكما حصل سابقاً في تيمور الشرقية في إندونيسيا. وبعد هذا البيان, لأبرز الحقائق (الجرائم) التي لا يختلف عليها أبناء المسلمين, عن الدول العميلة والمكشوفة التي يحيون فيها, نستعرض واقع محور تركيا إيران وسوريا, حتى نقف على التضليل الحاصل في سياساتها, خدمة لأميركا. ومرة أخرى أدعو القارئ إلى التركيز والنظر في أعمال وسياسات دول هذا المحور, حتى يقطع أنها تحاكي نظيراتها في المنطقة, في العمالة والرضوخ, وعدم الالتفات فقط لما يعلن حكامها, من مواقف كلامية, وجعجعات إعلامية, ظاهرها أنها سيادية! وقبل ذلك ألفت الانتباه إلى أن أميركا, وإن كانت تستخدم أنظمة هذا المحور, في تنفيذ سياساتها, إلا أن هذا لا يعني أنها لا تتآمر عليها, وتستخف بها, فأميركا تعادي المسلمين في تلك البلدان, ومهما تفانت قياداتها في خدمة أميركا, فإن أميركا تنقلب عليها لا محالة. كما أن أميركا يمكن أن تغير من سياساتها تجاه تلك الدول إذا رأت من مصلحتها ذلك, ويمكن لها أن تضغط عليها سياسياً واقتصادياً, من أجل إخضاعها أكثر لما تريد, ويمكن لها حتى أن تضربها عسكرياً لتحقيق هدف معين, ولتستمر تلك الدول في تنفيذ سياستها والخضوع لها!
أولاً: تركيا
نبدأ بحزب العدالة والتنمية, الذي أتت به أميركا, تضليلاً للمسلمين والتفافاً عليهم, عندما رأت المد العارم للإسلام في تركيا. وهو حزب علماني بامتياز, يلبس عباءة الإسلام, حتى يمرر سياسات أسياده. والناظر في أدبياته -وعلى صفحته الإلكترونية- يصل إلى هذه الحقيقة بسهولة. فهو يصف نفسه بأنه «يشكل الأرضية لوحدة وتكامل الجمهورية التركية, حيث العلمانية, والديمقراطية, ودولة القانون», وأنه حزب يعتبر «مبادىء وإصلاحات, أتاتورك العظيم, أهم وسيلة للارتقاء بالرأي العام التركي فوق مستوى الحضارة المعاصرة» وأنه «يرفض تفسير وتحريف العلمانية, بتصويرها كخصم للدين.»؟! وهذا أردوغان لا يكاد يضيع فرصة إلا ويؤكد أن حزبه حزب علماني, بل وأنه حامي العلمانية في تركيا، ويقدم رسوم الطاعة والولاء لصنم عدو الله, مصطفى كمال, هادم الخلافة, لعنه الله. بل بلغ به الأمر أنه ألغى زيارة كانت مقررة في2010/5/31 م إلى الأرجنتين، لأن هذه الأخيرة قررت, في آخر لحظة, إلغاء حفل تدشين نصب تذكاري لوثن مصطفى كمال. وعلى العموم, فالعلاقة الوثيقة بين حزب العدالة والتنمية والعلمانية أكبر من أن تخفى, وأدعو القارئ الكريم إلى الدخول إلى الموقع الرسمي للحزب, ليعرف ما هو حزب العدالة والتنمية التركي (الإسلامي). وهكذا, وعلى يد حزب العدالة والتنمية, فإن تركيا اليوم بلد لا يطبق الإسلام, وكل قوانينه, وتشريعاته غربية بامتياز, وهو مرتع لتيارات الإفساد والتخريب، فالخمور مباحة، وأنشطة الدعارة والعهر مقننة وميسرة, وكل شيء في أجهزة الدولة يماثل دول أوروبا. و تركيا, التي لا تقوم على مبدأ, والتي لا تملك وجهة نظر خاصة للحياة وللعالم, لا يمكن أن تمتلك سياسات خاصة بها, داخلية و خارجية, ولهذا فهي تدور في فلك الدول الكبرى. وتركيا اليوم عُمِد لجعلها, على يد حكومة حزب العدالة والتنمية (الإسلامي), أنموذجاً للدول القائمة في العالم الإسلامي, لنشر وتعزيز الديمقراطية الفاسدة, وللعب دور الوسيط المنظم لشؤون البلاد الإسلامية, بما ينسجم مع سياسات أميركا المستعمرة.
-
وحزب العدالة والتنمية (الإسلامي) يعتبر حليفاً لأميركا في المنطقة, وينفذ سياساتها. والإدارة الأميركية تصف تركيا, بقيادة حزب العدالة, بالدولة الإستراتيجية. قال أوباما مدافعاً عن حكومة أردوغان في 8/ 7/ 2010 م: «إن تركيا دولة حليفة بحلف شمال الأطلسي، واقتصادها يتوسع بشكل رائع، وعلاوة على ذلك, فمسألة أنها ديمقراطية, ودولة يغلب على
سكانها أنهم مسلمون, تجعلها أنموذجاً له أهمية كبيرة للدول المسلمة الأخرى بالمنطقة » وطالب بإدخالها في الاتحاد الأوروبي, وحمل أوروبا مسؤولية اقترابها من العالم الإسلامي إن هي استمرت في المماطلة في عدم انضمامها إليه. هذه هي نظرة أميركا الحقيقية لحكومة أردوغان، فهي تعتبرها نموذجاً يُقتدى به من قبل الدول القائمة في العالم الإسلامي، كما أن قادة حزب العدالة يعتقدون أنهم يستحقون أن يدخلوا في الاتحاد الأوروبي, على اعتبار أن حزب العدالة حزب ديمقراطي محافظ, يُشبه الأحزاب المسيحية الديمقراطية المحافظة في أوروبا!؟ هذا من جهة, ومن جهة أخرى, فإن حكومة أردوغان تولي شطرها نحو البلدان العربية والإسلامية, في محاولة للقيام بدور الزعامة لتلك البلدان. ومن أجل هذه الغاية, يحاول أردوغان الظهور بمظهر القائد القوي والبراجماتي أمام الغرب، فهو من جانب يحاول استقطاب إيران, في محور إقليمي تركي إيراني، ومن جانب آخر, يعمل على تزعم المجموعة العربية المتناقضة مع إيران، باعثاً بذلك رسالة إلى الإدارة الأميركية أنه يمكن الاعتماد عليه للقيام بأعمال سياسية ريادية في المنطقة تخدم ما تريده أميركا, ولا يستطيع غير حزبه القيام بها!؟
-
وهكذا, وعلى يد حزب العدالة والتنمية (الإسلامي), فإن أقصى أمنية يعمل النظام التركي باتجاهها اليوم هي أن ينضم (بتوجيه من أميركا) إلى الاتحاد الأوروبي الصليبي, الذي بدوره يضع العراقيل الكثيرة أمامه, رغم توسله, ورغم كل تشريعاته وسياساته البعيدة عن الإسلام, من أجل نيل رضا قبوله عضواً فيه, وانتمائه إليه. رحم الله زمان دولة الخلافة العثمانية, التي كانت تدك فيه أسوار فيينا, وتلاحق فيه القادة الأوروبيين في عقر دارهم. فهل يملك المتسول الذليل على أعتاب أوروبا أي سياسة ورؤية تخدم الأمة الإسلامية؟! إن هذا التهافت المخزي لحزب العدالة التركي (الإسلامي) على أوروبا أدّى إلى تشويه ومسخ الهوية الإسلامية لكل الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية, وهو أمر سيؤدي بالضرورة إلى وضع الأحزاب العلمانية, والأحزاب الإسلامية, في نفس البوتقة من وجهة نظر الغرب، ما يؤدي إلى تمييع دور هكذا حركات، وسيقود فيما بعد إلى تفتيتها وتدميرها!
-
وفي خضم النقاشات التي ظهرت على الساحة السياسية بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا, حول هويته العثمانية! و (أجداده) العثمانيين, فلا يترك رجال حزب العدالة مناسبة إلا وينفون صلتهم بماضي تركيا المجيد (دولة الخلافة), مؤكدين على هويتهم الأتاتوركية العلمانية. وأمّا المظهر الإسلامي الخارجي لبعض رجال الحزب الحاكم, ولزوجاتهم المحجّبات, فهو مجرد شكل دعائي للاستهلاك الشعبي, يُساعدهم في كسب الغالبية من الأتراك المتدينين, من أجل ترويج سياسات الحزب التضليلية. يصف غيليس كيبال, المختص في شؤون الشرق الأوسط والإسلام, خلال مقابلة أجرتها معه مجلة نيوزويك, في شهر 6/2010 م, واقع حكم حزب العدالة والتنمية, في تصريح خبيث وتضليلي له, فيقول: «إن السياسة التركية الخارجية تتبع نهج (خلافة جديدة) وليس (عثمانية جديدة)، وذلك أكثر ملاءمة لها، لأن العثمانية تفيد بالنسبة للعرب القمع الإمبريالي. وقوة تركيا في ازدياد, لما تقوم به من وساطة في المنطقة. وإتباع سياسة (خلافة جديدة) سيعزز مصالح تركيا الاقتصادية أيضاً». نعم .. إن (الخلافة) التي يتحدث عنها كيبال, في تركيا, ما هي إلا الواجهة, التي من خلالها, يمرر حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) سياسات أميركا في المنطقة, وهي وسيلته العملية لتضليل أبناء المسلمين, من أجل قبول سياساته الموجهة من أميركا. واستكمالاً لهذه الصورة الجديدة التي تريدها أميركا لتركيا, من خلال حزب العدالة والتنمية, عمد على رسم صورة لأردوغان, من أنه صلاح دين جديد, وعربي أكثر من العرب, وذلك لدفع الشعوب الإسلامية لتقبل كيان يهود, ككيان مشروع في المنطقة، وذلك من خلال المساعي المبذولة تحت مسمى «عملية السلام في الشرق الأوسط »، والتي أعطي لحزب العدالة دور فيها, وأوجدت ثقة لدى شعوب المنطقة بأردوغان, من خلال إيجاد أجواء, من أن علاقات تركيا مع (إسرائيل) دخلت مرحلة تراجع وتدهور, وأن أردوغان البطل يتصدى لها, ويقف لها بالمرصاد!؟ … وسنتحدث عن هذا بعد قليل.
-
وبمقابل سعي حزب العدالة والتنمية الذليل على أعتاب أوروبا الصليبية, التي هدمت خلافة (أجداده), فهو في حرب مع الإسلام, ومن يعمل لعودته في خلافة, والتي جعلتنا سادة الكون, والتي كانت تركيا (أجداده) آخر معاقلها وحصونها المنيعة! فحكومة حزب العدالة العلمانية, وأجهزتها الأمنية المجرمة, تلاحق من يعمل لإقامة الخلافة, وتزج بهم في السجون, يساندها في ذلك أجهزتها الإعلامية, والكتاب, والمثقفون, الذين يظهرون بمسحة إسلامية, رغم إدراكهم لمدى الهوان والذل الذي آل إليه حكام تركيا. كما أن النظام التركي بقيادة حزب العدالة (الإسلامي) لا يتورع عن ملاحقة وقتل المسلمين الأكراد, بل ويلاحقهم داخل العراق, بدل أن يحتويهم, ويحقن دماءهم. فلمصلحة من يفعل كل ذلك؟!
-
وعلى يد حزب العدالة والتنمية (الإسلامي), فإن أبناء تركيا يسخرون لخدمة أعداء المسلمين، وهم بالآلاف – اليوم- في أفغانستان, يقاتلون إلى جانب القوات الأميركية, ضد إخوانهم المسلمين!؟ وتركيا (لمن لا يدري) مهد لإحدى أكبر القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة (قاعدة أنجرليك) , والتي تستعمل للتجسس على المسلمين والفتك بهم. فهذه القاعدة، بحسب تصريحات كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين، تقع على خط الإمدادات اللوجستية, لنقل الجنود والأعتدة, والمؤن, واللوازم العسكرية, إلى العراق وأفغانستان. كما تستعملها أميركا، بحسب تقرير لمنظمة اتحاد علماء الولايات المتحدة الأميركية, صادر سنة 2008 م, لتخزين نحو ثلث سلاحها النووي المتوزع على مستوى أوروبا, وقدّرت عددها في القاعدة المذكورة بنحو 90 صاروخ. ناهيك عن فتح نظام حزب العدالة والتنمية جوه وموانئه البحرية, على البحر الأبيض المتوسط, خدمة للأميركيين, وجهوده في محاربة المد الإسلامي في جمهوريات آسيا الوسطى, وفي الوساطة الخيانية بين سوريا ويهود, والفلسطينيين ويهود! أما آخر انبطاح لحزب العدالة والتنمية (الإسلامي) فهو إقرار أردوغان, في قمة لشبونة الأخيرة لحلف الأطلسي, بنصب الدرع الصاروخي للحلف على الأراضي التركية, رافضاً حتى عرض الموضوع على البرلمان التركي. فكيف يفسر موفقه هذا, بينما لا يفتأ يمطرنا بعبارات التنديد تجاه يهود؟ والجواب ببساطة إنه وحزبه جزء من منظومة الغرب في الحرب على الإسلام, وهو لا يملك أن يقول كلمة “لا” لأسياده الأميركيان, وما تهويشاته الإعلامية إلا أعمال دينكوشيتية, ترفع من رصيده الشخصي, وتضلل أبناء الأمة!
-
ولعل أكبر الأفلام السياسية لحزب العدالة والتنمية )الإسلامي( هو ما تعلق بعلاقته ب)إسرائيل( منذ أن أوصل للحكم, وما جرى في غزة, وأسطول الحرية, وتهويش أردوغان (البطل) الإعلامي, عن يهود وإجرامهم, بحسب تصريحاته النارية! وإليكم البيان: أ) منذ أن أوصل حزب العدالة إلى الحكم وهو يؤسس لعلاقة إستراتيجية مع يهود. فالعلاقات الأمنية والعسكرية والتجسسية بين تركيا (بقيادة أردوغان) و(إسرائيل) ارتفعت وتيرتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة, ولا تهزها بعض الملاسنات المقصودة من قبل القيادات هنا وهناك, والتي لا تعبر عن حقيقة الموقف بينهما. والدولتان تعقدان باستمرار (حتى أثناء حرب غزة) صفقات تسلح بمئات الملايين من الدولارات؟! نقلت القناة العاشرة بالتلفزيون (الإسرائيلي) في 16/2/2010 استناداً إلى مصادر تركية أنه: «من المنتظر أن يتسلم الجيش التركي, في غضون الأسابيع القليلة القادمة, ست طائرات عسكرية بدون طيار, من إنتاج هيئة الصناعات الجوية (الإسرائيلية), في صفقة تقدر قيمتها بنحو 200 مليون دولار، وأنه تم التصديق عليها بشكل نهائي عقب قيام لجنة فنية تابعة للجيش التركي بفحص تلك الطائرات »، ونقلت المصادر أيضاً عن نفس القناة أنه: «من المتوقع أن يتم إبرام صفقة عسكرية جديدة بين أنقرة وتل أبيب خلال الشهور القادمة. » وقد حصل إبرام صفقات عسكرية أخرى بينهما حتى بعيد حرب غزة, ولما تجف دماء الشهداء هناك!؟ كما أن حزب العدالة والتنمية يجري مع يهود والأميركيان مناورات عسكرية دائمية, في المتوسط, تؤكد التحالف الاستراتيجي الدائم بينهما. ب) لقد زاد معدل التجارة البينية بين الدولة التركية والكيان اليهودي بالرغم من مجزرة أسطول الحرية, التي قتل فيها تسعة أتراك مدنيين على يد يهود في 31/5/2010م. فقد أشارت أحدث البيانات الرسمية, للمكتب المركزي للإحصاء بدولة يهود, بأن حجم التجارة بين تركيا وكيان يهود قد زادت في الأشهر الأخيرة – بما يخالف كل التوقعات – بحيث بلغ حجم الصادرات (الإسرائيلية) من تركيا في السبعة أشهر الأخيرة 811.8 مليون دولار, بزيادة قدرها 32 % عن مثل هذه الفترة من العام الماضي 2009م. فيما بلغ حجم الواردات في نفس الفترة 1.04 مليار دولار, بزيادة بلغت %30 عن مثل هذه الفترة من العام الماضي. وهذا مرة أخرى يدل على أن العلاقات التجارية بين الدولتين أهم بكثير من دماء المسلمين, ويدل على أن تهديدات أردوغان ما هي إلا دغدغة رخيصة للرأي العام عند المسلمين. وهكذا, فإن حزب العدالة والتنمية يستغل قضية فلسطين للتلاعب بمشاعر المسلمين, خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين. فعدم قطع حكومة حزب العدالة والتنمية العلاقات مع كيان يهود, وعدم توترها, لا على الصعيد العسكري ولا الدبلوماسي ولا التجاري, بالرغم من قيام كيان يهود بقتل 133 مسلماً في مدينة جنين عام 2002 م، وبالرغم من قتله عام 2004 م الشيخ أحمد ياسين, ومعه ثمانية من المسلمين بصورة وحشية، وبالرغم من قتل ما يزيد عن أربعين مسلماً, بهدم منازلهم في رفح عام 2004 م، وبالرغم من قيامه بارتكاب مجزرة قانا الثانية عام 2006 م, والتي راح ضحيتها, نتيجةً لتسوية منازلهم بالأرض, 60 مسلماً بينهم 37 طفلاً، وبالرغم من ارتكابه مجازر وحشية في غزة بداية عام 2009 م, قتل خلالها ما يزيد عن ألف مسلم, وأصيب منهم الآلاف، كل ذلك يظهر للعيان بصورة واضحة ساطعة, لا تقبل الشك, أن ما تقوم به حكومة حزب العدالة والتنمية الآن ليس إلا استغلالاً ممنهجاً للواقع في المنطقة, خدمة لأميركا. ومرة أخرى, فإن مواقف أردوغان, ابتداء من دافوس وحتى اليوم, ما هي إلا محاولة للعب دور زائف عن (العثمانية) الجديدة, انسجاماً مع المهام الجديدة التي أنيطت به, من قبل أسياده الأميركان. ومما تجدر الإشارة إليه أن أردوغان أجاب على سؤال: “لماذا لا تقطعون علاقاتكم الدبلوماسية مع (إسرائيل)؟” الذي وجه إليه, عقب ردة فعله الاستعراضية في دافوس, بالقول:”مواصلة العلاقات مع اليهود أولى من قطعها”، ولهذا فإن أردوغان يسعى لتغطية المجازر الوحشية التي يرتكبها كيان يهود, بقيامه ببعض الأعمال الاستعراضية تجاهه، ويسعى من خلالها إلى حرف ردود فعل المسلمين المخلصة في العالم, وبخاصة في تركيا. وإن لم يكن واقع الحال كذلك فإذن كيف تواصل حكومة حزب العدالة والتنمية القيام بدور الوساطة في مباحثات السلام الخيانية, بين النظام السوري وكيان يهود، بل وتفاخر بأنها مبعوث سلام؟! وكيف تساعد حكومة أردوغان (إسرائيل) على الانضمام إلى
منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مؤخراً مع قدرتها على منع ذلك؟ وكيف تقوم حكومة حزب العدالة والتنمية بإعطاء الأراضي, التي سيتم تنظيفها من الألغام, على الحدود السورية التركية لشركة (إسرائيلية) إلا إذا كانت الشراكة بينهما شراكة إستراتيجية؟ وكيف تكون الشراكة إستراتيجية, ويهود يتآمرون صباح مساء على النظام التركي, بقيادة حزب العدالة؟ فقد كشفت صحيفة هآرتس (الإسرائيلية), في نهاية شهر 11 / 2010 م, أن الموساد يقود تحركات في الشهور الأخيرة, لبلورة حلف مخابراتي عسكري جديد مع عدد من دول البلقان ضد تركيا. فهل بعد ذلك يعامل يهود معاملة الأصدقاء؟! ولماذا لا تقوم حكومة حزب العدالة والتنمية بتحريك الجيش المسلم في تركيا, كرد فعل على المجازر الوحشية التي يرتكبها كيان يهود؟ بل وبدلاً من القيام بذلك, أرسلت الحكومة قوات عسكرية لأفغانستان, لمساندة أميركا التي تقتل المسلمين هناك؟! ولماذا، على الأقل، لا تقوم حكومة حزب العدالة والتنمية بالاحتجاج, أو الانزعاج من المذابح الوحشية التي ترتكبها أميركا أيضاً في أفغانستان والعراق, ومؤخراً في باكستان؟! فهل قامت الحكومة باستنكار أي من المجازر الأميركية؟ إن حكومة أردوغان تصف أعمال كيان يهود بالمجازر من جانب, ومن الجانب الآخر تصف المسلمين, الذين تقتلهم أميركا, بالإرهابيين؟! ولماذا، على الأقل كذلك، لم تسحب حكومة حزب العدالة والتنمية سفيرها, بعد أن تعرض للإهانة والإذلال من قبل كيان يهود؟ إن هذه الحكومة أعجز من القيام بذلك، وهي لم تستطع حتى إلغاء زيارة وزير دفاع كيان يهود (أيهود باراك) لتركيا، والذي حضر إلى تركيا بعد أيام قليلة من إذلالهم السفير التركي. كل هذا وغيره يظهر أن نظام تركيا, بقيادة أردوغان, لا يختلف عن أي نظام آخر في المنطقة, اللهم إلا في جعجعته الإعلامية المصطنعة, لامتطاء ما يسمى قضية فلسطين,خدمة للأميركان. والناظر في تصريحات أردوغان, إبان المجزرة, يجد أنها لم تسمن ولمتغنِ من جوع, ولم تنصر مسلماً, حتى إنه لم يلوح بعمل عسكري؟! فقد صرح أردوغان, إبان مجزرة أسطول الحرية, بالقول: “يجب على المجتمع الدولي, بدلاً من أن ينتظر تحقيقاً من إدارة اتخذت من الكذب سياسة دولة, ولا يحمرّ وجهها خجلاً من جريمة اقترفتها، أن يحقق في الحادثة بكل جوانبها, وأن يقابلها بالرد الحقوقي”! وفي عز موقفه الغاضب, كان أردوغان حريصاً على التذكير بصداقته ل(إسرائيل) حيث قال:” لقد كنا دائماً على صداقة وتعاون تاريخيين مع شعب إسرائيل والموسويين. إنني أؤمن بأن الإسرائيليين, الذين يراقبون هذا الهجوم بأعين دامعة, وانتقاد شديد, يعتبرون هذا الحدث خطأ لا يليق أبداً بشرف الإنسانية, ويفهمون جيداً كيف أنه قد شكل ضربة قاسية للصداقة القائمة بين البلدين… تركيا كانت دوماً مع السلام في الشرق الأوسط, وقد ساهمت في الأمن والاستقرار الإقليميين. لقد كانت تركيا,في الماضي القريب, الدولة الوحيدة التي بذلت الجهد من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل, وكل من فلسطين وسوريا ولبنان. إن إسرائيل الآن تتخذ مواقف تجعلها في مواجهة أحد أهم المدافعين عن السلام في المنطقة… ومن هنا أريد أن أخاطب شعب إسرائيل: نحن كنا دائماً في وجه اللاسامية، لقد رفعنا صوتنا عالياً في وجه الظلم, الذي وقع على الموسويين، ساهمنا في أن يعيش شعب إسرائيل في سلام, و أمن في الشرق الأوسط… أخاطب, من مقامي هذا, أولئك الذين يدعون أنهم وراء هذه العملية غير القانونية وغير الإنسانية: بقدر ما تقفون وراء اللاقانونية, فإننا نقف وراء القانون، وبقدر ما تقفون وراء هذه العملية الدموية والاعتداء والإرهاب, فإننا نقف وراء السلام والعدل”. لقد فعل أردوغان كما يفعل باقي الحكام المتخاذلين: تحميل المجتمع الدولي والأمم المتحدة مسؤولية الرد والتنصل من الأمر, في إطار سياسة ضبط النفس والتعقل البليغين!؟ وكان أقصى مطالبه تشكيل لجنة تحقيق! وما أدراك ما لجان التحقيق الدولية؟ وها هو الآن يستجدي مجرد اعتذار! وها هو يستغل حريق (إسرائيل) لنجدتهم, من أجل مساعدتهم في الخروج من الضغط الإعلامي عليهم, والأخذ بيدهم إلى (تطبيع) جديد قديم مع نظامه, يكسب به ماء الوجه أمام الرأي العام. فهل انتهى إجرام يهود, وحرقهم للمسلمين, في فلسطين, يا أردوغان؟؟ أين ذهبت كل التصريحات النارية من أن تركيا “لن تسكت, ولن تقف مكتوفة الأيدي”؟ إن الحصار على غزة, وقتل المسلمين
في فلسطين, لا يكسر بالتهويش الإعلامي, والاستعراضات الكلامية الفارغة, ولا يكون بالرجوع إلى القوى الأجنبية التي تدعم كيان يهود, وليس بالشجب والاستنكار الشديدين, وليس بالتنفيس عن عواطف الأمة المحقونة بالغيظ, وإلهاب مشاعرهم لأيام, فغزة لا تريد غذاء ولا دواء ولا بطانيات, وإنما سفن حربية وطائرات, وجيوش تحيط بها من كل جانب. وهكذا يظهر بجلاء أن سياسات نظام أردوغان في موضوع فلسطين, وفي كل المواضيع الأخرى في المنطقة, لا تختلف عن سياسات القيادات المكشوفة في المنطقة, اللهم إلا في صوتها العالي, وجعجعتها الفارغة؟!r