ما هكذا تورد الإبل يا شيخ راشد
2011/02/01م
المقالات
1,536 زيارة
ما هكذا تورد الإبل يا شيخ راشد
ساق الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية من خلال برنامج ضيف المنتصف على قناة الجزيرة جملة من التهم الشنيعة بحق حزب التحرير، وذلك في رد له على سؤال طرحه عليه محاوره حبيب الغريبي لبيان موقفه من الشعارات التي رفعها الحزب في تظاهرات له في تونس تحت عنوان “لا للديمقراطية .. نعم للخلافة الإسلامية”.
وبحدة واضحة مصحوبة بحالة من التهجم، أعلن الغنوشي بأنه يقف على النقيض من هذا الفكر، واصفاً إياه “بالمتشدد والمشوه للإسلام” وبأن “لا أساس له اجتهادياً” وبأن هؤلاء المتظاهرين “مشبوهون”. في هذا السياق تَرِدُ مجموعة من المفارقات تتعلق بتصريحات الغنوشي هذه.
فالغنوشي الذي طالما قدم نفسه على أساس أنه داعية حوار لا صدام، وداعية ديمقراطية وحرية واحترام الآخرين، يضيق صدره بدعاة الخلافة رغم أنه يقدم نفسه على أنه مفكر إسلامي وداعية، فيما يتسع صدره للعلمانيين والليبراليين والملاحدة بشكل ملحوظ، بل ويطمح أن يشكل معهم حكومة إنقاذ وطني في تونس!
إنّ الغنوشي يعلم يقيناً بفرضية إقامة دولة الخلافة، وكان هو نفسه قد أصّل لهذا الحكم الشرعي فقهياً عبر حلقات عدة بثت على قناة الحوار الفضائية، فما الذي جرى حتى يتبرأ الغنوشي من الخلافة ويتخذ موقف النقيض منها ومن دعاتها، بل ويعتبر بأن لا أساس اجتهادياً لها؟
قد يتوهم البعض بأن الغنوشي قصد بأن الدعوة إلى الخلافة ليست مناسبة في هذا الوقت تحديداً في تونس، ورغم غرابة هذا الطرح، إلا أنه كان يكفي الغنوشي (لو كان هذا حاله) تبيان رأيه ذاك من غير إعلان حرب على الخلافة ودعاتها. لا سيما في وقت يجب فيه على كل مسلم صادق وحريص أن يتعاضد مع إخوانه للوقوف في وجه التيار العلماني الذي يحاول اختطاف الثورة وجر البلاد إلى مزيد من التغريب والضياع.
والحقيقة بتقديرنا هي أن أهل تونس (بعد كل ما مر عليهم) باتوا الآن أكثر حاجة إلى إرشادهم إلى ما يرضي ربهم ويحقق الطمأنينة والأمن والسلامة في مجتمعهم، وهو ما لا يمكن لمسلم الادعاء بإمكان تحقيقه من غير إقامة الإسلام في المجتمع والدولة. ومن ثم لماذا يتحرج دعاة الخلافة من دعوتهم في الوقت الذي يصدح الليبراليون فيه بعلمانيتهم وضرورة فصل الدين عن الدولة.
أما اعتبار الغنوشي بأن لا أساس اجتهادياً لمن يقول بكفر الديمقراطية التي تنص على أن التشريع هو من حق الشعب لا الشرع فهو من المضحكيات المبكيات، فأنّى لمسلم فضلاً عن “مفكر إسلامي” القول بمثل هذا!؟ وأما إذا ما أراد الغنوشي تحليل الديمقراطية على اعتبار أنها حق الشعب بانتخاب حاكمه ومحاسبته فإن هذا من صميم الإسلام ولا حاجة لنا بالديمقراطية التي تحمل في جوهرها النقيض منه لتبني مثل هذا.
إنّ الاتهامات المعيبة التي ساقها الغنوشي بحق دعاة الخلافة، والتي تأتي منسجمة مع مجموعة تصريحات لعدد من أتباعه في الفترة الأخيرة، تأتي – على ما يظهر جلياً لكل متابع – في محاولة تسويق جماعة النهضة أنفسهم تونسياً ودولياً على اعتبار أنهم أتباع النموذج الأردوغاني في تركيا. الذي قامت الولايات المتحدة بطرحه كنموذج إسلامي حصري مقبول غربياً. ذلك النموذج الذي يرضى بالديمقراطية والعلمانية والاعتراف بــ”إسرائيل” ويتخذ موقف الخصم من الخلافة ودعاتها. فهل يستقيم مثل هذا النموذج مع الإسلام حقاً؟ ومن هو أجدر بأن يوصف بصاحب المشروع المشبوه حينذاك؟ من يتبع نموذج الإسلام الأردوغاني الأميركي أم من يريد أن تستقل الأمة بإرادتها وتحقق وحدتها وتقيم خلافتها وتقتلع (إسرائيل) من جذورها.
2011-02-01