الخلافة المرتقبة والتحديات (1)
2006/05/31م
المقالات
3,356 زيارة
الخلافة المرتقبة والتحديات (1)
لقد كان أعظم حدث في تاريخ البشريّة، هو قيام دولة الإسلام في المدينة المنورة. حيث كان هذا الحدث الجلل بمثابة الهزّة القويّة التي ارْتجت لصداها الكرة الأرضية بما عليها من بشر!!
وسيكون قيام دولة الإسلام المرتقبة الثانية هو أعظم حدثٍ منذ ذلك العصر الزاهر حتى يومنا هذا، وسيكون لقيامها نفس الهزّة التي حدثت عند قيام الدولة الإسلامية الأولى ليصل صدى ذلك كلّ إنسانٍ على ظهر هذه البسيطة.
لكن هذا الحدث الجلل الفريد من نوعه لنْ يسلم من تحدّياتٍ تواجهه في بداية الأمر، تماماً كما إنه لم يسلم من قبل من تحدّيات وصعوبات كبيرة وقفت في طريقه قبل تحققه وقيامه، وميلاده ورؤيته للنور.
إن أي فكرة جديدة يُراد إيجاد واقعٍ عمليّ لها، أو يُراد بها تغيير الواقع من عادات وأفكارٍ، لن تسْلم من تحدّياتٍ جسام تواجهها، فكيف إذا كان هذا الأمر هو ميلاد دولة الإسلام التي يخشى منها الكفر كله، وجميع دوله وكياناته الماديّة على وجه الأرض؟!
فالأنبياء والرسل قد واجهوا من التحدّيات ما تنوء به الجبال الراسيات، وذلك في مواجهتهم للواقع الفاسد بالفكر السديد الرشيد، وكان أعظم هؤلاء الأنبياء مواجهةً هو رسول هذه الأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقبل الدولة الإسلامية، أثناء مرحلة الدعوة، واجه الرسول عليه الصلاة والسلام تحدّياتٍ عظيمة، استطاع بإيمانه وصبره مع صحابته، رضوان الله عليهم، وبعون الله لهم، استطاع أن يتجاوزها إلى البرّ، لكن هذا البرّ لم يكن آمناً ومفروشاً بالورود، رغم أن القائد هو خير البشر، ومعه خيرتهم من الناس على وجه الأرض. فالرسول عليه الصلاة والسلام تعرض لمحاولة الاستئصال أكثر من مرّة في المدينة المنورة: في معركة بدر الكبرى، وفي معركة الخندق، وتعرض أيضاً للاستعداء من قبل قريش ومعها قبائل العرب المحيطة بالمدينة، وتعرض لمحاصرةٍ اقتصاديةٍ واستعداءٍ فكريٍّ بكافّة أشكاله.
وتعرّض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك لصعوبات وتحدّيات داخليّة مثل مسألة توفير الغذاء، وتوفير السلاح، والعمل على استقرار الوضع الداخلي، وعملية الدمج العرقي في بوتقة الإسلام، وحلّ بعض ألوان الفساد القديم وغير ذلك من صعوبات. ولولا أن الله عزّ وجل دافع عن هذه الثلة المؤمنة ومعها خير الأنبياء لاستؤصلت عن وجه الأرض إلى غير رجعة.
وقبل أن نبدأ بعرض نماذج للتحدّيات والصعوبات التي ستعترض وستقف أمام الدولة الإسلامية المرتقبة، لا بدّ أن نلفت انتباه حملة الدعوة إلى قضيةٍ مهمّةٍ وهي أنّ الخلافة وطريقها بعد قيامها لن يكون مفروشاً بالورود والرياحين، بل إن الأمر سيكون جللاً، وستكون التحديات عظيمة بقدر عظمة هذا الحدث العظيم، وعظم خطورته على أنظمة الكفر ومبادئه، ودوله الهابطة.
ولا نبالغ إن قلنا إن ردّة الفعل عند دول الكفر ستكون بمثابة المدافع عن نفسه من الموت والمحافظ على ذاته للبقاء، أي أنها ستكون صريحةً متحدّيةً وقاسيةً في جميع السبل المتاحة لدى الكفار، وعلى أكثر من صعيد.
وهذا العرض لواقع التحديات وعظمها وقساوتها ليس معناه انحناء الدولة، أو التقليل من قدرتها على الصمود، ولكن معناه الإعداد المسبق والاستعداد، ووضع الخطط الفكريّة العمليّة التي تعيننا على ذلك الحدث العظيم وما يواجهه من مخاطر وتحديات، تماماً كما أعدّه حملة الدعوة من قبل، الدراسة الفكريّة الكاملة في أدق التفاصيل لكيفية العمل قبل الدولة، والدستور الذي ستحكم به الدولة بنظمه الثلاث: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
فالتحديات والصعوبات المتوقعة بعد الدولة لا تقل أهميّة عنها قبل الدولة، بل إنها قد تفوق التحديات السابقة كمّاً وكيفاً.
أما التحدّيات التي ستواجه الدولة الإسلامية فهي نوعان، يتفرع عن كل نوع منها فروعيّات سنحاول بقدر الإمكان ذكرها بشيء من البيان والتفصيل، ثم ذكر ما توصل إليه اجتهادنا للوقوف والتصدّي والمواجهة، ومن ثم التغلب عليها والانتصار على من يقف وراءها من قوى الشرّ والإرهاب العالمي.
وأول هذه التحديات هي التحديات الخارجيّة، وهي تنحصر في ثلاث تحديات رئيسية:
الأولى: الحرب الماديّة بكافّة أنواعها وأشكالها وما يتفرع عنها.
الثانية: سياسات التشويه والتضليل والحرب الفكرية بكافّة ألوانها.
الثالثة: الحصار بكل أنواعه السياسي والفكري والاقتصادي.
والنوع الثاني من التحديات والصعوبات هي التحدّيات الداخليّة، وهي الصعوبات التي تواجه الدولة والقائمين على رعاية أمورها، وتواجه الرعيّة بشكل عام داخل حدود هذه الدولة المؤقتة. وهذا النوع من التحدّيات منه ما هو مرتبط بالخارج مثل العملاء السياسيين من الإرث السابق، ومنها ما يرتبط بمحدوديّة الإمكانات مقارنةً مع عظم التحدّيات، ومنها ما يكون مرتبطاً بدرجة الوعي والإدراك عند الأمة، إلى غير ذلك من دواعي وأسباب هذه الصعوبات.
وبشكل إجمالي يمكن حصر هذه التحديات الداخلية في خمسة أمور يتفرع عنها أشكال أخرى متصلة بها وتابعةٌ لها وهي:
1 – محدودية الإمكانات مقارنة مع عظم التحديات الداخلية والخارجية.
2 – التطبيق الانقلابي للإسلام وما يواجهه من صعوبات داخلية في بداية الأمر.
3 – عملية التعبئة الفكرية والمعنوية لمواجهة حملات الحرب بأنواعها.
4 – مسألة التسلح والإعداد العسكري، والحصول على موارد الطاقة، وما يلزم كذلك من معدّات مدنيّة متنوعة.
5 – محاربة الواقع الفاسد القديم، والعمل على تغيير ألوان الفساد بكافة أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذه المسألة يتفرع عنها سبعة نقاط هي:
1) التعليم والمناهج.
2) الإعلام.
3) النقد والعملات المتداولة.
4) الشخصيات الإداريّة وأصحاب الوظائف الحساسة.
5) الملكيات العامة، وتوزيع الثروات بشكل مغلوط.
6) تنظيم أجهزة الجيش وإعادة ضبطها والسيطرة عليها، وكذلك أجهزة الشرطة وقوى الأمن الملحقة.
7) التبعات المتعلقة بالواقع القديم بكافة أشكالها، في الحقوق والواجبات والجنايات… وغير ذلك.
هذه أبرز التحدّيات والصعوبات الخارجية والداخلية التي ستواجه الدولة. وهناك تحدّيات أخرى، قد تحصل أو لا تحصل، مثل تعرض الدولة للهجوم بأسلحة الدمار الشامل، أو حصول حالة من التمرّد في صفوف الجيش ضدّ الدولة، أو حصول ردّة فعل عند الأمة نتيجة قسوة الظروف…
وهذه الأمور بما أنها قد تحصل أو لا تحصل، فإني أترك موضوع البحث فيها في هذه السلسلة إلى موضوع آخر، إن شاء الله تعالى.
وسنقف عند موضوع التحدّيات الحتميّة، نتناولها بالبحث والتحليل والشرح، ونضع أمامها الحلول الشرعية التي تعالجها، إن وجد لها حلول شرعيّة مستنبطة من الأدلة التفصيلية، أو نحاول وضع حلول سياسية رعويّة تتعلق بالأساليبِ والوسائل.
وهذا الأمر -كما ذكرت- هو من باب الاستعداد والأخذ بالأسباب، مع إيماننا يقيناً أن النصر في النهاية هو حليف أمة الإسلام برعاية دولة الإسلام، قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ @ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) [الحج 38-39]، وقال: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) [الروم 47]، وقال: ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) [القصص 5-6]، وقال: ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) [غافر 51]، وقال: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [النور 55].
إن أول التحدّيات وأبرزها ضدّ الدولة الإسلامية المرتقبة هي الحرب الماديّة بكافّة أشكالها وألوانها.
وقبل البداية في ذكر ألوانٍ من هذه الحرب وطرق التصّدي والصمود في وجهها، لا بدّ من التعريج قليلاً على مسألة الحرب على أمة الإسلام من قبل الكفر بشكل عام. ولبيان هذه الحقيقة بإيجاز نذكر بعضاً من الأخبار الإلهيّة القطعيّة، وبعضاً من وقائع التاريخ التي صدّقت هذه الأخبار. فالله سبحانه وتعالى قد ذكر آيات كثيرة تصف عداوة الكفر للمسلمين وتحذّرهم من هذه الملة الخبيثة. ومن ذلك قوله تعالى: ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) [البقرة 217], ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [الأنفال 36], ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) [البقرة 109], ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة 120], ( إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ) [النساء 101].
فهذه الآيات وأمثالها الكثير في كتاب الله سبحانه وتعالى، تدلّ دلالةً صريحةً على عداوة الكفّار للإسلام، وحرصهم على ردّهم كفاراً، وإنفاقهم الأموال من أجل ذلك، وتدلّ كذلك على استمراريّة هذه الحرب والعداوة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد صدّقت وقائع التاريخ -منذ عهد الرسول (صلى الله عيله وآله وسلم) وبعده عبر العصور الإسلامية حتى يومنا هذا- هذه الأخبار القطعيّة الصريحة. ففي عهد الرسول (صلى الله عيله وآله وسلم) حاول الكفار قتله قال تعالى: ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [الأنفال 30], وضيّقوا عليه الخناق من أجل ردّه عن دينه هو وأصحابه من المؤمنين، وبعد إقامة الدولة حاولوا استئصاله عن وجه الأرض في حروبٍ دمويّةٍ متعاقبة في بدرٍ وأحد والخندق… وبعد عهد الرسول (صلى الله عيله وآله وسلم) استمر هذا العداء من قبل الفرس والروم والملل الأخرى في حروب لم تهدأ عبر التاريخ الإسلامي.
وهكذا هي الحال اليوم، حربٌ شعواء على الإسلام والمسلمين المخلصين لردّهم عن هدفهم، بل عن دينهم. ولن تكون هذه الحرب أقلَّ ضراوةً عند إقامة الدولة الإسلامية، ولن تفرش طريق الدولة بالزهور والرياحين كما يتصور البعض، بل إن الحرب ستكون شديدةً وضاريةً.
ولن يقف الغرب الكافر، خاصّة، مكتوف الأيدي، ينظر إلى هذه الدولة الوليدة الناشئة، وهي تتقوّى ويشتدّ عودها يوماً بعد يوم؛ لأن الغرب يدرك تمام الإدراك معنى الدولة الإسلامية، وأهدافها وتأثيرها على مبدأ الغرب وعلى بلاده، وعلى مصالحه و مصيره.
فالدولة الإسلامية تعني قيام قوة على أساس العقيدة الإسلامية، تطبّق أحكام الإسلام في الداخل، وتعمل على توحيد بلاد المسلمين قاطبةً، وتعمل على قطع دابر الكفار، ومناطق نفوذهم، وتعمل كذلك على حمل الإسلام رسالةً تتحدّى كل مبادئ الكفار.
فقيام الدولة الإسلامية يعني القضاء على النظام الرأسماليّ الكافر الذي يتغطّى بعباءته العفنة الفاسدة قادة الرأسمالية, من أصحاب الشركات الكبرى والحكام، ويستعبدون الشعوب ويمصّون دماءهم تحت شعار الحريّة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن الكفار -وخاصة الغرب منهم- يدركون إدراكاً جيداً معنى قيام دولة إسلامية أكثر مما يدركه كثير من أبناء المسلمين، ولن يغيب عن عقولهم حروب البلقان وحصار فينّا، وحروب بلاط الشهداء على أبواب أوروبا، وفتح القسطنطينية… وغيرها؛ لذلك سيقفون في وجهها بكلّ ما أوتوا من قوّة وحيلة كي يعملوا على هدمها وإزالتها من الوجود إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ولن يستطيعوا بإذن الله، قال تعالى: ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [الأنفال 30], ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) [الصف 8].
أما ألوان وأشكال هذه الحرب التي سيعلنها الكفّار على الدولة الإسلامية المرتقبة فيمكن إجمالها في النقاط التالية:
أ – العملاء من الحكام القريبين من هذه الدولة.
إن الدولة الإسلامية كما تعمل على هدم الكفر ومبادئه وأشكاله الاستعمارية في بلاد المسلمين، فإن أول أعمالها هو إزالة العملاء السياسيين من الحكام وأعوانهم؛ لذلك فإن دول الكفر ستستغل هذه النقطة استغلالاً جيّداً؛ لأن المسألة بالنسبة للعملاء هي مسألة مصير، تماماً كما هي بالنسبة للكفار.
فأول الأخطار التي تهدّد الدولة الإسلامية هم العملاء السياسيون من الحكام، وخاصّةً من الدول المجاورة. وسيعقدون تحالفاتٍ عسكريةٍ لهذه الغاية بغضّ النظر عن ولاءاتهم السياسية لأميركا أو لدول أوروبا، والسببُ هو أن المصير واحد والعدوّ مشترك، وسيحاولون بهذه التحالفات والجيوش مهاجمة الدولة الإسلامية للقضاء عليها قبل اشتداد عودها ووقوفها على أقدامها.
ب – استغلال القواعد العسكرية القريبة، والحركة السريعة لمساعدة الحكام العملاء في الحرب ضد هذه الدولة, وذلك مثل قاعدة الظهران في السعودية، أو قاعدة الخفجه، أو القواعد الموجودة في الأردن، أو القواعد الموجودة في النقب. فهذه القواعد ستُسْتغلُّ استغلالاً كبيراً نظراً لقربها ولسرعة التحرك من خلالها. وليس غريباً ولا مستهجناً حين تقوم أميركا بين الفينة والأخرى هذه الأيام بإجراء مناوراتٍ مشتركة مع العملاء وجيوشِهم من خلال هذه القواعد. فهذه المناورات هي مقدّمات لأي طارئٍ يحصل من هذا القبيل.
ج – الإعدادُ لتحالفٍ دوليٍّ عسكريٍّ إن استعصى الأمر على الحكّام من عملاء الغرب وعلى الضربات العسكريّة السريعة. بمعنى آخر تجييش دول العالم من الكفار لضرب هذه الدولة، واستصدار قرارات دوليّة، وترتيب أحلافٍ عسكرية. والحقيقة إن مسألة ترتيب الأحلاف العسكرية لمواجهة أيّ طارئ قد بدأ بها الغرب منذ عقود مضت, حيث عقد عدة اتفاقات سرية في منظومة حلف الأطلسي، وعقدت أميركا اتفاقات مع روسيا في مؤتمر طشقند ومع الصين كذلك، منذ فترة قريبة حين أحسّت بالخطر الإسلامي في وسط آسيا.
وهذا يذكرنا باجتماع دول الكفر من أوروبا وأميركا وروسيا ضدّ الدولة الإسلامية في آخر عهدها أيام العثمانيين، ويذكرنا كذلك باجتماع قريش وقبائل العرب من قبل على إزالة الدولة الإسلامية الأولى (في المدينة) من الوجود.
هذه هي السيناريوهات المتوقعة في حال قيام الدولة الإسلامية، ولن يتوانى الغرب في حرب هذه الدولة،ولن يقف مكتوف الأيدي مكبّل الأرجل ينظر إلى الخطر يزحف نحوه.
أما كيف تواجه الدولة الإسلامية ورعاياها هذه التحدّيات الأوليّة، فيمكن إجمالها ضمن النقاط التالية:
1) التعبئة العامة الماديّة والمعنويّة.
2) الإبداع في المناورات السياسيّة ومواجهة الأزمات.
3) حسن المخاطبة للشعوب سواء في بلاد المسلمين أم الكفار.
فهذه ثلاثة أمور رئيسة تتصل بها فروع سنذكرها بشيء من الشرح والتفصيل في الحلقة القادمة إن شاء الله.
ولكن قبل ذكرها وتفصيلها يجب أن نتذكر أولاً أن أقوى أنواع الأسلحة على الإطلاق في مواجهة الأخطار والأزمات هو سلاح الإيمان والثقة بالله عز وجلّ. الإيمانُ بأنّ الله عزّ وجلّ سيمكّن لهذه الأمة في الأرض تماماً كما منّ عليها بالتمكين بإقامة هذه الدولة الإسلامية الفتيّة، والتي وقفَ العالمُ أجمع في سبيل عدم قيامها، ولكنّها قامت رغم أنوفهم ورغم مكرهم وتخطيطهم وتدبيرهم، والثقة والإيمان بأن هذه الدولة قامت لتبقى وتقوى ويمتدّ نفوذها، لا لتهدم على أيدي الكفّار وعملائهم من الحكّام؛ قامت لتنشرَ النور الإلهيّ في أرجاء الأرض، لتكملَ حلقة آخر رسالةٍ على وجه الأرض، رسالةِ الإسلام، ولتستأنفَ الخطّ الذي قُطعَ بزوال آخر عهد الدولةِ الإسلامية من الأرض، لتستأنف الجهاد في سبيل الله عز وجل ولتفتح روما وغيرها.
يجب على رعايا الدولة الإسلامية أن يكون عندهم الثقة المطلقة بالله عزّ وجلّ، بأنه سيتولى برعايته وتأييده ونصرته هذه الدولة؛ لأنها دولة النور الإلهيّ، دولة العدل والاستقامة والخير الجامع للناس كافّة.
إن الله عزّ وجلّ قد منّ على هذه الفئة المؤمنة بالتمكين لأنهم مؤمنون استحقّوا نصرَ الله وتأييده، أي لأنهم اتّصفوا بنفس الصفات التي اشترطها عليهم قبل قيام الدولة: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [النور 55].
إن هذا، أيها المسلمون، هو أقوى سلاح يحمله المسلم على الإطلاق، سلاح الثقة بالله عز وجلّ قبل الدولة وبعدها, وبدونه لا يقوى المسلم على الصمود في أية مواجهةٍ حتى لو ملك كل أسلحة الأرض. قال تعالى: ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [آل عمران 160].
[يتبع]
أبو المعتصم ـ بيت المقدس
2006-05-31