العدد الثامن -

السنة الأولى، العدد الثامن، جمادى الأولى 1408هـ، الموافق كانون الثاني 1988م

في مواجهة الغزو الفكري: مقياس الأعمال

“يسير كثير من الناس في الحياة على غير هدى، فيقومون بأعمالهم إلى غير مقياس يقيسون عليه. ولذلك تراهم يقومون بأعمال قبيحة يظنّونها حسنة، ويمتنعون عن القيام بأعمال حسنة يظنونها قبيحة. فالمرأة المسلمة التي تمشي في شوارع أمهات المدن الإسلامية كبيروت ودمشق والقاهرة وبغداد تكشف عن ساقيها، وتبرز محاسنها ومفاتنها، وهي تظنّ أنها تقوم بفعل حسن. والرجل الورع الملازم للمساجد يمتنع عن الخوض في تصرفات الحكّام الفاسدة لأنها من السياسة، وهو يظنّ أن الخوض في السياسة فعل قبيح.

وهذه المرأة وهذا الرجل وقعا في الإثم: فكشفت هي عورتها، ولم يهتمّ هو بأمر المسلمين، لأنّهما لم يتخذا لأنفسهما مقياساً يقيسان أعمالهما بحسبه. ولو اتخذا مقياساً لما تناقضا هذا التناقض في تصرّفاتهما مع المبدأ الذي يعلنان بصراحة أنهما يعتنقانه. ولذلك كان لا بدّ للإنسان من مقياس يقيس أعماله عليه حتى يعرف حقيقة العمل قبل أن يقدم عليه.

والإسلام قد جعل للإنسان مقياساً يقيس عليه الأشياء، فيعرف قبيحها من حسنها فيمتنع عن الفعل القبيح، ويُقدم على الفعل الحسن. وهذا المقياس هو الشرع وحده، فما حسّنه الشرع من الأفعال هو الحسن، وما قبحه الشرع هو القبيح.

وهذا المقياس دائميّ، فلا يصبح الحسن قبيحاً، ولا يتحول القبيح إلى حسن، بل ما قال عنه الشرع حسناً يبقى حسناً، وما قال الشرع عنه قبيحاً يبقى قبيحاً.

وبذلك يكون الإنسان قد سار في طريق مستقيم، وعلى هدى من أمره، فيدرك الأمور على حقيقتها بخلاف ما لو لم يجعل الشرع مقياساً للحسن والقبح، بأن جعل العقل مقياساً له، فإنّه يسير متخبطاً لأنه يصبح الشيء حسناً في حال، وقبيحاً في حال آخر. إذ العقل قد يرى الشيء الواحد حسناً اليوم، ثم يراه قبيحاً غداً وقد يراه حسناً في بلد وقبيحاً في بلد آخر فيصبح الحكم على الأشياء في مهب الريح، ويصبح الحسن قبيحاً والقبح نسبياً لا حقيقياً. وحينئذٍ يقع في ورطة القيام بالفعل القبيح، وهو يظنّه حسناً. ويمتنع عن الفعل الحسن، وهو يظنّه قبيحاً.

وعليه كان لا بد من تحكيم الشرع وجعله مقياساً للأفعال كلها، وجعل الحسن ما حسّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه .

من كتاب “الفكر الإسلامي” للأستاذ محمّد إسماعيل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *