سد النهضة الإثيوبي: مؤامرة أخرى على بلاد المسلمين
2016/02/15م
المقالات
3,580 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
سد النهضة الإثيوبي: مؤامرة أخرى على بلاد المسلمين
أم أواب غادة عبد الجبار
الخرطوم – السودان
ما زالت قضية سد النهضة الذي تزمع إثيوبيا بناءه على النيل الأزرق الرافد الرئيس لنهر النيل، وما زالت هذه القضية تشغل الساحة، وتتجاذبها الآراء سلباً وإيجاباً. وللوقوف على حقيقة هذا السد، ومدى تأثيره على السودان ومصر نقف على الحقائق الآتية:
أولاً: ما هو سد النهضة:
أعلنت إثيوبيا عن نيتها بناء السد في نهاية شهر مارس عام 2011م، وبدأ العمل بالفعل في أوائل أبريل/نيسان من ذلك العام دون استشارة مصر والسودان، وهى ترتبط مع هذه الدول باتفاقيات تلزمها ألا تقيم أي سد إلا باستشارة هذين البلدين.
يبلغ ارتفاع السد 170 متراً، بينما تبلغ كمية المياه التي سوف يحجزها السد 62 إلى 74 مليار متر مكعب. وهذه الكمية تساوي أكثر من ضِعف كمية مياه بحيرة تانا (32 مليار متر مكعب)، وأقل بقليل من نصف مياه بحيرة السد العالي (التي تبلغ سعتها 162 مليار متر مكعب). ويُتوقّع أن يقوم هذا السدّ بتوليد 6,000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية عند اكتماله بعد أربع إلى خمس سنوات من بدء التنفيذ، أي أكثر من مرتين ونصف من كهرباء السدّ العالي.
تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع 4,8 مليار دولار. وقد أشارت الحكومة الإثيوبية إلى أنها ستقوم بتمويل المشروع من مواردها، ومن خلال إصدار سنداتٍ للإثيوبيين. لكن الأوضاع الاقتصادية بالداخل لا تسمح للمواطنين بشراء السندات، أما بالخارج فعدم الاستقرار في المنطقة لا يزيد فرص شراء السندات، غير أن المؤكد هو أن السندات طرحت في (إسرائيل)، وتم شراء القسم الأعظم منها. وتقوم الشركة الإيطالية (ساليني) ببناء السدّ، ويُتوقّع أن تقوم الشركات الأوروبية ببيع إثيوبيا المعدات والتشغيلات الميكانيكية. وتخطّط إثيوبيا للانتهاء من العمل في السد في عام 2017م؛ ليكون عند اكتماله أكبر سد في أفريقيا والعاشر في العالم.
ثانياً: آثار السد على مصر والسودان:
أثبتت دراسات الأمان التي أجريت على السدود أن معامل أمان سد النهضة الأثيوبي لا يتجاوز 1.5 فقط من تسع درجات، وهو ما يفسره الدكتور نادر نور الدين- أستاذ الموارد المائية وخبير المياه العالمي أن السد الإثيوبي يمكن أن ينهار في خمس دقائق إذا تعرض لأي هجوم، وهو ما سيتسبب في غرق السودان بالكامل، وتعرض المنشآت التي توجد على النيل من الكباري والسدود إلى الغرق، وبالتالى المدن والقرى المتشاطئة على النيل، بالإضافة إلى ما يقرب من 6 ملايين شخص سيتعرضون لحالات تهجير قسرية من شمال الدلتا وجنوب الصعيد، بالإضافة إلى ارتفاع فترات الجفاف من ست سنوات إلى ثلاثين عاماً، سيخسر فيها الاقتصاد المصري مليارات الجنيهات، وهو ما دفع العديد من الخبراء إلى المطالبة بالتدخل عسكرياً لوقف بناء السد، كما هدد الرئيس السابق محمد مرسي، ودفع البعض الآخر إلى مقاضاة إثيوبيا دولياً لأن الجيش المصري لا يمتلك أسلوباً هجومياً.
وتؤكد الدراسات التي أجريت على أمان السدود أن هناك 340 سداً في العالم حدث انهيار لـ300 سد منها، كانت النسبة الكبيرة منها سدوداً ضخمة كبيرة الحجم في حجم السد الإثيوبي والسد العالي، لكن احتمال انهيار السد العالي صعبة للغاية لأنه سد ركامي، وهو عبارة عن صخور متراكمة فوق بعضها مكسوَّة بالإسمنت. أما سد النهضة فخرساني معرض للانهيار في خمس دقائق فقط، ولا توجد أي فرصة لصيانته على الإطلاق، بخلاف السد الركامي الذي يمكن إصلاح أي خلل يحدث له في بضعة أشهر. ومن المتوقع أن تحدث الأضرار التالية والتي هى ليست حصرية:
أولاً: عجز في نصيب المياه يصل إلى 15 مليار مترا مكعباً من حصة مصر البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
ثانياً: تقليص الرقعة الزراعية بمعدل مليون ونصف المليون فدان في مصر.
ثالثاً: تخفيض الطاقة الكهربائية المنتجة من السد العالي بنسبة 20%.
رابعاً: الأثر على السودان أثر مدِّمر، رغم أن السياسيين يتحدثون عن تنظيم المجرى بعد إنشاء السد، وتقليل الفيضانات، وما سيكتسبه السودان من أفضلية في شراء الكهرباء بسعر التكلفة، ولكنهم يتناسَون طبيعة السودان السهلية، وهو أقرب إلى السد في اتجاه انحدار المياه، مما يعني فيضان غير مسبوق، وخسائر محققة تفوق كل تصور.
وقد جاء في تقرير اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة (المكوّنة من عضوين من مصر والسودان وأثيويبا وأربعة أعضاء كخبراء دوليين)، بعض الملاحظات هي:
في ضوء التعديلات التي أُدخلت على تصميم السد في العامين ونصف العام الماضي، فإن التقرير الحالي خادع جزئياً.
لم يأخذ التصميم في اعتباره الاحتباس الحراري، ما قد يتسبب في فيضانات (التغيرات المناخية).
لم تقدم معلومات بشأن طبيعة التدفق في اتجاه دول المصب وكيفية السيطرة عليه.
لم تقدم معلومات بشأن تأثير السد في الزراعة على جانبي النهر في السودان ومصر.
أهم تأثير للسد فيما يخص مصر هو تقليص قدرة السد العالي على توليد الكهرباء بسبب نقص المياه في بحيرة ناصر.
وجود أخطاء في تصميمات السد»
وأوصت اللجنة «بإجراء تعديلات في التصميم الحالي وتغيير أبعاد وحجم السد؛ لكن من يضمن التزام إثيوبيا، وهى من تقوم منفردة ببناء السد وستقوم منفردة بتشغيله.
وأوصت اللجنة أيضاً «بعمل دراسات استكمالية للتأكد من سلامة وزيادة معدل أمان السد»
وفي ضوء هذا التقرير يتضح أن هناك تعتيماً وغياب شفافية من قبل الطرف الإثيوبي حول مشروعه في بناء سد النهضة، إما عن عمد، وإما عن دراسات غير كافية تعجّلتها إثيوبيا، وفي كلتا الحالتين هذا يدعم «سيناريو المؤامرة» بأن هناك أطرافاً خلف المشروع تعمل على تركيع بلاد المسلمين مائياً ومحاصرتها بالأزمات، وهذا الطرف بالطبع (إسرائيل) أداة أميركا المخلصة في المنطقة، وسبق أن كان لها دور في انفصال جنوب السودان.
وبمشروع سد النهضة تكون محاصرةُ بلاد المسلمين قد اكتملت من حيث تضييق البُعد الاستراتيجي وتهديد مصادر الطاقة والمياه، لا سيما أنه كان هناك تعجّل في بناء السد رغم التقرير الذي تم تقديمه من الشركة الإيطالية الاستشارية، حيث أقرّت باستحالة بناء السد لاندفاع المياه بقوة 73 مليار متر مكعب في المكان الذي كان مقرراً إقامته فيه، ثم جاءت فكرة من مهندس (إسرائيلي) باختيار مكان آخر، حيث تم نسف ثلاثة جبال لإمكانية تحويل مجرى النيل، فجاء التقرير من الشركة الإيطالية مرة أخرى بإمكانية بناء السد، لكن لن يستمر لأكثر من خمس سنوات، وبعدها سينهار، ووافقت إثيوبيا ومن ورائها (إسرائيل).
ثالثاً: الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع إثيوبيا بشأن السد
وقعت مصر 5 اتفاقيات ثنائية مع إثيوبيا، أهمها:
اتفاقية أديس أبابا مايو/أيار 1902م: وقعتها بريطانيا نيابة عن مصر وإثيوبيا، وتعهد فيها الإمبراطور «منيليك الثاني» ملك إثيوبيا بعدم إقامة أو السماح بإقامة أي منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدماً.
اتفاقية 1929م: أكدت على ضرورة التنسيق بين الدولتين عند إقامة أي مشروعات في السودان، ويمكن لمصر إقامة أعمال لزيادة مياه النيل لمصلحتها.
اتفاقية 1959م: وجاءت مكملة للاتفاقية السابقة «1929م»، إذ تشمل الضبط لمياه النيل في ظل المتغيرات المستجدة على الساحة آنذاك، وهي الرغبة في إنشاء السد العالي ومشروعات أعالي النيل، لزيادة إيراد النهر، وإقامة عدد من الخزانات في أسوان.
إلى هنا لم تظهر أي مشكلة بخصوص حصص الدول العشر التي تمثل حوض النيل، وهي جميعها دول أستوائية عدا مصر والسودان، فهذه الدول لا تحتاج إلى مياه النيل، لأنها تحصل على أكثر من 95% من احتياجاتها من الأمطار الغزيرة، لذلك لم يحدث أي خلاف قانوني، خاصة أن اتفاقية الأمم المتحدة للمياة الدولية للمجاري المائية العابرة للحدود، تعتبر الاتفاقيات القديمة الموقعة بين الدول لا يمكن تغييرها تماما ً كاتفاقيات الحدود.
اتفاقية «مبادرة دول حوض النيل»: تم توقيعها في فبراير 1999م بهدف وضع استراتيجية للتعاون بين الدول النيلية كما روج لها، ورفعت المبادرة شعار تحسين معدلات التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر، وتأسس المكتب الفني الإقليمي للنيل الشرقي.
ومن هنا بدأت تظهر الثغرات، وباسم التنمية والترويج لها خاضت دول المنبع صراعاً مع دول المصب، ووقعت دول المنبع على اتفاقية عنتيبي بدون موافقة دول المصب (السودان ومصر) والتي تعتبر الاتفاقية مهدداً خطيراً لحصتها؛ لأنها تنص على مراجعة الحصص المائية لمصلحة الجميع، رغم أن مصر والسودان لم يوقعا، لكن فجأة وبصورة أثارت الذهول لدى الكثيرين، عادت مصر للمشاركة في اجتماعات مبادرة حوض النيل بعد انقطاع لأكثر من خمس سنوات، وشارك مندوبوها في الاجتماع التشاوري الذي التأم بالخرطوم، وسط ترحيب قوي من دول الحوض. ويذكر أن السودان قد قام بدور التنسيق بين مصر وباقي دول حوض النيل لتجاوز الخلافات، وكانت مصر قد امتنعت عن حضور أنشطة المبادرة منذ سنوات، احتجاجاُ على توقيع دول يوغندا وكينيا وإثيوبيا وبورندي والكونغو على اتفاقية عنتيبي التي تتضمن بنودها عدم الاعتراف بالاتفاقيات التاريخية الموقعة بين دول حوض النيل، خاصة في ما يخص حصص دول المصب مصر والسودان، وحق دول المنبع في إنشاء سدود للاستفادة من نهر النيل تماماً كما تستفيد دول المصب.
والمقدر من مشاريع السدود الإثيوبية هو 30 سداً، نفذ منها 11 سداً. وقد بدأت إثيوبيا هذه المشاريع الكبيرة بتنفيذ سد النهضة، أكبرها وأكثرها إثارةً للجدل والنزاع. ويقع سدّ النهضة الإثيوبي (والذي كان يُعرف بسدِّ الألفية) على النيل الأزرق على بعد 20 كيلومتراً من الحدود مع السودان.
رابعاً: الاتفاقية الإطارية لسد النهضة مكمن الخطر والخيانة وبيع مصالح الأمة:
وقع رؤساء إثيوبيا ومصر والسودان على اتفاقية إطارية بالخرطوم يوم الاثنين 23 مارس/آذار 2015م، ومما جاء فيها:
ألزمت الدول الثلاث أنفسها بالمبادئ التالية بشان سد النهضة:
1– مبدأ التعاون: فلو ربطنا بينه وبين البند التاسع مبدأ المساواة نجد هذا التعاون مجرد مراوغة وخداع فقد ورد: (سوف تتعاون الدول الثلاث على أساس السيادة المتساوية، وحدة إقليم الدولة، المنفعة المشتركة، وحسن النوايا، بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة للنهر) فكيف يكون تعاون المحكوم بسيادة أي دولة على أراضيها تفعل ما تشاء؟! فمثلاً المعلوم أن إثيوبيا هي المتحكمة في المنبع، فلو قامت بمبدأ السيادة بحجز المياه لأغراض الملء الأول فليس لأحد التدخل لمنعها حسب مبدأ السيادة، كما إن هذا التعاون مفتوح وعام وغير محدد لذلك فهو غير ملزم.
2– مبدأ التنمية: التكامل الإقليمي والاستدامة:
وقد حدد هذا المبدأ الغرض من السد، وهو توليد الطاقة الكهربائية والتعاون الإقليمي، ولكن ما يحدث من صفقات استثمارية لأراضٍ حول السد من العديد من الدول على رأسها (إسرائيل) يضع علامات استفهام في مصداقية أن السد أنشئ لتوليد الطاقة الكهربائية. أما إدراج التنمية الإقليمية فهو للخداع ولا يعني ذكر التنمية ضرورة أن تتم التنمية في كل الأقاليم، وماذا لو انحصرت التنمية في البلد المنشئ للسد ولم تتعداه؟ وهو شيء متوقع حسب خبراء يؤكدون تضرر مشروعات مصر والسودان من الملء الأول لبحيرة السد، بل من وجود السد برمته.
3– مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن: وهنا مكمن الضرر حيث لم يحدد حجم الضرر ونوعه، وما هو الضرر ذو الشأن وغير ذي الشأن، وثالثة الأثافي أن تحدد الدولة التي تسببت في الضرر التعويض عنه، فمثلاً لو تسبب ملء بحيرة الخزان بضرر في نقص حصة مصر، فإن إثيوبيا عليها التعويض، ولكن ما حجم التعويض؟ هذا يترك للتفاوض غير الملزم، بل ربما لا يكون التعويض مناسباً للضرر. وقد وردت عبارة (التعويض كلما كان ذلك مناسباً) ماذا لو لم يكن مناسبا؟. هذا ولم يتم النص على إزالة الضرر إزالة تامة. كما ورد (ضرر ذو شأن)، من يحدد ذلك؟ فقد ترى إثيوبيا أن الضرر ليس ذا شأن!
4- مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب: وقد ذكر هنا الاستخدام المنصف والمناسب للموارد المائية ولم يحدد أي معيار. فلربما ترعى إثيوبيا (المتظلمة كما تروج من الاتفاقيات القديمة التي تلزمها بعدم إنشاء أي سدود على مجرى النيل الأزرق والذي ينبع من أراضيها) ربما ترى أن من المناسب قيام السد حتى لو كانت النتائج الفنية غير مشجعة، مع أن مصر والسودان قد يريان أنه غير مناسب إنشاء السد. فكلمة مناسب هذه متغيرة وغير ثابتة.
5- مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد: تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع، وهذا ذرٌ للرماد في العيون؛ لأن المعلومات الموجودة لحكومة إثيوبيا تكفي عن أي لجنة أخرى، وهي كاشفة فاحصة للواقع، وهي مقدمة من جمعيات مجتمع مدني محلية قامت بإجراء الدراسات الكافية؛ لكن لأن النتائج كانت سلبية استخدم القمع الشديد لكل رأي يخالف رأي الدولة منذ خروج نتائج هذه الدراسات للجنة دولية مكونة من منظمات عالمية غير حكومية، منها منظمة الأنهار الدولية حيث كلفت باحثين محليين بإجراء أبحاث؛ ولكن لأن المناخ السياسي غير مشجع، لم تنشر معلومات هذه الدراسات. وقد تسرب عن تقارير منظمة الأنهار الدولية بأن خطط قطاع الطاقة محفوفة بالمخاطر؛ ولكن نتيجة سياسة تكميم الأفواه سجن الصحفي الإثيوبي (ريوت إليمو) وتلقى موظفو منظمة الأنهار الدولية تهديدات بالقتل في العام 2012م.
6- مبدأ بناء الثقة: حدد هنا أولوية دول المصب في شراء الطاقة الكهربائية؛ ولكن هل يتم ذلك ويكون متاحاً في حال وجود خلافات متوقعة نتيجة الأضرار الحتمية.
7- مبدأ تبادل المعلومات والبيانات: سوف توفر كل من مصر وإثيوبيا والسودان البيانات والمعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنيين، وذلك بروح حسن النية، وفي التوقيت الملائم.
8- مبدأ أمان السد: جاء في هذا المبدأ(ستستكمل إثيوبيا بحس نية توصيات لجنة الخبراء). رغم توفر معلومات أن الأمان نسبته واحد من تسعة، أي كأنما أنشئ هذا السد لينهار، مما يعني فيضان يغمر كامل السودان، ولا يخفى أن هذه المنطقة تعرضت لحركات أرضية سريعة وبطيئة.
9- مبدأ السيادة ووحدة إقليم الدولة: وهذا البند أعطى إثيوبيا الحق الكامل في إنشاء السد في أراضيها دون وجود أي حق لدولة أخرى حسب مبدأ السيادة. وبذلك تم نقض الاتفاقيات السابقة والتخلي عنها.
10- مبدأ التسوية:
لم يتضمن الإعلان أي آلية لفض المنازعات، وإنما يحيل الأمر برمته إلى التفاوض أو الوساطة، وأخيراً إحالته لرؤساء الدول الموقعة. وهو ما لا ينطوي على أي آلية إجبار، مع العلم بأن بلد المصب النهائي (مصر) هي الحلقة الأضعف التي تحتاج لضمانات وآلية إلزام؛ ولكن أصرت إثيوبيا على استخدام كلمة احترام بدل كلمة إلزام. والإلزام الوحيد هو قبول الأمر الواقع، وهو بناء السد. ومن الآن رشَّح البعض جولات لبلدان المصب مع منظمات دولية لاستعادة نصيبها!
ولم تتحدث الاتفاقية عن رقابة أو إدارة مشتركة للسد، والتي هى بمثابة الحد الأدنى الذي يبعث التطمينات لمصر والسودان؛ ما يعنى إطلاق يد إثيوبيا في إدارة وتشغيل السد بما يحقق لها ما تريده مباشرة بعد مراوغاتها فيما يخص اختيار المكتب الاستشاري، وإعلانها عن اتفاق عسكري مع تركيا. هذا وقد سافر الجنرال السيسي إلى إثيوبيا في محاولة بائسة لجلب بعض التطمينات، ولكنه عاد بخفي حنين.
خامساً: معركة المياه التي تبنتها (إسرائيل):
سياسة القفز فوق الحواجز الإقليمية لبلدان الطوق سياسة تبناها أول رئيس وزراء لكيان يهود ديفيد بن غوريون، وتسير هذه السياسة على قدم وساق، وهو صاحب التصريح الشهير «إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل». وقد نقلت صحيفة رندي ديلي ميل 20/5/2007م، عن المحلل السياسي الأميركي (مايكل كيلر) أن اجتماعاً تم في تل أبيب مع وزراء إثيوبيين، يقوم على إقناعهم باستكمال السدود على النيل لحجز المياه وضبط حركة المياه تجاه السودان مقابل وعد (إسرائيلي) لهم بمعونة مالية تفوق المائتي مليون دولار، بالإضافة إلى أسلحة ثقيلة وطائرات إف 16) هذا وقد حذرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، حذرت من أن (إسرائيل) تشارك في بناء السد، إن المتعاقد الأول شركة ساليني الإيطالية على علم تام بمشاركة (إسرائيل)، وتساهم في بنائه أيضاً شركة ألستوم الفرنسية المتورطة في العمليات الاستيطانية بالقدس، وقد اتصلت المنظمة بسفارة إثيوبيا لشراء السندات لتمويل السد، وتبين لها أنها متوفرة فقط في (إسرائيل)؛ لأنها الشريك الأساس. [القدس العربي في 4/6/2013م].
كشفت (إسرائيل) في تسعينات القرن العشرين عن علاقتها الوطيدة وتعاونها الواسع سياسياً وتجارياً واقتصادياً مع عدد من الدول الأفريقية، وقدمت مساعدات اقتصادية وعسكرية لهذه الدول لتوطيد العلاقات وخدمة مصالحها، وأهمها حاجتها للمياه والمساحات الجغرافية الشاسعة والصالحة للزراعة والاستثمار، وما تراه دعماً لأمنها القومي، وقد عقدت تحالفات مع إثيوبيا وإريتريا ودول أفريقية أخرى مثل رواندا وبوروندي، التي وقعت معها اتفاقيات تعاون اقتصادي عام 2008م، كما قام «ليبرمان» وزير الخارجية (الإسرائيلي) بزيارة خمس دول أفريقية، منها إثيوبيا وأوغندا وكينيا من دول حوض النيل، وهو ما يعكس الاهتمام (الإسرائيلي) بدول الحوض، وهو ما يعلّل ما نراه من تصاعد مطالب دول حوض النيل بتعديل الاتفاقيات المائية مع دولتي المصب: مصر والسودان، وإنشاء السدود بصورة كثيفة تفوق ميزانية إنشائها.
شهدت منطقة البحيرات العظمى تحركات (إسرائيلية) لتغيير القواعد القانونية الدولية المعمول بها في إطار توزيع مياه الأنهار، فدخلت بمفاهيم جديدة كتسعير المياه. وأعلن الرئيس التنزاني «جوليوس نيريري» ما عُرف بـ «مبدأ نيريري»، وهو الذي يقضي بتسعير المياه وبيعها؛ ولهذا سعت (إسرائيل) منذ البداية إلى التغلغل في تنزانيا لإثارة الفرقة والعداء ضد مصر والدول العربية الأفريقية، وإنشاء بنك وبورصة للمياه، وقدّمت الدعم الفني والتكنولوجي، من خلال الأنشطة الهندسية للشركات (الإسرائيلية) في مجال بناء السدود المائية، كما قدّمت دراسة تفصيلية إلى زائير ورواندا لبناء ثلاثة سدود، كجزء من برنامج شامل للسيطرة على البحيرات العظمى.
خاتمة:
إن كل هذا ما كان ليحدث لو كان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، ولكن تعاني أمة الإسلام من حكام إما متآمرين ضدها، أو متفرجين على معاناتها، فصدق فيهم حديث النبى صلى الله عليه وسلم أنهم رويبضات. عدمنا الله إياهم، وأبدلَناهم بخليفة راشد على منهاج النبوة، يحمي ويعدل وينشر الخير في العالم.
2016-02-15