كيفية تغيير الواقع والتحول من دار الكفر إلى دار الإسلام
22 ساعة مضت
المقالات
148 زيارة
محمود الليثي – مصر
إنَّ أعظم قضايا الأمة الإسلامية اليوم هي قضية التغيير الجذري للواقع الذي تعيشه، والتحول من دار الكفر إلى دار الإسلام، هذه القضية ليست مجرد قضية فكرية أو نظرية، بل هي قضية مصيرية تمس كيان الأمة وكرامتها وحياتها بأكملها. إنَّ دار الكفر، حيث تسود أحكام الجاهلية ويتحكم الكفار وأعوانهم في شؤون المسلمين، هي نقيض دار الإسلام، التي تقوم على تحكيم الإسلام والعيش في ظله، وتحقق الأمن والأمان والعدل والكرامة.
لذلك، فإنَّ السؤال الأهم الذي يجب أن يشغل الأمة اليوم هو: كيف نغيِّر هذا الواقع؟ وكيف نعيد دار الإسلام، أي دولة الخلافة، التي تجمع شتات المسلمين تحت راية العقاب، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله؟
أولاً: تعريف دار الكفر ودار الإسلام:
بداية نقول إنّ الدّيارَ تنقسم إلى دارين؛ دار إسلام، ودار كفر، حيث ورد ما يؤيد هذا المعنى ما جاء في حديث بُرَيْدة رضي الله عنه أنّ النّبي ﷺ كان إذا أرسل سريّةً أو جيشاً أوصى قائدَها قائلاً: «…ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ…» رواه مسلم، وأيضا قال ﷺ: «لَا يَقْبَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلاً، أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ». رواه النّسائي وابنُ ماجه بإسنادٍ حسن. فدلّت هذه النّصوصُ على وجود دارَين؛ دار إسلام ودار كفر. ودار الإسلام، هي الدار التي يطبق فيها الإسلام، وأمانها بأمان المسلمين. ودار الكفر هي الدار التي لا تطبق فيها أحكام الإسلام أو أمانها بغير أمان الإسلام، ولو كان أغلب أهلها من المسلمين.
قال تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً). فمن مستلزمات تمكين الدين تطبيقه ووجود الأمان للحفاظ عليه، وهما الأمران اللازمان للدار لتكون دار إسلام. هذا بالإضافة إلى الآيات الأُخَر التي جاء فيها وجوب الحكم بما أنزل الله، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ)، وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)، وقال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ). ومن أدلة ذلك أيضاً ما جاء في وثيقة المدينة، فقد ورد فيها: «…وَإِنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ﷺ»، وهذا لا يدع مجالا للشك في أن الحكم في هذه الدار هو للإسلام فقط. وهذا ما فهمه الصحابة الكرام وطبقوه عمليا في الفتوحات الإسلامية، إذ كان بمجرد خضوع البلد وسكانه لحكم الإسلام يصبح جزءاً من دار الإسلام وإن بقي أهله على دينهم. وفي المقابل إذا احتل الكفار بلداً من دار الإسلام، أصبح دار كفر، وإن كان أهله مسلمين. وعندما فتح النبي ﷺ مكة، قال: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ»، لأن مكة أصبحت دار إسلام بعد الفتح، فلم تعد هناك حاجة للهجرة منها، فالهجرة كانت من دار الكفر إلى دار الإسلام.
نقل ابن عابدين في حاشيته قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله “تصير دار الإسلام دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها، وتصير دار الكفر دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها”، بما في قوله من تركيز على “ظهور الأحكام”كمعيار لتحديد طبيعة الدار.
وقال ابن تيمية: “الاعتبار في الديار بظهور الدين فيها، فما غلب عليه أحكام المسلمين فهو دار الإسلام، وما غلب عليه أحكام الكفار فهو دار كفر”، فيربط بين الأحكام الغالبة وطبيعة الدار.
أما الإمام القرطبي فقال: “دار الإسلام هي التي تظهر فيها أحكام المسلمين، ودار الكفر هي التي تظهر فيها أحكام الكفار”.
وقال الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية: “دار الإسلام هي التي تكون تحت سلطان المسلمين، ودار الكفر هي التي تكون تحت سلطان الكفار”، فأضاف هنا السلطان والحكم لمعايير تصنيف الدار.
من الأدلة الشرعية وأقوال العلماء، يتضح أن الأساس في تحديد كون الدار “دار إسلام”أو “دار كفر”يعتمد على:
1- السيادة للشرع: فلا يطبق فيها إلا الإسلام وأحكامه وشريعته.
2- الأمان: يكون السلطان للأمة ويكون أمان المسلمين مستمداً من سلطانهم لا من الكفار.
ومن هذا التعريف يتضح أنَّ الأساس الذي يحدد طبيعة الدار ليس هو عدد المسلمين أو غيرهم فيها، بل النظام الذي يُحكم به. فإذا كانت السيادة للشريعة الإسلامية، كانت الدار دار إسلام، وإذا كانت السيادة لغيرها، كانت دار كفر.
ثانياً: أسباب تحول الأمة إلى دار الكفر وأسباب استمرار ذلك:
لنتأمل أسباب تحول الأمة الإسلامية من دار الإسلام التي كانت تحت ظل الخلافة إلى واقعنا الحالي الممزق والذي يتحكم فيه الكفار وأسباب استمرار ذلك:
1- هدم الخلافة: كان هدم الخلافة العثمانية عام 1924م نقطة التحول الكبرى التي أخرجت الأمة الإسلامية من دار الإسلام إلى دار الكفر. فبعد أن كانت الأمة موحدة تحت خليفة واحد، أصبحت مقسمة إلى كيانات قومية، يحكمها عملاء يعملون لصالح الغرب.
2- الغزو الفكري والثقافي: حيث عمد المستعمرون إلى تغريب الأمة، فزرعوا أفكار القومية والعلمانية والديمقراطية، وغيبوا مفهوم النهضة وخلطوا بين الحضارة والمدنية فجعلوا المسلمين يظنون أنَّ النهضة تكون بالتبعية للغرب والسير في ركابه.
3- التجزئة السياسية: فقد فرض الاستعمار حدوداً مصطنعة قسمت الأمة إلى دويلات ضعيفة، لكل منها دستور وقوانين وضعية، معادية للإسلام.
4- التلاعب بالقيادات: حيث صُنع حكام عملاء يُنفِّذون سياسات الكفار في بلاد المسلمين، ويحاربون كل من يدعو إلى عودة الإسلام إلى الحكم.
5- إضعاف الوعي السياسي: فقد غُيِّبَت الأمة عن قضاياها المصيرية، وجُعلت منشغلة بقضايا جزئية، بعيدة عن التفكير الجاد في تغيير الواقع.
ثالثاً: كيفية تغيير الواقع:
كانت مكة دار كفر حين بعث رسول الله ﷺ، وعمل فيها لتغيير واقعها والعمل على تحويلها لدار إسلام، وظل عاملا لإيجاد تلك الدار ثلاثة عشر عاما، يقوم بأعمال من شأنها أن توجد الدار التي تصلح لأن تكون دار إسلام، فصارع الكفر وأفكاره في مكة وعمل على هدمها وتسفيهها، وفضح رؤوس الكفر فيها، صابرا محتسبا على ما يصيبه من أذى وما يلاقيه من عنت المشركين وبطشهم به وبصحبه الكرام حتى شَكَوْا إليه ﷺ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُالوا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا، ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: «قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
وفي حديثنا عن واقع مكة وما نزل فيها من أحكام خاصة بتلك المرحلة من عمر الدعوة وكيفية سيرها وسير حامليها، فقد كان الأمر بحمل الدعوة صراعا فكريا من الكتلة تفاعلا مع المجتمع لهدم أفكار الكفر فيه وكفاحا للساسة المعاندين والمتغطرسين المتجبرين دون اللجوء للعمل المادي أو الكفاح المسلح من الكتلة التي أوجدها النبي ﷺ لقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ). نقل ابن كثير قول ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعلي بن زنجة قالا: حدثنا علي بن الحسن، عن الحسين بن واقد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي ﷺ بمكة، فقالوا: يا نبي الله، كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة: قال: «إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ». فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال، فكفوا. فأنزل الله هذه الآية. وفي الآية دلالة على أحكام معينة نزلت في مكة كالصلاة والزكاة، من جملة الأحكام التي قد لا يحتاج التزامُها من قبَل الأفراد دولةً تفرضها. وكذا نزلت الآيات تسفه الأصنام وعبادتها، وتعيب وأد البنات، وتحرم تطفيف الكيل والميزان، في بيان لفساد أنظمة المجتمع في مكة ووجوب تغييرها تغييرا صحيحا على أساس منهج الله وكلماته التي أنزلها على عبده ونبيه محمد ﷺ، فقد كانوا يعلمون ما في “لا إله إلا الله”من أوامر ونواه، وأنها ستقيد أعمالهم وستحدد لهم نمط عيشهم. ولأنهم ككل المتكبرين لا يريدون التقيد، حاربوا هذا الدين وعاندوا دعوة النبي ﷺ، وكان لسان حاله ومقاله عندما عرضت عليه العروض وحاول المشركون مساومته واستمالته لينحرف بالدعوة عن مسارها أو يغير ويبدل بعضا مما فيها فكان قوله:«لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ». وكان توجيه الله عز وجل له في هذا السبيل يبين له ما يجب عليه في سبيل حمله للدعوة وما يجب أن يظهره لأهل الشرك وأصحاب الأفكار المخالفة والقوانين والمبادئ المنافسة والمحاربة لما جاء به، فكانت الآيات تنزل تباعا بكل ما يحتاجه النبي ﷺ، (وَكُلّاً نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)، تثبيتاً وبيانا لكونه على الحق وأن الله ناصره لا محالة، وما يجب أن يكون عليه حاله من مفارقة ومفاصلة لأفكار الكفر ومشاعره وتقاليده، تحذيراً من الخضوع لهم والركون إليهم ولو بأقل القليل على حساب الدعوة وأحكامها، فكان قوله تعالى: (وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً)، فاستمر في دعوته صابرا على أمر الله ممتثلا أمره تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا). وأمره الله باستنصار أهل القوة والمنعة ليعينوه على تحويل الدار وإيجاد دار إسلام تطبق فيها أحكامه ويكون أمانها وسلطانها للمسلمين، فطاف النبي ﷺ على أكثر من عشرين بيتا من بيوت العرب يدعوهم إلى الإسلام ويطلب نصرتهم قائلا: «مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي؟». نعم هذه كانت الغاية؛ بلاغ الرسالة التي كلفه الله بها والتي ثبت عليها حتى التمام رغم كل ما لاقى من عنت وإيذاء في هذا السبيل، حتى هيأ الله له ذلك الحي من الأنصار، فآمنوا به ونصروه ونصروا دعوته ﷺ، وكانت بيعة العقبة الثانية التي استوثق فيها النبي منهم ومن استعدادهم لنصرته، فانحاز إليهم بعد أن ضيقت قريش عليه كل السبل، فلم تكن الهجرة فرارا بدينه ولا بدعوته، بل كانت انحيازا إلى من بايعوه على النصرة وعلى أن يكون حاكمهم بالإسلام وأن يطبق عليهم أحكامه وأن يحملوه معه للعالم بالدعوة والجهاد.
ولما هاجر إليهم نبينا ﷺ استقبلوه بسيوفهم متجهزين لكل ردات الفعل، سواء من المشركين أو حتى يهود الذين يساكنونهم المدينة، حتى دخلها وتسلم الحكم فيها من يومه الأول سيدا مطاعا. وخط لهم وثيقة المدينة التي حدد ﷺ بنودها وما فيها كأول دستور في الإسلام، لا يخرج عن عقيدته ولا يتفرع فيه شيء من غيرها، ومرد كل ما فيه إلى الله ورسوله، وحماية المدينة وأمنها لهؤلاء الذين حملوا رسول الله ﷺ إليها وسلموه الحكم فيها، فصارت المدينة بهذا دار إسلام بل أول دار إسلام لأمة محمد.
هكذا غير النبي ﷺ الواقع وتحول به من دار كفر إلى دار إسلام مستقيما على منهج الله. لم يقم في هذا الطريق بما يخالف أوامر الله ولو قيد شعرة. وكل أفعاله في هذا الطريق أفعال بشرية، فلم يكن ليعجز اللهَ عز وجل نصرتُه بالمعجزات الخارقة وبجيش من الملائكة أو أن يؤلف له القلوب مباشرة دون مشقة في الدعوة ولا اجتهاد فيها وفي بذل الوسع في السعي في دروبها، إلا أن تلك الأعمال البشرية التي قام بها ﷺ تدل على أن هذه هي طريقة التحول من دار الكفر إلى دار الإسلام وأنها طريقة نبوية لازمة للأمة من بعده في حال خلو الأرض من دار إسلام كما هو الحال في زماننا.
إنَّ التغيير من دار الكفر إلى دار الإسلام ليس مشروعاً بشرياً خاضعاً للأهواء أو الاجتهادات غير المنضبطة، بل هو عمل شرعي له منهج محدد رسمه الله تعالى ورسوله ﷺ. ويقوم هذا المنهج على ما يلي:
1- وجوب إقامة الخلافة: إقامة الخلافة فرض كفاية على الأمة، إذا أقامه البعض سقط عن الآخرين، وإذا لم تقم، أثمت الأمة جميعها. يقول الرسول ﷺ: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
2- اتباع طريقة الرسول ﷺ: الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية هي اتباع منهج النبي ﷺ في إقامة الدولة في المدينة المنورة. وهي أعمال قام بها ﷺ في مكة إلى أن تسلم الحكم في المدينة وفيها ثلاث مراحل:
-
مرحلة التثقيف والتكتل: أي نشر الفكرة الإسلامية بين الناس وتكوين كتلة تحملها للمجتمع لتثقيفه ودعوته لحملها وتأييد مشروع الإسلام.
– مرحلة التفاعل والصراع الفكري والسياسي: أي مواجهة الأفكار الباطلة لتحطيمها والأنظمة الفاسدة لإسقاطها، ورسم الخط المستقيم بجانب الخطوط العوجاء.
– مرحلة استلام الحكم وإقامة الدولة: أي مرحلة تطبيق الإسلام فعليا من خلال الدولة الإسلامية.
3- نبذ الأساليب المخالفة للشرع: يحرم اعتماد الكتلة حاملة الدعوة العنف أو الطرق التي تناقض الإسلام لتحقيق هذا الهدف. فالرسول ﷺ لم نهي عن توسل القوة المادية خلال المرحلة المكية قبل أخذه البيعة من أهل المدينة.
رابعاً: المنهج العملي للتحول إلى دار الإسلام:
لتطبيق هذا المنهج الشرعي، يجب اتباع خطوات عملية واضحة؛
أولها: عملية التكتل والتثقيف والتوعية الفكرية، فيجب بناء قاعدة صلبة من المسلمين الواعين على الإسلام فكرياً وسياسياً، باستخدام كل الوسائل والأساليب المباحة من دروس ومحاضرات وندوات ومؤتمرات وكتب ونشرات ووسائل الإعلام والتواصل الإلكتروني وغير ذلك من الوسائل التي أباحها الشرع، ولا يجوز أبدا استعمال وسيلة حرمها الشرع ولا اعتبار شيء من مبادئ الغرب وسيلة لتطبيق الإسلام، ففي ذلك عصيان لأمره، وما عند الله لا يُطلب بمعصيته بتاتا، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وثانيها: التفاعل مع الأمة، فيجب نقل الفكرة إلى الأمة من خلال التفاعل ونشر الإسلام والصراع الفكري والكفاح السياسي. ويشمل ذلك:
– كشف عوار الأنظمة الحاكمة.
– مواجهة أفكار الكفر مثل الديمقراطية الرأسمالية وغيرها.
– تبني مصالح الأمة، وأهمها تطبيق الإسلام وتحرير بلاد المسلمين المحتلة، مثل قضية فلسطين، تزامنا مع طلب النصرة، كما طلب النبي ﷺ النصرة من أهل القوة والمنعة، فيجب اليوم طلب النصرة منهم، مثل: الجيوش، والقبائل والعشائر المؤثرة، والقوى السياسية المؤثرة…
وثالثها: إقامة الدولة؛ عندما يهيئ الله للأمة أنصارا كأنصار الأمس ينصرون الدعوة دون قيد ولا شرط. وبعد الحصول على النصرة تُعلن إقامة الخلافة وتطبيق الإسلام كاملا وفورا، والنظر فيما تستطيع الدولة تنفيذه من أعمال تبين قوة شوكتها وقدرتها على ردع أعدائها. ومن أهم تلك الأعمال وأولاها وأولها تحرير الأرض المباركة، لما فيه من واجب على الأمة نحو مقدساتها ونحو أرضها المغتصبة ولفظ لهذا الكيان الخبيث المزروع خنجرا في خاصرة الأمة، ولتعلم الأمة أن من أقاموا الدولة جادون في حمل همّ الأمة وقضاياها فيسارعون في احتضانهم والانضمام إليهم والاصطفاف تحت رايتهم راية العقاب.
خامساً: دور الأمة وشبابها في تحقيق هذا الهدف:
إنَّ مسؤولية التغيير تقع على عاتق كل مسلم، ولكن للشباب دور خاص في هذا المشروع العظيم:
فالشباب هم عماد الأمة وهم الفئة الأكثر حماساً وقدرة على التضحية والعمل. لذلك يجب أن يكونوا في طليعة العاملين لإقامة الخلافة. فيجب على الشباب فهم القضايا السياسية والشرعية المرتبطة بإقامة الدولة الإسلامية، وأن يكونوا قادرين على مخاطبة الأمة بلغة تجمع بين الفكر والشرع. ويجب عليهم كسب ثقة الأمة ودعوتها للعمل معهم لتحقيق هذا الهدف. كما يجب أن يكونوا قدوة في الالتزام بالإسلام في حياتهم اليومية، حتى يكونوا دعاة ناجحين.
إنَّ إقامة دار الإسلام،أي الدولة التي تطبق الإسلام، ليست حلماً بعيد المنال، بل هي وعد الله سبحانه وتعالى، وبشرى رسوله. قال تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)، وقال النبي ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
لذلك، علينا جميعاً أن نعمل بجد وإخلاص لتحقيق هذا الهدف، وأن نضع نُصب أعيننا منهج النبي ﷺ، دون تحريف أو تزييف. وأوصي نفسي وإياكم بما يلي:
1- التمسك بالإسلام عقيدة وأحكاماً.
2- الاستمرار في العمل الجماعي المنظم لإقامة الخلافة، والصبر والثبات على الطريق، مهما كانت الصعوبات.
3- دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة.
4- التوكل على الله سبحانه وتعالى، والثقة بوعده ونصره سبحانه.
نسأل الله أن يوفقنا لإقامة دولة الخلافة الراشدة، وأن يعيد للأمة عزتها وكرامتها، وأن يجعلنا من العاملين المخلصين لتحقيق هذا الهدف العظيم.
(وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
1446-10-28