بسم الله الرحمن الرحيم
نداء إلى أهل القوة والمنعة:
أين أنتم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؟
ريم جعفر إبراهيم (أم منيب)
الخرطوم- السودان
إن حالة الانقسام والتفرق والتشرذم المتمثلة في انقسام الناس على أسس قبلية وعصبية وجَهَوية، وانقسام الوسط السياسي حكومة ومعارضة على أساس المصلحة مصطرِعين على السلطة… هذه الحالة ليست جديدة في بلادنا؛ ولكن دخول العامل الدولي المتمثل في اشتداد الصراع بين قطبي السياسة الدولية (أميركا وأوروبا) على بلاد العالم العربي والإسلامي هو الذي أزّم أوضاعنا، وأدخل البلاد في حالة حادة من الاستقطاب لطرفي الصراع الدولي،؛ فكانت النتيجة تكالب دول الكفر على أمة الإسلام تنهشها وتعتدي عليها في كل مكان، وجمع كل مكرها وكيدها ضد المسلمين وفصل البلاد ووضعها على هاوية تقسيمات جديدة على أسس جَهَوية وقبلية، والكفار المستعمرون يستغلون أبناء المسلمين، في الجيوش، وفي الحكومات، وفي المعارضات… فإخوتنا في الشام ومصر والعراق واليمن وليبيا… وما يحدث لهم من قتل وتدمير يشهده ويشترك فيه العالم أجمع، صامّاً آذانه ومغلقاً عيونه عما يقوم به تحديداً النظام السوري المجرم من تفنن في قتل المسلمين بشتَّى أنواع الأسلحة التي ترسلها روسيا وإيران بمباركة من أميركا، يحدث ذلك كله بشهادة العالم أجمع وكأنه يحدث في كوكب آخر، وما زالت قوى الشر هذه تتآمر على أهل الشام وهم يستغيثون ويطلبون المدد والعون من أهل القوة والنخوة؛ من أبناء الأمة، ومن جيوشها، ولا يطلبونها من أحد غريب، يطلبونها من الذين يملكون السلاح والقدرة على نصرتهم، والذين ينظرون في الصباح والمساء إلى مناظر الأطفال الذين تقطع رؤوسهم وتمزَّق أجسادهم، والنساء اللائي يستغثْنَ (وا إسلاماه، وا معتصِماه)، في مشهد ينطق عن عظيم مآسيهم!. فهل يُعقل، وهل يُقبل يا أهل القوة أن تخذلوا أهاليكم وتصمُّوا آذانكم عن قوله تعالى لكم: ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )؟! وعن جابر وأبي أيوب الأنصاريين رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ» الإمام أحمد. نعم، إن الذي جعلنا لقمة سائغة لهؤلاء الكفار المستعمرين يمكرون بنا مكر الليل والنهار هو خذلان أهل القوة والمنعة لأمتهم.
فيا أهل القوة والمنعة في جيوش الأمة:
إن الأمة عندما تطلب نصرتكم، فإن هذا الطلب هو طلب من الله سبحانه وتعالى ابتداء منكم أنتم أن تنصروا دينه وتقيموا أمره، تماماً كما طلبها الرسول الكريم من أهل القوة والمنعة من الأنصار، واستجاب لها من أكرمهم الله وسمَّاهم بسبب نصرتهم هذه بـ «الأنصار». فالله سبحانه وتعالى أناط بجماعات المسلمين وأحزابها الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية وإعداد شبابها ومسؤوليها للقيام بأعبائها متى قامت، وأناط بالمسلمين أن يكونوا حاضنة للجماعات والأحزاب الإسلامية في دعوتها هذه، وأناط بأهل القوة والمنعة من الأمة النصرة. فالنصرة مطلوبة منكم تحديداً، وأنتم عندما تقاعستم عنها اضطر المسلمون إلى أن يقوموا بما هو مطلوب منكم شرعاً. بل أكثر من ذلك استعملكم الحكام المجرمون، لمصلحة أعدائكم من الغرب الكافر المستعمر لضرب أمتكم بدل نصرتها، وعلى ذلك فإن الوزر عليكم صار مضاعفاً، فالله الله في نصرة دينكم، وأنقذوا أنفسكم من عذابه بسبب خذلانكم لدينكم ولأمتكم، أنقذوا أنفسكم قبل أن تسميكم أمتكم بـ «أهل الخذلان»
إن أهل القوة هم من يملكون القدرة على نصرة الإسلام من الناحية المادية، ونكسب ولاءهم لمشروع الخلافة وتطبيق الإسلام، هم من يقدمونها من موقعهم دون أن يتركوه أو ينشقوا عنه، ولا يتحركون لأخذ الحكم إلا حين تكتمل عناصر القوة الكافية لأخذ الحكم كاملاً غير منقوص، ويمكن من إقامة دولة حقيقية ذات قوة وسلطان ومنعة، تمكّن الإسلام من الداخل، وتضرب كل محاولة لإجهاض الدولة، داخلية كانت أو خارجية. ومتى اكتملت عناصر العمل لإقامة حكم الله من جماعة داعية واعية، ومن أمة حاضنة، ومن نصرة حامية… جاءنا نصر الله مؤزراً لأننا نكون بذلك قد أطعنا أمره وسلكنا طريقة رسوله صلى الله عليه وآله وسلَّم في إقامة الدولة، ونكون قد قمنا بعمل نظيف ليس للغرب ولا للدول العميلة فيه يد، ويكون قد قام بالمخلصين الذين لا يشركون مع الله أحداً في عملهم…
إن الجيوش الحالية، ورغم كل السلبيات التي فيها، تبقى مكوَّنة من أبناء المسلمين في معظمها، وفيهم الضابط التقي الذي لا يعرف دوره، والقوي الذي لا يثق بغيره، وفيهم المخلص الذي يحسبها خطأ فيقول إنه لا يريد أن يخون من كان زميله في الحربية وهو الآن في سدة الحكم…إلى هؤلاء نقول إن الله يجب أن يكون أحبَّ إليكم مما سواه، وأمر الله أعلى من كل أمر، ونذكِّرهم بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) والأمر الطبيعي أن تكون لدينا ثقة بالقدرة على كسب ولاء الكثير من أهل القوة والنصرة لأن هؤلاء من الأمة، وفيهم الذين إذا ذكِّروا بالله يذكرون، وفيهم الذين يتألمون لما يحدث لأمتهم ولكنهم يشعرون أن يدهم قصيرة عن نصرة الدين، أو أنهم وحيدون في مثل هذا التفكير… إننا نؤمن أن تفاعل الأمة مع المشروع الإسلامى وتحركها نحوه ومطالبتها به بقوة تساعد بشكل كبير على كسب ولاء هؤلاء العسكر؛ الذين يتفاعلون مع أمتهم التي لا تملك قوة، ولكنها تملك أن توصل حرارة إيمانها وعزمها على التخلص من هذه الأوضاع الشاذة،
وإننا واثقون أن طريق النبي صلى الله عليه وسلم في طلب النصرة هو الطريق الموصل الى النصر والتمكين، ونؤمن بصدق وعد الله لمن التزم أمره واستقام عليه. وإننا نؤمن أن الفكر الإسلامي الذي نحمله قادر بإذن الله سبحانه على إقناع كل العقول، وكسب كل القلوب التي تبحث عن الحق، وهذا هو الأصل في كل البشر إلا العملاء، فلا نرجو منهم خيراً، ولا ننتظر منهم نصراً، بل نعمل على كسر رقابهم من الحركة الأولى لأي عملية تغيير جذري.
وإننا متأكدون من أن الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم يؤكد بشكل قطعي أن أي تغيير في المعادلة السياسية في بلاد المسلمين لا بد أن يستند إلى القوة وقوة الجيوش بشكل خاص، وأن الرأي العام لوحده مهما كان قوياً لا يمكنه التغيير فلا بد للرأي العام من أنياب ومخالب، وقد ثبت أيضاً أن المجموعات المسلحة غير النظامية ذات التسليح الخفيف غير قادرة وحدها على إقامة حكم إسلامي، بل هي تعجز عن حماية نفسها، وكم هناك من تجارب معروفة هي خير شاهد على ذلك، مثل أفغانستان وباكستان وأوزبكستان والشيشان والصومال والجزائر ومالي ومصر، ولولا أن ما حصل في سوريا كان ثورة شعبية التحق بها أكثر من مائة ألف عسكري، وهبَّ لنصرتها عشرات الآلاف من المقاتلين من كل مكان لما صمدت ثورة المسلمين حتى اليوم. ومع هذا فإن النصر فيها معقود لأهل القوة من الجيوش، والمقاتلين المخلصين الذين يجب أن يكون في مقدمة عملهم أن يكونوا أنصاراً لدين الله في إقامة الخلافة، أي أن يكون هذا في مقدمة عملهم، بل هو الهدف من عملهم.
نحن نؤكد ونصر أكثر من أي وقت مضى، أن طريقتنا في حزب التحرير هى طريق شرعي وعملي موصل للتغيير الشامل الذي يقتلع الكفر من جذوره ويضع الإسلام مكانه؛ متمثلاً في خلافة عدل ورشد تملأ الأرض عدلاً وصلاحاً، بعد أن ملأها الغرب الكافر ظلماً وفساداً، وذلك مصداق قوله تعالى: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ).
وإلى أهل القوة المخلصين نتوجه قائلين: ألا ترون عيون الأطفال في الشام واليمن وغيرها من بلاد المسلمين المحتلة والمضطربة، وهي تنظر إليكم ولسان حالها يقول وا معتصماه! فأين الرجال فيكم؟ أين أمثال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ؟ ألا تسمعون وتبصرون حرائر أعياهن صمتكم؟ ألا ترون المساجد المهدمة التي يشرب فيها جنود الحكام الأبالسة الخمر، ويمزقون كتاب الله، (فلا نامت أعين الجبناء) ، ألستم جزءاً من هذه الأمة التي ثارت على الظلم، فمتى تثورون وتنفضون عن جباهكم غبار الذل؟ فلا تقبلوا التذلل إلا لله. إلى متى تظلون خدماً للكفر، وحراساً لرموزه وأفكاره؟… طويلة هي قائمة التساؤلات، ولكن اللبيب يكفيه القليل. اُكسروا قيد الخوف، فقد كسرته الأمة قبلكم، وانصروا دين الله، وانصروا العاملين لإقامة دولة الخلافة في الشام وفي غيره. انصروا حزب التحرير الذي ما انفك يدعوكم لعز الدنيا وحسن ثواب الآخرة، أنتم أحفاد الصحابة أبي بكر وعمر وخالد وسعد وصلاح الدين ومحمد الفاتح، فكيف تسكتون على الضيم وتغمضون جفونكم عن الظلم، وأنتم تحملون السلاح، ألا تدركون معنى شرف السلاح، فقد آن لكم في تركيا والأردن والعراق… أن تهبوا لنصرة الثورة المؤمنة في الشام، فالسلاح بأيديكم. فلا تكونوا مع الخوالف الذين كره الله انبعاثهم ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ) ولكن كونوا من الذين يحبون أن يستعملهم الله، عن عمرو بن حمق الخزاعي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: مَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: يَهْدِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَى ذَلِكَ» رواه أحمد.
فما أعظم أن يفتح الله لكم في نصرة المسلمين على ظلم المجرمين، وأن تشاركوا الحزب في إعادة دولة الإسلام؛ التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» إن نصرة المسلمين واجب عليكم يا أهل القوة والمنعة فلا تخذلوهم، وكونوا كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله بقوله ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
اللهم اجعلنا ممن يتبعون السابقين الأولين بإحسان.