العدد 453-454 -

السنة التاسعة والثلاثون، شوال-ذو القعدة 1445هـ الموافق أيار-حزيران 2024م

مفهوم الولاية بين المؤمنين والمؤمنات، ومفهوم أَداءِ الدَّوْرِ

ثائر أحمد سلامة

يرتبط مفهوم المسؤولية في الإسلام ارتباطًا وثيقًا بمفهومين آخرين أسس لهما الإسلام تأسيسًا متينًا، ورتب عليهما واجبات أناطها بالمكلفين بناءً على الدور (أو الموقع أو الواجب) الذي يقومون به في الحياة، وبناء على رابطة مهمة تربط المؤمنين بعضهم ببعض وهي رابطة الولاية العامة التي تجعل المؤمنين والمؤمنات كالجسد الواحد، بنية لا تتفكك. وقد رأينا أن الإسلام قد أسس المسؤوليات الخاصة والعامة ورتبها بناء على ما اضطلع به كل مسلم من دور محدد في الحياة، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته؛ لأن الدور الذي يقوم به في الحياة هو دور المسؤولية العامة عن رعاية شؤون الرعية، من مسلمين وذميين، فالحدود والقصاص والتعزير، وعقد المعاهدات، وإقامة السياسة الداخلية لرعاية الشؤون وفق أحكام الإسلام، وفض النزاعات وإرجاع الحقوق إلى أهلها، والسياسة الخارجية لحمل الدعوة الإسلامية والجهاد، وما إلى ذلك كله وضعه تحت مسؤولية الحاكم ومن ينيبه عنه ويشرف عليه إشرافًا دقيقًا للتأكد من حسن القيام بهذه الواجبات، وبالتالي فلديه صلاحيات يستطيع من خلالها أن يقوم بهذه الواجبات، فوضع في يده القوة لتساعده على حماية الدولة الإسلامية، ووضع بيده الشرطة لرعاية حسن تطبيق النظام، وخَوَّلَهُ بصلاحياتٍ تمكنه من فرض المعروف وإزالة المنكرات، وهكذا، فهذه المسؤوليات كلها ترتبت على دوره الذي يقوم به كإمام للمسلمين، فإذا قصَّر الحاكم في حمل المسؤولية المنوطة به، وفرَّط فيها فإن إثمه عظيمٌ جدًّا، فمثلًا، حين تمر الفاجعة تلو الفاجعة بالأمة في ثغورها وبلادها المحتلة، وحين تنتهك أعراض المسلمات العفيفات، وحين ينهب الغرب ثروات الأمة، وما إلى ذلك، فإن سكوت حكام المسلمين عن جرائم أعداء الأمة ما هو إلا مشاركة مباشرة لهم في الإثم والعدوان، فما من مسلم يُقتل إلا كانوا شركاء في قتله، وما من حق يُهدر إلا كانوا شركاء في الجريمة، لأنهم فرَّطوا في تحمل المسؤولية، إلا أن يحاولوا جهدهم ويستفرغوا طاقتهم بصورة يُعذرون فيها أمام الله، أما وهم لم يفعلوا، فَهُم وأعداءُ الإسلام سواءٌ في الإثمِ سواءٌ في العقوبةِ، والعلم عند الله تعالى. ومما يدل على ذلك جملة من الأحاديث والآيات سقناها حين تحدثنا عن مفهوم المسؤولية آنفًا.

وللجيش دورٌ يتحمَّلُ معه مسؤولياتٍ معينة فوق ما يتحمله عامة الناس، فعليهم حماية الثغور، ونشر الدعوة بالجهاد، وجهاد الدفع واسترداد ما اغتصب من أرض الإسلام، والدفاع عن المسلمين ومناصرتهم، لذلك فإنهم إن قصروا في أداء هذا الدور، فإن الوزر الذي يلحق بهم هو وزر عظيمٌ، وقعودهم عن النُّصرة مشاركةٌ في العدوان على المسلمين، وقعودهم عن نصرة دعوة الإسلام لتقيم الدولة الإسلامية مشاركةٌ في إطالة عمر الباطل وحكم الطاغوت، فيقع عليهم وزر كلّ حقٍ يضيع، وكل قضية يحكم فيها بغير ما أنزل الله، وكل عرض ينتهك، وكل ما يسرق أو ينهبه أعداء الله من ثروات الأمة.

وللعلماء دورٌ خطيرٌ جدًا، يجدر أن نتوقَّف أمامَهُ ونحذِّر معه علماءَ الأمةِ قاطبةً تحذيرًا بالغ الخطورة، فإن الله تعالى أخبرنا أن العالم يُصبحُ ربّانيًّا بما يتعلم من كتاب الله تعالى، وبما يُعلمه للناس، قال تعالى: (وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ) [آل عمران 79]، وهي رتبة شرفٍ وطريق من طرق الجنة، لكن قد تكون عالـمًا ربَّانيًا ويشتد سخط الرّبّ سبحانه وتعالى عليك، ويتوعدك بأشد الوعيد! وذلك لأن الدّورَ والمهمةَ التي أنيطت بك كعالم، من أخطر المهمات وأهم الواجبات، فإنك يجب أن تكون قائدًا للمجتمع، توجهه التوجيه الصحيح، وترشده إلى المهام العظام التي يجب عليه القيام بها، ومن واجباتك العظيمة أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ ولذلك فإن فضل العالم على العابد كما حدَّده الحديث المروي في صحيح أبي داود، قال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياءَ لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثوا العلمَ فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافِرٍ» واستغفار الحيتان للعالم، واستغفار من في السماوات والأرض للعالم، ليس لبياض أسنان العلماء، ولا لما حوته أدمغتهم من العلوم، ولكن لمواقفهم الربانية، فهم ربانيُّون؛ لكن قد يشتد في المقابل سخط الرحمن عليهم، ويعتمد ذلك على موقف العالم الربّانيّ من قضيتين بالغتي الخطورة:

أولًا: موقف العالم من الحكام إذ يأكلون أموال الأمة بالباطل، ويأخذون الرّشوة من أعداء الأمَّة، فيُمكِّنون الأعداءَ من ثروات الأمّة ومن أبنائها وبناتها، ومقدّراتها، ويجعلون للكافرين على المؤمنين سبيلًا، مع حرمة ذلك المغلظة. وأيضًا، يأكل أعداءُ الأمّةِ أموالَ الأمةِ وثرواتها بالباطلِ، والأخطر منه: أن يكون ثمن الرشوة هو الحكم بغير ما أنزل الله! فإذا وقفت لهم أسدًا هصورًا، ونهيتهم عن أكلهم السحت، وحرَّضت عليهم العامة والخاصة وخوَّفتهم بهم، وكنت لهم قائدًا، كنت عالـمًا ربانيًا، تستحق أن تستغفر لك الحيتان في البحر، ومن في السماوات والأرض.

ثانيًا: موقفك من قول الحكام الإثم، وما أظن كلمة تخرج من فم حاكمٍ من حكام اليوم إلا كانت إثمًا أنّى قلَّبتها أو تفكَّرت فيها! إذن، فلا يكفيك أن تتعلمَ القرآنَ وأن تُعلِّمه للناس حتى تكون ناجيًا من وعيد الله تعالى، إذ توعَّدَ العلماءَ الربانيينَ بوعيدٍ قاسٍ، شديدِ اللهجةِ وحَذَّرهُم بآيةٍ عظيمةٍ قال عنها علماء المسلمين «ما في القرآن آية أشد توبيخًا للعلماء من هذه الآية، ولا أخوف عليهم منها”، تخيَّل أن الله تعالى وصفهم في هذه الآية بالربانيِّين، ومع ذلك وبَّخهم وتوعَّدهم! يا لطيف! (لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ٦٣) [المائدة 63]. لبئس صنيعكم أيها العلماء بأنكم لم تنهوا الحكام عن أكلهم السحت، وقولهم الاثم، وهو وعيدٌ شديد اللهجة من رب العالمين سبحانه وتعالى ينتظركم، وقد نزلت هذه الآية في أحبار وربَّانيي علماء بني إسرائيل الذين كانوا يشاهدون حال حكامهم وقضاتهم يرشيهم المتخاصمون كي يحكموا بغير ما أنزل الله، ولم ينههم العلماء الأحبار الربانيُّون عن ذلك الفعل القبيح الذي يعطل شريعة الله من أن تحكم بين الناس بالعدل، ومعنى أكلهم السحت (أي الرشوة على حكمهم بغير ما أنزل الله) وهو تمامًا الثمن الذي يقبضه حكام المسلمين اليوم للبقاء على كراسي الحكم ولإبقاء ثروات الأمة منهوبة لأعدائها، وثمن فتح ممرات تمويل كيان يهود بما يحتاجون من غذاءٍ ومعداتٍ تقطع بلاد المسلمين من شرقها إلى غربها في وسط عدوان اليهود على أهل غزة، ويمكِّنهم حكامُ المسلمين من ذلك دون أن ينهاهم الربانيون من علماء المسلمين عن ذلك الفعلِ القبيح، فيتوعد الله من يفعل ذلك الفعلَ القبيحَ من العلماء بأشد أنواع التحذير، وما ذلك إلا لأن ما يترتب على موقفكم أيها العلماء هو تضليل أمَّة كاملة وتخديرها وتدجينها للحكام ولأعداء الأمة، فبئس صنيع من يصنع ذلك منكم، وأبشر الحكام جميعًا، ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلالِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ» وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ جَسَدٌ غُذِّيَ بِحَرَامٍ»، وعنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»، وَفِي رِوَايَةِ الْمُؤَذِّنِ: «أَيُّمَا لَحْمٍ مِنْ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»، أبشركم بهذه الأجسام التي ربيتموها بأكل السحت، من سرقة المال العام، ومن ثمن كراسيكم التي تعطيكم إياها أمريكا مساعدات وغيرها، ومن نَهْبِ ثروات الأمة بالباطل، وكل ذلك أكلٌ للسحت، وأجسام تنبت من أكل الحرام، أبشركم بأن النار أولى بها، لا خفف الله عليكم من عذابها أنتم ومن أعانكم على باطلكم. وقولهم الإثم، كما أن وعيد الله على إثم أكل السحت وقول الإثم وهما أقل درجة في الإثم والعدوان من إثم عدم الحكم بما أنزل الله، -وإن كان المقصود في الآية السّحت ثمنًا على عدم الحكم بما أنزل الله، إلا إن فعل عدم الحكم هو أفظع من فعل أكل السحت- فإن كان التحذير بما هو أدنى درجةً في الخطيئة بهذه الشدة، فإن عقوبة السكوت عن الأخطر أشد، (لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ)، وهذا قسَم من الله أقسم به، يقول تعالى ذكره: أقسم: لبئس الصنيع كان يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار، في تركهم نهي الذين يسارعون منهم في الإثم والعدوان وأكل السحت، عما كانوا يفعلون من ذلك؛ من هنا يتضح أن ما يترتب على الدور والمهمة الخطيرة التي يضطلع بها العلماء شديد الخطورة، فإذا سكتوا عن الباطل واشرأب واستفحل واستأسد، فإنهم شركاء في الاثم!

وأما دور ومهمة العامة من الناس في قضايا المسلمين الخطيرة، كقضية الحكم بغير ما أنزل الله، وقضية الاعتداء على بلاد المسلمين وأبنائهم ومقدساتهم ونسائهم وأطفالهم، وهدم بيوتهم، واحتلال أرضهم، فإن فهمهم للواجب المنوط بهم كفيلٌ بأن يقوموا بالدور الخطير الذي يستطيعونه باجتماعهم، ولا يقدرون عليه فرادى، وليست تلك المهمة هي أن يتضرعوا إلى العلي القدير في صلواتهم وقيامهم بأن ينصرهم دون أن يقوموا بشروط النصر وهو أن ينصروا الله أولًا، ولا أن يقعدوا عن نصرة إخوانهم يكتفون بجمع المال لهم، بل إنهم يستطيعون باجتماعهم أن ينزلوا معًا جماعاتٍ إلى أواسط مدنهم وحواضرهم، ويعطلوا مصالح الدولة جميعًا وتجارتها، ومصانعها، ويقومون بالعصيان المدني الشامل التام، ليشلوا الحياة شللًا تامًّا في بلادهم، ويبالغوا في إصرارهم على تحقيق مطالبهم، حتى يُسقطوا الحكام، أو حتى يحرّكوا الجيوش، وحتى يمنعوا قوافل المعونة التي تمر من بلادهم لصالح أعدائهم، وما شابه من قضايا، فلو فهم المسلمون حقيقة الدور والمهمة المنوطة بهم، وعجَّلوا بالاضطلاع بهذه المهمة العظيمة لتغير حالهم في أيام قلائل؛ لكن العلماء إذ لو يقدموا لهم فهمًا دقيقًا لحقيقة التكاليف المنوطة بهم، ولم يتقدموا ركبهم في نزولهم إلى الشوارع والمدن ليبادروا بوقفة أمة كاملة تقف وراء مطالبها، وتطلب إعلان الجهاد، وتطلب تحكيم شرع الله. وبدلًا من ذلك خاطبهم العلماء بأن غاية ما تستطيعون هو الدعاء والتضرع إلى الله، وتقديم الأموال معونة، وإنكار المنكر بقلوبهم، فإن العلماء في هذه الحالة يقدمون للأمة مخدرات محرمة تصرفهم عن تحقيق مسؤولياتهم المنوطة بهم واقعًا حيًا يغير أحوالهم، إذ إن الدعاء والتضرع إلى الله يأتي بعد أن تقوم الأمة بدورها، والجيوش بدورها، والحكام بدورهم، والعلماء بدورهم، فالعلماء إذن شركاء في الإثم ما لم يقوموا بواجباتهم.

وأما مفهوم الولاية بين المؤمنين والمؤمنات، فهو يضاد مفهوم تفرق الأمة أوطانًا وقوميات، تشظَّت معها الأمة شظايا، لم يعد أهل مصر، أو أهل الأردن، أو أهل باكستان يرون في مصاب أهل كوسوفو أو أهل فلسطين أو أهل الشام أو أهل بورما مصابًا لهم، وأصبحت شعاراتهم الجوفاء: الأردن أولًا، ومصر للمصريين، وهكذا تفرقوا شذر مذر، مع أن القرآن الكريم يجعلهم مسؤولين بعضهم عن بعض، قال تعالى: (وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ١٠٣) [آل عمران 103]، وقال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥوَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ ٥٥ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ٥٦) [المائدة 55-56]، وروى البخاري (13)، ومسلم (45)، والنسائي (5017) – واللفظ له – عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ »، وروى الطبراني من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل».

 والولاية العامة بين المؤمنين والمؤمنات حددتها آية التوبة، (وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ٧١) [التوبة 71]، ومن هذه الآية نجد أن الشارع الحكيم قد بين أدوارًا مختلفة تضطلع بها المؤمنة، جنبًا إلى جنب مع دورها كربة بيت، وكزوجة، وكأخت، وكأم، وكمؤمنة في الحياة العامة، وهو دورها في الولاية العامة بين المؤمنين والمؤمنات، ومن أركان هذه الولاية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

 والموالاة معناها يتضمن النصرة، والمعونة، والنصح والمحبة والمؤازرة، والعون، وتحمّل المسؤوليات تجاههم، فلا يستطيع مسلمٌ بعدها أن يتنصل من القيام بواجبه تجاه قضايا المسلمين، ويظن بعدها أنه يقتصر بواجبه تجاه نفسه وأهل بيته، بل لا بد أن يتعدَّى بالواجب إلى المؤمنين والمؤمنات ولقضايا الأمة ليقوم بدوره فيها ويؤدي المسؤوليات المنوطة به تجاههم، فإذا ما احتاج ذلك إلى اجتماع المسلمين وتحزبهم حتى يستطيعوا القيام بتلك الواجبات، وجب ذلك عليهم؛ إذ إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لذلك فإن ارتباط مفهوم الولاء بين المؤمنين والمؤمنات، بمفهوم الوظيفة والواجب والدور والمهمة المنوطة بكل منهم في موقعه وفق قدراته، -مع التشديد على تغير مفهوم القدرة حين يجتمع المسلمون على أمر مقابل قدراتهم فرادى، وأن اجتماعهم في هذه الأحوال يكون واجبًا وتنتفي معه مسألة العجز وعدم القدرة-، ومرتبط بمفهوم المسؤوليات والمحاسبة ارتباطا وثيقًا! والله تعالى أعلى وأعلم.

قال الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: «إذا كان الإيمان هو جذر الولاية بين المؤمنين فالبرهان التعبدي عليه هو إقامة الصلاة مع الجماعة في المسجد، «إذا رأيتم الرجلَ يعتادُ المساجدَ فاشهدوا له بالإيمانِ»، حديث نبوي شريف رواه الترمذي وحسنه، والبرهان العملي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر، وتنسيق الجهود من أجل إقامة الحق محل الباطل، ودولة الإسلام مكان دولة الفتنة، ومواجهة مكر الشيطان وأتباعه بمكر الله وأوليائه».[1]

[1] الولاية بين المؤمنين، مجيد فولوح،

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *