انهيار أوهام التفوق العسكري التنظيمات المسلحة في العالم الإسلامي توصل الغرب لطريق مسدود
2024/05/20م
المقالات
1,202 زيارة
عصام الشيخ غانم
تحدَّث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أثناء حرب غزة الأخيرة عن هزيمة كيان يهود الاستراتيجية رغم الانتصارات التكتيكية، وتحدثت وزيرة الخارجية اليهودية تسيبي ليفني أثناء حرب لبنان 2006م عن أن الإيمان والعقيدة لدى الخصم تفقدنا التفوق التكنولوجي، ونجح الثوار أثناء الثورة السورية في تحييد مطارات وطائرات بمليارات الدولارات عن طريق حصار المطارات بأسلحة خفيفة، وكادت المقاومة في العراق بعد حرب 2003م وهي لا تملك إلا خفيف السلاح، أن تهزم أمريكا صاحبة أكبر قوة عسكرية حول العالم، وفي أفغانستان انسحب الجيش الأمريكي وحلفاؤه الغربيون بشكل مذلٍّ بعدما عجزوا عن تحقيق نصر عسكري خلال 20 عامًا أمام حوالى 50 ألفًا فقط من مقاتلي طالبان.
فما معنى كل ذلك؟ وهل يفرض جهاد المسلمين مفاهيم جديدة في الحروب وفي طبيعة القوة العسكرية؟
وحتى تكون الأمور في نصابها الصحيح نقول بأن مدنًا مثل لينينغراد (بطرسبورغ) وموسكو قد صمدت لسنوات أمام الجيوش الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وكذلك مُنيت أمريكا بما يشبه الهزيمة من ثوار فيتنام مطلع سبعينات القرن العشرين، وهناك أمثلة أخرى في القديم والحديث كالحرب في أوكرانيا وعجز الجيش الروسي بوصفه قوةً عظمى عن تحقيق نتائج ذات قيمة، والسؤال الكبير هو: ما الذي يتحكَّم في ميدان المعركة وله أثر كبير على الحروب؟ وهل يشكل المسلمون في هذا الجانب شامة بين الأمم؟
يقول أحد كتَّاب اليهود بأن نظرية التفوق العسكري (الإسرائيلي) قد انهارت تمامًا أمام هجوم القسَّام في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م، وأفلست بذلك كل مفاهيم القوة التي روَّج لها قادة اليهود عبر عقود! وهذا صحيح، بل إن الغرب يقر بأن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023م يستحقُّ بجدارة أن يدرس في الكليات العسكرية.
في الحروب، وكما تجري العادة، فإن الجيش الأقوى يهاجم الجيش الأضعف فيحقق مكاسب ميدانية تفرض نفسها في المفاوضات وتسويات ما بعد الحرب، أي أن الدولة الأقوى تنتصر عسكريًا وسياسيًا. وبالتدقيق نجد أن اعتراف الخصم بالهزيمة والخسارة هي ما يجعل الطرف الأقوى ينتصر ويحقق مكاسبه السياسية، أي الاستسلام، وإن كان للاستسلام درجات متفاوتة؛ لكن إذا رفض الخصم الاعتراف بالهزيمة ولم يستسلم واستمر في الصمود والمقاومة فإن هجوم الطرف الأقوى يبدأ أولًا بفقدان الزخم، والزخم يعني قوة الاندفاع، وقوة الاندفاع المقصودة هنا هي قوة بشرية وليست بقوة المعدات، وعندما تنهار قوة اندفاع الطرف الأقوى فإن قوة السلاح تتحيَّد شيئًا فشيئًا، أي تفقد تأثيرها على الخصم، ولا يحقق الطرف الأقوى النصر.
والمسلمون وعبر تجارب عملية كثيرة في عدة بلدان يمتلكون طاقة هائلة في تحمل الخسائر، وهذا نابع من نظرة عقائدية وإيمان بالقضاء والقدر، ويملكون مخزونًا هائلًا من الصبر على كل النواقص في الثمرات وفي السلاح، وهذا أيضًا مردوده العقيدة الإسلامية، هذا فضلًا عن الإيمان بالأجل والذي يجعل المقاتلين يقتحمون الصعاب لإيمانهم بأن الموت يأتي بعد انتهاء الأنفاس، وفضلًا عن كون القتل في المعركة هو انتقال لحياة الآخرة وما فيها من جنة عرضها السماوات والأرض. وكل هذه المفاهيم العقائدية متوفرة لدى المسلمين وغير متوفرة لدى خصومهم الذين يتفوقون في الوقت الحالي على المسلمين في قوة السلاح.
لذلك كان من الدقيق أن نقول بأن حروب التنظيمات الإسلامية ضد العدو الغربي الكافر قد أخذت تقلب المفاهيم العسكرية لدى الغرب، وتوجد رعبًا من قتال المسلمين وذهولًا من صبرهم وصمودهم وحبهم للموت في سبيل الله، هذا ما تقوم به تنظيمات لها طاقة محدودة في حشد المسلمين ضد الكفار، فكيف عندما تحكم الأمة الإسلامية دولة وتجند كل طاقاتها لقتال الكفار، ولعل فهم قادة الدول الكافرة الكبرى لمآلات ذلك هو ما يدفع هذه الدول لحرب الإسلام حربًا لا هوادة فيها، فتحارب الجهاد تحت عناوين الإرهاب، وتحارب أحكام المرأة لتشكيك المسلمين في دينهم، بل وأخذت تحارب تجارة الحلال في أوروبا ما يشير إلى شدة حنق الغرب فيما يجده من المسلمين.
إن أعظم قوة يمكن لأي أمة أن تتسلح بها وترتفع هي قوة الحق، فالحق يبني شخصية الأمة على هيئة رفيعة من المصداقية فيعلو شأنها، والباطل ومنه الكذب والدجل والخداع يضرب شخصية الأمة ويثير الشكوك في سياساتها ويحط من قدرها، وتعزز قوة الحق السمات الحميدة في الأمة مثل المصداقية ونصرة المظلوم بينما الباطل يوجد في الأمة سمات الكذب والكيل بمكيالين. وعندما يكون صاحب الباطل قويًّا بسلاحه فإن هذا التناقض يعزز فيه الغطرسة، وهذا ما نراه اليوم في أمم الكفر الغربية، فأمريكا وأوروبا تكذب على العالم وتكذب على شعوبها، وهذه سمات يمقتها الناس حتى شعوبهم، وهذه الدول وبسبب قوتها العسكرية وما تحمله من باطل تظهر الغطرسة وتظهر الكيل بمكيالين، وهذه مزايا خطيرة للغاية على الدولة ومستقبل أية أمة، فالكذب وفقدان المصداقية يثير الشكوك ويفسخ التحالفات ويجعل القائمين على تنفيذ السياسات في الدولة ضعفاء، فيورث ذلك الضعف للدولة والأمة رغم عناصر قوتها، والغطرسة تزرع بذور العداء من حيث لا يحتسبون.
وهذا ما نراه اليوم من حال أمريكا وحال كيان يهود، فأمريكا ترمي الحوثيين بسهام قائمة الإرهاب وتعلن بأنها سترفعهم عنها عند وقف هجماتهم على السفن، وهذا معيب في السياسة الدولية، وكيان يهود يرمي أي مخالف له بمعاداة السامية، فهي له خط الدفاع الأخير لينفذ ما يريد، وتنظر الشعوب الغربية إلى ما يحصل في حرب غزة ومواقف حكوماتها فتتحول تلك المواقف الغربية المقيتة إلى مقبرة للقيم الغربية، ويخطئ من يظن بأن هذا غير مهم، بل هذا ما يورث ضعف الأمم ووهنها رغم عناصر قوتها البارزة، ثم سهولة سقوطها وسقوط حضارتها، وكأنها لا تجد من يدافع عنها حين سقوطها.
فالأمة الإسلامية وسياسيوها الصادقون لا يكذبون لأن الإسلام يحرم ذلك، وهذا يبني لهم مصداقية، وهذا لا نرى شيئًا منه اليوم، فاليهود ينتظرون خطابات قادة المقاومة، ويرون فيها أخبارًا صادقة ولا يصدقون ما يقوله لهم ساستهم. وهذه المصداقية تنفع المسلمين وتبني لهم شخصية مميزة، وغطرسة القوة غير موجودة عند المسلمين بسبب أحكام الشرع، فالعفو عند المقدرة هو من شيم المسلمين، وهذا ما نراه ويراه الكفار في معاملة التنظيمات الإسلامية المسلحة للأسرى، وعند قوتهم فإن المسلمين ينصرون المظلوم حتى لو لم يكن مسلمًا. وأما الكفار فمواقفهم خزي وعار، فوزيرة داخلية بريطانيا سمّت مسيرات التضامن في بريطانيا مع غزة «مسيرات كراهية»، رغم أن غزة تنحر من الوريد إلى الوريد، وألمانيا فرضت عقوبات على شخصيات في المقاومة رغم شدة إجرام اليهود، ورئيس فرنسا عرض على نتنياهو إنشاء تحالف دولي ضد حماس، وهي بضعة آلاف مقاتل، ناهيك عن أمريكا التي أظهر رئيسها عند زيارته لتل أبيب كذبًا من العيار «المعمداني» عندما أعلن تصديقه لرواية يهود حول قصف المشفى.
وفي المعركة رأينا جيش يهود المدجَّج بأعتى الأسلحة وقد جمع ما يزيد عن ثلاثمائمة ألف جندي للقاء ثلاثين ألف مقاتل لا يحملون إلا خفيف السلاح، ورأينا جبنه وقد هرب بعض جنوده بسبب قلة التغطية الجوية مع أنه لم يحصل في تاريخ الحروب تغطية جوية كثيفة كما يحصل في غزة، ولو كان عدد المقاتلين المسلمين ثلاثمائة ألف، فمن أين للكفار بثلاثة ملايين جندي يقاتلون هؤلاء المسلمين؟ ولو كان مقاتلو المسلمين ثلاثة ملايين، فمن أين للكفار بثلاثين مليون جندي يقاتلونهم؟ ولو كانت مساحة أرض المعركة بدلًا من مساحة غزة فلسطين كلها فمن أين للكفار بسبعين ألف طائرة حربية لتغطيتها كما غطى اليهود حرب غزة؟ فما بالكم بأرض الشام كلها أو بمساحات أكبر من ذلك! وما بالكم لو كان للمسلمين سلاح أفضل يصنعونه أو بعضه بأيديهم؟.
هذه هي الأسئلة الاستراتيجية التي تجعل الكفار يعضُّون بالنواجذ على حكام الخيانة ليبقوا على الأمة الإسلامية في وضع غير قابلة فيه للتحرك الفعَّال، فهي في سجن وإذا انفك القيد وقد كاد خلال الربيع العربي فإن كيان يهود وعالم الغرب سيصبح في خبر كان. هذا هو الواقع، فتنظيمات إسلامية مسلحة صغيرة العدد والعدة قد أفشلت حقًّا تفوق الدول الكبرى العسكري، وهذه حقيقة سياسية فرضتها حروب مقاومة المسلمين في العراق وأفغانستان وسوريا وفلسطين فرضًا على العقليات العسكرية الغربية بعد أن كانوا يقرؤونها في دروس التاريخ، وأصبحت جزءًا من واقع القتال اليوم، فاليهود يعلنون بأن عصر الانتصارات السهلة قد انتهى.
وفي ذلك بشارة عظيمة للمسلمين بأن عدوهم أمريكا وأوروبا ومعهم كيان يهود يملؤهم الرعب من قوة المسلمين الكامنة في عقيدتهم وأحكام دينهم، وإن أعظم ما لدى المسلمين من عناصر القوة هو الإسلام حتى لو لم يكن لديهم عناصر قوة أخرى، كالقوة البشرية الجبارة القائمة اليوم فعلًا عند المسلمين، وموقعهم المميز في العالم، وتحكمهم بالمضائق الاستراتيجية، وكون بلادهم مخزنًا للنفط والغاز والمعادن… وبهذا كله فإن الأمة الإسلامية هي أعظم أمم الأرض على الإطلاق، وعندما ينطفئ هؤلاء الحكام ويشعل حكام مخلصون الإسلام في الأمة فإن شمس الإسلام ستنير الدنيا بأكملها فلا تظهر معها تلك الشموع الزائفة لأمم السفلس والتي ستنكفئ على نفسها تعالج أمراضها، ثم يكتسحها الإسلام وينهي عصرًا من الحضارات الخبيثة، وإذا كان البعض يراه بعيدًا فإنا نراه قائمًا قريبًا بإذن الله.
2024-05-20