العدد 453-454 -

السنة التاسعة والثلاثون، شوال-ذو القعدة 1445هـ الموافق أيار-حزيران 2024م

اللاسامية وعلاقتها بقضية فلسطين (1)

يوسف الساريسي-الأرض المباركة فلسطين

مقدمة:

منعت عدة دول أوروبية منها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا أية مظاهرات تأييد لأهل غزة أو احتفاء بــــــــ «طوفان الأقصى» بعد ما حدث في 7 تشرين أول 2023م. فقد حظرت شرطة العاصمة الألمانية برلين في 11/10 خروج مظاهرات داعمة لفلسطين. وأعلنت وزيرة الداخلية الألمانية في 15/10 تأييدها لطرد داعمي حماس من ألمانيا. وقال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم: «إننا حاليًّا بصدد إصلاح قانون الجنسية: التجنيس هو التزام تجاه بلدنا: من لا يشاركنا قيمنا، من يدعم معاداة السامية والإرهاب، سيتم حرمانه من جواز السفر الألماني».

وكذلك أصدرت الداخلية البريطانية في 10/10 بيانًا صرَّحت فيه أنه «لا يمكن أن يكون هناك أي تسامح مع معاداة السامية»، وتابعت: «من المؤسف أننا شهدنا في السنوات الأخيرة كيف يتم استخدام أحداث في الشرق الأوسط كذريعة لإثارة الكراهية ضد المجتمعات اليهودية البريطانية». وقرَّرت بريطانيا حظر حزب التحرير في 19/01/2024م لسببين، وهما دعمه لأحداث 7/10 التي قامت بها حماس ولعدائه للسامية.

وفي 12/10 قرر وزير الداخلية الفرنسي حظر «المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وصرح لوسائل إعلام فرنسية أنه تم تسجيل أكثر من 100 «عمل معاد للسامية» في فرنسا منذ الهجوم الذي شنته حماس على «إسرائيل» السبت. وفي 9/10 علّق الاتحاد الأوروبي مساعداته التنموية للفلسطينيين وقرر إعادة تقييم جميع برامجه الحالية وتأجيل ميزانيات مشاريع عام 2023م كافة حتى إشعار آخر، كما علّقت ألمانيا والنمسا مساعداتهما لفلسطين، وسط استمرار العدوان (الإسرائيلي) على غزة.

واتهم كيان يهود محكمة العدل الدولية باللاسامية بعد مرافعة جنوب أفريقيا أمام هذه المحكمة في 11/01/2024م؛ حيث اتُهم الكيان بأعمال الإبادة الجماعية لأهل غزة.

إذًا، يلاحظ بشكل متكرر وواسع -مع حرب يهود على غزة استخدام الكيان والدول الأوروبية شمَّاعة معاداة السامية لدعم الكيان ولمنع أية مظاهر مؤيدة لأهل غزة، فما هي هذه اللاسامية؟ ولماذا ترفعها هذه الدول وتلوِّح بها في وجه من ينتقد الكيان؟.

تاريخ اليهود في فلسطين

هاجر سيدنا إبراهيم عليه السلام من العراق إلى الأرض المباركة، وكان يسكن فلسطين آنذاك الكنعانيون والعمالقة والأموريون وغيرهم، وكان من نسل سيدنا إبراهيم يعقوب عليهما السلام، ومن هنا نشأ بنو إسرائيل والأسباط الاثني عشر أو اليهود، وقد هاجر بنو إسرائيل إلى مصر بدعوة من نبي الله يوسف عليه السلام كما ورد في القرآن الكريم.

وقد مكث بنو إسرائيل في مصر حوالي 430 سنة حسب مؤرخيهم، ثم خرج بهم سيدنا موسى عليه السلام من مصر باتجاه بيت المقدس بعد إغراق فرعون وجنوده. ولما تخلَّفوا عن القتال مع سيدنا موسى حرَّم الله عليهم الأرض المقدسة أربعين سنة، وتاهوا في الأرض، إلى أن دخلوها مع يوشع بن نون حوالى سنة 1450 قبل الميلاد.

وقد عاشت القبائل اليهودية وفق تنظيم قبلي حيث لم تكن لهم دولة موحدة، بجانب سكان فلسطين، وكانوا يحتكمون إلى قضاة وقادة دينيين. ثم تم توحيد القبائل اليهودية تحت سلطة مركزية واحدة على يد سيدنا داود عليه السلام حوالى منتصف القرن العاشر قبل الميلاد، ثم حكم بعده ابنه الملك سليمان عليه السلام، وكانت عاصمة هذه المملكة اليهودية في البداية مدينة الخليل، ثم انتقلت إلى القدس عندما بنى سليمان عليه السلام الهيكل الأول.

وبعد وفاة سليمان عليه السلام انقسمت المملكة إلى: مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها نابلس ومملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها القدس. واستمرت المملكة اليهودية لعدة قرون قبل أن تتأثر بالصراعات الداخلية والهجمات الخارجية؛ ما أدى في النهاية إلى سقوطها في أيدي الآشوريين والبابليين.

وقام اليهود بثورة ضد الفرس سنة 590 ق. م.، فغزا الملك نبوخذ نصر مملكة يهوذا في عام 586 ق. م، فاحتل القدس ودمر الهيكل الثاني. تم أسر الكثير من سكان المدينة، وتم نقلهم إلى بابل، وتسمى بفترة السبي البابلي، وبعد مرور حوالى خمسة عقود، سمح الملك الفارسي كورش لبعض اليهود بالعودة إلى أرض بيت المقدس حوالى سنة 516 ق. م.

واستمر وجود اليهود في فلسطين تحت حكم الفرس حتى فترة الإسكندر المقدوني سنة 332 ق. م. وأصبحت جزءًا من الإمبراطورية الأغريقية، وخلال الحكم السلوقي كانت هناك محاولات لفرض ثقافتهم؛ ما أدى إلى اندلاع تمردات يهودية. ثم انتهى الحكم السلوقي في عام 63 ق. م، عندما غزا الجنرال الروماني بومبي فلسطين ودخل القدس. ثم أعطى الرومان إدارة فلسطين للملك هيرودس الكبير وهو مسؤول روماني يهودي. وقد بنى هيرودس هيكلًا جديدًا في القدس (الهيكل الثاني).

وعاش اليهود أثناء هذه الفترة في بيت المقدس حتى بعثة سيدنا عيسى عليه السلام، وقد حاولوا صلبه فرفعه الله إليه، ثم في الفترة بين العامين 66 و73 ميلادية، نشبت الثورة اليهودية الأولى ضد الحكم الروماني، وكانت ذروتها بحصار مدينة (مسعدة) ودمَّر الرومان الهيكل الثاني في القدس عام 70 ميلادية، وبعد هزيمة الثورة فرض الرومان حكمًا صارمًا على اليهود؛ ما أدى إلى تفكك المجتمع اليهودي وحدوث الشتات اليهودي في مختلف أنحاء الإمبراطورية الرومانية وخارجها.

وتركز وجود اليهود في الشتات في أشكناز أي ألمانيا وفي سفردون أي إسبانيا، فاليهود الأشكناز هم الجالية اليهودية التي انتشرت في ألمانيا وبولندا وروسيا ودول أوروبا الشرقية وهؤلاء كانوا يستخدمون لغة اليديش، واليهود السفراديم هم الجالية اليهودية التي انتشرت في إسبانيا والبرتغال وشمال أفريقيا. وبقي اليهود الأشكناز في أوروبا إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى ثم بدأت الهجرة إلى فلسطين بعد الاحتلال البريطاني وهدم الخلافة العثمانية، فيما هرب اليهود السفراديم إلى المغرب وتركيا بعد سقوط الأندلس سنة 1492م.

هل يهود أوروبا ساميُّون؟

يهود الشتات من أشكناز وسفراديم كانوا -في حينه- يعدون من الساميين، ولكن مع الوقت الطويل لما يقرب من ألفي سنة تغيرت الأوضاع العقلية والجسمانية لليهود، وفقدوا المواصفات (السامية) وأصبحوا أوروبيين وذلك من خلال عدة عوامل أهمها المصاهرة مع الأوروبيين. وكذلك تحوَّل عدد كبير من اليهود إلى المسيحية، إما طواعية أو نتيجة للاضطهاد الكنسي المسيحي لليهود خلال فترة العصور الوسطى. وكذلك دخول العديد من سكان أوروبا في الديانة اليهودية.

ومن أكبر الأمثلة على تهوُّد الكثير من سكان أوروبا هو تاريخ يهود الخزر؛ حيث تأسست مملكة الخزر كدولة يهودية مستقلة في القرن السابع واستمرت حتى القرن العاشر للميلاد، وامتدَّت على المنطقة من شمال البحر الأسود إلى بحر قزوين. وقد تعرَّض الخزر إلى هجمات من قبل الروس. ثم في عام 965م، قاد القيصر البيزنطي فوكاس حملة عسكرية ضد الخزر وسيطر على العاصمة تمير. وإثر سيطرة القوات الروسية والبيزنطية على أراضيهم، هاجر معظم يهود الخزر إلى الدولة العثمانية وإلى شرق أوروبا.

ولذلك فالكثير من اليهود الأشكناز في أوروبا وروسيا هم من يهود الخزر ولا علاقة لهم بالساميَّة ولا ببني إسرائيل، بل هم أوروبيون متهوِّدون. وعليه فاليهود الأوروبيون الذين يختبئون خلف مصطلح معاداة السامية لا ينتمي الكثير منهم إلى الساميين أصلًا؛ ما يجعل مصطلح معاداة الساميَّة محل شك من حيث هو مصطلح، يمثل مجموعة عرقية من البشر.

العداء الديني لليهود وتولُّد مفهوم اللاسامية

مفهوم معاداة السامية أو العداء تجاه اليهود نشأ في أوروبا بشكل خاص لأسباب متعددة. فخلال العصور الوسطى، كان للدين المسيحي دور كبير في تشكيل نظرة المجتمعات الأوروبية للتمييز والاضطهاد تجاه اليهود. مثل الادِّعاء بقتلهم للمسيح عليه السلام، وأيضًا انتشار الكثير من الشائعات السلبية مثل اتهامهم باستخدام دم الأطفال في الطقوس الدينية، وكذلك اشتغالهم بالربا الذي كان محرمًا على الأوروبيين ومسموحًا لليهود بوصفه من الأعمال القبيحة. واتهامهم بإشعال الصراعات والحروب. فهذه العوامل وغيرها خلقت مناخًا معاديًا لليهود، وشكلت تدريجيًّا مفهوم معاداة السامية.

من جانبهم سكن يهود أوروبا في مناطق معزولة، وذلك كأماكن خاصة بهم سميت بالغيتوهات، وكان الغيتو يعبر عن العزلة الاجتماعية والاقتصادية التي فُرضت على اليهود، الذين واجهوا تحيُّزًا وتمييزًا وعداء في المجتمعات التي عاشوا فيها.

مع نشوء المبدأ الرأسمالي في أوروبا واتخاذ عقيدة فصل الدين عن الحياة كأساس لهذا المبدأ ونشوء الدول القومية، تغيرت وجهة نظر الأوروبيين عن الحياة؛ ولكن كراهية اليهود في أوروبا لم تختفِ بل تحوَّلت من كراهية دينية إلى كراهية عنصرية وقومية، ضد الساميين (أي اليهود المتواجدين في أوروبا)، وهنا برز مصطلح معاداة الساميَّة.

ويُعزى استخدام مصطلح «معاداة الساميَّة» إلى الصحفي الألماني والمؤرخ ويلهلم ماراي، الذي استخدمه لأول مرة في عام 1879م، في كتابه: (انتصار اليهودية على الجرمانية)؛ ولكن الانتشار الأوسع لهذا المصطلح كان في القرن العشرين بعد وجود الأفكار العنصرية والداروينية الاجتماعية. تذكر دائرة المعارف اليهودية في تعريف «معاداة الساميَّة» بأنه مستخدم للإشارة إلى أي حركة منظمة ضد اليهود أو أي شكل آخر من أشكال العداء لليهود؛ لذلك فالمصطلح يشير إلى العداء الموجه إلى أشخاص يدينون باليهودية أو يعودون إلى أصول يهودية، وليس إلى الساميين بشكل عام؛ لأن الأوروبيين خصوا هذا المصطلح باليهود، فهو اصطلاح خاص بأوروبا.

ومن الأمثلة على العداء لليهود في أوروبا ما حصل في الفترة من 1881م و1920م، حيث هاجر ما يقارب 3 ملايين من اليهود الأشكناز من أوروبا الشرقية إلى أمريكا، فارّين من المذابح (البوغروم) والأوضاع الاقتصادية السيئة التي سادت في معظم أوروبا الشرقية آنذاك، ولاسيما روسيا.

 

الداروينية الاجتماعية وأثرها في تولد العنصرية والنازية

مع نشوء المبدأ الرأسمالي في أوروبا الذي تبنَّى بأن الأصل في حركة المجتمعات والتاريخ هو التطور وليس الثبات، بقيت هذه الفكرة لا سند لها حتى جاء داروين ونشر نظريته عن النشوء والارتقاء في عالم الحيوان، وقد تلقَّف الرأسماليون هذه النظرية باعتبارها السند العلمي لأفكارهم عن الحياة وتبنَّوها ونشروها كفكرة مضادة لفكرة الخلق الدينية. ومن رحم هذه النظرية الداروينية الشريرة نشأت فكرة أكثر شرًّا منها وهو الداروينية الاجتماعية، ثم انبثق منها شر آخر وهو الاستعمار.

فالداروينية الاجتماعية هي استخدام أفكار نظرية التطور لداروين لتفسير وتبرير التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين الفرد والفرد وبين الشعوب والثقافات المختلفة، وقد كان للداروينية الاجتماعية تأثير كبير على تصاعد أفكار العنصرية في القرن 19. حيث طبَّق بعض المفكرين نظرية داروين على المجتمع البشري. فتمَّ اعتبار أن بعض الأجناس أو الأعراق يعتبر أصلح أو أكثر تطورًا من غيرها. وبالتالي أوجدت تبريرًا للعنصرية وللتفرقة بين الأعراق. وقد أثرت هذه النظرية بشكل كبير في العديد من المجالات، كعلوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد.

ومن أشهر الفلاسفة والمفكرين الذين قدموا تفسيرات خاصة لفهم التطور الاجتماعي باستخدام مبادئ التطور الطبيعي التي وردت في نظرية داروين، والذين نادوا بـــ «الداروينية الاجتماعية» في القرن التاسع عشر، هيربرت سبنسر (1820-1903)م، وفرانسيس جالتون (1822-1911)م في بريطانيا، وإدوارد بورنتين (1838-1907)م في فرنسا.

 

اليهود والصهيونية

نشأت الصهيونية كحركة سياسية يهودية في أواخر القرن 19 في أوروبا، وكان من أبرز الشخصيات الصهيونية ثيودور هرتزل، الذي نشر في عام 1896م كتابًا بعنوان «الدولة اليهودية»؛ حيث قام بالدعوة إلى إنشاء دولة يهودية مستقلة، وقد عبَّر في كتابه عن حاجة الشعب اليهودي إلى وجود وطنهم الوطني الخاص. وقد عقدت الحركة الصهيونية مؤتمرها الأول في مدينة بازل بسويسرا سنة 1897م، وتم انتخاب هرتزل رئيسًا للمؤتمر، وكان الهدف الرئيسي هو توحيد الجهود الصهيونية لأجل إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.

وقد حاول هرتزل التواصل مع الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد الثاني للحصول على دعمه لإقامة دولة لليهود في فلسطين تحت سلطان الدولة العثمانية أو السماح لهم بإقامة مستوطنات يهودية في فلسطين؛ ولكنهم قوبلوا بالرفض التام من السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، فخاب مسعاهم.

وقد كان نشوء الحركة الصهيونية رجعًا للحركات الوطنية والقومية في أوروبا؛ حيث بدأت الشعوب تبرز اهتماماتها الوطنية المستقلة؛ ولذلك أرادت الصهيونية بشكل مماثل تحقيق نوع من الوحدة الوطنية للشعب اليهودي بإقامة دولة يهودية على أرضهم التاريخية ووطنهم فلسطين-كما يدعون-. وقد نظر هرتزل إلى المشكلة اليهودية ليس كمشكلة اجتماعية أو دينية، بل المشكلة من وجهة نظره هي مشكلة قومية. وكان يأمل من القوى الكبرى أن تساعد اليهود في التخلص من العداء للسامية عن طريق إنشاء دولة يتم تهجير اليهود إليها فتتخلص دول أوروبا من العنصر اليهودي، وتنتهي بذلك ظاهرة معاداة السامية.

فالصهيونية ليست حركة دينية بل هي حركة علمانية أوروبية، تسعى إلى إنشاء وطن قومي لليهود كشعب وليس كطائفة دينية. فالصهيونية حاولت خلق هوية وطنية لليهود، وحوَّلت اليهودية من فكرة دينية إلى فكرة قومية وإلى شعب يهودي له الحق في دولته القومية المستقلة كباقي الشعوب الأوروبية.

بداية لم يؤيد الكثير من يهود العالم أهداف الصهيونية بإقامة دولة لليهود في فلسطين. فبعض اليهود الأرثوذكس اعتبروا الصهيونية تحديًا للتقاليد الدينية، وتتعارض مع التوجهات الدينية الخاصة بهم، ورأى بعضهم الآخر أن الاندماج والمشاركة في المجتمعات الغربية هو الأولوية. فيما خشي بعضهم من أن يؤدي إقامة دولة يهودية في محيط عربي وإسلامي إلى صراعات وحروب لا نهاية لها؛ ولكن التأييد للصهيونية صار أكبر بعد تأسيس دولة لهم في فلسطين عام 1948م.

 

تسبُّب النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية والهولوكوست

كانت نظرية داروين في التطوُّر وما تفرَّخ منها من داروينية اجتماعية إجرامية هي المولِّدة لكل شرور العنصرية والتفوق العرقي، والمولِّدة كذلك لجملة من الأحزاب العنصرية كالنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا وكذلك النزعة الشوفينية، وقد استغلَّت النازية فكرة الداروينية الاجتماعية لدعم فكرة التفوق العرقي وتبرير السياسات العنصرية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية؛ حيث كانت النازية تعتبر الشعب الألماني «العرق الآري» على أنه النوع البشري الأكثر تطورًا وتفوقًا، واعتبروا أن الجماعات البشرية الأخرى أقل تطورًا وهي أعراق دونية.

من جهة أخرى تبنَّى موسوليني، رئيس الحكومة الإيطالية في فترة الفاشية (1922-1943)م، فكرًا شوفينيًّا وعنصريًّا، واعتبر موسوليني العرق الإيطالي أكثر تفوقًا، واتخذ إجراءات قانونية واجتماعية عنصرية، وقام بمحاولات إجبارية لتهجير المجتمعات غير الإيطالية في المناطق التي ضمتها إيطاليا. وقد أدى توسع الفاشية والنازية وسياساتها العدوانية في إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية، وتشكل المحور بين إيطاليا وألمانيا، تلك الحرب التي أدت إلى إزهاق ما يقارب 60 مليونًا من البشر، وتم فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل في الإبادة الجماعية للأعداء.

ووقع خلال هذه الحرب ما يعرف بالمحرقة النازية أو «الهولوكوست «(Holocaust) وهي كلمة مأخوذة من اللغة اليونانية وتعني بالمعنى الحرفي «التضحية بالنار» أو حرق وتدمير بالنار. والهولوكوست هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى الإبادة الجماعية التي نفذتها الحكومة النازية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت تستهدف العديد من المجموعات العرقية، وعلى وجه الخصوص اليهود؛ حيث تم تجميع اليهود من مختلف أنحاء أوروبا وإرسالهم إلى معسكرات الترحيل والاعتقال ومراكز الإبادة في ألمانيا. وقد ادَّعى اليهود قتل 6 ملايين منهم. وتم أيضًا خلال الهولوكوست إبادة مجموعات عرقية أخرى، من المعادين للنظام النازي كالشيوعيين والمقاومين ضد النازية، والرومان والسوفيات، وتمت إبادة ذوي الإعاقات الجسدية والعقلية والمثليين جنسيًا؛ حيث قُتل الملايين تحت مبرر «الحياة غير القيمة». وقد قتل النازيون حوالى 2 مليون من البولنديين ذوي العرق السلافي، وأيضًا تم قتل عدة ملايين من الروس.

ويجدر بالملاحظة أن الحركة الصهيونية كانت تسكت عن جرائم الهولوكوست؛ لأن ذلك يصب في مصلحة مشروعهم لإقامة دولة لليهود في فلسطين وهجرة اليهود إليها، وإيجاد جو من التعاطف الدولي مع قضيتهم.

                                           [يتبع]

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *