حزب التحرير: طريقته لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، هي طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسها
2024/03/26م
المقالات
1,113 زيارة
الكاتب: الأستاذ حاشد قاسم
اليمن
لقد أكرم الله هذه الأمة بالإسلام وجعله منهاج حياتها، فهو منهاج متكامل لجميع شؤون الحياة، أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتنظيم علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبغيره من بنى البشر. وحدد الإسلام الطريقة العملية التي توجده في معترك الحياة تحديدًا تامًّا. وبيَّن ذلك بشكل واضح لا غموض فيه. فالطريقة العملية لتطبيق الإسلام في جميع شؤون الحياة والدولة والمجتمع هي الدولة الإسلامية.
لقد أطلق الفقهاء المسلمون على الدار التي يعيش أهلها الحياة الإسلامية دار إسلام وعلى الدار التي لا يعيش أهلها الحياة الإسلامية دار كفر أو دار حرب، وبيَّنوا أن دار الإسلام هي الدار التي يوجد فيها الإسلام عقيدة ونظام حياة وجودًا فعليًّا، سواء أكانت هذه الدار صغيرة المساحة كالمدينة المنورة عندما أقام الرسول صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية فيها، أم مترامية الأطراف كالدولة الإسلامية زمن العباسيين أو زمن العثمانيين. هذا ولا يكون للإسلام وجود فعليّ إلا إذا كانت أحكامه مطبقة على الرعية في جميع شؤون الحياة من معاملات وعقوبات وسياسة خارجية وغيرها. ولا يكون تطبيق الإسلام تطبيقًا شاملًا وكاملًا في الداخل والخارج إلا إذا كان أمان هذه الدار التي يطبق فيها الإسلام بأمان المسلمين داخليًّا وخارجيًّا.
أما الأمان الداخلي فهو أن يأمن كل فرد من الرعية على دينه ودمه وماله وعرضه بقوة المسلمين وسلطانهم المتمثلة بأجهزة الدولة وعلى رأسها الخليفة. وأمَّا الأمان الخارجي فهو حماية الدولة لحدود دار الإسلام ومن فيها بسلطان المسلمين وقوتهم لا بقوة غيرهم، فلا يمكن أن تتصور تطبيق الإسلام في الداخل وحمل رسالته إلى الخارج للدول والأمم والشعوب بدون قوة المسلمين وسلطانهم. فالأمة الإسلامية بقوتها وسلطانها تنصَّب الخليفة وتبايعه على الحكم بما أنزل الله من الكتاب والسنة، وتحاسبه على هذا الأساس، وتقاتل معه كل من يعتدي على كيان الدولة ومبدئها المتمثل في الإسلام الذي تحمله رسالة نور وهدى إلى العالم بالدعوة والجهاد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما الإمام جُنة يقاتل من ورائه ويُتقى به » رواه البخاري.
وعليه لا تكون الدارُ دار إسلام إلا بأمرين. الأول: أن تخضع هذه الدار ومن فيها في السياسة الداخلية والخارجية لأحكام الإسلام في جميع شؤون الحياة. والثاني: أن يكون أمان هذه الدار ومن فيها داخليًّا وخارجيًّا بأمان المسلمين. فإن توفر الأمران معًا في دولة كانت دار إسلام وإن فقد أحدهما فليست دار إسلام؛ بل هي دار كفر؛ لأن دار الكفر هي التي لا تحكم بالإسلام أو لا يكون أمانها بأمان المسلمين، ولو كان جميع أهلها من المسلمين. وهذا الوصف للدار مستفاد من الأدلة الشرعية، منها قول الله تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥)[النور: 55].
ومعنى تمكين الدين أي سيادته وتطبيقه في المجتمع، والأمن الذي يعمُّهم هو الأمان الذي يوفرونه لرعيتهم بقوتهم. والأمان هو من مستلزمات تطبيق الإسلام والحكم به، قال الله تعالى: (ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ٨٢) [الأنعام: 82].
وقد جاء وصف دار الإسلام بعد إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين من جهة وبين المشركين واليهود من جهة أُخرى. ومما جاء في الكتاب: «وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مردُّه إلى الله وإلى محمد رسول الله». فالحكم في هذه الدار للإسلام فقط. وجاء في الكتاب أيضًا «وأنه لا تُجار قريش ولا من نصرها، وأن بينهم [أهل الصحيفة] النصر على من دهم يثرب» فأمان يثرب بأمان المسلمين وبمن خضع لحكم الإسلام من يهود ومشركين. وجاء في الحديث النبوي الذي رواه مكحول «ما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم إلا في دار الإسلام» وفيه دليل أن الدار داران لا ثالث لهما: إما دار إسلام أو دار الكفر (دار حرب).
فالوصف الذي يجعل الدار دار الإسلام هو الحكم والأمان وليس البلد والسكان. فالحكم والأمان هما اللذان يظهران فيها الإسلام وإن كان معظم أهلها غير مسلمين. فقد كان مجرد خضوع البلد في الفتوحات الإسلامية وسكانها لحكم الإسلام وأمان المسلمين أمارة على أنها أصبحت جزءًا من دار الإسلام. وكذلك إن احتلَّ الكفار بلدًا من دار المسلمين أصبحت دار كفر وإن كان أهلها مسلمين ويطبقون بعض أحكام الإسلام؛ لأنها أصبحت تحكم بغير أحكام الإسلام، أي بالقوانين الوضعية وأمانها بغير أمان المسلمين، فالحكم فيها والأمان أصبح للكفار وليس للمسلمين. وبناءً على الوصف الشرعي للدار فإن واقع بلاد المسلمين جميعها اليوم أنها دار كفر لأنها لا تُحكم بالإسلام وأن كان أمان بعضها بأمان المسلمين وإن كان بعضها يطبق بعض أحكام الإسلام كأحكام الزواج أو العقوبات، فليست العبرة بتطبيق بعض الأحكام الشرعية ولا بالنص على أن دين الدولة هو الإسلام، أو بأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للأحكام، وإنما العبرة بالأمان وتحكيم الإسلام في جميع شؤون الحياة بحيث تكون العقيده الإسلامية هي الأساس الوحيد لكل ما في الدولة من أفكار وأنظمة ومفاهيم. فكل شيء يجب أن ينبثق منها أو يبنى عليها، قال تعالى: (وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّه) ولا يجوز أن تطبق الدولة ولو حكمًا واحدًا لاينبثق من العقيدة الإسلامية، أو يبنى عليها قال تعالى: (وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ)، وقال تعالى (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٨٥).
فالسيادة في دار الإسلام للشرع فقط وليست للشعب أو للحاكم أو للعقل أو للأمم المتحدة. والانقياد فيها لا يكون إلا لشرع الله. والسمع والطاعة واجبة للحاكم إن كان منفذًا لشرع الله وإلا فلا سمع ولا طاعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره مالم يؤمر بمعصية، فأذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». والحياة تابعة للدار، فدار الإسلام تكون الحياة فيها حياة إسلامية ودار الكفر تكون الحياة فيها غير إسلامية. وعلى حملة الدعوة أن يدركوا ذلك وأن يعملوا لتحويل دار الكفر إلى دار الإسلام، فالواقع الذي نعيشه اليوم من حيث الدار ومن حيث الحياة لا يختلف في جوهره عن الواقع الذي وجده الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ولا عن الواقع الذي وجده مصعب بن عمير في المدينة. فمكة كانت دار كفر رغم وجود الرسول صلى الله عليه وسلم فيها وأصحابه، وكذلك المدينة المنورة قبيل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت دار كفر وإن كانت قد وجد بها عدد من المسلمين.
وقد يتبادر إلى ذهن البعض ما أعلنته بعض الأقطار في بلاد المسلمين من أنها جمهورية إسلامية وأن المصدر الرئيسي هو الشريعة الإسلامية فهل واقع دولة كهذه دار إسلام؟
والحقيقة إنها ليست كذلك، فهي كغيرها من الأقطار تحكم بقوانين وضعية وملتزمة بقوانين وأنظمة كفر، وهي تعترف بالدول القائمة في العالم الإسلامي وتنادي بالمحافظة على استقلال كل دولة، وهي أيضًا تلتزم بقوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهي قوانين كفر أوجدها الكفار في الأصل للقضاء على دولة الخلافة زمن العثمانيين، ولا تزال دول الكفر التي أنشأت منظمة الأمم المتحدة وما انبثق منها من منظمات وتشرف عليها تحارب الإسلام والمسلمين في كل مكان باسم التطرف والإرهاب والأصولية.
ونظام الحكم في الإسلام ليس جمهوريًا ديمقراطيًا ولا ملكيًا وراثيًا وإنما هو نظام الإسلام فقط، وهو نظام خاص لدولة خاصة يختلف عن جميع الأنظمة الوضعية في الأساس والتفاصيل اختلافًا كليًّا، فهو نظام متميز عن جميع الأنظمة في الكرة الأرضية كلها. ودولة الخلافة دولة متميزة كالنظام الذي تطبقه، ويقوم على أربع أسس هي:
أولًا: السيادة فيها للشرع:
قال الله تعالى: (فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ).
فالشرع هو المرجع الوحيد في الحكم على الأفعال والأشياء، وفي فض النزاع بين الحاكم والرعية وبين الأفراد وبين الدولة وغيرها، وهو وحده الذي يُسير أرادة الفرد والأمة والحاكم، وليس العقل ولا رأى الأكثرية. فالأمة والفرد والحاكم يخضعون جميعًا للشرع. فالسيادة للشرع وليست للشعب ولا للعقل ولا للهوى. فالشرع هو المحرك والمسير لكُل أمر في دار الإسلام قال الله تعالى: (وماكان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمر ان يكون لهم الخيرة من أمرهم). وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ). وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم.
ثانيًا: السلطان في الدولة الإسلامية للأمة
فالأمة هي التي تملك السلطان أي القوة والحكم فهي التي تنفذ الحكم الشرعي فالله سبحانه وتعالى جعل طريقة تنفيذ الشرع هي الدولة المتمثلة بالخليفة حيث تبايعه الأمة لينوب عنها في تطبيق الشرع وحمل رسالة الإسلام إلى العالم. مستندة إلى قوتها ووعيها الفكري في تطبيقه والمحافظة عليه وحمله إلى العالم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»… فهي صاحبة السلطان والحكم والقوة تحافظ على وحده الخلافة بقوتها.
ثالثًا: وجود خليفة واحد للمسلمين (وحدة الخلافة)
لقد أوجب الشرع على المسلمين أن يكون لهم خليفة واحد ودولة واحدة وحرم عليهم أن يكون لهم أكثر من خليفة. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» رواه مسلم. وعن عرفجة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» رواه مسلم. هذا وقد أجمع الصحابة، رضي الله عنهم _ على مبايعة خليفة واحد هو أبو بكر الصديق، رضي الله عنه.
رابعًا: للخليفة وحده حق تبنِّي الأحكام الشرعية فيما لا علاقة برعاية شؤون الرعية.
فإذا تعددت الاجتهادات الشرعية في المسألة الواحدة فهو المسؤول أمام الله وتجاه المسلمين عن تبني حكم شرعي من هذه الاجتهادات الذي يغلب على ظنه أنه الصواب لتطبيقه، وقد تبنَّى الخلفاء الراشدون أحكامًا شرعية ألزموا الناس العمل بها ولم ينكر عليهم أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعًا منهم أن للخليفة حق تبني الأحكام الشرعية المتعلقة برعاية شؤون الأمة، وقد استنبطت قواعد شرعية مشهورة مثل: «للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات» ومثل: «أمر الإمام يرفع الخلاف» ومثل: «أمر الأمام نافذٌا ظاهرًا وباطنًا».
والدولة الإسلامية (الخلافة) متميزهً عن سائر الدول والأنظمة الوضعية القائمة، ومنها الجمهورية الإسلامية التي تحكم كغيرها من الدول بالقوانين الوضعية. فالدولة الإسلامية لها جهاز تنفيذي خاص بها أسَّسه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة والتزم به خلفاءُه الراشدون من بعده، ثم أقام معظمه الخلفاء المسلمون من بعدهم إلى أن هُدمت دولة الخلافة عام 1924م. ويتكوَّن جهاز الدولة الإسلامية من الخليفة والمعاونين والولاة وأمير الجهاد والقضاء والجهاز الإداري ومجلس الشورى «مجلس الأمة»، وهو جهاز خاص بدولة الخلافة يختلف عن الأجهزة التنفيذية في الأنظمة الوضعية.
خصائص ومميزات دولة الخلافة عن سائر الدول:
لدولة الخلافة خصائص تتميَّز بها عن كل أنظمة العالم، وهي خصائص تتصل بمبدئيتها، وبأنظمتها المنبثقة عن عقيدتها، ومن هذه الخصائص:
1- ليس لدولة الخلافة حدود ثابتة تقف عندها ولا تتعداها؛ لأنها مكّلفة شرعًا بوجوب حمل الإسلام إلى الناس كافة وتطبيقه عليهم، سواء أسلموا أم لم يسلموا. فحدودها منذ أن أنشأها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة حدود متحركة تضمُ إليها أرض كل من خضعوا لها سلمًا كان أم حربًا وترعاهم بأحكام الإسلام؛ ليصبحوا جزءًا لا يتجزأ منها. قال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» وحدود الدولة الإسلامية مفتوحةلجميع المسلمين وحاملي التابعية يدخلون إليها ويخرجون منها متى أرادوا.
2- الدولة الإسلامية تلتزم بأحكام الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، ويحرم عليها التحاكم إلى غير الإسلام كالعلمانية أو الديمقراطية أو لقوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ويحرم عليها أن تكون عضوًا في هذه المنظمة ولو ليوم واحد. وتلتزم الدولة الإسلامية في علاقاتها الدولية بالحكم الشرعي كعدم قتل الرسل والأسرى وكالوفاء بالمعاهدات التي تبرمها مع غيرها من الدول.
3- تسمح الدولة بإقامة أحزاب سياسية على أساس الإسلام فقط لتقوم بأعمال سياسية وفكرية كمحاسبة الخليفة والدعوة إلى أفكار إسلامية تتبناها هذه الأحزاب غير التي يتبناها الخليفة؛ لأن أقامة أحزاب سياسية على أساس الإسلام فرض كفاية قال تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ١٠٤) فمقومات الحزب السياسي هما الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لذلك يحرم أن يتكتل المسلمون على أساس غير الإسلام كالوطنية أو القومية أو الاشتراكية أو غيرها، قال تعالى: (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥).
4- يحرم على الدولة الإسلامية أن تجعل سلطانًا للكفار على المسلمين، كانضمامها إلى أحلاف عسكرية أو عقدها معاهدات سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو غيرها بحيث يكون السلطان فيها للكفار، قال الله تعالى: (وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا) ويجب أن تعمل منذ قيامها على الاكتفاء الذاتي في اقتصادها، وأن تعمل على اقتعاد مركز الدولة الأولى في العالم. كما دلَّت على ذلك أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده لتكون الدولة الإسلامية قائدة ومؤثرة، تحمل الإسلام إلى الناس كافة لتخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، ومن شقاء الأنظمة الوضعية إلى عدل الأحكام الشرعية.
5- اللغة العربية في الدولة الإسلامية هي اللغة الرسمية، فهي لغة التخاطب الرسمية والدولية، وهي لغة التثقيف والتعليم ووسائل الإعلام، ويرجع إلى مدلولاتها في حال حصول خلاف على نص من نصوص المعاهدات والاتفاقيات بين الدولة وغيرها من الدول.
6- الحياة العامة في الدولة الإسلامية خاضعة لأحكام الإسلام، فلا يسمح لأي مظهر جماعي غير إسلامي كعيد النوروز وعيد الميلاد أو عيد رأس السنة، ولا يسمح لأي فرد سواء كان مواطنًا أم معاهدًا أم سفيرًا أن يخالف أحكام الإسلام في الحياة العامة في لباسه أو سلوكه وإن لم يكن مسلمًا.
الطريقة الشرعية لاستئناف الحياة الإسلامية:
بعد إدراك واقع الدار التي نعيش فيها وإنها دار كفر لأنها تحكم بالقوانين الوضعية وأمان أهلها بغير أمان المسلمين. فالحياة التي نحياها حياة غير إسلامية في مجتمع غير إسلامي، وهو نفس الواقع الذي وجد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة حين بعثه الله تعالى رسولًا لقومه وللناس أجمعين؛ لتغيير حياة المجتمع الذي هو فيه ومن ثم لتغيير حياة البشرية جمعاء. فالطريق التي يجب اتباعها والسير فيها هي نفس الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم للتغيير من أجل إيجاد أول حياة إسلامية. فهو الطريق الشرعي الوحيد المطلوب من كل حزب أو جماعة أن تسلكه في طريقها لاستئناف الحياة الإسلامية التي استمرت أكثر من ثلاثة عشر قرنًا؛ لأن الله تعالى الذي طلب من الناس أن يلتزموا في حياتهم بالإسلام طلب منهم أن يلتزموا بالطريقة الشرعية التي شرعها لتحقيق هذه الفكرة، وهي استئناف الحياة الإسلامية، قال تعالى: (وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ) و(مَآ) من ألفاظ العموم، تشمل كل ما جاء به الرسول عن طريق الوحي من فكرةوطريقة، قال تعالى: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ) وقال مخاطبًا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: (قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ). وزيادة في الإيضاح فقد خطَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، خطًّا على الرمل وجعل إلى جانبيه خطوطًا متعددة، وقال هذا صراط الله مستقيمًا، وهذه السبل على رأس كل سبيل منها شيطان يدعو له، وتلا قوله تعالى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٥٣) وحذَّر اللهُ رسوله قائلًا: (وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ) وحذَّر اللهُ المسلمين عن مخالفة أمره، قال الله تعالى: (فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: 63].
هذه النصوص الشرعية وغيرها توجب علينا التقيُّد بالطريقة التى سار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في حمل الدعوة حتى أقام الدولة الإسلامية لا نحيد عنها قيد شعرة بأي حجة كانت، كاختلاف الظروف أو اتِّقاء المخاطر وبطش الأنظمة أو بحجة المصلحة العامة أو ملاءمة العصر؛ لأن الله تعالى هو الذي فرض علينا هذه الطريقة، وهو وحده العالم بدقائق الأمور. والمحيط بكل شئ علمًا ومنها الظروف والمخاطر وبطش أعداء الدعوة. إن المتتبع للنصوص الشرعية في القرآن والسنة يجد أن الخطوط العريضة لحمل الدعوة من أجل استئناف الحياة الإسلامية واضحة وصريحة، ومنها:
1- بناء جسم الجماعة أو الحزب؛ وذلك بتثقيف حملة الدعوة بأفكار الإسلام عقيدة وأحكامًا شرعيةً، ثقافةً مركزة تؤهلهم لأن يصبحوا قادة للأمة، وإسلامًا يتحرك في المجتمع، وهو مافعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يثقف أصحابه بما نزل عليه من الوحي، فكوَّن كتلة صلبة صالحة لخوض غمار الصراع الفكري والكفاح السياسي في المجتمع الجاهلي، فكانت هذه الكتلة ( الحزب) من خيرة البشر بعد الأنبياء، شاركوه الصبر على تحمل الأذى في العهد المكي، ثم شاركوه بناء الدولة الإسلامية في المدينة المنوَّرة، وحملوا بعده الإسلام إلى أنحاء المعمورة. فعلى حملة الدعوة الذين يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية كحزب أن يمتثلوا لقوله تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤) [آل عمران: 104]. فعليهم أن يرسِّخوا العقيدة الإسلامية في نفوسهم وفي نفوس غيرهم، وأن ينقوها من كل شائبة علقت بها عبر العصور بسبب الجهل أو التضليل؛ لأن وضوح العقيدة الإسلامية والتصديق الجازم بها هو الأساس الذي يبنى عليه كل فكر إسلامي، وهو النبع الذي ينبثق منه كل حكم شرعي. فإذا كان هذا الأساس متينًا وراسخًا عند معتنقيه كان التأثير العميق له في النفوس فعالًا؛ فترفع العقيدة أصحابها من الحضيض إلى الذروة وتوسع أمامهم آفاق الوجود؛ فلاينظرون إلى الحياة الدنيا على أنها آخر المطاف، وإنما ينظرون إلى غاية أبعد وأسمى وهي نيل رضوان الله في جنات الخلد والنعيم المقيم؛ فيندفع المسلمون اليوم كما اندفع أجدادهم من قبل يحملون رسالة الإسلام لنشر الهدى والعدل بين الناس، لا تكلُّ قوتهم ولا يوهن عزمهم، بل تحفزهم هذه العقيدة الربانية لمضاعفة الجهد وتحدِّي الصعاب مستهينين بالحياة الدنيا لإعادة الأمة الإسلامية إلى مركزها ومجدها وعزتها ونهضتها باستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية لتحكم بالإسلام وتطبقه في جميع شؤون الحياة.
2- التثقيف الجماعي للمجتمع: يقوم الحزب بتثقيف المجتمع بالأفكار التي تبنَّاها؛ وذلك لإيجاد الرأي العام المنبثق من الوعي العام بحيث يتهيَّأ المجتمع ويتوق لتطبيق الإسلام عليه كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان يتلو القرآن عند الكعبة ويغشى المجالس والمواسم يخاطب فيها الناس بالإسلام يدعوهم للإيمان ويطلب منهم ترك عبادة الأوثان؛ بحيث صار ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر الإسلام على كل لسان ولا سيما في المدينة المنورة؛ إذ نقل له مصعب بن عمير أنه لم يبقَ في المدينة بيت إلا وفيه ذكر للإسلام؛ مما هيَّأ مجتمع المدينة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقامة الدولة الإسلامية فيها. فعلى الجماعة أو الحزب الذي يعمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة أن يقوم بالتثقيف الجماعي للأمة عن طريق الخطب والندوات والمؤتمرات والنقاشات والوقفات والمسيرات ونشر الكتب والمنشورات التى تدعو المسلمين للعمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
3- التصدي لكافة العقائد والأفكار والمفاهيم المخالفة للإسلام: لقد تصدَّى القرآن للعقائد والأفكار والمفاهيم المخالفة للإسلام ومنها:
أ- تصدَّى لعقائد المشركين وسفَّه أحلامهم مبينًا بطلان هذه العقائد وتفاهتها، قال تعالى: (أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ١٩ وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ٢٠ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلۡأُنثَىٰ٢١ تِلۡكَ إِذٗا قِسۡمَةٞ ضِيزَىٰٓ٢٢) وخاطب عقولهم فقال: (لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ).
ب- تصدَّى لزعامة قريش المصرَّة على الكفر، وهاجمهم مهاجمة لا هوادة فيها، قال الله تعالى: (فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِينَ ٤٩كَأَنَّهُمۡ حُمُرٞ مُّسۡتَنفِرَةٞ٥٠ فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۢ ٥١) وقال تعالى: (تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ ١ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ ٢سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ٣ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ ٤ فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۢ ٥) [سورة المسد]. وقال تعالى: ( وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ ١٠ هَمَّازٖ مَّشَّآءِۢ بِنَمِيمٖ١١مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ١٢ عُتُلِّۢ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ١٣) التي نزلت في الوليد بن المغيرة.
ج- تصدَّى لأعمال الكفَّار التى يأباها العقل السليم وترفضها الفطرة الإنسانية، فندَّد بها قائلًا: (وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ٨ بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ٩)
د- تصدَّى القرآن الكريم لليهود والنصارى الذين حاولوا التشويش بأسئلتهم على أذهان العرب تجاه الإسلام فردَّ عليهم، قال الله تعالى: (وَيَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا ٨٥). وأجابهم عن قصة أصحاب الكهف وقصة موسى مع العبد الصالح وقصة ذي القرنين، كما بيَّن حقيقة اليهود في عدة سور مبينًا أعمالهم السيئة وعقائدهم الباطلة وافتراءاتهم على الله وعلى أنبيائه، كما بيَّن أنهم قتلة الأنبياء وعبَّاد العجل وأكَّالون للسحت؛ فلا بد من أن يتصدَّى حملة الدعوة للعقائد الباطلة والأفكار الضالَّة والمفاهيم المغلوطة والثقافة الخاطئة، وأن يقوموا بالصراع الفكري والكفاح السياسي اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصراع الفكري هو نقد الأفكار المغلوطة نقدًا لاذعًا ومهاجمتها مهاجمة شديدة، ومهاجمة مابني عليها من مفاهيم وعلاقات، ثم رسم الخط المستقيم إلى جانب الخطوط العوجاء، وبيان خطأ الأفكار وفسادها من العقائد والأفكار والمفاهيم المخالفة للإسلام التى يجب أن يتصدى حملة الدعوة لها، كعقيدة الرأسمالية المعروفة بعقيدة فصل الدين عن الحياة والعقيدة الشيوعية وأفكار العلمانية والقومية والوطنية، والأفكار المدسوسة على الإسلام كالديمقراطية ووحدة الأديان والاشتركية والتطرف والإرهاب…
ويبرز الصراع الفكري في الثقافة الجماعية وتبنِّي المصالح. أما الكفاح السياسي فيتمثَّل في التصدي لمقارعة الحكام العملاء الذين لا يحكمون بالإسلام ومحاسبتهم للتغيير عليهم؛ وذلك بكشف خيانتهم للأمة ومؤامراتهم عليها وكشف عمالتهم للدول الكافرة بأسلوب لاذع يطيح بهيبتهم ويجرئ الأمة عليهم لإزالة حكمهم. والحزب السياسي يقوم بالكفاح السياسي سافرًا متحديًا لايداجي ولا يداهن ولا يؤثر السلامة ولا يوقفه عن الكفاح السياسي مايتعرض له أعضاؤه من أذى.
4- كشف المؤامرات التى تحاك لضرب المسلمين. لابد لحملة الدعوة من كشف المؤامرات التى تحاك لضرب المسلمين، وهذا يتطلب من حمله الدعوة أن يكونوا واعين على السياسة الدولية والموقف الدولي وعلى الصراعات السياسية الدولية والإقليمية والمحلية. وقصة المراهنة بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقريش قبل الهجرة على نتيجة المعارك التي كانت دائرة بين الفرس والروم خير دليل على تتبع السياسة الدولية والموقف الدولي من حملة الدعوة. وكانت هذه المراهنة سببًا في نزول قوله تعالى: (الٓمٓ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ ٣).
5_ تبنِّي المصالح: تبنِّي مصالح الأمة من قبل الحزب السياسي يعني بيانه للأحكام الشرعية التى تحقق مصالح الأمة، وعلى رأس هذه المصالح تطبيق الإسلام تطبيقًا شاملًا وكاملًا في جميع شؤون الحياة. ورعاية مصالح الأمة من قبل أعضاء الحزب السياسي تكون بالأعمال السياسية يبينون بها الأحكام الشرعية لمعالجه شوؤن الحياة، ويحثون الأمة على الالتزام بها. ومن رعاية الحزب السياسي (حزب التحرير) لمصالح الأمة دعوة الأمة منذ أربعة أشهر للضغط على الحكام لتحريك الجيوش لتحرير فلسطين ونصرة أهل غزة التى يشن عليهم اليهود، ومن ورائهم دول الكفر الصليبية أمريكا وحلفاؤها، أبشع أنواع المجازر والإبادة الجماعية، والسعي بإصرار من قبل اليهود لتهجيرهم من أرضهم إلى سيناء، وقد كان للوقفات والمسيرات التي أقامها حزب التحرير للدعوة للتحرك لإنقاذ إخوانهم أهل غزة أثر في إلقاء الرعب في قلوب أعداء الأمة، الأمر الذي جعل بريطانيا تصدر قانونًا حظر حزب التحرير؛ ولكن هذا لن يثنيه عن الاستمرار في تحريك الجيوش حتى يمنَّ الله علينا بأهل نصرة منهم تنقذ أهل غزة وسائر أهل الأرض المباركة فلسطين، وتحررها كاملة من دنس اليهود، وتسقط الأنظمة العميلة، وتقيم الخلافة على أنقاضها.
6_ طلب النصرة: بعد إيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام على أفكار الإسلام التي يتبناها حزب التحرير، أي بعد وجود القاعدة الشعبية للإسلام وللحزب بالصراع الفكري والكفاح السياسي؛ حيث تصبح الأمة بمجموعها في المجال الذي يعمل فيه الحزب واعية على الإسلام وتوَّاقة إلى تطبيق أحكامه. حينها يكثف الحزب عمله في طلب النصرة من الجيوش ومراكز القوة في الأمة من أجل إزالة الحواجز المادية التى تعترض إقامة الخلافة؛ لأن الأمة هي صاحبة السلطان، وهي التي تمتلك تنصيب حاكم لينوب عنها في تطبيق الإسلام تطبيقًا شاملًا في جميع شؤون الحياة والدولة والمجتمع. فقد أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم في مرحلة التفاعل عملًا جديدًا إلى حمل الدعوة ألا وهو طلب النصرة لحماية الدعوة ولإقامة الدولة. وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم النصرة من أكثر من 14 قبيلة، وقد كان لها ردود مختلفة: فالطائف سلطوا عليه غلمانهم وسفهاءهم يرجمونه بالحجارة. وبنو حنيفة ردوا عليه أقبح رد، وبنو عامر بن صعصعه اشترطوا عليه أن يكون لهم الحكم من بعده فرفض ذلك قائلًا: “إن الأمر لله يضعه حيث يشاء” ورغم ما لاقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من مشقة وأذى؛ إلا إنه استمر في طلبه النصرة بقوة وإصرار، وهذا دليل على وجوبها، فقد كان يسعى إلى القبائل في مضاربها وفي مواسم الحج عارضًا نفسه عليها طالبًا منها النصرة لحماية الدعوة وإقامة الدولة الإسلامية. ومما كان يقول لهم: “يابني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولاتشركوا به شيئًا. وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله مابعثني به”.
لقد لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وفدًا من يثرب، فدعاهم إلى الإسلام فآمنوا، ثم أرسل معهم مصعب بن عمير يعلمهم الإسلام. فلما أسلم سعد بن معاذ رضي الله عنه ودعا قومه (بني عبد الأشهل) إلى الإسلام لم يبقَ دار في المدينة إلا فيه ذكر للإسلام. ولما وُجد رأي عام عن الدعوة في المدينة في السنة الثانية عشر من البعثة قدِم منهم خمسة وسبعون مسلمًا، وكانت بيعة العقبة الثانية (بيعة الحرب)، وقد في جاء في السيرة ما يلي: “فقلنا يارسول الله على ما نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة، فقمنا نبايعه” أخرجه أحمد والبيهقي. وجاء في سيرة ابن هشام “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة، وأن لا ننازع الأمر أهله” ومنها أيضًا قولهم: “إنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف”.
فبيعة الحرب هذه تعني أن الأنصار من الأوس والخزرج قد أعطوا النصرة لإقامة الدولة فاستعدُّوا للتضحية بأغلى ما يملكون في سبيل نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته إن هو قدم إليهم. وفعلًا هاجر إليهم بعد أن سبقه إليها أصحابه، وقد كان الأنصار على استعداد لإزالة أي حاجز مادي يعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم لإقامة حكم الله في مدينتهم. فبيعة العقبة الثانية كانت طلبًا للنصرة من أجل إزالة الحواجز المادية التى كان من المنتظر أن تعترض إقامة الدولة فيكون طلب النصرة حكمًا شرعيًّا من أحكام الطريقة الشرعية لاستئناف الحياة الإسلامية، وهو فرض على حملة الدعوة والأمة يجب القيام به لإقامة الدولة الإسلامية. ودليل فرضيتها هو الطلب الجازم لها، وقرينة ذلك هو ما تحمَّله الرسول صلى الله عليه وسلم من مشقة وأذى من السنة الثامنة إلى السنة الثانية عشرة من البعثة، غير مبالٍ بالأذى الذي حصل له في الطائف، ولا بالصدِّ الذي واجهته به بعض القبائل. وطلب النصرة يدخل تحت القاعدة الشرعية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فإقامة الخلافة واجب. وهذا الواجب لا يتم إلا بقوة الأمة التي تنصر الدعوة لتحطيم الحواجز المادية التي تعترض إقامة الدولة. فأهل النصرة من الأمة هم أهل القوة، وهم الذين يقومون بالأعمال المادية إن لزم ذلك لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ لتحكم بشرع الله وتطبق ما أنزل الله. أما حملة الدعوة، فلم يرد أي دليل شرعي على أن يقوموا بالأعمال المادية في حمل الدعوة حتى ضد بعض المنكرات التي تنتشر في المجتمع كتحطيم خمارة أو نسف مرقص أو قتل رجل أمن أو اغتيال مسؤول أو حاكم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم كانوا قادرين على القيام بمثل هذه الأعمال ولم يقوموا بها رغم انتشارها، ورغم الأذى الذي لاقوه من المشركين في مكة؛ إلا أنهم لم يقوموا بالأعمال المادية ولم يفكروا في الانتقام ممن آذاهم التزامًا بالشرع الذي حرم عليهم القيام بالأعمال المادية في العهد المكي، أي قبل قيام الدولة الإسلامية، وكان رده صلى الله عليه وسلم لمن كان يريد مقاتلة الكفار “لم نؤمر بعد” فقد منعهم صلى الله عليه وسلم من استعمال القوة المادية مع قدرتهم على القتال، وعلى مقابلة الأذى بالأذى مع امتلاكهم للسلاح وفيهم الأبطال الشجعان كعمر وحمزة وسعد وغيرهم. وأبلغ من ذلك أيضًا موقفه صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية، بيعة الحرب، حين قال له الأنصار: “مرنا فلنميلنَّ عليهم ميلة واحدة” فقال لهم أيضًا “لم نؤمر بعد” فاستعمال القوة المادية من الحزب لاتجوز في حمل الدعوة، لا منهم ولا من الأمة بأمرهم إلا لإقامة الدولة الإسلامية من أهل النصرة. وأما استعمالها بعد إقامة الدولة الإسلامية للجهاد أو لمحاربة أهل البغي أو لإزالة المنكرات فهي مطلوبة ولها أحكامها الشرعية الخاصه بها. فالطريقة التي يسلكها حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة لتحكم بشرع الله وتطبق ما أنزل الله هي نفس الطريقة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة في المدينة المنورة، ويقتضي ذلك أمور أهمها:
1- حمل الحزب الدعوة الإسلامية حملًا سياسيًّا في المجتمع امتثالًا لقول الله تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ١٠٤) وذلك بالصراع الفكري والكفاح السياسي.
2- إيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام على الإسلام وإقامة دولته وتطبيقه في جميع شؤون الحياة والدولة والمجتمع، وحمل رسالته إلى العالم بالدعوة والجهاد.
3- طلب النصرة والمنعة من أبناء الأمة الإسلامية القادرين عليها؛ وذلك لإزالة الحواجز المادية التى تعترض إقامة الدولة، ومن ثم تسليم الحكم لمن تؤخذ له البيعة ليكون خليفة لجميع المسلمين.
4- إعلان قيام الخلافة الراشدة، ثم العمل على ضم سائر بلاد المسلمين إليها بالطرق السياسية والمادية.
أطروحات في التغيير مخالفة للطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية:
قبل معرفه التغيير الصحيح الذي يجب أن تسلكه الجماعة أو الحزب الذي يعمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة لتحكم بشرع الله وتطبق ما أنزل الله، لابد من معرفه أمرين اثنين معرفه دقيقة وهما: مناط الحكم، وهو الواقع الذي نريد أن نعرف الحكم الشرعي فيه. والنصوص الشرعية المتعلقه بهذا الواقع.
أما تحقيق المناط في هذه المسألة فهو معرفة واقع الدار في بلاد المسلمين: هل هي دار إسلام أم دار كفر؟
وقد سبق أن بيَّنا أن دار الإسلام هو الذي يتحقق فيها أمران:
الأول: أن تخضع فيه هذه الدار ومن فيها داخليًّا وخارجيًّا لأحكام الإسلام في جميع شؤون الحياة والدولة والمجتمع.
الثاني: أن يكون أمان هذه الدار ومن فيها داخليًّا وخارجيًّا بأمان المسلمين.
وإذا فُقد أحد هذين الشرطين فإن الدار دار كفر. وعندما ندقِّق في الأمر نجد أن جميع بلاد المسلمين تحكم بغير الإسلام. وهذا يكفي للحكم على الدار أنها دار كفر. فالعبرة بالحكم والأمان وليس بالبلد والسكان.
وقد سلكت بعض الجماعات والأحزاب طريقة مخالفة للطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا ويمكن تصنيف هؤلاء إلى قسمين:
القسم الأول، هم الذين لم يدركوا مناط الحكم. وقد توصل هذا القسم إلى أن الحياة التي نحياها حياة إسلامية إلا أن الحكام قد ارتدوا عن الإسلام وحكموا بغيره، فيجب قتالهم وإشهار السيف في وجوههم وقتلهم إن هم أصروا على فعلهم والإتيان بغيرهم، وهم يستدلون بأدلة المرتد وغيرها، وهي لاتنطبق على الواقع لعدم معرفتهم بالمناط.
القسم الثاني، هم الذين لم يعرفوا الأحكام الشرعية المتعلقة بالواقع، وهم الذين يقومون بالأعمال الخيرية من الجمعيات والأحزاب والأعمال التي يقومون بها… فهذه وإن كان فيها خير ونفع جزئي للمسلمين؛ إلا أن المخالفه فيه تكمن في أنها من الرعاية الدائمة، وهي من أعمال الدولة وليست من أعمال الجمعيات والأحزاب. وزيادة في الإيضاح لجميع من يخالف الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية، والتى رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم نقول: إن الحكام خمسة أصناف، ولكل حاكم حكم شرعي:
الأول: هو الخليفة الراشد الذي بايعته الأمه ليحكم بالإسلام، وهو ملتزم بعقد الخلافة؛ فيجب على الأمة طاعته في غير معصية، والدفاع عنه والقتال معه ونصحه ومحاسبته، ولا يجوز الخروج عليه، وهو غير موجود في زماننا، بل هو ما يسعى حزب التحرير لإيجاده ومبايعته خليفة لجميع المسلمين ليحكم بالإسلام في جميع شؤون الحياة والدولة والمجتمع.
الثانى: هو الخليفة الظالم الذي يحكم بشرع الله ويطبق ما أنزل الله؛ إلا أن عنده بعض المخالفات والمظالم. وهذا يجب طاعته في غير معصية، ويجب محاسبته بشدة وبقارص الكلام حتى يرجع عن مخالفاته ويرد المظالم لأصحابها ويجب القتال معه ولا يجوز الخروج عليه.
الثالث: هو الذي كان يحكم بشرع الله ويطبق ما أنزل الله، ثم أظهر الكفر البواح، وأبعد الأحكام الشرعية وحكم بغيرها. فهذا واجب على الأمة قتاله في الحال وخلعه ومبايعة خليفة ليعيد الأحكام الشرعية إلى التطبيق كما كانت من قبل. وقد كان الواجب على المسلمين قتال المجرم مصطفى كمال الذي هدم الخلافة وأبعد الأحكام الشرعية من التطبيق وجاء بالقوانين الوضعية.
الرابع: هو الذي وجدناه يحكم بغير الإسلام، وقد رسخت القوانين الوضعية في جميع أجهزة الدولة. فهذا الحاكم يجب تغييره بالطريقة الشرعية التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمراحل الثلاث وهي التكتل، ثم التفاعل وطلب النصرة، ثم استلام الحكم. وهى الطريقة الشرعية الصحيحة التي يسير عليها حزب التحرير.
الخامس: هو الحاكم الكافر، وهذا يجب جهاده تحت إمرة خليفة المسلمين.
وعليه، فان الطريقة الشرعية الصحيحة هي التي يسلكها حزب التحرير ويدعو جميع المسلمين للعمل معه لإقامة الدولة الإسلامية (الخلافة الراشدة) التي تحكم بالإسلام، وتطبقه في جميع شؤون الحياة والدولة والمجتمع، وتحمله رسالة نور وهدى للعالم.
2024-03-26