التطبيع مع كيان يهود الغاصب
2023/04/09م
المقالات
620 زيارة
المهندس خالد السراري – ولاية اليمن
تتعرض الأمة الإسلامية لحملة تطبيع مع كيان يهود الغاصب منذ سبعينات القرن الماضي تقودها الدول الغربية على رأسهم أمريكا باستخدام الحكام العملاء والخونة لفرض هذا الكيان في جسد الأمة وإنشاء علاقة طبيعية معه كأي دولة من دول الجوار، متناسين بكل عار الدماء الزكية التي سالت وهي تقاوم هذا الكيان الغاصب والجرائم العديدة الذي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وتاركين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يدنسها يهود. وبالرغم من تخاذل حكام الخزي والعار وانصياعهم لإملاءات أسيادهم في الغرب، يظل أبناء الأمة الإسلامية رافضين فكرة التطبيع بل ومنتظرين الفرصة السانحة للنهوض والقضاء على هذا الكيان المحتل وتطهير الأرض المباركة من دنسه.
وقد عكفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ 2017م على إعداد ما يسمى بصفقة القرن، وهي خطة خبيثة أسمتها بخطة للسلام في الشرق الأوسط، الغرض منها هو إنهاء الصراع العربي (الإسرائيلي) على حد زعمهم. ففي الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير 2020م، أعلن الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض وإلى جانبه صديقه بنيامين نتنياهو خطته التي تتمحور حول جعل القدس عاصمة أبدية لكيان يهود إلى جانب ضم يهود لغور الأردن وشمال البحر الميت والضفة الغربية، مع إقامة دويلة فلسطينية عاصمتها قرية أبوديس شرقي القدس، شريطة أن تكون منزوعة السلاح بالكامل، بالإضافة إلى إلغاء حق العودة للمهاجرين واللاجئين الفلسطينيين الموجودين خارج الأراضي المحتلة. وهذه الصفقة المشؤومة قوبلت بالرفض جملة وتفصيلًا من الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية، بل وأثارت غضبًا شعبيًّا في أوساط الأمة. أما توقيت إعلان الخطة، فجاء مدروسًا بالكامل، فهو جاء بعد سلسلة من التلميحات والتمهيدات التي أفضت لتلك الصفقة، كاعتراف أمريكا بالقدس أواخر العام 2017م عاصمة لكيان يهود، وبالجولان السوري تحت سيادته عام 2019م، كما أنه جاء بعد تطبيع عدد من الدول العربية. ولم تُقْدِم أمريكا وكيان يهود على إعلان هذه الصفقة إلا بعد التأكد بشكل موثوق أن الحكام الخونة سيقفون مكتوفي الأيدي أمام هذه الصفقة الخبيثة، بل وسيطفئون موجات غضب الأمة على هذه الصفقة.
إن مشوار التطبيع قد بدأ في نهاية السبعينات؛ لكنه ظل فاترًا حتى عام 2020م. وبتعليمات أمريكية تمهيدًا لصفقة القرن التحقت 4 دول عربية بقطار التطبيع. وكان أول المطبِّعين هو النظام التركي عام 1949م، ثم تلاه النظام المصري عام 1977م، وطبعت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة برئيسها ياسر عرفات في اتفاقية أوسلو عام 1993م، لتتبعها الأردن عام 1994م فيما يسمى بمعاهدة وادي عربة، واستمرت بعض الأنظمة العربية الأخرى بالتخاذل والانبطاح للغرب مطبِّعين بشكل سري حتى وجدوا الفرصة إلى الخروج للعلن في عام 2020م كالإمارات والبحرين والسودان والمغرب، مخالفين أوامر الله جلَّ وعلا القائل في كتابه الكريم (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1]. بل إن التطبيع أصبح ورقة سياسية للعب بمشاعر المسلمين لدى بعض قادة المسلمين أبرزهم حاليًّا رئيس تركيا أردوغان الذي يدَّعي مقاطعة كيان يهود لكسب تأييد شعبي تقتضيه مرحلة سياسية معينة، فإن حقق مراده أعاد التطبيع الكامل مع كيان يهود بكل وقاحة وبشكل مفضوح للأمة.
إن فضيحة إقامة العلاقات مع كيان يهود لم تعد تثير خجل الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية، وخاصة الخليجية التي تسعى جاهدة لتخفيف الضغط الدولي عن كيان يهود، فقد عقدت لقاءات متكررة بين مسؤولين خليجيين ويهود في تل أبيب وأوروبا وأمريكا على مدار الأعوام السابقة، ففي عام 2005م أعلنت قطر والبحرين رفع الحظر الاقتصادي عن كيان يهود. وفي عام 2006م، قام حمد ملك البحرين بتعيين اليهودية البحرينية هودا نونو سفيرة للبحرين في أمريكا. وهناك عشر شركات تابعة للكيان تملك استثمارات في دبي جميعها مسجلة في قبرص، وشركة تسحام التابعة لمستوطنة أبكيم فازت بمناقصة باسم فرعها في بريطانيا لإقامة مزرعة جِمال ومركز لحلب النوق وتصديره في دبي. ومؤخرًا اتفق وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير بالقاهرة على تعيين أحمد أبو الغيط وزير خارجية مبارك (2004-2011)م في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية خلفًا لنبيل العربي، وتعيين أبو الغيط في هذا المنصب ما هو إلا دعم للعلاقات مع هذا الكيان الغاصب، فالتاريخ الدبلوماسي لـ«أبو الغيط» مملوء بالخيانات لصالح كيان يهود أهمها وأخطرها هو التصديق على إعلانه الحرب على قطاع غزة عام 2008م، وعلاقته الوطيدة بكيان يهود حيث يعتبر أبو الغيط من أهم الأدوات التي كان يستعملها، وعداوته الشديدة للفلسطينيين وخصوصًا حركات المقاومة.
وبالرغم من قرارات التطبيع التي هرولت لها أنظمة العمالة؛ إلا أنها لا تعكس رأي الأمة الإسلامية بل على العكس تمامًا. فالأمة ترفض التطبيع مع هذا الكيان الغاصب، فقد خرجت العديد من المظاهرات في البلاد الإسلامية في الكثير من الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية لتعبر عن رأي الأمة الرافض لمعاهدات التطبيع رفضًا تامًّا. وكذلك فإن جميع استطلاعات الرأي التي نظمت لتدرس مدى قابلية الأمة للتطبيع تظهر بشكل واضح أن الأمة ترفض الاعتراف بكيان يهود مهما كلف الأمر ومهما خذلها حكامها، وقد رأينا في مونديال قطر كيف تفاعلت الشعوب الإسلامية مع القضية الفلسطينية، وتم طرد يهود من الملاعب ومقاطعة إعلامييهم حتى اضطروا إلى إخفاء هويتهم. فالأمة الإسلامية ولله الحمد قد اكتسبت الكثير من الوعي السياسي مؤخرًا بعد معايشتها للكثير من الأحداث السياسية التي لاحظت فيها حجم المؤامرة الغربية عليها وخذلان حكامها العملاء المستمر لها وارتهانهم المفضوح للغرب الكافر المستعمر، وبالرغم من هذه النكسات المستمرة التي تتلقاها الأمة الإسلامية فهي تظل رافضة لأي شكل من أشكال التطبيع مع هذا الكيان الغاصب، عصيَّة أمام كل الضغوط التي تفرض عليها.
إن تجرؤ الغرب على احتلال أرض فلسطين ومن ثم فرض التطبيع ولو صوريًّا على يد حكام البلاد الإسلامية الخونة لم يأتِ إلا بعد تأكدهم من غياب دولة الخلافة الدرع الحامي الحقيقي للأمة الإسلامية الذائذ عن مصالحها أمام أعتى الطغاة. فالغرب لم يعطِ يهود الضوء الأخضر لاغتصاب فلسطين إلا بعد هدمهم دولة الخلافة العثمانية. وتحرير فلسطين وبقية بلاد المسلمين المحتلة لن يكون إلا بعودة دولة الخلافة، فهي الراعي الحقيقي لمصالح المسلمين، وهي النظام الوحيد الذي يمتلك القوة والقدرة لإعادة جميع الحقوق التي سلبت.
إن الركون إلى دويلات العار الحالية لن يجلب للأمة الإسلامية إلا مزيدًا من الخذلان والهوان، فالعمل الحقيقي أيها المسلمون يتمثل بإعادة نظام الخلافة على منهاج النبوة حتى نلمس المجد والعزة من جديد، أما رجاء النصر من غير ذلك فهو كاللهاث وراء السراب الذي لن يزيد صاحبه إلا ظمأ، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم شرف العمل لإقامتها ويفرحنا ببزوغ شمسها في القريب العاجل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
2023-04-09