الكاتب: هاشم صمصام – اليمن
نسعى في هذه المقالة أن نقدم الحل الصحيح للقضاء على الفساد الذي عمَّ الحياة البشرية اليوم وبات المشكلة الكبرى لدى الإنسان، فلم يبقَ شيء على وجه الارض إلا وعمَّه هذا الفساد وطمَّه الظلم؛ فلم يسلم: لا الإنسان ولا الحيوان ولا البيئة من شرور ربائب وأساطين الفساد الذين طغَوا وبغَوا بتطبيق نظام فاسد باطل من وضع البشر، وبالتالي فإنه يجب التخلُّص من هذا النظام الذي أشقى الناس وأباد البيئة.
ابتداءً، يجب علينا معرفة الفساد بعينه حتى نتمكَّن من استئصاله والقضاء عليه.
فالفساد لغةً: من مادة (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغةً البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحلَّ. قال الله تبارك و تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥)
أما الفساد اصطلاحًا: فالمراد فساد نظام حياة الإنسان بيئيًّا وسياسيًّا وإداريًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وإجتماعيًّا وقضائيًّا وعلميًّا وإعلاميًّا… فإنه لمن المعلوم أن نظام حياة الإنسان ينبثق عن فكر أساسي يحدد معالم هذا النظام وتوجهه الفكري، والنظام العالمي الحالي والسائد الذي يحكم البشرية ويتحكم بكل جوانب حياتها ينبثق عن المبدأ الرأسمالي الفاسد والمتوحش والوضعي، والذي وضعه عقل بشر عاجز وناقص ومحتاج؛ لذلك هو لا يصلح لأن ينظم حياة الإنسان، والدليل هو ما كان من نتيجة لتطبيقه على البشرية، فقد عمَّ الفساد البر والبحر والجوَّ، وصدق الله سبحانه القائل (ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٤١). لذلك فالفساد والضنك والشقاء الذي تتلظَّى به البشرية وتكتوي بناره لا ولن يزول إلا بالمنهج الحق الذي ارتضاه الله للعالمين؛ حيث قال الله تبارك وتعالى: (طه ١مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ٢ إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ ٣ تَنزِيلٗا مِّمَّنۡ خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلۡعُلَى ٤)، وقال الله تبارك وتعالىٰ (فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ ١٢٣ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ١٢٤)، وقال الله تبارك وتعالىٰ: (فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ).
وأما الفساد شرعًا، فهو كل ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية ومقاصدها والعمل بها، أي يتناول فعل جميع المحرمات والمنهيات، فهو الخروج عن أمر الله عز وجل. قال الزمخشري: الفساد هو الخروج بالشيء عن حال الاستقامة والنفع. وقال ابن كثير: الفساد هو العمل بالمعصية، كما قال إنه العمل بما يخالف النصوص الشرعية. إذًا، فهو ناتج عن ضُعف الوازع الديني بالنسبة للمسلمين والبُعد عن الله تبارك وتعالى بعدم تحكيم شرعه، وتحكيم غيره من خلقه، وعدم الالتزام بأوامره والانتهاء عن نواهيه. قال الله تبارك وتعالى: (إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ) وقال الله تبارك وتعالى: (أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ) وقال الله تبارك وتعالى: (إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ) وقال الله تبارك وتعالى: (إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ) وقال الله تبارك وتعالى: (وَهُوَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأُولَىٰ وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٧٠) وقال الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٨٨) وقال الله تبارك و تعالى: (ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ ١٢) وقال الله تبارك وتعالى: (وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ)…
وقال الله تبارك و تعالى: (إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بَِٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٤٤ وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٞ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٤٥ وَقَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدٗى وَنُورٞ وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ ٤٦ وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٤٧ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٤٨ وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ ٤٩أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٥٠) وقال الله تبارك وتعالى: (يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ٢٦).
هذا وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن من يدير النظام الفاسد هو من المفسدين في الأرض، قال الله تبارك وتعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥) وقال الله تبارك وتعالى: (ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٤١)…
ما أكثرها من آيات شدّدَ الله سبحانه وتعالى فيها على أن يكون الحكم لله وحده، واستعمل له أساليب الحصر والتأكيد ونفي الحق عن غيره، واستعمل له أسلوب الأمر الجازم بالحكم بما أنزل الله، والنهي الجازم عن عدم الحكم بما أنزل الله، ووصف الحكم بغير ما أنزل الله بحكم الجاهلية، ووصف الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله بأنه من (الكافرين) (الظالمين) أو (الفاسقين). والجدير بالذكر أن آيات الحكم هي من الكثرة بحيث يوجد العجب من عدم وقوف علماء المسلمين عليها وعدم العمل لإقامته في حياة المسلمين.
ثانيًا: القضاء على الفساد بتغيير النظام الفاسد.
أما كيف نقضي على الفساد، فلا يمكن إلا بالتغيير الجذري، قال الله تبارك وتعالى (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ). نعم لا يمكن التغيير إلا بتغيير ما في أنفسنا من مفاهيم مغلوطة متأثرة بالفكر الغربي، من مثل أنه لا يوجد في الإسلام نظام حكم ولا أي نظام للحياة، أو أن الإسلام نظَّم علاقة الإنسان بالخالق فقط، أو التأثر بأفكار هابطة آتية من عملية التضليل التي يمارسها القائمون على النظام الرأسمالي التي لا تصلح لنهضة الإنسان كالوطنية والقومية والطائفية و المذهبية و العنصرية، وغيرها.
إذًا، لا بد من التغيير؛ لكن قبل إجراء عملية التغيير، يجب علينا معرفة النظام الصحيح والبديل الذي يُصلح الحياة ويقضي على الفساد. وكذلك يجب علينا معرفة من له الحق في أن يشرع نظام حياة البشر، أي من له الحق في وضع النظام، أي من هو أهل لوضع النظام؟
الجواب هو أن نظام الحياة الصحيح للبشر هو النظام الذي وضعه وشرعه خالق هذه الحياة، وهو (الله تبارك وتعالى) هو الوحيد الذي له الحق في ذلك وهو الوحيد الأهل لذلك، قال الله تبارك وتعالىٰ: (إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ). وتحكيم شرع الله هيَ أكبر عبادة نتقرب بها إلى الله تبارك وتعالىٰ.
أما الذي وضعه البشر مثل الديمقراطية التي تقول إن الحكم للشعب، وهذا مُناقض لطبيعة الإنسان لأنه محدود وعاجز وناقص ومحتاج لغيره… ومن كانت هذه صفاته أو خاصياته فكيف يمكن له أن يشرّع أنظمة ويسن قوانين. وفي الوقت نفسه هو مناقض لدين الاسلام الحنيف لأن الشعب هم عباد وتحكيم العباد من دون الله هو عبادة للعباد بعينها، وتحكيم الله وحده من دون العباد هو إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد (الله جلَّ و علا). قال الله تبارك و تعالىٰ : (مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٠ )، وقال الله جلَّ جلاله: (فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٠)، أي أنَّ الدّين هو النظام بعينه… والدّين القيم هو النظام القيم.ُ ومن خلال هذه الآيات الكريمة نُلاحظ أن أكثر الناس لا يعلمون ولا يشكرون، وهم سبب الفساد في البر و البحر، قال تعالى: (وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ) وقال تبارك وتعالى: (وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُون) ولنضرب مثلًا من الواقع الملموس في حياتنا لمن له الحق في وضع النظام وسن القوانين والدساتير. الخبير الذي صنع السيارة ووضع لها نظامًا وضعه في كتاب (كتالوج) تجده بداخل السيارة عند شرائها وهو ما يسمى بدليل المستخدم، كدليل للسائق حتى يحافظ على سيارته كي تقوم بدورها التي صُنعت من أجله؛ لذا وجب على السائق اتِّباع جميع الأوامر الواردة في دليل المستخدم وإلا فسدت عليه سيارته وأصبحت غير صالحة؛ لذا تجد جميع السائقين حريصين كل الحرص على الالتزام بجميع ما ورد في هذا النظام بغية الاستفادة منها وعدم إفسادها عليهم، وحتى الميكانيكي فهو يلتزم بهذا الكتالوج لإصلاحها. هذا نظام السيارة ويمكننا قول مثل ذلك بالنسبة إلى نظام الهاتف المحمول والتلفزيون وكل مصنوع آلي أو إلكتروني الذي نجد كتالوجه معه عند شرائه. وقل مثل ذلك في كل مخلوق خلقه الله، قال تبارك وتعالى: (أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ)
أيها المسلمون، لماذا لا تطبقون نظام حياتكم الذي أنزله الخبير العليم الذي خلقكم، سبحانه تبارك وتعالى عما يصفون. وأنزله في كتابه (القرآن الكريم) على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يخرجكم من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهُدى حتى تتمكنوا من القضاء على هذا الفساد الذي عمَّ حياتكم وجلب لكم الشقاء والعيش الضنك، بسبب الحكم بهذه الأنظمة الوضعية والتي هي سبب الفساد في حياتهم اليوم وفي مشارق الأرض ومغاربها، أي أن القرآن الكريم هو (كتالوج) هذه الحياة الدنيا وللبشر كلهم، ولا تصلح الحياة إلا به، أي إن الحل الوحيد هو إقامة دين الله تبارك وتعالىٰ، الدين الذي أكمله في كتابه وبمحكم آياته ورضي به دينًا لعباده، قال الله تعالى: (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ).
أي أنَّه باكتمال الدين تتم نعمة الله تبارك وتعالىٰ علينا، ويحلُّ علينا رضوانه، أما بغيره فيرفع الله عنا نعمته وبركاته، وتحلُّ علينا نقمته، ويرفع عنا رضوانه، ويحلُّ علينا غضبه وسخطه… حتى نعود إليه كما أراد لنا نتحاكم إلى ما أنزله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين بدينه الحنيف (الإسلام).
لقد بعث الله الأنبياء وأرسل الرسل لعباده لينظم لهم حياتهم بثلاث علاقات، وهي علاقة العبد بخالقه، علاقة العبد بنفسه، وعلاقة العبد بمن حوله من البشر وسائر المخلوقات. وجعل لهم عقيدة ينبثق عنها نظام شامل متكامل ينظم حياة العباد في شتى مجالات الحياة، أي إنه ينظم حياة عباده كلها من أولها إلى آخرها، ومن أساسها إلى رأسها، بما يصلحها ويسعدها في الحياة الدنيا ويفلحها في الحياة الأخرى بالفوز بالجنة والنجاة من النار وبنوال برضوانه تبارك وتعالىٰ.
وفي الختام نقول: مهما جرب البشر من حلول، فالحل النهائي هو في الاسلام فقط، ولا يكون الحل إلا بدولته ألا وهي الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، قال الله تبارك تعالى: (والله غالبٌ على أمرهِ ولكنَّ أكثرَ النَّاس لا يعلمون) ألا قد بلغت اللهم فاشهد، ألا قد بلغت اللهم فاشهد، ألا قد بلغت اللهم فاشهد. والصلاة والسلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه و من سار على نهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.