الأستاذ محمد إسحق
إن جميع دول العالم تقريبًا تتبنى اليوم الرأسمالية كنظام اقتصادي لها. فمن خلال الاعتماد على مفهوم حرية الملكية الذي يعطي مساحة كبيرة للشركات الخاصة ويجعل السوق الحرة وسيلة لتجميع ثرواتهم، أدَّى تطبيق النظام الرأسمالي إلى هيمنة قلة من الناس على القوة الاقتصادية في العالم؛ وهذا ما مكَّنهم من التأثير على سياسات البلد. ثم بعد ذلك، وفَّر النظام الرأسمالي الفرص للدول القوية لاستغلال واستعمار الدول الضعيفة إما بشكل مباشر أو من خلال الأدوات والمؤسسات الدولية… فهناك العديد من الأدوات والآليات في النظام الرأسمالي التي تدعم هيمنة البلدان الرأسمالية في تنفيذ استعمارها على بلدان أخرى، منها: توفير الديون الخارجية، وتطبيق العملة الورقية، وحرية الاستثمار مباشرًا كان أو محافظًا، والحرية في التجارة العالمية.
الديون الخارجية
من أقوى الآليات التي تستخدمها الدول الرأسمالية للسيطرة على الدول الضعيفة واستغلالها تقديم الديون الربوية. فبالإضافة إلى حصول المنفعة أو الفائدة، وفَّرت الدول الرأسمالية أيضًا شروطًا متنوعة لمصلحتها، كاشتراط أخذ المقاولين والمواد من الدول الدائنة، والحصول على تنازلات اقتصادية من البلدان الـمَدينة، واستحقاق إدارة الموارد الطبيعية. والحاصل، يضحى الإنفاق الحكومي على البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية لسد الديون، حتى إن الحكومة تقترض أموالًا إضافية فقط لتلبية احتياجات سداد الديون.
ولقد استغلت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، المؤسسات متعددة الأطراف، وخاصة صندوق النقد الدولي/IMF والبنك الدولي، لتحقيق مصالحها المختلفة تجاه الدول الـمَدينة. على سبيل المثال، ورد في أحد التقارير أن هناك 26 برنامجًا من برامج قروض صندوق النقد الدولي، والتي تمت الموافقة عليها في عامي 2016م و 2017م، سببت هذه البرامج التظاهرات الشعبية في 20 دولة، والتي ترفض متطلبات ديون صندوق النقد الدولي مثل التخفيضات في الميزانية الحكومية، وارتفاع تكاليف الحياة، وإعادة هيكلة الضرائب، وإصلاح فاتورة الأجور. وفي نهاية المطاف، أدت الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي من خلال متطلبات البرنامج إلى الحد من قدرة الحكومات على توفير الخدمات العامة والوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين في مجال حقوق الإنسان1.بالإضافة إلى الدول الغربية، هناك الصين التي شهدت في العقود الأخيرة تقدمًا اقتصاديًا بسرعة فائقة، فقد اتَّبعت خطوات الدول الرأسمالية المتقدمة لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي من خلال إعطاء القروض للدول المستعيرة، حتى إن الصين أصبحت اليوم أكبر دائن متجاوزة بذلك البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، أو جميع الحكومات الدائنة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مجتمعة/OECD؛ حيث بلغت قيمة ديون بعض البلدان كجيبوتي، تونغا، وجزر المالديف، وجمهورية الكونغو، وقيرغيزستان، وكمبوديا، والنيجر، ولاوس، وزامبيا، وساموا، وفانواتو، ومنغوليا، أكثر من 20 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي2. وهذه الديون لها متطلبات متنوعة أيضًا، كحقوق التنازل لإدارة الموارد الطبيعية، مثل ما جرى في اتفاق الصين مع غانا؛ حيث يفرض هذه الاتفاق أن الصين ستنفق على بناء
شبكة سكك حديدية، وطرق، وجسور، بقيمة 2 مليار دولار مع التعويضات مقابل منح الصين الوصول إلى 5٪ من احتياطيات البوكسيت في غانا.3
الاستثمار
من الاستراتيجيات الأخرى التي استخدمتها الدول المتقدمة ترغيب تحرير القطاع المالي في البلدان النامية. وذلك أن المستثمرين الدوليين، لا سيما من سوق المستثمرين على نطاق واسع، مستعدون لإقراض أموالهم بشكل شراء سندات حكومية وأسهم الشركات التي تحتاج إلى رأس مال؛ ولكن هذه الظروف إنما تحصل عندما تكون الظروف جيدة، بينما هم يميلون إلى التراجع في الأوقات العصيبة، مما يؤدي إلى تضخيم التقلبات في الاقتصاد المحلي. حينذاك تتم تدفقات رأس المال الأجنبي الوافدة بشكل كبير، ولكن عندما تزداد إمكانات الدخل في البلدان الأخرى أو تزداد المخاطر في أسواق رأس المال، فإنهم يسحبون أموالهم، حتى يتسبب في تقلُّب العملة المحلية بشكل حادٍّ، وحتى يؤثر على الدخل والاستهلاك العام. وهذا يشبه ما حدث مؤخرًا في تركيا حيث فقدت الليرة التركية 44٪ من قيمتها في عام 2021م بسبب المستثمرين، الذين لديهم حيازات كبيرة من الأسهم والأوراق المالية في تركيا، غادروها بسبب الأزمة العالية، وبسبب امتناع البنك المركزي عن التغلب على ذلك
برفع أسعار الفائدة4.
وفي هذه الأوقات العصيبة، تقوم حكومات الدول النامية بزيادة أسعار فوائدهم لجذب الاستثمار من الشركات الأجنبية. ونتيجة ذلك، يزداد إنفاق الدولة على استيفاء الدين الحكومي، وبينما الفوائد التى تحصل عليها الشركات الرأسمالية تزداد أيضًا. في إندونيسيا مثلًا، فقد أدت مدفوعات الفائدة المرتفعة على الديون التى معظمها بشكل سندات يحتفظ بها المستثمرون، أدت إلى زيادة مدفوعات الفائدة أكثر من ضعفي ميزانية الدعم وثلاث أضعاف الإنفاق على المساعدة الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، ترغب الدول الغربية في تحرير الاستثمار المباشر في الدول النامية. وبالتالي، يمكن للمستثمرين الأجانب السيطرة على مختلف الموارد الطبيعية والأصول الاستراتيجية المختلفة في البلاد. في إندونيسيا مثلًا، يتنافس المستثمرون من مختلف البلدان للحصول على امتيازات التعدين، مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم والذهب والنيكل. وفي الوقت نفسه، تحصل الحكومة فقط على إتاوات منخفضة للغاية، حوالى 5% بالإضافة إلى ضريبة الدخل، بينما يتم تحويل أرباح هذه الشركات الأجنبية إلى بلدانهم.
العملة
لقد أصبحت العملة الورقية إحدى الوسائل التي تستخدمها الدول المتقدمة، خاصة الولايات المتحدة للحفاظ على وجودها كدولة كبيرة فضلًا عن كونها سببًا للعديد من الأزمات في مختلف البلدان بما في ذلك الدول الإسلامية. فمن خلال السيطرة على الدولار، يمكن للولايات المتحدة زيادة الإنفاق الحكومي على الرغم من أن ذلك يؤدي إلى عجز أكبر في الميزانية. ونفس الشيء الذي ينطبق على الأسر والشركات التي تستهلك أكثر من دخلهم، كما يتضح في عجز كفة العملية الجارية للولايات المتحدة.
ثم بعد ذلك يتم تمويل عدم التوازن عن طريق إصدار سندات دين، إما صادرة عن الحكومة أو الشركات التي يتم شراؤها فيما بعد من قبل البلدان الأخرى التي لديها احتياطيات بسبب فائض الحساب الجاري. ففي عام 2020م، بلغ إجمالي الدين الأمريكي الحكومي والتجاري والأسري 284 في االمائة من إجمالي الناتج المحلي، حتى أصبح المجموع 62 تريليون دولار أمريكي5. وقد تم شراء سندات الدين الأمريكية؛ ذلك لأنهم ما زالوا يؤمنون بالدولار الأمريكي ولم يكن هناك بديل لعملة أقوى كانت مستخدمة على نطاق واسع دوليًا.
ومع ذلك، استمرت قيمة الدولار في الانخفاض تماشيًا مع زيادة المعروض من الدولارات التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي من خلال سياسة نقدية فضفاضة (التيسير الكمي) لتعزيز اقتصاد البلاد بسبب الأزمات المختلفة التي عانت منها كل من الأزمة المالية والأزمة الوبائية التي حدثت في عام 2020م. وفي نوفمبر 2021م، بلغ إجمالي القاعدة النقدية للولايات المتحدة 6.4 تريليون دولار أمريكي تطورًا من 0.8 تريليون دولار أمريكي في عام 2007.6 وترجع سهولة البنك الاحتياطي الفيدرالي في طبع الدولار وشراء السندات في سوق رأس المال إلى أنه لا توجد عوائق تقريبًا تمنع الاحتياطي الفيدرالي بالقيام على ذلك، كما حدث عندما اعتمدت الدولة على معيار الذهب بحيث يجب دعم المعروض النقدي باحتياطيات الذهب. فالثمن لإنتاج الدولار كعملة ورقية منخفض للغاية، كتكلفة طباعة عملة 100 دولار أمريكي هي 1.4 سنت فقط7.
بالتالي، تكاد جميع البلدان تعتمد على الدولار الأمريكي، فكلما تقوم هذه البلدان بإجراء تعديلات في السياسة النقدية، إما أن تكون سياسته النقدية مخففة أو مشددة، فعملات البلدان الأخرى خاصة في البلدان النامية تشهد تقلبات في أسعار صرف عملاتها. وبالتالي أجرت هذه الدول التي اعتمدت أيضًا عملات ورقية غير مرتبطة بالذهب والفضة، تعديلات في السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار في عملاتها، وذلك من خلال الترغيب في رفع أسعار الفائدة المصرفية، على الرغم من أن هذا تسبب في ضغوط على الاقتصاد المحلي خاصة على المدينين. فإذا كان الدين مقوَّمًا بالعملة المحلية، فسوف يزداد العبء بسبب زيادة الفائدة، أما إذا كان الدين بعملة أجنبية، فسوف يزداد بسبب ضعف سعر صرف عملتهم. ثم إن المجتمع الأوسع يواجه تضخُّمًا بسبب ارتفاع تكاليف الاستثمار، وتكلفة استيراد السلع من الخارج تزداد غلاء؛ لأجل ذلك أصبح تخطيط الأعمال على المدى الطويل مليئًا بعدم اليقين.
والحاصل، فشلت العملة الورقية في أداء وظيفتها كعملة، فقد أدَّى التضخم الناتج عن نموِّ الأموال التي ينتجها البنك المركزي بحرية إلى انخفاض قيمة النقود بحيث تصبح وظيفتها كمخزن للقيمة ضعيفة. وفي الوقت نفسه، إن قدرتها كوسيلة لتبادل المعاملات الأجنبية ضعيفة للغاية؛ لأن سعر الصرف بين العملات غير مستقر للغاية.
بناءً على ذلك، وُلدت Bitcoin في عام 2009م كحلٍّ لإنشاء عملة خالية من تدخل الدولة بحيث يُتوقع أن تكون قيمتها مستقرة مقابل تنويع النقود الورقية أو السلعية. تلك العملة أيضًا تعتبر أكثر وقاية بالخصوصية؛ لذا لا يستطيع أي شخص تتبع مقدار الأموال التي يمتلكها الشخص، على عكس أنظمة العملات التقليدية؛ حيث يمكن للأطراف الثالثة كالبنوك، الوصول إلى البيانات المالية الشخصية.
والحاصل، لا يمكن للعملة أن تفي بالوظائف الرئيسية للنقود، مثل عدم وجود قيمة جوهرية دائمة، وعدم وجود مخزن للقيمة نظرًا لتقلبها الشديد للغاية بحيث تصبح وسيلة للمضاربة أكثر من العملة، وليس لديها القدرة كأداة التبادل المقبولة بشكل عام، حتى لو كان له وظيفة كوسيلة للتبادل، فإنه مقبول فقط من قبل حفنة من الأطراف. علاوة على ذلك، فعلى الرغم من أن الإنتاج يمكن أن يقوم به أي طرف، إلا أنه في الواقع يتركز في الشركات الرأسمالية التي لديها معدَّات تعدين كبيرة. وفوق ذلك، فقد تسبَّب انتشار عدد الكثير من أنواع العملات المشفَّرة التي وصلت الآن إلى أكثر من 9000 نوع – نتيجة لإدراك المطوِّرين أنه يمكنهم أيضًا استخدام نفس التقنية لتطوير «إصدارات» أفضل من الأصول، فقد تسبَّب في زيادة كمية هذه العملات زيادة سريعة مقارنة بالتكوين الأولي لهذه العملات.
السوق الحرة
شجعت الدول الغربية من خلال منظمة التجارة العالمية (WTO) التحرير في قطاع التجارة الدولية مع وعد بأن هذه السياسة ستشجع على زيادة التدفق الفعال للسلع والخدمات إلى البلاد، واتبع بعض البلدان مثل إندونيسيا آلية السوق الحرة كنتيجة لكونها عضوًا في منظمة التجارة العالمية. بالإضافة إلى ذلك، فتحت الحكومة على عجل دون إجراء دراسة معمَّقة أسواقها من البضائع المستوردة. فالحاصل، في ظل الظروف الاقتصادية المختلفة، يمكن للدول الغربية والدول الأكثر تقدمًا تصدير سلعها المصنوعة إلى دول نامية أخرى أكثر بكثير من صادراتها إلى هذه البلدان المتقدمة. حتى لو حصلوا على فائض، فإن هذا مدعوم ببيع الموارد الطبيعية وسلع المزارع في شكل خام أو بمستويات معالجة منخفضة.
وإذا رفضوا تنفيذ سياسة التحرير، فسيتلقَّون تهديدات من الدول المصدرة ليتم الإبلاغ عنها في منظمة التجارة العالمية، وبالتالي من المحتمل أن يفرضوا عقوبات على شكل دفع غرامات. وقد حدث هذا في إندونيسيا، عندما زادت الحواجز أمام دخول المنتجات الزراعية والحيوانية من الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا؛ حيث طلبت الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية أن تدفع إندونيسيا غرامة قدرها 350 مليار دولار لمنع استيراد منتجات البستنة والمنتجات الحيوانية من الولايات المتحدة إلى تلك
البلاد8.
لقد أدى تحرير التجارة إلى استخارج موارد طبيعية مهمة لبلد ما، والتي سيكون لها قيمة زائداة عالية إذا تمَّت معالجتها محليًّا. ومن ناحية أخرى، ستغرق البلاد بالمنتجات المستوردة بأسعار تنافسية؛ لأنها تحصل على دعم متنوع من حكومتها. ونتيجة ذلك، فإن المنتجين المحليين غير قادرين على المنافسة مما يؤدي إلى انخفاض سوقهم بل وحتى خسارة السوق؛ لذا يتعيَّن إغلاقهم وترك موظفيهم عاطلين عن العمل. كما تم استنفاد احتياطيات النقد الأجنبي لتمويل هذه الواردات، مما قلَّل من القدرة على التدخل في سوق النقد بسبب التقلبات في أسعار صرف العملات.
تأثير الرأسمالية
كان تطبيق النظام الرأسمالي في العالم السبب الرئيسي لمختلف الأزمات الاقتصادية والمالية. وقد نشأت هذه الأزمات منها: نظام مالي ونقدي هش للغاية، ولم يقتصر تأثير الأزمة على البلدان المتقدمة فحسب، بل أثر أيضًا على البلدان النامية والبلدان الفقيرة التي تعتمد بشدة على اقتصادات البلدان المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك، تسببت السياسات المختلفة للبلدان الرأسمالية لاستغلال البلدان النامية والفقيرة، كالديون الخارجية وسياسات الاستثمار والتجارة، في معاناة مختلفة في هذه البلدان.
نعم، لقد أدى تأثير تنفيذ النظام الرأسمالي إلى مستويات حادة بشكل متزايد من عدم المساواة والفقر في العديد من البلدان؛ حيث إن زيادة الدين الخارجي وتطوير البنية التحتية في البلدان الأفريقية لم يكونا مرتبطين بتحسين رفاهية سكانها، بينما يظهر الفقر على مستوى العالم اتجاهًا تنازليًّا. ومع ذلك، لا يزال الناس في البلدان الأفريقية يواجهون معدلات فقر عالية للغاية. فمن عام 1990م إلى عام 2017م ، ارتفع معدل الفقر المدقع (أقل من 1.9 دولارًا أمريكيًا في اليوم) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمقدار 9 ملايين شخص إلى 24 مليون شخص. وفي نفس الوقت، زاد الفقر في أفريقيا جنوب الصحراء بمقدار 151 مليون شخص، ليصل الرقم إلى 432 مليون شخص9.على وجه التحديد في البلدان التي يسكنها معظم المسلمين، يصل معدل الفقر إلى 50 في المائة وما فوق، مثل غينيا وموزمبيق ونيجيريا وسيراليون ومالي وبنين10.
ومن ثم يؤثر الفقر على عدم قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية وخاصة الغذاء، فوفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، بلغ عدد سكان العالم الذين يعانون من نقص الغذاء في عام 2020م: 768 مليون شخص أو 10%. ومن بين هؤلاء، معظمها يوجد في أفريقيا؛ حيث بلغ عدد سكانها 282 مليون شخص أو 21% من السكان؛ حيث ارتفع من 17% في عام 2015م 11.
في النهاية، مع تركز الثروة في أيدي البلدان المتقدمة والشركات الكبرى، واستغلال الفقراء والبلدان النامية، يزداد مستوى التفاوت في الثروة. بحلول عام 2020م سيكون لدى أفقر الناس الذين يشكلون نصف سكان العالم 2٪ فقط من إجماليِّ الثروة. وفي المقابل، يمتلك أغنى 10٪ من سكان العالم 76٪ من إجمالي الثروة. وفي المتوسط، يمتلك النصف الأفقر من السكان ثروة تبلغ 4100 دولار أمريكي ويمتلك أعلى 10 في المائة 771.300 دولار أمريكي أو 188 ضعف ثروة الفقراء. بعد ذلك، تمثل ثروة الأسر في أمريكا الشمالية وأوروبا 390% و230% من متوسط الدخل العالمي؛ في حين تمثل أفريقيا جنوب
الصحراء الكبرى 17% فقط، وجنوب شرق آسيا 40% 12.
لقد أدى صراع الدول الرأسمالية في البلدان الإسلامية من أجل القوة السياسية والاقتصادية إلى صراعات وحروب لا سيما بين عملاء الدول الرأسمالية، أو الصراعات الطائفية التي أشعلتها الدول الرأسمالية الغربية. فالحاصل، أصبح الأشخاص الذين يعانون من الفقر بائسين بشكل متزايد نتيجة لهذه الحروب والصراعات. وكان الفقر والنزاعات الطويلة هي أحد أسباب ارتفاع عدد اللاجئين من الدول الإسلامية، من بين 20 مليون لاجئ في عام 2020م، كان معظمهم في أوروبا 6.7 مليون شخص، تليها أفريقيا 6.6 مليون، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2.5 مليون.31 ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن معظم اللاجئين في أوروبا هم من بلدان منخفضة الدخل. ومنذ عام 2014م، جاء معظمهم من دول مزقتها الحرب، وهي سوريا والعراق وأفغانستان.
ونتيجة ذلك، فإن سياسات الدول الرأسمالية في الدول الفقيرة والنامية أدت إلى ضياع فرصها في التنمية وتحسين نوعية الموارد البشرية، وفي الوقت نفسه، تتمتع الدول الرأسمالية الدائنة بفوائد مختلفة من سياساتها في شكل تحويل الدخل والأرباح والموارد الطبيعية للدول الدائنة. وفي الوقت نفسه أيضًا، تشهد هذه البلدان المدينة اعتمادًا سياسيًّا واقتصاديًّا كبيرًا جدًا على الدول الدائنة؛ بحيث يضعف استقلالية الحكومات ودورها.
العالم بحاجة إلى خلافة الإسلامية
سوف تستمر السياسات الاستعمارية المختلفة للدول الرأسمالية للدول النامية والفقيرة، وكثير منها دول بلاد إسلامية، ما لم توجد دولة قوية تعارض هذه السياسات وتقدم سياسات وأنظمة بديلة من النظام الرأسمالية العالمية. والشيء الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في صدِّ جشع هذه الدول الرأسمالية هو دولة الخلافة الإسلامية، التي ستطبق الإسلام الذي هو وحي الله العادل والحكيم في البلاد وتنشر الإسلام في جميع أنحاء العالم من خلال الدعوة والجهاد.
فعلى سبيل المثال، وفي نظام الخلافة كانت العملات المستخدمة هي الذهب والفضة. وفي هذا النظام النقدي، لا تتدخل الدولة في تحديد المعروض النقدي، ناهيك عن استخدام السياسة النقدية التي تستخدم آلية سعر الفائدة. ومع ذلك، يتم تحديد قيمة العملة فقط من خلال المعروض من الذهب والفضة في الدولة. وبالتالي، ستكون قيمة العملة مستقرة على المدى الطويل، كما أن التبادل بين العملات بين الدول التي تستخدم الذهب والفضة سيكون مستقرًا أيضًا. كما سيتم الحفاظ على قيمة ثروات الناس والالتزامات المادية؛ لأن التضخم سيظلُّ منخفضًا. بالتالي، سيؤدي هذا الشرط إلى نمو تدفق التجارة الدولية في السلع والخدمات بشكل أفضل ولا يمكن لأي دولة بمفردها احتكار عملة عالمية واحدة.
ستؤسس دولة الخلافة أيضًا سياستها المالية على أساس الشريعة الإسلامية؛ حيث يعتمد الدخل والنفقات على الوظائف التي تحددها الشريعة الإسلامية. وعليه، فإن استخدام الدين الربوي في تمويل الإنفاق الحكومي هو سياسة لن تنفذها الخلافة أبدًا، بما في ذلك الدين المصحوب بشروط تضر دولة الخلافة. وسيكون دخل الدولة كبيرًا جدًا من خلال زراعة الثروات الطبيعية الوفيرة بحيث تكون ذات قيمة عالية وبيئة أعمال مواتية؛ بحيث يمكن أن تكون مستقلة عن ديون البلدان الأخرى.
كما ستنظم دولة الخلافة الملكية والاستثمار حتى يعود بالنفع على الناس؛ حيث تتحكم الدولة بشكل كامل في الملكية العامة ويتم استخدام إيراداتها قدر الإمكان للناس. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تستعين الدولة بالقطاع الخاص لتقديم الخدمات التي تحتاجها الدولة في إدارة هذه الثروة.
بالإضافة إلى ذلك، سيتمتع القطاع الخاص بمرافق استثمارية متنوعة، وسيكون من السهل الحصول على رأس المال؛ لأنه لم يعد هناك فائدة على القروض التي تمنع الناس، ولا سيما ذوي الدخل المتوسط الأدنى من الاستثمار، وستحظر الدولة أيضًا أنشطة التخزين بحيث تكون سرعة المال عالية جدًا. وفوق ذلك، فإن الضرائب على الدخل، التي يمكن أن تصل نسبتها في البلدان الرأسمالية الغربية إلى أكثر من 50٪، غير موجودة أيضًا، وعلى الرغم من وجود التزام دفع زكاة؛ إلا أنه يتم تطبيقه على الأصول المتراكمة على مدار عام والتي تبلغ قيمتها 2.5 في المائة، وليس على الدخل. أما الضرائب فإنها تُفرض على المسلمين فقط عندما يكون مصدر دخل الدولة غير كافٍ لتمويل النفقات اللازمة، كدفع تعويضات لموظفي الدولة، وتعويضات الفقراء والمحتاجين، وتطوير البنية التحتية التي يحتاجها الجمهور، وإدارة الكوارث، وتنفيذ فريضة الجهاد.
إن وجود بيت المال كمقدم للمساعدات والقروض للمقيمين الذين يحتاجون إلى رأس مال دون أي تعويض، بما في ذلك الفوائد، يجعل دور المؤسسات المالية التي تزدهر في النظام الرأسمالي ليس لها أي أهمية. فضلًا عن ذلك، ستحظر الخلافة أي مؤسسة مالية تطبق ممارسات الأعمال الرأسمالية كمثل البنوك الربوية، والتأمين، والشركات في شكل شركات ذات مسؤولية محدودة والتي تتاجر في أسهمها في سوق رأس المال.لن تشجع هذه السياسات ظهور روَّاد الأعمال المحليين فحسب، بل إنها أيضًا جذابة للغاية لأصحاب المشاريع في العالم الذين يتعرَّضون لضغوط من السياسات الرأسمالية المختلفة التي ينفذها حكامهم.
وفي الوقت نفسه تضمن دولة الخلافة تلبية الاحتياجات الأساسية لكل مواطن بغض النظر عن الدين والقبيلة والعشيرة. وفوق ذلك سيتم دعم المواطنين المسنِّين غير القادرين على العمل أو الأشخاص ذوي الإعاقة الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف من قبل الدولة بشكل مستمر إذا لم يكن لديهم عائلة يمكنها تلبية احتياجاتهم اليومية، كما ستتم أيضًا مساعدة السكان العاطلين عن العمل والقادرين على العمل من قبل الدولة من خلال بيت المال لتزويدهم بالمرافق التي يمكن أن تدعمهم في العثور على عمل.
هذه بعض الأمثلة لسياسات دولة الخلافة، وكلها مستمدة من وحي الله سبحانه وتعالى، وليس الأمر كما في النظام الرأسمالي؛ حيث تستمَدُّ الأنظمة من القواعد البشرية المحملة بمصالح أصحاب رأس المال؛ فتؤذي البشر في أجزاء مختلفة من العالم. هذا والله أعلم بالصواب.
1 جينو برونزويجك ، شرط غير آمن: قرض صندوق النقد الدولي المشروط وأثره على التمويل الصحي ، الشبكة الأوروبية للديون والتنمية ، نوفمبر 2018. https://www.eurodad.org/unhealthy-conditions.
2 سيباستيان هورن ، كارمن إم راينهارت ، وكريستوف تريبيش ، ما مقدار الأموال التي يدين بها العالم للصين؟ هارفارد بيزنس ريفيو ، 26 فبراير 2020. https://hbr.org/2020/02/how-much-money-does-the-world-owe-china
3 «صفقة الصين بقيمة 2 مليار دولار مع غانا تثير مخاوف بشأن الديون والتأثير والبيئة ،» سي إن بي سي ، 21 نوفمبر 2019. https://www.cnbc.com/2019/11/21/chinas-2-billion-ghana-deal -fears-over-Debt-effect-environment.html
4 «أردوغان يلقي باللوم في مشاكل العملة التركية على «الأدوات المالية الأجنبية» مع انخفاض احتياطيات البنك المركزي «سي إن بي سي ، 13 يناير 2022. https://www.cnbc.com/2022/01/13/erdogan-blames-turkeys-currency-woes-on-foreign-financial-tools-as-central-bank-reserves-fall. Html
5 نظام الاحتياطي الفيدرالي ، الحسابات المالية للولايات المتحدة. https://www.federalreserve.gov/releases/z1/20210610/html/recent_developments.htm
6 البيانات الاقتصادية للاحتياطي الفيدرالي (FRED) سانت لويس الفيدرالي ، القاعدة النقدية ؛ مجموع. https://fred.stlouisfed.org/series/BOGMBASE
7 نظام الاحتياطي الفيدرالي ، ما هي تكلفة إنتاج العملة والعملات المعدنية؟ https://www.federalreserve.gov/faqs/currency_12771.htm
8 «نحن. يطلب عقوبات سنوية بقيمة 350 مليون دولار في النزاع التجاري في إندونيسيا «، رويترز ، 7 أغسطس / آب 2018. https://www.reuters.com/article/us-indonesia-usa-wto-idUSKBN1KS0HQ؛ «نحن. يفوز في نزاع منظمة التجارة العالمية بشأن القيود الزراعية في إندونيسيا «، 09 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 ، مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة. https://ustr.gov/about-us/policy-offices/press-office/press-releases/2017/november/us-wins-wto-dispute-indonesia٪E2٪80٪99s.
9 ماكس روزر وإستيبان أورتيز أوسبينا ، الفقر المدقع العالمي ، عالمنا في البيانات ، نُشر لأول مرة في 2013 ؛ والمراجعات الأصغر في عام 2019. https://ourworldindata.org/extreme-poverty.
10 لجنة التعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي ، توقعات الكومسيك للفقر 2019. https://sbb.gov.tr/wp-content/uploads/2019/11/COMCEC-POVERTY-OUTLOOK_October-2019.
11منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية. 2021. حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021.تحويل النظم الغذائية لتحقيق الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة والأنظمة الغذائية الصحية الميسورة التكلفة للجميع. روما ، الفاو.https://doi.org/10.4060/cb4474en
2 Chancel، L.، Piketty، T.، Saez، E.، Zucman، G. et al. التقرير العالمي لعدم المساواة 2022 ، مختبر اللامساواة العالمي. https://wir2022.wid.world/www-site/uploads/2021/12/WorldInequalityReport2022_Full_Report.
pdf13 المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، التقرير العالمي 2020، https://reporting.unhcr.org/sites/default/files/gr2020/pdf/GR2020_English_Full_lowres.pdf#_ga=2.149695920.784514037.1642918837-376537889.1642918837