الإعلام والمنظمات الدولية… يد واحدة في إفساد البشرية
2022/03/31م
المقالات
1,201 زيارة
نبيل عبد الكريم
تنبثق أهمية الأسرة في أي مجتمع من كونها لبنة تشكل الخلية الأولى للمجتمع، فهي أساس الاستقرار وضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري ونقطة ارتكازه، فأي ضعف في هذه الخلية يساهم في معاناة المجتمع من الانحطاط الفكري وتدهور العلاقات الإنسانية وغياب التكامل الاجتماعي… واليوم، تشهد «الإنسانية» حربًا ضروسًا على الأسرة ووظيفتها في المجتمع، ومن يقف وراء هذه الحرب يعمل بدأب إلى إعادة هيكلة وظائف المجتمع بكل شرائحه وفق منظور إلغاء الثنائية (الذكر والأنثى) وإحلال النوع الاجتماعي محله، وإغراق لبنة الأسرة في مستنقع فوضى الأدوار، وحرية التصرف بالجسد، وحرية قتل الأجِنَّة وضمان الفاحشة، والشذوذ الجنسي وتغير الجنس تحت عنوان «حرية الاختيار»، وغيرها الكثير والكثير جدًا. ولوصول هؤلاء الذين يقفون وراء هذه الحرب إلى تحقيق أهدافهم، عملوا منذ زمن طويل على إيجاد التربة التي تمكِّنهم من تنفيذ مخططاتهم فيها، وتقديم التشريعات بشكل رسمي ليصبح الأمر قانونيًّا، له صفات أممية ومن دون معارضة تذكر.
وفي هذا المجال، لعب الإعلام، عبر وسائطه المختلفة منها المقروءة والمسموعة والمرئية، دورًا محوريًّا في هذه الحرب، فكان من أهم أسلحتها؛ لأن الإعلام أصبح ملتصقًا بالإنسان كالتصاق الثوب بالبدن، ومنتشرًا بين كل طبقات المجتمع من متعلمين وغير متعلمين، فقراء وأغنياء، صغارًا وكبارًا، ومستغرقًا جلَّ أوقاتهم، ومسخِّرًا كلَّ إمكاناته وحاشدًا لجيوشه من الموظفين المختصِّين لنشر الانحلال الفكري والخلقي، وترويج الشذوذ الجنسي، والتحلُّل من جميع القيم والمفاهيم والأخلاقيات التي يتمتع بها الإنسان بفطرته.
نحن نعلم أن الإعلام دخل كل بيت، ووصل إلى كل يد، وأصبح رفيق الدرب في العلن والخصوصية، من دون أي اعتبار لعمر أو جنس أو أي أمر آخر… وأنه أصبح يؤثر على حياة المشاهدين، ويفرض عليهم مفاهيم جديدة، ويغير أنماط الفكر والسلوك لديهم، ويجعلهم فريسة الضِّباع التي تخدرهم وتجعلهم يتبعونها إلى حيث مقتلها. والواضح أن القائمين على مثل هذا النوع من الإعلام يديرون مؤسسات إعلامية عالمية كبرى تسيطر على كل مفاصل الإعلام بشكل مباشر أو غير مباشر في العالم، وهم لم يكتفوا بتحقيق الأرباح الخيالية التي بلغت فيها ثرواتهم أعلى سلَّم الثراء في العالم، بل نراهم يمتلكون عقولًا شيطانية تريد أن تخضع العالم كله لشرِّها. أما حكومات المسلمين فيبدو عليها التواطؤ الضمني؛ إذ تسمح بجريان صديد هذا الإعلام في بلادهم من غير إيقاف له.
نعم، إن وسائل الإعلام تمتلك قدرة هائلة على التأثير في عموم الناس، وتغيير نظرتهم إلى أنفسهم وإلى العالم من حولهم، وتستطيع دعم التدافع الغريزي لديهم بشكل حيواني بعيدًا عن تأثير المفاهيم على تصوراتهم وتصرفاتهم. وتستطيع إحداث خلل في قيم الشعوب بشكل عام، والتلاعب بعقول البشر والكذب عليهم وتضليلهم بسهولة. يقول مؤسس جريدة نيويورك تايمز: «أعط أي إنسان معلومات صحيحة ثم اتركه وشأنه، سيظل معرضًا للخطأ في رأيه، ربما لبعض الوقت ولكن فرصة الصواب سوف تظل في يده إلى الأبد، واحجب المعلومات عن أي إنسان أو قدِّمها إليه مشوَّهة أو ناقصة أو محشوَّة بالدعاية والزيف؛ إذًا فقد دمَّرت جهاز تفكيره ونزلت به إلى ما دون مستوى الإنسان».
ومن أساليب عملهم في إحداث التأثير هو جعل الشباب والشابات مثلًا يواكبون، بدون وعي أو حتى تفكير، الموضات المختلفة الجديدة عن طريق مشاهير وأبطال الأفلام والمسلسلات، وتقليدهم بشكل أعمى في كل شيء كقصات الشعر واللباس والوشم وحتى طريقة الكلام وغيرها؛ فنجد شباب اليوم يلبسون ما هو خليع ويقولون ما هو سفيه دون حياء أو إحساس بالذنب؛ لأن أبطالهم تقول وتفعل هذا، وبذلك يتم نقل كل الأفعال والأقوال من شاشات الأجهزة الإلكترونية إلى أرض الواقع وكأنها شيء طبيعي نابع من طبيعة المجتمع، مع أنها في واقع الأمر مرفوضة ومنافية لقيمه، بل والأسوأ من ذلك أن الإعلام يجعل المشاهدين يتعاطفون مع البطل الذي يمثل دور الضحية بكل حالاته، سواء إن كان شاذًّا أم ديُّوثًا أم قاتلًا أم حتى زانيًا، فيبكون على بكائه ويتألمون على ألمه ويتماشَون مع قصته ويبرِّرون خيانته… ونظرًا إلى هذه النتائج الخبيثة وآثارها السلبية؛ فقد أصبحت البيوت وهِنة متفككة، وهذه أمثلة قليلة من ملايين الأمثلة التي تمارس على المسلمين كل يوم.
في ظل مثل هذا الإعلام الفاجر، أصبح الإنسان مكشوفًا مفضوحًا منغمسًا فيه ولا يستطيع الفكاك بسهولة عنه، مدمنًا عليه لا يمكنه الاستغناء عنه… وهو يعمل ببرامجه على تفكيك العلاقات الإنسانية والاجتماعية وإحداث الانحلال الأخلاقي واستسهال الشذوذ بكل أنواعه، ويعمل وفقًا لأيديولوجيات وأجندات خاصة مدروسة بعناية فائقة ومؤثِّرة لتحقيق الوصول الكامل إلى ما يخدم مخططات شيطانية تقف وراء كل ذلك، وضمن سياسة منظَّمة ذات أهداف خفيَّة ترمي إلى تدمير العقائد والقيم المجتمعية والتربوية والخلقية وترمي إلى جعل العالم كله يتلوَّن بلون واحد من صور التهتُّك والتحلُّل، ويدين بدين واحد جديد يغلب بمفاهيمه الفاجرة كل الأديان النمطية السابقة، بحسب زعمهم.
وهذا يجرنا إلى الحديث عن أن هناك مؤسسات إعلامية كثيرة ذاع صيتها على مستوى العالم، تعمل على التوجُّه المذكور نفسه، وجميعها تملك تمويلًا عاليًا جدًا وسلطة واسعة، وسوف نأخذ شركة نتفلكس كمثال عليها، فهي شركة تقوم اليوم بهجمة شرسة مشبوهة على المسلمين تستهدف النيل من مفاهيم دينهم وتغييرها.
في أواخر التسعينات، بدأ مؤسسا شركة نتفليكس مارك راندولوف وريد هاسيتنجر في البحث عن مضاعفة أرباحهما من تأجير الأفلام والمسلسلات والبرامج التي تدخل كل منزل، وهي اليوم تنافس كبرى شركات الإنتاج مثل (ديزني) و (وارنربروس)… وغيرها، وذلك لما تملكه من آليات تمَّ تطويرها عبر عشرات السنين حتى أصبحت اليوم تلامس أذواق ملايين المشاهدين عبر العالم، فهي شركة متخصصة في إنتاج وعرض الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية من خلال شبكة الإنترنت. وجزء من الأعمال التي يتمُّ عرضها في منصتها هي من إنتاجها الخاص، ولا تعرض في منصات أخرى، وأيضًا تقوم بشراء أعمال ناجحة لعرضها حصريًّا على منصاتها لتجعل لها قوة للسيطرة على أكبر شريحة من المشاهدين؛ حيث يشتركون معها دون الذهاب إلى غيرها مطلقًا. وعلى سبيل المثال ومن أجل التأثير على الأسر والأطفال وإبقائهم مدمنين على متابعتها، قامت شركة نتفليكس بشراء حقوق قائمة أعمال الكاتب البارز في مجال أدب الأطفال (روالد دال) في إطار التعاون على إنتاج مسلسلات رسوم متحركة مقتبسة من أنجح رواياته. وعلى سبيل المثال في اهتمام الأسر بمثل هذه الروايات وصلت «ويلوغبيز»، وهي كوميديا رسوم متحركة لعام 2020م إلى ما يقرب من 38 مليون أسرة في الأسابيع الأربعة الأولى لعرضها.
وهناك العديد من أعمال هذه الشركة التي تستهدف المجتمع الشرقي والمسلم بالتحديد، والتي تحمل الأفكار المنحرفة التي لا تتناسب مع طبيعتنا الإنسانية وفطرتنا السليمة، بل تعدى خطر المسلسلات والأفلام التي تبثها منصة نتفلكس هذا الحد، ليصل إلى بث الرسائل العقائدية التي تشكك في المعتقدات الدينية وتحقِّرها، وتستهدف هدمها؛ وذلك ضمن منهجية مخطط لها.
ومن الملاحظ أن شركة نتفلكس من خلال طبيعة أعمالها وحملات الدعاية التي تقوم بتصميمها وبثها تستهدف فئة الشباب وخاصة المراهقين منهم؛ وذلك لأنهم تربة خصبة لزرع الأفكار المنحرفة التي من شأنها أن تعمل على زعزعة الأمن الفكري والأخلاقي للمجتمع والتي ينتج عنها مجتمع فاسد لا علاقة له بالقيم ولا بالأخلاق ولا يربطه بالدين رابط، وقد وصلت نسبة مشاهدي منصة نتفلكس حول العالم في العام 2020م إلى حوالى 170 مليون، تشكل نسبة الشباب والمراهقين منهم حوالى 55%، أي إن غالبية متابعي هذه المنصة هم من الشباب والمراهقين… إن عمل هذه المنصة يتمثل بإغراق المشاهد بسيل من اللقطات الصادمة حتى يتطبَّع عليها؛ حيث يتم حشد المشاهد الإباحية بالذات ذات الطبيعة الشاذَّة، والتي كلها تسير بشكل عادي في مجتمعهم الغربي ونظامهم الذي لا ضوابط له، فتكون على شكل دعايات في كل الأعمال التي يذيع صيتها، هذا غير النقاشات الحوارية بين الآباء والأبناء ذات التوجه الجنسي الشاذِّ.
ويلاحظ أن هناك تنسيقًا غير معلن بين هذه المنصات الإعلامية وأروقة التشريع في منظمة الأمم المتحدة. فالأولى تعمل على تهيئة التربة لنشر وقبول الأفكار المنحرفة، بينما تقوم الثانية بفرضها على الحكومات على اعتبار أنها مواثيق دولية، وتفسح المجال لمنظمات مشبوهة أن تكون أدواتها التنفيذية على الأرض مثل منظمات المجتمع المدني، وتفرض على الحكومات إعطاء هذه المنظمات الحق في صنع القرار الذي يحمل أجنداتها، وهذا المشهد التآمري الخبيث يكتمل عندما نرى ارتباط هذه المنظمات بالسفارات، وبالتالي تخصيص الأموال الطائلة التي تضعها بين يديها لتخدم أجنداتها السياسية والفكرية والاقتصادية في كل بلد تعمل فيه.
وهذه المنظمات مدعومة ومنتقاة من قبل الأمم المتحدة لتمثل قوى ضغط على الحكومات من الداخل، وهم من أبناء البلاد ويتم تدريبهم بواسطة معهد للبحوث والتدريب INSTRAW وهو مصمم خصيصًا لذلك، وله صندوق دعم مالي خاص UNIFEM وقد بلغ ذلك الإكراه التشريعي مداه بإجبار البرلمانات والمجالس التشريعية على تقنين منظومة الفوضى الجنسية بكل مفرداتها وتفاصيلها وإيجاد أدوات لحمايتها قانونيًّا وقضائيًّا، فنجد أن مواثيق الأمم المتحدة تمنح حق اختيار الجنس وحرية التحوُّل الجنسي لمن يشاء في حين هي نفسها تحرم شعوبًا كاملة من حقِّها في اختيار التشريع الذي يناسب مجتمعها.
وإذا درسنا أهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمرأة والطفل والسكان والتنمية نتوصل إلى أن هيئة الأمم المتحدة قد صاغت خلال تلك المواثيق استراتيجيات كاملة يؤدي تطبيقها إلى هدم الأسرة بشكل عام. وتوكل مهام تشكيل الرأي العام للمؤسسات الإعلامية والتعليمية ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ذات الطابع الخيري.
وأيضًا نجد الأمم المتحدة تدعي أنها تستهدف القضاء على الفقر من خلال هذه الأجندات، وخاصة اتفاقية التنمية المستدامة 2030م؛ ولكن في حقيقة الأمر تعتبر تلك الاتفاقية خطة جديدة لاستكمال ما فشلت بتطبيقه من خلال وثيقتي بكين والقاهرة للسكان 1995م من مساواة الجندر واستقواء المرأة والطفل ونزع القوامة من الرجل، وهذا بشهادة لجنة مركز المرأة؛ حيث قالت أنه عبر أكثر من 20 عامًا لم تحقق أي دولة المساواة التامة المرجوة، وإنهم اتفقوا على التعاون جميعًا على تطبيق اتفاقية التنمية المستدامة 2030م لتحقيق تلك الأهداف.
والآن، ما السبيل للخروج من هذا الفخ الشيطاني الخبيث، والذي يسعى إلى فرض نظام عالمي جديد يخرج الإنسان من إنسانيته، والمسلم من عبوديته لله؟.
إن مثل هذا المكر إنما هو ممتد منذ أكثر من مئة عام، وتحديدًا منذ هدم الخلافة، وهي تجد مقاومة طبيعية من المسلمين بسبب أن العقيدة الإسلامية راسخة رسوخ الجبال في نفوسهم، ولا يمكن اقتلاعها مهما فعلوا. وبسبب غيرة المسلمين على دينهم وأهاليهم وأمتهم. وإن الواجب على المسلمين اليوم، أن لا يدَعوا هذه المخططات تحقِّق أهدافها الشيطانية، وأن عليهم استخدام سلاح الوعي لمواجهتها، وهذا مجاله واسع، وفيه القدرة على التاثير؛ وذلك عبر ملء وسائل الإعلام نفسها ببرامج توعية تحذر منها. وهناك بعض المستويات في المواجهة والمعالجة، ولا بد من أن تشمل كل المسلمين؛ لأن المشكلة تطالهم جميعًا، ومنها…
– إن الخوف على العائلات أن يكون الآباء أو الأمهات هم من ضمن الواقعين في شراك هذه الشبكات الإعلامية المشبوهة، فعليهم أن يحذَروا من هذه البرامج، وأكثر من ذلك أن لا يكثروا من استعمالها بسرف، وأن يلتفتوا إلى أنفسهم وعائلاتهم أكثر، وأن يوجهوهم على أساس من دينهم، وتوعيتهم إلى أن يتعاملوا معها بحذر وعدم الاطمئنان إلى ما تعرضه مثل هذه الوسائل.
– إن على العلماء أن يعتبروا هذه المشكلة من المشاكل التي يجب تناولها والتحذير منها في خطبهم ودروسهم وأحاديثهم… فهناك الآيات والأحاديث الكثيرة التي تشجع المسلم على التمسك بدينه وعدم الانجرار وراء مثل هذه الأدوات الفاسدة، وخاصة أنها تريد بالمسلمين شرًّا، تريد أن تحرفهم عن دينهم، وترميهم في أوحال الرذيلة
– الحرص على أن يكون هناك رأي عام من منطلق إسلامي واعٍ يجعل المسلم لا يسلِّم أمره لمثل هذه المنصات ولا لما تعرضه، فوجود الرأي العام على أمر ما يساعد على المعالجة، إذ هناك فرق بين أن يكون الأمر منتشرًا من غير وازع وبين أن يكون مرفوضًا أو معيوبًا عند عامة الناس.
– لا شك أن هذه المنصات الإعلامية قد فرضت نفسها على الأهل إلى الدرجة التي أصبحوا فيها لا يستطيعون أن يمنعوا أبناءهم من امتلاكها، وتوسعت حتى إنها أصبحت من الوسائل اللازمة للأبناء في التعليم في المدارس وفي الجامعات… وأصبح الأبناء يلمُّون بتقنيتها أكثر من أهاليهم، لذلك كان الحلُّ المتاح إنما هو بتوجيههم كيف يستخدمونها، وتنبيههم من مثل هذه المواقع المشبوهة (نتفلكس وغيرها) وتنبيههم إلى الأهداف الماكرة التي تقف خلفها.
فإذا وقف الأهل ووقف العلماء مثل هذا الموقف منها فلا بد من وجود رأي عام يرفض ليس وسائل التواصل ولكن المنصات المشبوهة كالتي نذكرها… ونحن أقدر على التأثير لأن الدين عند الجميع مقدم على مثل هذه الدعوات.
إن من يدقق فيما عرضناه من معالجات يجد أنها تأخذ صفة الدفاع ومواجهة الهجوم علينا، ومحاولة تفويت خطرها، وليس فيها معالجات جذرية تنهيها بالكلية، ولو رجعنا إلى الوراء لوجدنا أن المسلمين لم يهدأ المكر عليهم من الغرب منذ ما قبل هدم دولتهم، وقد تضاعف بعد هدمها، ولوجدنا أن المسلمين كانوا يواجهونه في كل مرة، ولا يسمحون له، وقد أخذ أشكالًا وألوانًا، من عقد مؤتمرات كمؤتمر بكين ومؤتمر القاهرة وما تم فيه من دعوة إلى تحديد النسل أو المعاشرة خارج إطار الزوجية تحت شعار التنمية المستدامة… ومن تسخير وسائل الإعلام لتكون بوقًا لدعواتهم، ومن إيجاد منظمات المجتمع المدني التي تدافع عن حقوق المرأة والأطفال والمثلية الجنسية والأقليات…، أو الدعوة إلى الدولة المدنية أو الدعوة إلى التطبيع مع اليهود وقبول اغتصابهم لفلسطين أو التهاون بأحكام دينهم، أو الاندماج بالثقافة الغربية، أو الحرب على الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب… وهم في كل مرة يفشلون، ولم يتمكنوا حتى الآن من تمرير مكائدهم ودعواتهم المشبوهة في حياة المسلمين، بل تم رفضها، وظهر للغرب أن المسلمين متمسكون بدينهم بما لا يمكِّنهم من النجاح، ووجدوا على عكس ما كانوا يتصوروه، أن المسلمين قد ارتدوا عليهم بثورات تريد اجتثاثهم من بينهم، وطرد نفوذهم وقلع عملائهم من الحكام، وهنا يمكن القول إننا أمام حرب مفتوحة، يريد الغرب فيها أن يفرض على المسلمين تغيير فهمهم للإسلام، أو أن يصلح دينهم كما انكشف، أو أن يبعدهم عن دينهم… قائمتهم طويلة ولكنها خاسرة بائرة، وما هذه المنصة التي نتكلم عنها إلا إحدى أدواته ووسائله الشِّريرة.
أما المواجهة الحقيقة فلا يمكن أن تكون إلا من خلال دولة إسلامية تضع حدًّا كليًّا لهم، بل تفتح أبواب الرحمة والهداية أمام شعوبهم حين تدعوهم إلى الإسلام… وهذا هو الفرق بيننا وبينهم، نحن ندعوهم إلى الجنة وهم يدعوننا إلى النار، يدعوننا لنكفر بالله ونجعل له أندادًا ونحن ندعوهم إلى العزيز الغفار. نعم لا يمكن إيقاف كيد الكفار نهائيًّا إلا من خلال دولة إسلامية، وكلنا يعرف كيف هدد السلطان عبد الحميد الثاني دولة فرنسا ومنعها عرض مسرحية مسيئة للرسول وللإسلام في بلدهم، ومن قبل كيف أجبر السلطان سليمان القانوني ملك فرنسا أن يمنع الرقص الفاحش العلني الذي يحدث في الشوارع عندهم حتى لا يتأذى المسلمون في بلادهم منه…
نعم، إن الحل الجذري لهذه المشاكل عامة وهذه المسألة خاصة هي استئصال هذا النظام العالمي الحاكم وإقامة نظام الإسلام الذي هو بالأصل نظام عالمي، فهو الأصيل الذي عليه أن يجتث جذور هذا الفساد ضد الإنسانية جمعاء فالإسلام جاء ليعالج جميع علاقات الإنسان فهو مبدأ رباني موافق لفطرة الإنسان التي فطرها الله فيه فتطبيقه على أرض الواقع يعيد للإنسان إنسانيته ويمنع العابثين من أن يعبثوا به أو يغيروا خلق الله.
فاشحذوا، أيها المسلمون، هممكم، وشمروا عن سواعدكم لتقفوا في وجه هذه النظم الحاكمة الظالمة، وقولوا إننا نريد استئناف الحياة الإسلامية، نريد خلافة راشدة على منهاج النبوة، نريد أن نكون ممن قال الله فيهم: (ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١) نريد أن يتحقق بنا ولنا قوله تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥).
2022-03-31