بسم الله الرحمن الرحيم
«تونس شعلة الثورة»: أين طريق النجاة؟!
حمد طبيب – بيت المقدس
لقد تعاقبت على تونس – منذ بداية شعلة الثورة فيها – عدة حكومات، وكل حكومة من هذه الحكومات المتعاقبة كانت تُتطَيَّر الوعود الكاذبة، إلى آذان الشعب المكلوم؛ بأن هذه الحكومة ورجالاتها ستكون طريق النجاة لها من غرقها في الفقر، والمشاكل المتعددة…
فقد جاءت بعد الثورة مباشرة حكومة ( فؤاد مبزغ) -رئيس البرلمان السابق- و(محمد الغنوشي) رئيساً للوزراء، وذلك بموجب الدستور. ثم جاءت حكومة (الباجي السبسي) بعد استقالة هذه الحكومة، وذلك بموجب مرسوم صادر من فؤاد المبزغ، وشكل (حكومة تكنوقراط)، وأعلن عن تحديد موعد للانتخابات في 24/7/ 2011م ، ثم أجلت إلى 23/10/ 2011م. وفي تشرين ثاني2011م، أجريت انتخابات (المجلس الوطني التأسيسي التونسي)، وقد فاز حزب النهضة بأعلى نسبة أصوات (89) مقعداً من أصل(217)، وتم تشكيل تحالف ثلاثي بين ثلاثة أحزاب رئيسية هي: النهضة، والمؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وقد اتفق فيه زعماء الأحزاب على ترشيحهم (مصطفى بن جعفر) رئيس التكتل الديمقراطي لرئاسة المجلس التأسيسي، (ومنصف المرزوقي) زعيم حزب المؤتمر لرئاسة الجمهورية (وحمادي الجبالي) أمين عام حزب النهضة لرئاسة الحكومة الانتقالية القادمة، كما اتفقوا على توزيع حقائب الحكومة…
واليوم جاءت آخر فصول المؤامرة بعد المجلس التأسيسي، الذي أسس لمرحلة الفساد هذه بإنشاء دستور فاسد مبني على أنظمة الكفر والفساد والظلم وبعيد كل البعد عن الإسلام؛ لتشتيت أفكار الناس، وزرع الفتن في مجتمعهم..؛ هذا الفصل هو الانتخابات الديمقراطية التشريعية 2014م، تعقبها الانتخابات الرئاسية 23-11-2014م، لانتخاب رئيس جديد للبلاد على شاكلة من سبقوا من الرؤساء!!..
ونريد أن نقف على بعض الحقائق في ظل نتائج هذه الانتخابات؛ منها ما يتعلق بالانتخابات نفسها ونتائجها، ومنها ما يتعلق بوضع الفساد الذي ينخر تونس قبل الثورة وبعدها؛ بسبب القوانين السقيمة، والأشخاص الفاسدين (الوسط السياسي) المتحكمين في مصير البلاد والعباد…
أولاً: إن الناظر إلى حال معظم الشعب في تونس، وإلى تعامله مع هذه الانتخابات؛ يرى أنه ليس مقتنعاً بهذه الانتخابات أصلاً، ولا بأي من المرشحين فيها، ولا حتى بنتائجها.. وأكبر دليل على ذلك هو النسبة المتدنية جداً التي شاركت في هذه الانتخابات، والنسبة المتدنية التي فاز بها أكثر الأحزاب أصواتاً. فقد سجلت اللجنة الانتخابية في إحصاءاتها أن من يحق له الانتخاب في تونس هم ( 7,0000000) (سبعة ملايين) مواطن، قد سجل منهم بالفعل (136 285 5) مواطن، وأن النسبة ممن انتخبوا من هؤلاء المسجلين بالفعل ويحق لهم الانتخاب هي 61%؛ أي حوالى (3223932) ناخب، وأن نسبة الفوز لأكثر الأحزاب أصواتاً (حزب نداء تونس) هي 37%؛ أي حوالي( 1955500 ) صوتاً. وبناءً على ذلك تكون نسبة من صوتوا في هذه الانتخابات هم 46 % من مجموع من يحق لهم الانتخاب؛ أي من السبعة ملايين. وإن هذا الحزب الفائز (نداء تونس) قد حصل على نسبة 28 % تقريباً ممن يحق لهم الانتخاب (من السبعة ملايين)؛… وهذا الأمر يدلل أن النسبة الكبرى من أهل تونس( 54%) لا تؤمن بفكرة الانتخابات على هذه الطريقة الهزلية، ولم تشارك بها، وليس عندهم أي قناعة بأن الأوساط السياسية الموجودة اليوم في تونس قادرة على إحداث أي تغيير نحو الأفضل. وأن نسبة 72% ممن يحق لهم الانتخاب لم تنتخب حزب نداء تونس، ولا تريده في الحكم، وليس عندها قناعة به ولا برجالاته من الحرس القديم…، ومن جانب آخر فان حزب النهضة أصلاً لا يريد أن يتقدم إلى منصب الرئاسة، وبالتالي فإن رموز النظام السابق هم من سيحكمون تونس في المرحلة المقبلة؛ لأن معظم رجالات حزب نداء تونس هم من رموز النظام السابق ومن حزب التجمع الديمقراطي الدستوري المنحل..
ثانياً: إن واقع الاقتصاد التونسي ينحدر إلى أسفل منذ الثورة حتى اليوم ولم يصعد إلى أعلى؛ فقد ذكر موقع (الجزيرة نت) في 16/3/2012م أن العجز التجاري تطوَّر سنة 2012م ليسجل 5.8% ، مقارنة بـ 3.8% في سنة 2011م، والى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل الذي وصل إلى 800 ألف عاطل تقريباً، وذكر محافظ البنك المركزي أيضاً (الشاذلي العياري) في 19/11/2014م خلال ورشة تفكير نظمتهما وزارة الاقتصاد والمالية تحت عنوان (استثمر في تونس، نحو جعل تونس قطباً مالياً): «إن الميزان التجاري يبقى نقطة الضعف الكبرى في الاقتصاد التونسي؛ إذ يسجل شهرياً عجزاً يقدر بمليار دينار».
وذكر أيضاً وزير التكوين المهني والتشغيل (حافظ العموري) في 19/11/2014م، أن الاقتصاد الوطني غير قادر اليوم على استيعاب كل الكفاءات التونسية، وتوفير مَواطن شغل لها، وأكد العموري أن الوزارة تعمل على إيجاد حلول لتشغيل أصحاب الشهادات العليا بالخارج، رغم ضيق السوق الخارجية والصعوبات التي يواجهها التونسيون للاندماج في سوق العمل العربية لأسباب متعددة منها الأسباب السياسية.
وذكر وزير الاقتصاد والمالية (حكيم بن حمودة) في 4/11/2014م أن نسبة العجز في ميزانية الدولة قد تصل هذه السنة إلى حدود 9,2%؛ وهي نسبة هامة لا يمكن الاستخفاف بها… وقال (عبد الرحمان الهذيلي) رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية: «…تعتبر المطالبة بتحسين ظروف العمل السبب الرئيسي الأول للإضرابات. ومثلت سنة 2011م نسبة 43% من الإضرابات، بينما ارتفعت إلى 49% سنة 2012م، ووصلت إلى 55% سنة 2013م مما يدل على عدم التوصل إلى حل هذه الإشكاليات طيلة ثلاث سنوات. وفي تقرير جديد لصندوق النقد الدولي حسبما ذكرت (الصباح نيوز) في 8/4/2014م أن تونس سجلت أعلى نسبة بطالة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث بلغت 16%؛ وذلك بسبب عدم الاستقرار السياسي، حسب التقرير.
ثالثاً: الأمر الثالث الذي يعصف بالمجتمع التونسي، ويجعله في انحدار اقتصادي مستمر، وفساد متراكم هو السلب والنهب الذي يمارسه المتنفذون في السلطة الفعلية في الدولة، حيث يرهنون البلاد والعباد وثروات البلد للأجانب، مقابل حفنة من الدولارات يتقاضونها. فقد ذكر الأستاذ في الاقتصاد بجامعة تونس والخبير الاقتصادي (رضا قويعة) للجزيرة نت في 16/3/2012م: «إن الشركات الأجنبية تمثل نسبة 25% من النسيج الصناعي الذي يصل عدد الشركات فيه إلى 11 ألفاً».
وقال الأمين العام لحزب الرفاه التونسي (محمد الفقي): 13/6/2014م… تمتعت الشركات الأجنبية بثرواتنا الباطنية، علاوة عن عدم دفعهم للجباية، وتهربهم من الضرائب، مضيفاً أن الأرقام التي تصدرها الشركات البترولية والمتعلقة بطاقة الإنتاج غير صحيحة وتخفي الكثير من الواقع. وأكد ضرورة وضع مراقبة دائمة على الآبار النفطية حتى يتمّ الكشف عن الطاقة الإنتاجية الحقيقية للنفط بتونس، مطالباً بأن تتمّ عملية الرقابة من خلال خبراء من خارج وزارة الطاقة.
وذكر الكاتب (مكرم الأندلسي) في مقال بعنوان (حقيقة الثورة النفطية في تونس) 20/3/2014م، حيث قال: «هناك تقارير دولية منها تقرير (للمؤسسة الأميركية للمسح الجيولوجي)، والمختصة في علوم الأرض، يشير إلى أن تونس «تسبح فوق حوض ضخم من النفط». ويقول التقرير: «إن 97 مليار برميل من البترول و38.5 تريليون متر مكتب من الغاز الطبيعي السائل موزعة بين تونس وليبيا» كما أن بحوث موازية لمؤسسة (أوكسفورد للدارسات الاقتصادية) أكدت أن مقدرات تونس من النفط والغاز الطبيعي» غير المعروفة» و«غير المستغلة» تسمح لتونس بأن تكون ضمن الدول المنتجة للنفط». وأضاف: «في دول العالم النفطية توجد شركات أجنبية سواء للتنقيب أم للاستخراج أم للتكرير، والاتفاقيات مع هذه الدول، تقوم على أساس أن تقوم الشركات الأجنبية باستخراج النفط وتسليمه للسلطات المختصة في الدولة، مقابل مبلغ مادي جراء الاستخراج، والدولة تبيع نفطها لمن تريد وبأي ثمن تريد… أما في تونس: فإن شركة (بريتش غاص) مثلاً تستخرج 60% من إنتاج الدولة من النفط، وتقوم -حسب الاتفاقيات المبرمة مع الحكومات السابقة- بالتصرف فيما تستخرجه من أرضنا، مقابل دفع مبلغ مالي منصوص عليه في الاتفاقية لصالح الدولة، وهذه الاتفاقيات طويلة الأمد؛ يعني على 40 أو 50 سنة يكون فيها المبلغ المالي ثابتاً، بل والأكثر من ذلك؛ فقد أكد (رضا مأمون) (الخبير في هذا المجال) عبر إحدى القنوات التونسية الخاصة أن «جميع المسؤولين في الدولة ليس بمقدورهم تقديم رقم حقيقي حول إنتاج تونس النفطي، وأن أرقام وزارة الصناعة لا تمت للواقع بصلة، ولا يمكن حصر هذا الإنتاج بسبب عمليات النهب والسرقة المنظمة، التي تقوم بها الشركات العالمية العاملة في القطاع النفطي»، ويتابع قائلاً: «إن هناك ألف سؤال واستفهام يطرح حول حقيقة ثروات تونس النفطية. وعن سر هذا التكتم الشديد على هذا الملف المهم الذي تؤكد كل الدلائل على وجود فساد فيه». وبين لعبة السياسيين وحساباتهم، يضيع حق التونسيين، وأملهم في حياة كريمة كباقي الشعوب الأخرى.. وهكذا يتم تهريب الأموال ونهب ثروات البلاد من الذهب الأسود!!.
وفوق هذا المسخ والتردي الاقتصادي، ونهب الثروات من قبل الحرس القديم ورجالاته المتحكمين في تونس، وتعطيل الأراضي الزراعية وعدم استغلالها من قبل الشعب؛ ما زال السياسيون في تونس، حتى بعد الثورة والتأسيسي والتشريعي، ما زالوا يرهنون البلاد والعباد لسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين وذلك عن طريق أخذ القروض من هذه المؤسسات الاستعمارية؛ فقد أكد (وزير الاقتصاد والمالية حكيم بن حمودة) في 29/8/2014م أن صندوق النقد الدولي وافق على إعطاء تونس قرضاً بقيمة 217 مليون دولار، وشدد أن سنة 2015م ستكون صعبة جداً ..كما حذّر (علي عبد الله) أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والخبير الاقتصادي من التداين من صندوق النقد الدولي الذي لا يقدم الديون إلا بشروط مجحفة، وفرض سياسة اقتصادية قد تواصل في تكريس إلحاق الضرر بالبلاد، على غرار ما حصل بعد سنة 1986م، والذي مازالت تبعاته ترهق اقتصادنا إلى اليوم؛ حيث أبقت الاقتصاد التونسي دون هوية داعياً إلى التعامل مع الدول بعيداً عن التنظيمات الدولية.
وفي دراسة أعدّها المحلّل الاقتصادي( مهدي خوجة الخيل) عن هذا الموضوع، انتقد فيها طويلاً شحَّ الأرقام، وعدم التزام المؤسسّات الماليّة التّونسيّة بالشفافيّة في إصدار المعلومات، ومن خلال ما تيسّر له الحصول عليه من معطيات توصّل إلى الاستنتاج بأنّ مؤشّر النّاتج الدّاخلي الخام، ومؤشّر الدّخل الوطني الخام لا يمثّلان مؤشّران موضوعيان وجديّان لقياس حجم المديونيّة. فهذان المؤشّران لا يبيّنان ثقل المديونيّة ويهمّشان خطورة فوائدها (الربا المترتب عليها)، بل إنّهما قد يحثّان على مواصلة الاستدانة، وباعتماده منهجاً يَفصل بين أصل الدّين وبين فوائضه (الربا). وتوصّل الباحث إلى رصد وقْع المديونيّة على الاقتصاد التّونسي. ففي سنة 2009م مثلاً، دفعت تونس مبلغ 8802,7 مليون دينار لسداد أصل الدّين، ومبلغ 19623,9 مليون دينار لسداد الفوائض، بما يعني أن حجم الفوائض المتراكمة تجاوز ضِعفَ المبلغ المسدَّد….وبلغ مقدار الدّين الخارجي الإجمالي التّونسي وفق معطيات (البنك المركزي ) إلى حدود شهر حزيران/يونيو من سنة 2012م مبلغ 34636,9 مليون دينار. وإذا ما أضفنا ذلك إلى الدّين الدّاخلي لسنة 2011م والمقدّر بـ 58612 مليون دينار، فإنّ المجموع يكون 93248,9 مليون دينار. أمّا إلى حدود شهر شباط/فبراير 2013م، فإن الدّين التّونسي قد جاوز وفق ما صرّحت به (إيفا جولي، عضو البرلمان الأوروبي) الـ 20 مليار يورو، أي ما يفوق الـ 40 مليار دينار، وبذلك تكون نسبة الدّين العام الدّاخلي منه والخارجي قد جاوزت الـ 150 في المئة من النّاتج الدّاخلي الخام. ثم يتابع قائلاً: «فدوّامة المديونيّة هي أبعد من أن تكون مجرّد عملية اقتراض مالي، إنها سياسة محكمة تهدف إلى وضع الاقتصاد تحت السّيطرة، وإخضاعه لإملاءات سياسيّة يصبح بموجبها الاستقلال الاقتصادي عن الدّوائر المانحة مستحيلاً..؛ فالمديونيّة لا تقف عند حدود الاستغلال الفاحش للطّبقات الاجتماعية الأقلّ حظاً والاعتداء على مكتسباتها، بل تتعدّاها إلى التّهديد الصّارخ للسّيادة الوطنيّة، وليس أدلّ على ذلك من أن مديونيّة تونس في القرن التّاسع عشر قد كان أهمّ نتائجها وقوع الحماية وبداية الاستعمار المباشر».
رابعاً: كذلك فإن من أمور الفساد المستمر والمتزايد في تونس هو «بقاء الوسط السياسي القديم في عهد بن علي متربعاً في الحكم ومتحكماً في رقاب الناس بوجوه وأسماء جديدة وشعارات جديدة كاذبة»
فالوسط السياسي القديم في عهد بن علي ما زال متربعاً على مفارق الدولة المهمة في مؤسسة الحكم، ومؤسسات الاقتصاد، والمؤسسات الأمنية على اختلاف أسمائها وألقابها؛ فقد كتب (محمد هنيد) 13/11/2014م في (صحيفة الوطن): «إن القوى التي استلمت السلطة، إثر الثورة مباشرة، تنتمي كلها إلى الحرس القديم، وإلى رجال (بن علي). بل إنّ من الذين تصدروا المشهد في اليوم التالي للثورة هو واحد من أشرس زبانية بن علي؛ ممن عذبوا آلاف التونسيين في أقبية وزارة الداخلية السيئة الذكر؛ حكومة (محمد الغنوشي) الأولى، ثم حكومة (الباجي قائد السبسي) كانتا أول من وضع الأسس المركزية للثورة المضادة؛ حيث تم إعدام آلاف الملفات والوثائق الحساسة، وعجنها في معامل الورق أمام أعين الكاميرات؛ حتى يتم تبييض شبكات الفساد التي نهبت الاقتصاد الوطني، ورهنت الثروات الوطنية للشركات الأجنبية إلى اليوم». ويتابع قائلاً: بعد هذه المرحلة من إتلاف الوثائق وتبييض الجلادين، تم تفخيخ مختلف مفاصل الدولة بعناصر تنتمي إلى الحرس القديم، حتى تعطل قدر الإمكان عملية الانتقال الثوري، وحتى يتم القضاء تدريجياً على الزخم الثوري الوليد، إثر الانتخابات الأولى في أكتوبر 2011م وفوز المحسوبين على التيار الإسلامي مع طيف كبير من الأحزاب الثورية مثل؛ (حزب التكتل من أجل العمل والحريات) و(حزب المؤتمر من أجل الجمهورية)، مرت الثورة المضادة إلى المرحلة الثانية من عملية استعادة السلطة.». ثم يتابع قائلاً: «الانتخابات الرئاسية القادمة ستحسِم -دون أدنى شك- مسألة عودة النظام القديم أو (عصابة السرّاق) -كما سماها التونسيون- وهي في كل الحالات نافعة للتونسيين وللوعي العربي بما به تُحسم الثورات!!. «وكتب (الأسعد الذوادي) عضو المجمع المهني للمستشارين الجبائيين والجمعية العالمية للجباية ومعهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا قال: «هناك جمعيات أجنبية تمول من قبل جهات أجنبية، ليس لها من أهداف خفية سوى جمع معلومات حول كل ما يدور في البلد، مثلما كانت تفعل ذلك سلطات الاستعمار البريطاني، وإعداد تقارير سرية يتم بعثها إلى الخارج… أتذكر أن إحدى الجمعيات تم تعيين مسيِّر عليها ألماني الجنسية مباشرة، بعد أن أنهى دراسته بالجامعة العبرية بتل أبيب… ولا ننسى أيضاً الجمعيات التي تستعمل اليوم كواجهة لتمويل أنشطة أحزاب سياسية، علما أن تلك الجمعيات تحصل على تمويلات أجنبية، باعتبار أنه محجور على الأحزاب الحصول على تمويلات أجنبية. وفي رسالة اتهام مبطنة من قبل (منصف المرزوقي- للباجي السبسي) بارتباطه بالحرس القديم، انتقد زيارة رجل الأعمال المصري ومؤسس (حزب المصريين الأحرار)، (نجيب ساويرس)، إلى تونس في 19/11/2014م، بدعوة من الباجي قايد السبسي، رئيس حزب نداء تونس، ومنافسه في الانتخابات الرئاسية المقررة الأحد المقبل. وفي مؤتمر انتخابي بمدينة بنزرت (شمال البلاد)، حضره حوالي 3000 من أنصاره، افتتح المرزوقي كلمته بالتعليق على الزيارة، وقال: «كانت لها أهداف ورسائل، خاصة أن مدير حملتي أعلمني أن قناة تلفزيونية مصرية تابعة لنجيب ساويرس، حين نقلت خبر الزيارة وصفت الباجي قايد السبسي بأنه رئيس تونس المؤقت»، واصفاً ساويرس بأنه «عراب الثورات المضادة» في العالم العربي.
إن بقاء هذه الألوان من الفساد وغيرها في أرض تونس الأبية ورجالها الأحرار الرافضين للذل والاستعباد، تونس شرارة الثورة والتحدي والتصدي لألوان الظلم والقمع، سوف يشعل شرارة الثورة مرة أخرى، ولكن بطريقة مختلفة عن الأولى كل الاختلاف، لأن الشعب قد عرف موطن الداء وسبب البلاء، وعرف موطن الخطر في أرضه وعرف رجالات الاستعمار المتسترين خلف الشعارات الكاذبة البراقة. نعم ستكون ثورة واعية ومبصرة لطريق الخلاص ومبصرة للمخلصين من أبناء تونس؛ الذين يصدقون القول والعمل من أبناء دينها ومبدئها، ومن جنس الفكر إلذي يحملونه في قلوبهم وعقولهم…..وهذا ما يتخوف منه الاستعمار المتحكم بالقرار السياسي في تونس، فهو يخاف أن يصل الأمر بالشعب التونسي إلى حد الثورة مرة أخرى على كل القوى السياسية الحالية؛ نتيجة فشلها في إنقاذ البلاد والعباد من الفقر المدقع ومن الفساد السياسي والعسكري، ومن حصول أي تغيير صحيح في تونس على أساس الإسلام. ويخاف أيضاً أن هذا التغيير سيشعل المنطقة بأكملها، وستنطلق شرارة الثورة الجديدة سريعاً إلى الدول المجاورة؛ لأنها تعاني ما يعانيه أهل تونس من فساد وظلم؛ كالجزائر وليبيا والمغرب؛ لأن هذه الدول تعاني ما تعاني من ظلم الزمر المتحكمة في خيراتها، وفي قرارها السياسي؛ حيث جعلوا أغلب أهلها فقراء دون خط الفقر، وأطعموا كل خيرات بلادها للشركات الأجنبية تماماً كما هو الحال في تونس المكلومة المظلومة، وزيادة على الفقر والظلم فإن الاستعمار يمارس عن طريق هذه الزمر الحاكمة أبشع ألوان القهر والتسلط والظلم السياسي في أرضها، ويشعل الفتن بين أطياف الشعوب فيها ؛كما هو حاصل في ليبيا من فتنة واقتتال تأكل أبناءها خدمة لأميركا ودول أوروبا، وكما هو حاصل كذلك في الجزائر من محاولات لإشعال نار العرقيات في داخل الولايات المتعددة.
إن هذه المسرحية الهزلية في أرض تونس الأبية لن تطول طويلاً، حتى تعلن فشلها قريباً بإذنه تعالى، كما أعلن من سبقها، وحتى يدرك أهل تونس جميعاً؛ سواء منهم من شارك في هذه الانتخابات أم من لم يشارك. فأهل تونس والحمد لله واعون ومدركون جيداً لمجريات الأحداث، ويتميزون في هذه الناحية على كل المحيط من الدول المجاورة!!…
إن إنقاذ تونس وطريق نجاتها ليس في انتخابات، وليس في تعاقب وزارات، ولا رؤساء يتغيّر فيهم شكل الوجه والهندام، وإنما هو في انقلاب حقيقي، وليس صورياً خادعاً كاذباً، وهذا الانقلاب يكون فكرياً ابتداءً، لأن أساس البلاء الذي جلب هذا التزوير وهذا الخداع والأكاذيب هو الفكر الديمقراطي الغربي المزيف والمرتبطة خيوطه عند أكابر الساسة الموالين للدول الكبرى أميركا ودول أوروبا. فإذا أراد أهل تونس الخيرون الأحرار أن يخرجوا من هذا النفق الظالم المظلم، وهذه الحفر السوداء الحالكة فعليهم أن يتبعوا الخطوات التالية:-
1- إحداث انقلاب فكري شامل على أساس صحيح، وخلع جذور هذا الفكر المنحط الذي أهلك البلاد والعباد، وجعل ثلة من المتسلقين المنتفعين من عملاء الاستعمار يتخفون وراءه، ويهلكون البلاد والعباد، وينهبون ثرواتها ويجعلونها نهباً للأجنبي الكافر، وذلك تحت شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وفي الحقيقة لا يوجد حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق للمواطن إنما هي عبودية، وهضم للحقوق حتى من لقمة العيش واستمرارية الحياة!! ..
2- خلع كل رموز الوسط السياسي السابق والحالي، واستبدالهم بوسط سياسي مخلص ونظيف من العمالة والتبعية السياسية والفكرية للغرب ..فحزب نداء تونس الذي جعله الاستعمار يحصل على النسبة الكبرى في الانتخابات هو حزب رهينة للكافر المستعمر، وأغلب رجالاته هم من الوسط السياسي السابق الذي دمر تونس وجعلها خراباً، وقد استلم بعض رجالاته الحكم في المرحلة الأولى بعد الثورة، وثبت فشلهم سياسياً وإدارياً، وازدادت الأمور في عهدهم تردياً وانحطاطاً وفقراً… أما حزب النهضة فإنه حزب إمعة لا يريد أن يحكم ولا يريد أن يترك الحكم، إنما يريد أن يبقى ذيلاً وتبعاً، يدعم المنافقين من السياسيين كالمرزوقي والسبسي، وغيرهم من رموز الفساد؛ فهذا حزب لا يستحق أصلاً أن يُنتخب لأنه فاشل في طريقة وجوده في جهاز الحكم، وفاشل أيضاً لتخليه عن فكره ومبدئه مقابل بقائه في الحكم إرضاءً للعلمانيين والمنافقين من أذناب الاستعمار. وباقي الأحزاب هي على شاكلة هذين الحزبين إضافة إلى انه ليس لهما حضور قوي في الانتخابات؛ أي إنها ستكون تبعاً لسياسات الأحزاب الكبرى الموالية للغرب.
3- وضعُ الإسلام، دين الأمة، موضع التطبيق، في الحكم وفي كافة مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية (الخارجية والداخلية)، والاجتماعية وغير ذلك من شؤون إدارية ..
فالإسلام هو دين الشعب التونسي، وأغلب الشعب في تونس يريد الإسلام، ويريد تطبيقه، وقد أثبتت الانتخابات السابقة 2011م أن الشعب بالفعل يريد الإسلام، حيث حصل حزب النهضة سنة 2011م على 89 مقعداً وهي أعلى النسب؛ لأنه رفع شعار الإسلام، ولولا ما فعلته حركة النهضة من أفعال سيئة انعكست سلباً على قطاع واسع من الشعب، لصوت الشعب مرة أخرى بنسبة عالية لها في الانتخابات الحالية 2014م .. لكن الشعب أدرك يقيناً أن حركة النهضة ليس لها أي صلة بالإسلام إلا من حيث الشكل والقشور، ولا تحمل الإسلام إطلاقاً في الجوهر والمضمون، وأدرك أيضاً أن الانتخابات هي عبارة عن ألهية لا تأتي بجديد، ولا تغير شيئاً من الواقع بل تزيد الأمور تردياً وانحداراً. فأهل تونس مسلمون ويحبون الإسلام، وبرغم كل حملات التغريب والانحلال اللذين مارسهما النظام السابق لجعل تونس قطعة من أوروبا في صفاتها وطريقة عيشها وأخلاقها وكافة مناحي حياتها الفكرية والعملية، فقد عاد أهل تونس إلى أصالتهم وجذورهم الفكرية السليمة، يلتفّون حول الإسلام، وترنو أعينهم إلى وضعه موضع التطبيق في الحكم والسلطان.
والحقيقة أن هذا الأمر يحتاج إلى ثورة من قبل الشعب على هذا الفساد المتجذّر في الأوساط العميلة، ويحتاج إلى إيصال الفكرة الصحيحة عن الإسلام الصافي النقي إلى أوساط عامة الناس في تونس، وإلى إيصالها بعد ذلك إلى سدة الحكم السلطان، بعد تعرية كل هذه الأكاذيب الواهية باسم الدين والإسلام. وهذا الأمر قد قطع شوطاً كبيراً بإذن الله تعالى، حيث أصبح قطاع واسع من الناس يدركون مسألة ركوب موجة الدين لأهداف سياسية من قبل بعض الأحزاب، وبقيت مسألة إفهام الجماهير ما هو الإسلام الصحيح الواجب التطبيق؟؟، وكيف سينهض هذا الإسلام بالأمة من جميع جوانب حياتها. وهي مرحلة الصراع الفكري والسياسي الحاصلة الآن في أوساط تونس الحزبية والجماهيرية.
4- تعميق وتوسيع دائرة الصراع الفكري والكفاح السياسي في كل أرجاء تونس، وفي كل الأوساط السياسية والعسكرية، وفي طبقات الشعب المختلفة، وذلك عن طريق وضع الخط الصحيح بجانب الخطوط العوج الموجودة في البلاد. فهذه المرحلة لا بد منها في هذا الوقت بالذات، وهي المرحلة التي تعمق الفهم، وتضيء للناس طريقهم وترشدهم إلى درب نجاتهم، وتبين في الوقت نفسه الفساد العريض وأسبابه الذي يهدم أمور الحياة والثقافة والدين والاقتصاد وكل شيء. ويجب أن يبين الواعون من المسلمين أمرين مهمين؛ الأول: التبعية السياسية والفساد الذي تسبِّبُه، والثاني: التردي والانحطاط الاقتصادي نتيجة تطبيق القوانين الرأسمالية الكافرة في النظام الاقتصادي، وبسبب القروض الأجنبية المجحفة، وسياسات النهب والسلب للثروات، وبسبب إهدار الثروات داخل البلاد، وعدم استغلالها استغلالاً صحيحاً. فهذان الأمران هما الضربة القاضية التي توجه لرموز الفساد الحالي، من غير أن يستطيع أن يدافع عن نفسه مهما تخفى وراء الجدر والأكاذيب؛ لأن الناس يلمسون الفساد ويعايشونه يومياً.
وفي هذا الصراع على الواعين أن يعرضوا صوراً وضاءة من أحكام النظام الاقتصادي العادلة، وصوراً وضاءة من التاريخ الإسلامي عندما كان الإسلام مطبقاً، كالصورة التي رسمها الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة، ومقارنة ذلك مع سياسات النهب للبلاد في ظل الفقر والجوع، وتعرض الصورة الوضاءة التي عاشتها الدولة الإسلامية في عهد الخليفة العادل عمر ابن عبد العزيز عندما طاف السعاة بالزكاة فلم يجدوا من يأخذها ، مقابل الصورة الموجودة في تونس من الفقر والحرمان والهجرة إلى خارج البلاد. وتعرض كذلك الصور الوضاءة لتونس عندما كانت تطبق الإسلام في ظل القادة العظام، وكيف أنها كانت محطة انطلاق الفتح الإسلامي نحو أوروبا، وكيف أنها سميت بالخضراء بسبب الرايات والجيوش المنطلقة من أرضها نحو الفتوح.
فالفكر الضعيف الخاطئ لا يستطيع إطلاقاً أن يقف أمام الفكر الصحيح، حتى وإن تزين بعدة أثواب فلا بد أن يظهر عواره وتخرج رائحته النتنة، ويظهر فساده في أرض الواقع؛ لذلك سيلجأ حماة هذا الفكر إلى أساليب البطش والتنكيل والسجون للدفاع عنه، ومنع انهياره أمام ضربات المخلصين من أهل تونس.
5- الصبر والصمود والثبات أمام المرحلة المقبلة، لأن كل الأعمال التي حصلت من تزوير للانتخابات، ووضع حركة النهضة في الواجهة كي تكون تبعاً في المرحلة المقبلة، وإطلاق التصريحات المتعددة والمتجددة والتهديدات لمحاربة الإرهاب الفكري والسياسي والعسكري… كل ذلك هدفه هو حماية الفساد من ضربات المخلصين الفكرية والسياسية، وتعرية سياساتهم؛ لذلك لا غرابة إذا لجأ الحكام الجدد بأمر من أميركا وأوروبا إلى حملات سياسية؛ من اعتقالات وقمع، وأحكام عالية، ومنع من ممارسة الحق في التعبير عن الرأي، وكل ألوان الإرهاب الفكري والسياسي على شاكلة النظام السابق، وبدعم من حركة النهضة المشاركة في الحكم الآن… لا غرابة في ذلك؛ لأنه إن لم يفعل النظام ذلك فإنه سينهار سريعاً، لذلك سيحاول حُرّاسه وأتباعه حمايته وإطالة عمره. ولكنه في النهاية سينهار؛ لأن الناس قد ضاقت ذرعاً، وعندها استعداد أن تثور من جديد على هذا الظلم بعد زوال الغيمة الحالية التي يتفيأ في ظلها ويمارس أكاذيبه تحتها. فهذه غيمة صيف ستزول، وينكشف هذا الظلم أمام الشعب على حقيقته.
وفي الختام نقول: لا بد لتونس الخضراء بتاريخها وحضارتها أن تعود إلى أصالتها، فتعود كما كانت شعلة في بلاد المسلمين؛ تُحكم بالإسلام في ظل قادة عظماء كأمثال عقبة بن نافع وموسى بن نصير… وتنطلق منها الجيوش الخضراء مرة أخرى إلى أوروبا؛ فتكون بذلك شرارة الفتح الجديد كما كانت شرارة الثورة الجديدة.
نسأل الله تعالى أن يزيل هذا المكر والخداع من أرض تونس، وأن ينوّر عقول أهلها بنور الإسلام الصحيح، كما نسأله تعالى أن يقصم ظهور المخادعين المتآمرين، عملاء الاستعمار وأذنابه، عما قريب.. وأن يكرم أهل تونس بحكم الإسلام المشرق الوضَّاء لتكون تونس شعلة التغيير في العالم الإسلامي كما كانت شعلة الثورة على الظلم والفساد. آمين يا رب العالمين.q