التطبيع مع كيان يهود والحكم الشرعي فيه
2021/04/14م
المقالات
1,845 زيارة
عبـد السـتار أبـو تـقي
الأرض المباركة فلسطين
ماذا يعني التطبيع؟
تطبيع العلاقات مصطلح سياسي يشير إلى «جعل العلاقات طبيعية» بين الكيانات السياسية، بعد فترة من التوتر أو الصراع أو الحرب أو القطيعة بينها، لأي سبب كان، حيث تعود العلاقة طبيعية بينها، وكأن لم يكن هناك خلاف أو صراع سابق.
التطبيع بين كيان يهود والأنظمة: هل هو تطبيع بين خصوم حقيقيين؟
إن التطبيع العلني والشامل الذي يجري اليوم بين كيان يهود ودول الضِّرار في العالم الإسلامي هو حلم صهيوني قديم، وهدف عميق عند قادة يهود، منذ قيام دولتهم فوق فلسطين المسلمة المغتصبة.
وهذا التطبيع، وإن تسارعت وتيرته مؤخرًا بشكل سافر وفاضح، إلا أنه ليس جديدًا، بل كان موجودًا بين يهود والأنظمة العميلة؛ لكن في الخفاء، فكان تطبيع أنظمة منسلخة عن شعوبها. أما إعلانه اليوم، والسير فيه بقوة، ومحاولة فرضه تطبيعًا شعبيًا، فسببه احتدام الصراع بين الأمة الإسلامية من جهة، وبين كل من يحارب نهضتها وعودتها إلى دينها في خلافتها: أعداء الدين في الغرب الكافر الصليبي، وكيان يهود والأنظمة الجبرية في بلادنا. وهو بشارة للأمة أنها مهابة، ودليل صارخ على أن أعداءها يخشونها، والذين فكَّروا وقدَّروا، وباتوا يرمونها بكل ما لديهم من أسلحة، ظاهرها قبل خفيِّها، رفعًا في وتيرة الحرب عليها.
إن موجة التطبيع الأخيرة الرسمية والكاملة والمعلَنة اليوم، ليست إلا إعلان حرب شاملة على الأمة الإسلامية، كانت خفية وأصبحت معلنة، كما أسلفنا، وهي تشي بأن أعداء الأمة لم يعودوا يأبهون بالتضليل والتدليس على الأمة، فأخذوا القرار بمواجهتها كفاحًا، وها هم يستخدمون التطبيع المكشوف، ومحاولة فرضه واقعًا مسلَّمًا به، كأحد أسلحتهم الأخيرة في حربهم ضد الأمة.
إن كيان يهود لم يكن يومًا في خصومة مع أنظمة الحكم الجبري، بل كان الطرفان في وئام تام، وعلاقة مودة وتعاون وثيق، منذ قيام دولة يهود في فلسطين، كيف لا والطرفان يشتركان في سبب وجودهم، وهو الحرب على الإسلام وأمة الإسلام. إن هذا التطبيع المدعوم من الغرب الصليبي، تطبيع زائف ومضلِّل؛ لأنه لم يأتِ بعد حرب وخصومة حقيقية مع الدول الكرتونية التي نحيا فيها، والتي لم تؤذِ يهودَ يومًا، بل كانت حارسًا خسيسًا لكيانهم، وداعمًا قويًا لوجودهم؛ لكن يهود يحرصون على إظهار عكس ذلك، من أجل إبراز انتصارهم على محيطهم، والفتِّ في عضُد الأمة، تلبيسًا وتضليلًا، حتى لا تفكِّر في النهوض وتحرير فلسطين. ومن ظن أن أنظمة سايكس بيكو كانت في حرب وخصومة ومقاطعة وعلاقة سياسية غير طبيعية مع كيان يهود فهو غافل واهم.
موجة التطبيع الأخيرة: رد على الأمة التي لا تموت
لا شك أن إعلان الأمة عن إرادتها في مواجهة حكَّامها، من خلال ثوراتها، والخروج عليهم في غير مكان في بلاد المسلمين، في العشرية الأخيرة، أوصل رسالة قوية للغرب الصليبي ويهود أن الأمة لم تَمُتْ، وأنها مستعصية على الخضوع والخنوع مهما نفَّذوا من برامج لكسرها وتدجينها؛ من أجل ذلك رفعوا وتيرة خططهم ضد دين الله والأمة، وأشرفوا على تطبيقها بأنفسهم، ويمكن إجمال ذلك بالتالي:
-
طلبوا من حكام المسلمين العملاء لهم أن يجاهروا بخيانتهم ضد دينهم ورسولهم وكل قضاياهم المصيرية، دون مواربة ولا تعمية، ولنا في النظام المصري ونظام آل سعود اليوم شاهد كبير في الانقلاب على دين الله في كل مفاصله.
-
رفعوا وتيرة اضطهاد المسلمين، وقتلهم وتهجيرهم، وتخريب بلادهم وممتلكاتهم، وإثارة الفتن والنعرات الطائفية والعرقية والمذهبية بينهم… حتى يشتغلوا بأنفسهم، ويجبنوا عن رفع صوتهم. وما يحصل في الشام واليمن وليبيا والعراق ومصر، وللأقليات المسلمة الروهينجا في مينامار والإيغور في الصين، إلا شواهد على ملاحقة الاسلام والمسلمين حول العالم.
-
عملوا على الانتقام الفظيع من المسلمين في بلاد الثورات حتى لا يفكروا في الخروج على حكامهم، كما حصل ويحصل في مصر وسوريا وليبيا واليمن.
4.جيَّشوا علماء السوء، والمثقَّفين العلمانيين، وأدوات الإعلام المضلِّلة في بلاد المسلمين في الصدِّ عن دين الله وتحويره، ومهاجمة الإسلام وأحكامه؛ لتمييع الدين، خصوصًا ما تعلق بالحكم والخلافة، وفي المقابل إسكات الألسن والأقلام المبدئية، وملاحقتها بلا هوادة، كما يحصل في بلاد الحرمين ومصر وغيرها.
-
حاربوا الإسلام السياسي بشراسة وربطوه بالإرهاب؛ لتخويف وتخذيل المسلمين من العمل لاستعادة خلافتهم المفقودة، وتضليلهم بأن الإسلام دين شعائر وأخلاق وعبادات فردية، وليس نظم ودولة. وما حديث الرئيس الفرنسي ماكرون وغيره من قادة الغرب مؤخرًا عن الإسلاموية (الإسلام السياسي) وحركاته إلا مثال على عقلية الغرب الصليبي المجرم تجاه دين الله.
-
تحدَّوا المسلمين من خلال التطاول على رسولهم، رسول البشرية ورمز الهدى، في استهتار فاضح لأقدس مقدسات الأمة.
-
وأخيرًا وليس آخرًا: سرَّعوا في تطبيع الأنظمة العلني والمكشوف مع كيان يهود، دون الاكتراث لرفض الأمة.
بكل ذلك وغيره يسير الغرب الصليبي اليوم في خططه، وبشكل سافر معلن ومقصود؛ لتكريس استعماره، ومحاولة هزيمة الأمة في دينها وقضاياها، علَّها تنسى مطالبها وعملها باتجاه وحدتها في خلافتها، بعد الانعتاق من ربقة استعماره.
التطبيع العلني والمكشوف اليوم سبقه تاريخ أسود من التآمر على الأمة:
يتافجأ بعض السذج والمضلَّلين اليوم، وهم يرون الأنظمة الرسمية الآيلة للسقوط في بلاد المسلمين تنبطح أمام يهود في موجة التطبيع الأخيرة، أن تلك الأنظمة كانت تقيم علاقات سرية وثيقة مع يهود منذ قيام دولتهم، وعلى صعد كثيرة، أهمها الاستخبارية التجسُّسية والعسكرية والاقتصادية، جعلت ليهود سبيلًا علينا، ودفعت الأمة ثمنه غاليًا إلى اليوم، مزيدًا من الضعف والتشرذم والمهانة. فكل الدول التي تسارع في يهود اليوم، والتي تنتظر دورها، لها تاريخ أسود ممتدٌّ من التعاون الخبيث مع يهود ضد الأمة. وما يخرجه إلينا يهود من هذا التاريخ، إغاظة للأمة وتعاليًا عليها، يدمي القلوب، ويكشف سوءة الأنظمة؛ لكنه يصفع اللاهثين وراء سراب الوطنية والقومية الـَمقيتة، والذين دجَّلوا على الأمة ردحًا من الزمان، وفرضوا عليها مشاريع الفرقة والهوان، وسراب سلام الشجعان!!
إن الكشف وإماطة اللثام خير للأمة، بإذن الله، وهي تنهض من جديد، والتي باتت تدرك أكثر من أي وقت مضى أن حكام المسلمين هم خنجر يهود والغرب الصليبي في صدر الأمة. وها هي الأمة تسمع وترى وتعي مؤامرات حكامها، الذين فتحوا بلادنا منذ عشرات السنين للموساد أن يتجسَّس علينا، ولقادة يهود أن يسرحوا ويمرحوا في بلاد المسلمين، ويتَّفقوا مع حكام المسلمين على تفاصيل محاربة الأمة، في دقائق حياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية… ولا عزاء للمطبِّعين المطبِّلين.
ففي مصر على سبيل المثال، ومنذ بداية ما يُسمَّى بمعاهدة السلام بينها وبين كيان يهود، فإن يهود استباحوا مصر، وعلى جميع الصعد، فسرقوا نفطها وغازها بعد أن أهداهم السيسي إياه وصاروا يبيعونه لمصر، وهيمنوا على مصانع البتروكيماويات والملابس الكبرى، وكذلك الزراعة فخرَّبوها، ودخلوا سيناء دون فيزا، وسيَّروا الرحلات السياحية بالآلاف، وصار آلاف الشباب المصري يعملون عند يهود ويتزوجون منهم، وغير ذلك الكثير، ناهيك عن الاتفاقيات الأمنية والعسكرية بينهم،؛ من أجل محاربة ما يسمُّونه الحرب على الإرهاب، ويقصدون به الإسلام والمسلمين، خصوصًا في شمال سيناء. هذا غيض من فيض في مسلسل الخيانة المعلَنة للإسلام، وما خفي كان أعظم سوءًا ممن أقام علاقات مع كيان يهود، كالأردن ومصر وتركيا، أو من غيرهم، فكلهم في الخيانة لدينهم وأمتهم سواء، قال تعالى: )۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمۡ يَقُولُونَ نَخۡشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرٖ مِّنۡ عِندِهِۦ فَيُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ نَٰدِمِينَ٥٢).
ما هي أبرز مكاسب يهود والغرب من التطبيع؟
على الرغم من أن التطبيع مع يهود حرام ومنكر عظيم، ولا اعتبار شرعيًا من ورائه لأية مكاسب مادية محتملة؛ إلَّا أن من جرائمه أيضًا أن الدول المطبِّعة مع يهود، لن تستفيد شيئًا يذكر من تطبيعها، قياسًا على ما سيكسبه يهود، فيهود ستكون مكاسبهم مهولة، ولن تجني الأنظمة إلا الخزي والعار، ومزيدًا من الضعف والهوان، وهدر ثروات الأمة ومقدَّراتها، وسيكون تطبيعها أرخصَ وأحطَّ بيعٍ للنفس لأعداء الأمة يهود، ولنا في مصر أكبر مثال. إن الغرب الرأسمالي الصليبي ويهود يتعاملون مع كيانات صفرية في المنطقة، لا حول لها ولا قوة، وإرادتها السياسية معدومة، وهي رهن إرادة الغرب ويهود.
أما أهم مكاسب يهود والغرب من التطبيع فالتالية:
-
إنهاء حالة الحرب المزعومة بين يهود وبين الأنظمة، وإقامة سلام تعيش فيه (إسرائيل) بأمان، واعتراف كامل بها، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها، وفتح الحدود أمام تجارتها وأفرادها ومخابراتها، وإقامة علاقات معها على كل الصعد.
-
إنهاء كل أشكال المقاطعة مع يهود، خصوصًا الاقتصادية منها، والسماح للبضائع اليهودية بالوصول إلى كل الموانئ العربية والإسلامية بحرية مطلقة، تكريسًا لهيمنتها التجارية.
-
تعهد المطبِّعين بملاحقة كل من يفكر بإيذاء يهود، أو يدعو إلى تحرير فلسطين.
-
الهيمنة على ثروات المنطقة على اختلاف أنواعها والتحكم بها، خصوصًا في المياه والنفط والغاز والزراعة.
-
ولعل أبرز مكسب ليهود من التطبيع هو إرادتهم إزالة الحاجز النفسي بين يهود والمسلمين بحيث يتقبَّلُهم المسلمون كدولة طبيعية بين ظهرانيهم، وينسون أنهم جسم سرطاني خبيث يتوجب اجتثاثه.
وأما أهم مظاهر ومجالات التطبيع فهي:
-
التطبيع السياسي متمثلًا بالعمل الدبلوماسي القنصلي، والتنظيم الشعبي لتدعيم العلاقات، وزيارة الحكَّام المتبادلة، والعلاقات البرلمانية والحزبية والعلاقات العسكرية.
-
التطبيع الاقتصادي عن طريق اختراق واجتياح الأسواق العربية الإسلامية الضخمة، وخيراتها (النفط، الغاز، النقل والمواصلات، السياحة، الزراعة) معتمدين على تفوقهم العلمي والتكنولوجي.
-
التطبيع الثقافي الذي يعتبره يهود الدعامة الرئيسية لكل مفاصل التطبيع، ومقدمة لازمة له. وهدفه استئصال العداء ضد يهود من العقل المسلم، ويمكن تحقيقه عندهم من خلال العمل على تغيير المناهج الدراسية، وإنشاء المراكز الأكاديمية المشتركة، وتبادل الزيارات بين أساتذة الجامعات، والمؤتمرات العلمية، والرياضة، والسينما والتلفزيون، والفكر والأدب.
مفاسد التطبيع ومخاطره:
إن مفاسد ومخاطر التطبيع كثيرة وأهمها:
-
تطبيع الدين وتطويعه، والعبث به ولَيُّ أعناق نصوصه، من أجل القبول بيهود، فلا جهاد معهم بعد اليوم، ولا سور قرآنية تتحدث عن صفاتهم وما فعلوه بأنبيائهم، وغير ذلك مما فيه خطر على عقيدة الأمة ومكانة المقدسات في نفسها، ومن تزوير لحقائق التاريخ وتزييف لوعي الأمة، وتبديد لإرثها الإسلامي العظيم.
-
الاختراق الثقافي اليهودي الذي يركِّز التعايش والسلام معهم، ويهدِّد نمطَ حياة الأمة وقيمها وولاءاتها، فالتطبيع مخطَّط له أن يشكل هزيمة نفسية للأمة، وهو إقرار بتفوُّق أعداء الدين حضاريًا وثقافيًا عليها، ومقوِّض لروح الأمة وفكرها ووجدانها.
-
الاختراق التجسُّـسي والأمني في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية للتخريب والهيمنة، من خلال السفارات والمكاتب التجارية والشركات السياحية، وغير ذلك.
-
إنهاء القضية الفلسطينية وتمييعها عن طريق مسلسل المفاوضات والتنازلات المستمرة التي سلَّمت فلسطين ليهود، إضافة إلى تذويب عقيدة تحرير الأقصى من رجس يهود، وإجراء تهويد قسري لأجيال المسلمين، وأيضًا إيجاد أجواء سلام في فلسطين تشجِّع يهود العالم على الهجرة، وجلب استثماراتهم ورؤوس أموالهم إليها.
-
ضمان أمن يهود بعد عقد معاهدات سلام مع كيان يهود، وتحديد وعزل القدرة العسكرية للدول المطبِّعة، خصوصًا ما يسمى بدول الطوق، وشقُّ الصف العربي المتشرذم أصلًا، من خلال اتفاقيات منفردة، ما يجعل ليهود مدخلًا للهيمنة العسكرية والأمنية على الأمة.
-
نشر الفساد والرذيلة في مجتمعاتنا عن طريق الكتب والمجلات والأفلام والإذاعة والتلفزيون والمخدرات، وتسريب مواد ملوثة بالإشعاع النووي للإضرار بالزراعة والصناعة، كما حصل في مصر.
-
والتطبيع من شأنه أن يعيق ويعطل وعي الأمة، ومحاولات إنهاضها وإصلاحها، وبناء مشروعها الوحدوي الجامع والواجب: الخلافة.
الحكم الشرعي في التطبيع، وكيف يكون التصدي له:
بعد هذا العرض لواقع ومفهوم التطبيع وخطره، لا بدَّ من بيان الحكم الشرعي فيه، وكيف يكون التصدِّي له. نقول: إن مقتضيات التطبيع مع كيان يهود تعني بالمفهوم الشرعي إقرار يهود على اغتصاب فلسطين، والتفريط بأولى القبلتين وثالث الحرمين، ناهيك عن موالاة أشد الناس عداوة لله وللمؤمنين، والذي حرمه الله بقوله: )۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ). وهذا من أعظم الجرائم في الإسلام، وخيانة لله ولرسوله والمؤمنين، فاليهود: )أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ). كل ذلك يفرض أن تكون العلاقة معهم هي حالة حرب فعلية، فهم قد احتلُّوا أرضًا إسلامية، على الأمة واجب السعي لتحريرها، قال تعالى: )وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ)، وليس الصلح والاستسلام أو التطبيع.
إن التطبيع مع يهود من كبائر الإثم والعدوان؛ لأنه يعترف بهذا الكيان الغاصب. وعلى الرغم من أن الأمة تجمع على رفض التطبيع، إلا أنه ماضٍ بفعل حكام الخِسَّة والنذالة والعمالة؛ لذلك يتوجب على الأمة وهي تقول «لا» للتطبيع أن تفهم وتعي أن التطبيع هو فرع لأصل، والفرع يموت تلقائيًا إذا قطع الأصل، وهو دولة يهود المغتصبة لفلسطين. على الأمة أن تدرك أن وقف التطبيع ومجابهته لا يكون بفتوى، ولا بيان ولا مظاهرة، ولا احتجاج ولا محاضرة، ولا بنشر أسماء المطبِّعين، وإن كان في كل ذلك خير، وفيه أجر، لكن التطبيع لا يوقفه إلا صاحب قرار قادر على تنفيذه. ولما كان صاحب مثل هذا القرار معدومًا في الأمة؛ لأن كل حكامها أجراء عند يهود، ويسارعون في الانبطاح لهم، ولا يقيمون وزنًا للأمة، كان واجبًا على كل مسلم أن يكون جادًا في العمل على إيجاد صاحب هذا القرار، خليفة المسلمين ودولة الخلافة، والتي بها يوقف التطبيع بزوال الأصل-كيان يهود.
إن التطبيع كلمة زائفة في قاموس الهزائم المستمرَّة على يد أنظمة سايكس بيكو العميلة، ابتداءً من وعد بلفور وإلى خيانة التطبيع العلنية اليوم. وكما أسلفنا، فإن ما يحصل اليوم من تطبيع سريع ومكشوف، فيه خير بإذن الله، قال تعالى: )لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ) لأنه يضع الأمة على مفترق طرق حقيقي في التغيير، بعد أن تأكَّد لها عمالة حكامها، دون استثناء، في مصر وتركيا والأردن والمغرب ودول الخليج، وآل سعود المجرمين، وغيرهم، كما تأكَّد لها عمالة علماء السلاطين، الذين حرَّفوا الكلم عن مواضعه، خدمة لأسيادهم.
إن التطبيع كشف ضعف أعداء الأمة، من غرب كافر ويهود وأنظمة الخِسَّة والعمالة، وكشف قوة الأمة التي باتت تعي وتلمس أن استرداد فلسطين لا يكون من خلال الحكام وأنظمتهم الوظيفية، بل من خلال تغيير الواقع الفاسد الذي يَحيَونه بإقامة الخلافة الإسلامية الموعودة التي بشَّرنا بها رسولنا وقدوتنا، عليه الصلاة والسلام بقوله: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»، وهي التي ستقتلع كيان يهود من جذوره. فيهود مقطوع حبلهم مع الله، وموصول مع أعداء الدين، قال تعالى: )وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ
ٱسۡكُنُواْ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِيفٗا ١٠٤) وقال تعالى: )فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا ٧)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله J يقول: «تقاتلكم اليهود فتسلَّطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله» رواه البخاري.
نعم، هذا هو الواقع اليوم، ونحن في زمن إقامة الخلافة بإذن الله، فالتطبيع فيه بشرى عظيمة للأمة، وهو يقرب القضاء على يهود في فلسطين، بعد أن يتجمَّعوا من شَتاتهم في الأرض المباركة فلسطين، فتدخلها جيوش الأمة الإسلامية لتخلِّص العالم من رجس يهود. إن التطبيع مع يهود حرام شرعًا، ولا يغيِّر من الواقع شيئًا، فكافَّة الاتفاقيات والتفاهمات مع كيان يهود، وما ترتب عليها من التزامات محرَّمة ومنعدمة وباطلة وغير نافذة شرعًا، تحرم طاعة حكام المسلمين فيها، وسيضعها خليفة المسلمين القادم تحت قدميه، قال تعالى: )وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٢١). صدق الله العظيم.
2021-04-14