مائة عام والمسلمون بلا جُنَّة يُتَّقى به ويقاتَل من ورائه
2021/04/14م
المقالات
1,916 زيارة
عبد الخالـق عبـدون علــي
عضو المكتــب الإعلامــــي لحزب التحريرولاية السودان
الإسلام هو الدين الخاتم الذي أنزله رب العالمين على نبيه الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ليعرِّف الناس بربهم حق المعرفة، ولينظِّم حياة الناس على الأرض، مسلمهم وكافرهم، بالأحكام الشرعية التي تتناول مختلف شؤون حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية. ومن المعلوم أن النظام السياسي في الإسلام هو الطريقة الشرعية الوحيدة لتطبيق الإسلام بكل أحكامه؛ وعلى ذلك كان حكم وجود الدولة الإسلامية هو الوجوب الشرعي، ومن دونها يتعطَّل هذا التطبيق، ومن دونها يتحوَّل الإسلام إلى دين كهنوتي روحي يقتصر على العبادات وأحوال الأحكام الفردية الشخصية كما هو حاصل اليوم، وكما خطَّط الغرب، أسوة وإلحاقًا بكل من الدين النصراني واليهودي، وهو مستعدٌّ لأن يرتكب كل إجرام لتغيير هذا الواقع المفروض على المسلمين، وهذا ما تعامل به الغرب مع ثورات الربيع العربي؛ حيث فهم أنها محاولة جادة من الناس للتخلُّص من ربقة استعماره وإحلال الحضارة الإسلامية مكانه… فهذا هو الإسلام الذي تعتبر الدولة الإسلامية جزءًا منه ولا ينفصل عنه، وهذا هو السبيل الوحيد الذي يؤدي لنهضة المسلمين، وفي الوقت نفسه يضع حدًّا للحضارة الغربية المتوحِّشة التي يكتوي العالم كل العالم منها.
لقد ورد في السيرة النبوية أن محمدًا صلى الله عليه وسلموصحابته الكرام كافحوا مدة ثلاثة عشر عامًا في مكة المكرمة لإقامة الدولة الإسلامية وهاجروا إلى المدينة المنورة بعد ذلك ليقيموا الدولة الإسلامية الأولى، وكانت هجرتهم تعني الانتقال من دار الكفر في مكة إلى دار الإسلام في المدينة حيث الحكم والأمان والإيمان، وهناك طُبِّق الإسلام عمليًا في حياة الناس، وكان من أعمالها الجهاد وإدخال القبائل في حكم الإسلام ونشره بحسن تطبيقه، وكان من نتائج كل ذلك هو انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية وتوحُّد القبائل تحت رايته وانصهار شعوبها في بوتقة الأمة الواحدة وهي الأمة الإسلامية، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أول حاكم للدولة الإسلامية، وخلفه أبو بكر في رئاسة الدولة بعد أن بايعه المسلمون خليفة عليهم بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، حيث عُرفت الدولة بعد ذلك باسم دولة الخلافة الراشدة، بعد أن كانت دولة النبوة.
فالخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين جميعًا في الدنيا، وهي تطبق الشريعة على رعاياها وتحمل الدعوة الإسلامية للبشرية كافة عن طريق الدعوة والجهاد وحسن التطبيق. ونظام الخلافة نظام فريد لا يماثله أي نظام حكم آخر في العالم، فهي ليست دولة كهنوتية، بل هي دولة مبنيَّة على عقيدة سياسية روحية توفِّر الأمن والأمان والاطمئنان للذين يعيشون في كنفها، وتضمن لهم سدَّ حاجاتهم الأساسية بصرف النظر عن عرقهم ودينهم أو أي اعتبار آخر.
وعلى مر العصور التي عاشتها دولة الخلافة كانت الخلافة زهرة العالم، والشمس الساطعة بين الأمم، والمنارة التي كان يهتدي بها سكان المعمورة أجمعين. هذا ولم تنهض البشرية وتزدهر مثلما ازدهرت ونهضت تحت قيادة الخلافة، ولم تنعم البشرية بالأمن والسلام كما نعمت به في ظلِّ دولة الخلافة، وقد تربَّعت دولة الخلافة على مركز سيادة العالم لأكثر من ثلاثة عشر قرنًا من غير منازع، وقادت العالم سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا وروحيًا وثقافيًا، حتى ألغيت في الثامن والعشرين من رجب 1342ه على يد عميل الاستعمار الإنجليزي، اليهودي الأصل، مصطفى كمال، وكنتيجة لإلغاء دولة الخلافة مُزِّقت الأمة شرَّ ممزق، وخسر المسلمون من يدافع عن حياتهم وعن عرضهم وعن أموالهم لأنهم فقدوا الجُّنة والدرع الحصين، كما وصفه صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ» صحيح مسلم. وبهدم الخلافة فقدنا الراعي الذي يرعى شؤوننا ويحل مشاكلنا ويحمي بيضتنا… فصارت الأمة الإسلامية بعد زوال الخلافة يتيمة بعد فقدِ خليفتها، نهبًا لكل طامع، ومقطَّعة الأوصال منهوبة مقهورة مذلولة، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على عظم هذا المركز وأهميته في الإسلام. لقد كان يومُ هدم الخلافة يومَ إسقاط راية الإسلام، وإزاحته عن التحكم في المسرح الدولي، وتنحية القرآن والسنة جانبًا، ووضع دساتير وقوانين الكفر بدلًا من ذلك، فكان طبيعيًا أن تتفرق الأمة الإسلامية شذر مذر، وأن تصبح الدولة الواحدة دويلات هزيلة تستجدي أمنها ورعايتها من عدوِّها، وأن تضيع مقدساتها فلسطين وغيرها، وأن يحكمها الأنذال الأرذال، وينتصب للقيادة فيها التافهون والعملاء، يعبثون بمقدساتها وثرواتها، وبأعراضها ودمائها، ويبيعون قضاياها لعدوِّها، فكانوا هم الخنجر المسموم بيد أعدائها… وكان طبيعيًا أن تتوالى الفواجع عليها والتي تتجاوز الوصف والتصوُّر، تتولَّى كبرها دولُ الكفر جمعاء، وهي الآن بقيادة أمريكا تفعل بالمسلمين الأفاعيل.
وسوف نتناول جزءًا من جرائم الكفار، عليهم اللعنة، بحق المسلمين، والتي يشيب لهول ذكرها الأطفال، ونحن لو أردنا أن نتناولها كلها فلن تكفينا المجلدات لإجرامهم وبلطجتهم. وتناولها إنما يجب أن يذكِّرنا بفرضية إقامة الخلافة، فهي الوحيدة التي تضع حدًّا للمآسي التى تترى على المسلمين ولا تتوقف أبدًا.
ففي روسيا، استطاع الروس، بزوال الخلافة، أن يبتلعوا أجزاءً كبيرة من بلاد المسلمين خلال القرن الثاني عشر للهجرة، مثل القرم ومغول الشمال وتركستان والقوقاز… وبمجرد دخولهم لأي من هذه المناطق، كان الروس دائمًا ما يرتكبون أبشع المجازر ضد المسلمين، والتي فاقت في بشاعتها محاكم التفتيش بالأندلس! فكانوا يراسلون الإسبان ليتعلَّموا منهم طرق التنكيل بالمسلمين، وكانوا في القرم يبدؤون بالقتل العشوائي وهتك الأعراض، ويتفنَّنون في تعذيب المسلمين، وكان الروس يعتبرون اعتناق أي ديانة غير الديانة النصرانية الأرثوذوكسية جريمة تستحق عقوبة الإعدام، فاضطر المسلمون إلى كتمان إسلامهم، وتوريثه لأبنائهم سرًّا، كما كان الحال مع المورسكيين بعد سقوط الأندلس، الذين كانوا يُنَصِّرون المسلمين عن طريق اختطاف أطفالهم، وتربيتهم في مدارسهم النصرانية، لينشؤوا بعزلة عن أهاليهم ودينهم الأصلي، فمن أصل خمسة ملايين مسلم في القرم، لم يتبقَّ فيها اليوم إلا ما يقارب نصف المليون مسلم فقط!
أما تركستان ففي عام ١٢٩٣ه خرجت من الحكم الإسلامي عندما أطبق الروس السيطرة على أغلب مناطقها، باستثناء تركستان الشرقية، التي سيطرت عليها الصين، وما زالت إلى اليوم تعاملهم بعنصرية ووحشية وترتكب ضدهم المجازر المهولة، فما إن دخل الروس تركستان حتى واصلوا ما بدؤوه في القرم من جرائم بشعة، وكلما قامت ثورة إسلامية، انقضَّ عليها الروس (ثم الشيوعيون لاحقًا)، وأخمدوها بأبشع الطرق، ومع سقوط الاتحاد السوفياتي في عام ١٩٩١م، استقلِّت الولايات المختلفة في إقليم تركستان، وتكوَّنت دول مثل أوزبيكستان وطاجيكستان وغيرهما، ولكن ما زالت روسيا قائمة إلى اليوم على إيجاد نفوذ لها في هذه الدول، حتى واجهت هذه الدول مشاكل زيادة الوافدين الروس إليها، فوصلت نسبتهم في كازاخستان مثلًا إلى أكثر من ربع السكان، وبات المسلمون فيها اليوم أقلية.
كذلك فرض السوفيات تعليم الفكر الماركسي، وحظروا تعليم الإسلام في المدارس، وقاموا بفرض اللغة الروسية ومنع الحروف العربية. ومنذ عام ١٩٢٢م وحتى ١٩٩١م، كان من أبرز سياسات السوفيات تشريد وتهجير المسلمين من أراضيهم، حتى هاجر الكثير من مسلمي تلك المناطق إلى البلاد الإسلامية المختلفة، أما من تبقَّى منهم فكان يوزَّع على مختلف المدن السوفياتية ليكونوا أقلية أينما عاشوا. بالإضافة إلى ذلك كان السوفيات يوطِّنون الروس في البلاد الإسلامية الضعيفة التي تقع تحت سيطرتهم، وينتزعون ملكيات الأراضي الزراعية من مسلمي تلك المناطق ويهدونها للروس، فيُمسي المسلم فقيرًا والروسي سيدًا عليه، وكانوا أيضًا يُوَطِّنون غير الروس في البلاد الإسلامية، مثل توطين اليهود في القرم. ومن أبشع ما فعله السوفيات تهجير شعوب مسلمة بأكملها مثل «القرم والشيشان والباشكير وغيرهم» إلى مناطق يستحيل العيش فيها، مثل (سيبيريا) المعروفة بجوِّها شديد البرودة، حتى أُبيد في عهد ستالين أكثر من ١١ مليون مسلم بهذا السبب. كما اعتاد السوفيات على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى كنائس، والبعض الآخر إلى إسطبلات للخيول، وغيرها إلى مسارح ودور للخمر. وكانوا أيضًا يسرقون الأموال من الأوقاف الإسلامية ويصادرونها بأكملها، وكانوا يحوِّلون المدارس الإسلامية والقرآنية إلى دور للتنصير. وفوق كل ذلك، كانوا يخصّون المسلمين بضرائب عالية جدًا، عامِلين على خفض مستواهم المعيشي، بالإضافة إلى التجنيد الإجباري لهم، إلا من يرتدُّ عن دين الإسلام.
ومن الظواهر التي عانى منها مسلمو الاتحاد السوفياتي في الأعوام الأخيرة قبل سقوطه إفرادهم بالمعاملة السيِّئة وغير العادلة، فكان السوفيات يَمنعون المسلمين من أداء فريضة الحج، ويمنعونهم من جمع الزكاة، وحتى من ارتداء الحجاب للنساء، وأجبروا المسلمين على العمل لساعات إضافية خلال شهر رمضان ليشقوا عليهم دينهم. بالإضافة إلى ذلك فرض الروس تعليم الفكر الماركسي وحظروا تعليم الإسلام في المدارس، وقاموا بفرض اللغة الروسية ومنع الحروف العربية لطمس الثقافة الإسلامية، وحرصوا على التعليم المختلط لما فيه من فساد للأخلاق، واستخدموا الآلة الإعلامية للسخرية من الدين الإسلامي للتصغير من شأنه ومن شأن المسلمين، وكانوا أيضًا يحرصون على زرع الفتن بين مسلمي الاتحاد السوفياتي لتفريق كلمتهم، وكانوا يقسِّمونهم إلى وحدات صغيرة لتسهل السيطرة عليهم، كل ذلك بحجة أن «الدين أفيون الشعوب»، وأنهم «لا يؤمنون بأي دين» إلا أنهم خصّوا المسلمين بهذا الاضطهاد والبطش دون غيرهم. ولسوء حظ الروس، كان الأفغان وما زالوا من أكثر الشعوب تمسُّكًا بالإسلام، ومن أكثرهم عداءً لأعدائه. وفي عام ١٩٧٣م، تمكَّن محمود داود بالتنسيق مع الروس من الانقلاب على الحكم الملكي في أفغانستان، ثم في عام ١٩٧٨م، قام الحزب الشيوعي بقيادة محمد غلاب بالانقلاب عليه، وما إن تمكن الشيوعيون من أفغانستان حتى بدؤوا في عدوانيتهم للإسلام مجددًا، فقتلوا في أول يوم من الانقلاب أكثر من 15 ألف مسلم، وقُتل أمام محمد داود أبناؤه الـ29، ثم قُتل هو وباقي أفراد أسرته، ثم بدأ الشيوعيون بالالتفاف حول موسكو والمناداة بالشيوعية العالمية، وفتحوا بعد ذلك الأبواب أمام الجيش الروسي لاحتلال أفغانستان بحجة «حماية النظام»، فسيطر الروس على كابول وعلى باقي أقاليم أفغانستان. وفي عام ١٩٨٠م، أُبيد ما يقارب المليون مسلم على يد الروس في أفغانستان، وقوبل ذلك بالمواقف المخزية للحكومات في بلاد المسلمين، وهذا ديدنهم إلى اليوم أخزاهم الله.
أما فرنسا، فقد مارست جرائمها الوحشية ضد المسلمين؛ فقد ﺟﻤﻌﺖ 400 عالم مسلم، ﻭﻗﻄﻌﺖ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﻮﺍﻃﻴﺮ؛ ﺃﺛﻨﺎﺀ اﺣﺘﻼﻟﻬﺎ ﺗﺸﺎﺩ ﻋﺎﻡ 1917ﻡ («ﺗﺸﺎﺩ» ﻟﻠﻤﺆﺭﺥ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺷﺎﻛﺮ، ﺹ: 73). وحينما دخلت فرنسا مدينة الأغواط الجزائرية عام 1852م أبادت ثلثي سكانها حرقًا بالنار في ليلة واحدة. وأجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر في الفترة من (1960 – 1966)م، وقد أسفرت عن عدد غير محدد من الضحايا يتراوح بين 27 ألفًا و100 ألف. وحين خرجت فرنسا من الجزائر عام 1962م كانت قد زرعت وراءها عددًا من الألغام أكثر من عدد سكان الجزائر وقتها (11 مليون لغم)، واحتلت فرنسا الجزائر لمدة 132 سنة، أباد خلالها الفرنسيون مليون مسلم في أول 7 سنوات بعد قدومهم، ومليون ونصف المليون في آخر 7 سنوات قبل رحيلهم، وقدَّر المؤرخ الفرنسي جال جوركي أن مجموع الذين قتلتهم فرنسا في الجزائر منذ قدومها عام 1830م حتى رحيلها عام 1962م، هم 10 ملايين مسلم. واحتلَّت فرنسا تونس مدة 75 عامًا، والمغرب 44 عامًا، وموريتانيا 60 عامًا، واحتلت السنغال (95% من سكانه مسلمون) لمدة ثلاثة قرون.
أما بالنسبة لأمريكا؛ ففي أفغانستان مارست أمريكا أشكالًا مروِّعة من الإبادة الجماعية، فهناك آلاف الوثائق التي تتحدث عن جرائم الاحتلال في أفغانستان، والمذابح بحق المدنيين والتي ارتكبتها قوات الغزو الأمريكي في عدد من مديريات أفغانستان، والحقيقة أكبر من الظاهر، ولا شك بأن الحقيقة الكاملة عن جرائم الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال في أفغانستان أكبر مما يتم تسريبه ونشره. لقد كشفت الوثائق المسرَّبة عن حجم وكيفية قيام قوات الاحتلال بقتل مئات المدنيين، إن لم يكن الآلاف، في حوادث لم يتمَّ الإعلان عنها، وإن ما نشرته، (الغارديان البريطانية) و(نيويورك تايمز الأمريكية) و(دير شبيغل الألمانية) من ملفات وسجلات بلغ عددها 90 ألفًا، ليس سوى قطرة من بحر جرائم الإبادة المرتكبة بحق الشعبين الأفغاني والعراقي، ولا سيما الفلُّوجة.
وكانت صحف ألمانية قد نشرت بدورها في وقت سابق صورًا لجنود يحتضنون جماجم ضحاياهم. وما ينطبق على الجنود الأمريكان ينطبق أيضًا على الفرنسيين، والبريطانيين، والإيطاليين، والدنماركيين، والإسبان وغيرهم، فالمدنيون يُقتلون بالجملة، غيلة وحقدًا وانتقامًا، فقد قتلوا في يوم واحد 45 مدنيًا أفغانيًا جملة واحدة في هجوم صاروخي ارتكبته قوات الاحتلال في إقليم هلمند، وتحديدًا في بلدة سانجين، جنوب أفغانستان، وقد اعترفت قوات الاحتلال بالجريمة، وقد أثبت موقع (Global Research) الكندي أن حروب الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تسبَّبت في مقتل أكثر من ثلاثين مليون إنسان حول العالم. من ناحية أخرى أثبتت دراسة مهمة أجرتها جهة رصينة أخرى أن «الحرب على الإرهاب» (أي الإسلام) التي تقودها الولايات المتحدة قد قتلت ما يصل إلى مليوني شخص، لكن هذا الرقم يمثل جزءًا بسيطًا من المسؤولية الغربية أو من الأرقام عن الوفيات في العراق وأفغانستان وبصورة أقل في باكستان (ثم بعد ذلك في ليبيا وسوريا والصومال، على مدار العقدين الماضيين، وطبعًا هذه الأرقام لا تشمل ما يقتله كيان يهود من أهل فلسطين)، فقد أصدرت منظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية ((PSR) Physicians for Social Responsibility)، ومقرُّها واشنطن العاصمة، دراسة تاريخية خلصت إلى أن عدد القتلى بعد 10 سنوات من «الحرب على الإرهاب» (الإسلام) منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر هو 1.3 مليون شخص على الأقل، ويمكن أن يصل العدد إلى 2 مليون؛ إلا أنه تم حجب هذه الحقائق الواردة في الدراسة بالكامل تقريبًا من قبل وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية. وفي منتصف عام 2006م، نشرت مجلة (لانسيت الطبية البريطانية) دراسة أكدت فيها أن حوالى 670 ألف عراقي قتلوا بعد الاحتلال وبسببه، وتعرضت هذه الدراسة لهجوم إعلامي كبير في بريطانيا والولايات المتحدة، وتم التشكيك بالأرقام التي أوردتها (حسب إحصائيات الولايات المتحدة بعد سنتين من هذه الدراسة، فإن الرقم ربما يكون أكثر من 30 ألف قتيل بقليل) ومع مرور الأيام بدأت الحقائق تظهر، وأصبح الرقم الذي أوردته مجلة (لانسيت) يبدو الأقرب للدقة، ثم جاءت هذه الدراسة الأخيرة لتثبت أن الحرب والهجمات التي شنتها الولايات المتحدة على العراق، والوفيات التي تسبَّب بها الحصار الظالم واللاإنساني للفترة من 1991م إلى 2003م أودت بحياة 1.9 مليون عراقي، ثم من عام 2003م وصاعدًا، قتل حوالى مليون شخص آخر، أي أن أكثر من 3 ملايين عراقي لقُوا حتفهم على مدى عقدين من الزمان على يد الولايات المتحدة أو بسبب سياستها، حسب هذه الدراسة. وتراوحت بشاعة الطرق التي قتل فيها هؤلاء الضحايا ما بين دفن عشرات الآلاف من الجنود الأحياء في خنادقهم، وقتل أكثر من مليون وثمانمائة ألف شخص بالحرمان من الغذاء والدواء، وصولًا إلى استهداف المدنيين الأبرياء بغارات عشوائية مكثفة. أما جرائم التعذيب في السجون (أبو غريب نموذجًا) فحدِّثْ ولا حرج، وطبعًا ما جرى ويجري في العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان، من سياسة دعم ونشر الإرهاب والإرهابيين لتدمير هذه الدول فهي سياسة وممارسة لا تحتاج لدليل لإثباتها. أما الأموال التي سرقتها أمريكا من العراق فقد كتب محرر (دار ضفاف) عن دار ضفاف للطباعة والنشر في بغداد صدر الجزء التاسع والعشرون (279 صفحة) من موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية ترجمة وإعداد الباحث (حسين سرمك حس)، ذكر الباحث حسين سرمك في مقدمة هذا الجزء معلومات لا تصدق وتصيب أي عراقي بالألم والمرض والغضب والقهر: (كان المـُخطَّط لهذا الجزء أن يكون جزءًا واحدًا موحّدًا يتناول قضيتين مترابطتين: الأولى هي سرقة أكثر من 60 مليار دولار (بعض الباحثين يضيف إليها 20 مليار دولار من مبيعات النفط في ظلِّ الاحتلال) من الأموال العراقية التي كانت تحت وصاية الولايات المتحدة (وبالتالي فهي المسؤولة عن مصيرها قانونيًا) في صندوق تنمية العراق. أمّا الثانية فهي ضياع عشرات المليارات من الدولارات من أموال العراق في ما سُمّي بعملية إعادة إعمار العراق» من خلال الفساد الفاحش من رشى واختلاسات وهدر وإساءة استخدام للمال من قبل المسؤولين الأمريكيين في سلطة الائتلاف المؤقتة (برئاسة بول بريمر) التي حكمت العراق في السنة الأولى التي تلت الاحتلال البغيض.
أما في سوريا الأبية؛ فقتلى وجرحى ومفقودون ومعتقلون ومهجَّرون بالملايين. هذا وقد سرَّب المصوِّر «سيزار» آلاف الصور التي تفضح جرائم قتل وتعذيب السوريين في معتقلات النظام، وتدخل الثورة السورية عامها العاشر بأعداد مضاعفة من النازحين والقتلى، فبحسب أحدث تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة لعام 2020م، فإن عدد النازحين السوريين خلال كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير بلغ أكثر من 900 ألف، منهم 300 ألف منذ بداية الشهر الماضي، وذلك جرَّاء الحملة العسكرية الأخيرة التي قادها النظام السوري بدعم روسي إيراني على محافظتي حلب وإدلب، وتمكن خلالها من السيطرة على مناطق استراتيجية، وفتح الطريق «إم 5» الدولي الذي يصل العاصمة دمشق بحلب والساحل. وتتضارب أرقام عدد القتلى الذين سقطوا على أيدي قوات النظام السوري وحلفائه منذ اندلاع الثورة السورية، ويقول ياسر الفرحان رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين في الائتلاف السوري المعارض للجزيرة نت، إن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثَّقت مقتل أكثر من 222 ألف شخص في سوريا منذ آذار/مارس 2011م وحتى بداية آذار/مارس 2020م، فيما تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن أكثر من 400 ألف شخص قتلوا في سوريا منذ 2011م، ويشير الفرحان إلى أن هذه الأرقام تعبر عن جزء من الحقيقة، فبالرغم من الفرق المتخصصة والميزانيات المخصصة لدى منظمات التوثيق، فإنها لا تستطيع رصد جميع الانتهاكات في سوريا بسبب اتساع رقعتها وتزايد شدتها، فضلًا عن صعوبات الوصول إلى كافة المناطق.
ما كان المسلمون ليتعرضوا لمثل هذه الضربات المميتة والانتهاكات الوحشية لو أن لهذه الأمة خليفة (جُنّة) يدافع عنها ويقاتَل من ورائه ويُتَّقى به تحت ظلِّ نظام الخلافة، فبغياب الخلافة أصبح الكافر متحكِّمًا في جميع مفاصل حياة المسلمين، بل ويتدخل في أدق تفاصيل حياتها آمرًا وناهيًا، وبين الفينة والأخرى نرى مبعوثًا من بلاد الكفر في بلادنا يجوب فيها شرقًا وغربًا بلا رقيب، وبغياب الخلافة غاب عنا خلفاء أبطال أمثال هارون الرشيد الذي خاطب نكفور بكلب الروم، وغاب عنا أمثال القائد صلاح الدين قاهر الصليبيين، وسيف الدين قطز قاهر التتار. الخلافة التي كانت تسيِّر الجيوش الجرارة من أجل امرأة واحدة انتُهك عرضها، فما بالنا بالملايين التي أزهقت أرواحهم وانتهكت أعراضهم؟! الخلافة دولة تحمي المسلمين ومقدساتهم وتحمي بيضتهم، فإلى العمل الجاد لإعادتها.
إن أمر الخلافة عظيم، وشأنها جليل، وتركها وترك العمل لها يرتِّب على المسلمين أعظم الذنوب والآثام، ويكفي في هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم، والبيعة لا تكون إلا لخليفة، فوجوده هو الذي يوجد في عنق المسلمين البيعة، فاعملوا مع حزب التحرير الذي يصل ليله بنهاره من أجل هذه القضية المصيرية التي نذر نفسه لها. إن حزب التحرير الذي تعلمونه جيدًا منذ عشرات السنين هو الرائد الذي لم يكذبكم يومًا، ولم يتنازل أو يتراجع عن هدفه هذا قيد أنملة، بل بقي كالجبال الراسيات يصل ليله بنهاره ليبيِّن للأمة هذا الفرض الضائع بل تاج الفروض، فَبِهِ وحده تقام الفروض على وجهها، فمنْ ذا الذي يقود الجيوش التي تحرر الأقصى إلا الخليفة؟ ومن ذا الذي يرفع الظلمَ والقتلَ الذي يقع على المسلمين في مشارقِ الأرض ومغاربها إلا الخليفة؟ ومن ذا الذي يطبقُ كتاب الله الذي تعطّل لمائة عام، فيحيي أحكامه ويطبِّق دستوره ونظامه؟ ومن ومن ومن… إلا الخليفة ودولة الخلافة؟! ولذلك ليس عجبًا أن يجعل حزب التحرير العمل للخلافة صناعته وبضاعته، وسيبقى كذلك إلى أن تتحقَّق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» مسند الإمام أحمد، وسيبقى يطلب من الأمة وجيوشها العمل معه لإقامة دين الله في الأرض بإقامة الخلافة على منهاج النبوة.
إن حزب التحرير سائر بعون الله وتوفيقه، في هذا الطريق حتى تقام الخلافة، فَهلُمَّ أيها المسلمون للعمل معنا لإقامة دين الله في الأرض، هلمَّ يا جيوش المسلمين وضعوا أيديكم بأيدينا لإقامة هذا الفرض العظيم، وثِقوا بالله القوي العزيز واعلموا أن نصر الله قريب. إن الأمة لن تيأس من روح الله ونصره، وبين يديها بشارات تستنهض الهمم، وتطمئن لها القلوب المؤمنة بنصر الله سبحانه وتعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾.
فها هي الأمة قد خرجت من كبوتها، وبين يديها، ومن أمامها، شباب حزب التحرير، بقيادة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة، يصلون ليلهم بنهارهم، بخطًى ثابتة نحو تحقيق قضية الأمة المصيرية، باستعادة عزها وسلطانها، بإعلانها خلافة راشدة على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز. قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٢٤﴾.
2021-04-14