تنامي قبول حزب التحرير في العالم العربي
2007/02/20م
المقالات
2,627 زيارة
تنامي قبول حزب التحرير في العالم العربي
نشرت مجلة مراقبة الإرهاب Terrorism Monitor في المجلد رقم 4 العدد 24 بتاريخ 14/12/2006م هذا المقال للكاتب جيمس براندون عن حزب التحرير تحت العنوان المذكور. وقد عملت «الوعي» على ترجمته، ومما جاء فيه:
حزب التحرير في الظاهر حركة إسلامية سياسية غير عنيفة تكرس عملها لإعادة إيجاد خلافة عالمية. ورغم أنه أسس عام 1953م في القدس التي كانت محكومة من قبل الأردن، إلا أنه أصبح أقوى في أوروبا وآسيا الوسطى، ومع هذا أصبح اليوم يزداد شعبية في العالم العربي. يعمل حزب التحرير سرّاً لإقناع المسلمين لإسقاط حكوماتهم الحالية سلمياً، وإقامة خلافة عالمية تقوم بعد ذلك لفرض إسلام محافظ على كل البلاد ذات الأكثرية المسلمة. ومتى تحقق ذلك يأمل حزب التحرير أن تجعل الخلافة كل العالم إسلامياً من خلال التحويل في المرحلة الأولى، ولكن -كإجراء أخير- تقوم بحملات جهاد هجومي ضد كل الدول غير الإسلامية. تقول الجماعة إنها ستأخذ السلطة سلمياً من خلال إقناع الأعضاء المتنفذين من النخبة لإسقاط الحكومة. والجماعة غير مشروعة في كل العالم العربي ما عدا لبنان واليمن والإمارات العربية حيث يجري التسامح معها، وهي لا تؤمن في استخدام الانتخابات ولا في العنف من أجل أخذ السلطة، ولا يوجد دليل بأن أعضاء حزب التحرير قاموا بأي اعتداءات في العالم العربي. ومع هذا يوجد أدلة متزايدة بأن حزب التحرير يزداد شعبية في العالم العربي.
أدلة تنامي شعبيته
جرت في خريف عام 2006م حملات إعلامية غير مسبوقة قام بها حزب التحرير واعتقالات مرتبطة بذلك عبر العالم العربي، مما يوحي بأن الجماعة قد تصبح عاملاً سياسياً بشكل متزايد في سياسات المنطقة. ففي العامين الأخيرين أصبح حزب التحرير ببطء أكثر ظهوراً في فلسطين. ففي شهر آب سار عدة آلاف من أعضاء حزب التحرير وسط مدينة الخليل في ذكرى هدم الخلافة.
وفي 27 أكتوبر تظاهر عدة مئات من الأعضاء في المسجد الأقصى داعين إلى إعادة إقامة الخلافة. وحصلت في 3 أكتوبر في المغرب أكبر حملة اعتقالات ومحاكمات لأعضاء الحزب. وفي سبتمبر سجن 14 عضواً من حزب التحرير بعد اعتقالهم في مكناس والدار البيضاء وتطوان. والذين حكم عليهم بالسجن، معظمهم جيدو الثقافة ومهندسون متخرجون درسوا في أوروبا. وفي زنجبار قام أعضاء حزب التحرير بحملة شعبية جديدة واسعة، حيث قام ما يقدر بـ3000 عضو بحملة ملصقات في الليل في مدن الأرخبيل ذي الأغلبية الإسلامية، حيث تقول الملصقات إن الخلافة ستوقف إفساد الثقافة الإسلامية في الجزيرة من قبل السواح الغربيين (الجزيرة، 31 أكتوبر)، ولم تقع اعتقالات. ويبدو أن حزب التحرير وجد أفضل فرصة في الأردن، حيث يدعي أعضاء كبار في الحزب في الأردن أن الحزب كسب العديد من ذوي المناصب العالية في الجيش والحكومة، إضافة الى أنهم يتمتعون بدعم متزايد وسط أهل الفكر في عمان. وقد وقعت هناك عدة اعتقالات حيث يُظَنّ أن حوالى 40 عضواً موجودون في السجن.
وفي لبنان يوجد دليل متزايد بأن حزب التحرير قد ضاعف نشاطاته بعد السماح بوجود الجماعة في شهر مايو. والروايات توحي أن حزب التحرير يزداد شعبية بين اللاجئين الفلسطينيين (في مخيم عين الحلوة مثلاً) في صيدا وفي المناطق السنية حول طرابلس. ولكن وزير الداخلية اللبناني، أحمد فتفت، حذر بأنه سيتخذ إجراءات ضد أي عضو من حزب التحرير يخطط لأعمال عنف أو يهدد أمن الدولة ( البلد، 17 أكتوبر). أما في سوريا فيصعب قياس شعبية حزب التحرير. ومع هذا فمنذ أواخر التسعينات كان هناك سيل متواصل من الاعتقالات بين أعضاء الحزب. وتعامل الحكومة السورية أعضاء حزب التحرير كما تعامل أعضاء الإخوان المسلمين، حيث تحاكمهم أمام محاكم أمن الدولة وتصدر عليهم أحكام سجن طويلة الأمد. وفي البلاد العربية الأكثر قمعاً يصعب تقدير أتباع حزب التحرير المتخفّين، فقد جرت عام 2006 اعتقالات بين أعضاء الحزب في مصر والسودان وتونس.
تصادم اتجاهات
ويعود تنامي شعبية حزب التحرير جزئياً لقيادته المتزايدة في التنظيم والتفهم للإعلام، وجزئياً بسبب مجموعة من العوامل المحلية والعالمية في كثير من البلاد العربية التي تضافرت لزيادة القبول بحزب التحرير. فنمو الجماعة في فلسطين يعكس الاستياء من سياسات الإخوان المسلمين وحماس. فبينما عرقلت حماس سياسات إسرائيلية معينة إلا أنها فشلت كحكومة في تجديد المجتمع الفلسطيني وفي إصلاح الاقتصاد أو وقف التدهور المتواصل للتعليم والبنى التحتية والعناية الصحية. أما في الأردن فإن الاستياء يزداد من الملكية المستغرِبة في البلاد. ويسمح حزب التحرير للفلسطينيين والأردنيين الأصليين للعمل معاً من أجل معالجة مشاكلهم المشتركة، بينما لدى منهجه غير العنيف قبول ظاهر وذلك بعد عدة اعتداءات من القاعدة تسببت في وقوع قتلى معظمهم من المسلمين.
وفي أقطار أخرى مثل سوريا ولبنان وليبيا وتونس يقدم حزب التحرير نفسه كبديل دينيّ للأنظمة الحالية، وأيضاً كطريقة للتغلب على التوترات العرقية والطائفية . أضف إلى ذلك يقدم حزب التحرير بديلاً جذاباً لكثير من المسلمين العرب الذين، رغم ملاحظتهم المتزايدة للسلفيين وللجهاديين المتأثرين بالإخوان المسلمين، إلا أنهم قلقون من رغبة واستعداد هؤلاء لقتل المسلمين الأبرياء أثناء عمليات ضد الغربيين.
واكتسبت فكرة إعادة الخلافة تشجيعاً من قبل أسامة بن لادن الذي أعلن مفاهيم عن الخلافة الجديدة. وبينت أعمال القاعدة كيف يستطيع المسلمون أن يتّحدوا للدفاع عن الأمة. واكتسبت أحلام الخلافة مصداقية جديدة بأحداث التمرد الإسلامية المنتشرة والمتداخلة التي تقع في العراق وأفغانستان والصومال ومناطق أخرى، التي يمكن في حال نجاحها يوماً ما أن تتّحد لتشكيل خلافة في شكل تحالف. وبينما لا تقدم القاعدة حالياً إلاّ القليل بجانب السياسات التدميرية لمقاومة دائمة، يقدم حزب التحرير الخلافة كحلّ عمليّ (قابل للتطبيق) لمشاكل العالم الإسلامي. فالقاعدة تكاد تركز بالكامل على نضالها العسكري من أجل دحر أعداء الإسلام، بينما نشر حزب التحرير في المقابل خططاً من أجل تنظيم الاقتصاد والمجتمع وجهاز الخلافة التي يهدفون إلى إقامتها. بالإضافة الى ذلك فإن حزب التحرير يقلل من أهمية الانقسامات السنية الشيعية مدعياً أنه يقبل دون تحفظ الشيعة كأعضاء في الحزب. ومن المحتمل أن يكون هذا الموقف أكثر جاذبية إذا استمر الصراع الطائفي في العراق يزداد سوءاً، معطياً بذلك مصداقية جديدة لوجهة نظر الحزب القائلة بأن القوى الغربية تستغل عن قصد التنافس السني الشيعي لتجزئة العالم الإسلامي.
ولقد سمحت الشبكة الإلكترونية لأفكار حزب التحرير أن تنتشر أسرع من أي وقت مضى، مبرهنة في الوقت ذاته أن إنشاء الخلافة في مجتمع عالمي يتقلص باستمرار (تقترب أجزاؤه) لم يعد حلماً (خيالاً). ولقد أشار أعضاء حزب التحرير في الأردن الى الشبكة الإلكترونية وإلى نجاح الاتحاد الأوروبي كدليل على أن الخلافة العالمية تستطيع فعلياً أن تتغلب على الخلافات التاريخية والمنافسات القومية. وقد قام حزب التحرير بمهارة بدور قيادي في كثير من القضايا الأخيرة التي تهم العالم الإسلامي. فمثلاً وزّع الحزب أعضاءه بسرعة لتنظيم عمليات مقاطعة واحتجاجات عالمية ضد الدانمارك بعد نشر صحيفة حيلاندس بوستن للرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد (ﷺ).
أهمية متزايدة
ينظر إلى حزب التحرير بشيء من الاضطراب من قبل المحللين الغربيين، ذلك لأنه بينما أهدافه الداعية لإعادة الخلافة ومن ثم تحويل العالم الى الإسلام بالقوة إذا اقتضى الأمر، لا تكاد تختلف عن أهداف ابن لادن، فإن طرائقه مختلفة تماماً. وعلى الرغم من أن أعضاء حزب التحرير يؤمنون حقاً بقرب قيام الخلافة، ولكن أهميته الحقيقية يمكن أن تكون في دوره الهام والمتنامي في إحياء الأصولية (تأصيل) وفي أسلمة الشرق الأوسط. فمثلاً تذكي مبادئ حزب التحرير وجهة النظر العامة والمتنامية بأن الصراع الحالي بين الديمقراطيات الغربية والإسلاميين ليس خلافاً حول الأرض والحدود والسياسات الحياتية الذي يمكن بالتالي حلّه، ولكنه صراع حتمي بين الحضارات والثقافات والأديان.
وبقوله إن محاولات غير المسلمين لمنع إقامة امبراطورية إسلامية عالمية تعدل الاضطهاد المتعمد للمسلمين، يغذي حزب التحرير ثقافة الضحية التي تزكي الأصولية الإسلامية اليوم، كما تعطي التبرير الديني اللازم لأعمال فردية من الجهاد الدفاعي أو الاستباقي. ويقول حزب التحرير بأن القرآن يقول بأن جميع البلاد والثقافات والأشخاص غير الإسلامية يجب أن تخضع للإسلام. وأعضاء حزب التحرير الذين يقبلون بهذه النظرية يبدأون طبيعياً في النظر الى العالم بأسره بمصطلح مسلم وغير مسلم، ويبدأون بالتالي في النظر لكل الكيانات غير الإسلامية على أنها تستحق الدمار. إضافة الى ذلك فإن رفض حزب التحرير المطلق للديموقراطية بوصفها غير إسلامية هو موقف أكثر تشدداً بكثير من موقف الإخوان المسلمين وجماعات أخرى، هذا بجانب المواقف شديدة المحافظة التي تتخذها الجماعة تجاه النساء والكحول وحرية التعبير.
واستراتيجية حزب التحرير طويلة الأمد هي في الاستيلاء المضطرد على البلاد من خلال كسب النخب. ولكن الأمر الأكثر إلحاحاً هو التهديد المطروح من تأثير الحزام الناقل(أي كونه وسيلة) لحزب التحرير. تقول نظرية (الحزام الناقل) بأن أعضاء حزب التحرير غالباً يتركون حزب التحرير بأصولية أكبر من أصوليتهم عند الانضمام اليه، وبالتالي يمكن أن يرتكبوا أعمالاً إرهابية. وتتدعم هذه النظرية في أوروبا وآسيا الوسطى بأدلة متنامية بأن سيلاً أكبر من الناس عبر حزب التحرير يؤدي الى زيادة عدد الاعتداءات ضد أهداف غربية وحكومات غير إسلامية من قبل أعضاء سابقين من الحزب. ورغم أنه يستحيل حالياً دعم هذه النظرية بالكامل وثائقياً في العالم العربي، فإنه يبدو منطقياً أن تنطبق نظرية الحزام الناقل هناك كما في أي مكان آخر.
بالإضافة فإن الجماعات التي تنشق من حزب التحرير تميل إلى تكوين حركات سلفية جهادية يقودها رجال مستاؤون من المنهج التدريجي لحزب التحرير الذي يرفض تغيير معارضته الى عنف سياسي.
في الخلاصة، رغم ازدياد شعبية حزب التحرير في الشرق الأوسط وأهدافه المقررة في قلب أنظمة الحكم العربية الحالية، فإن الجماعة بنفسها لا تمثل تهديداً للاستقرار في المنطقة. بدلاً من ذلك، وفي هذه اللحظة بالذات على الأقل، فإن تنامي أهمية الجماعة يتمثل في أثر خطابها على أعضائها، وأعضائها السابقين وأولئك الذين يستمعون لرسالتها.
2007-02-20