المرأة في بوتقة العمل الحزبي
2007/01/30م
المقالات
2,342 زيارة
المرأة في بوتقة العمل الحزبي
لم يعد خافياً على أحد طبيعة الصراع الذي تخوض غماره أمة الإسلام هذه الأيام, ولم يعد يخفى على أحد حدة هذا الصراع المتنامي والذي يصل في كثير من الأحيان درجة الصراع الدموي, وكذلك لم تعد هناك حاجة للإشارة إلى أن هذا الصراع قائم بيننا وبين الغرب على وجهين:
الأول: صراع فكري مبدئي وهو ما يسمى بصراع الحضارات, وما يتبعه من هجوم فكري على أفكار الإسلام وأحكامه الكلية والجزئية.
والثاني: صراع ناتج عن صراع الحضارات وهو الصراع الدموي المتمثل الآن في الهيمنة السياسية والعسكرية على بلاد المسلمين, والأمثلة كثيرة واضحة للعيان بحيث نرى بوضوح أن هناك حملات صليبية -حديثة قديمة- فكرية وسياسية وعسكرية لضرب الإسلام والهيمنة على بلاد المسلمين.
في الحقيقة فقد قُدِّر لحزب التحرير أن يخوض غمار هذا الصراع الفكري منذ نشأته الأولى, فخاض عملية الصراع الفكري والكفاح السياسي ولم يزل, حتى عمت فكرته القارات الخمس, وأصبح من وجهة نظر الغرب المقاتل الوحيد فكرياً للحضارة الإسلامية في وجه باقي الحضارات في معركة صراع الحضارات.
وإنه مما لا شك فيه أن عملية استئناف الحياة الإسلامية وإقامة دولة الإسلام بإقامة الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين ومبايعته أمر لا بد له من عمل حزبي, وهذا ما دلت عليه الأدلة السمعية المتضافرة في هذا الباب, فالحكم بما أنزل الله فرض, وإيجاد الخليفة ومبايعته فرض, وإنشاء أحزاب تدعو للإسلام وتعمل لإيجاده في الحياة فرض أيضاً, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهذا الفرض، أي العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة، واجب على المرأة كوجوبه على الرجل سواء بسواء, فهما، أي المرأة والرجل، أمام هذا التكليف الشرعي سواء.
إن ما نراه اليوم من تطورات الصراع في الحلبة الدولية والعالمية بين الحضارات، أي بين الإسلام والكفر, وتداعيات هذا الصراع، ليحتم علينا أن نسلط الضوء على جزئية من جزئيات العمل الحزبي أو أحد جوانبه، ألا وهو دور المرأة في بوتقة العمل الحزبي.
إن عملية الصراع الفكري والكفاح السياسي التي يقوم بها الحزب, والتي يقود من خلالها دفة الصراع في معركة صراع الحضارات -على صعيد صراع الأفكار أو الأعمال- إنما يقوم بها عن طريق الإجهاز على الأفكار الكافرة والإتيان بالبديل أي بالإسلام, وذلك بإعطاء الرأي الصواب، سواء أكان رأياً شرعياً يقتضي بذل الوسع والاجتهاد ورد الأمور إلي ميزانها الشرعي أي إلى النصوص الشرعية, أم كان رأياً عقلياً يقتضي البحث والتفكير وفهم الواقع بالطريقة العقلية للوصول إلى صحيح الرأي, ومن ثم إنزاله على الأفكار والأحداث والوقائع الجارية. وما يهمنا هنا عملية إدارة هذا الصراع وكيفية إيصال هذه الأفكار والأحكام للمسلمين، والذين يُعتبرون الحلبة التي يجري عليها هذا الصراع.
وبناء على كل ما تقدم كان لا بد من تسليط الضوء على دور المرأة حاملة الدعوة وجزئيتها في العمل الحزبي, هذا العمل الذي يهدف إلى إقامة الخلافة والحكم بما أنزل الله.
لقد اختار الغرب الكافر في صراعه معنا, وفي أكثر من مرة، محوراً رئيساً ومهماً وخطيراً في هجومه على أفكار الإسلام وأحكامه, بل إنه تقصَّد، عن مكر وخبث، اختيار شريحة معينة يصوب سهامه المسمومة نحوها؛ وذلك لإدراكه أهمية هذه الشريحة وخطورتها على الحضارة الإسلامية, بل لعله اعتبرها سلاحاً يهدم حصون الأمة من داخلها, وكان هذا المحور هو موضوع المرأة والأوساط النسائية داخل المجتمع الإسلامي.
ولقد برز اتخاذ الغرب الكافر هذا المحور كأرض معركة جرى عليها وحولها صراع كبير في عدائه للإسلام في أمور كثيرة كان منها:
l مؤتمرات الإسكان والسكان.
l مؤتمرات الدفاع عن المرأة وحقوقها.
l إيجاد وتمويل الجمعيات والأندية والمنتديات النسوية.
l التركيز على محور المرأة -سلباً- في المناهج التربوية الجديدة.
l سن القوانين والتشريعات في البلاد الإسلامية ما يمكِّن المرأة من الخروج على الأهل والزوج ما يؤدي إلى تفكك المجتمع تحت ما يسمى حماية المرأة.
l ضرب بعض الأفكار المتعلقة بالمرأة مباشرةً ومنها على سبيل المثال:
– أحكام الاجتماع والاختلاط.
– تعدد الزوجات.
– أحكام الزواج والطلاق, كضرب فكرة الزواج المبكر وأحكام الطلاق وأنه استخفاف بالمرأة.
– أحكام النشوز وعقوبة المرأة الناشز.
– وغير ذلك الكثير من الأحكام .
l وأخيرا وليس آخراً, قضية الحجاب وما يمثله للمرأة المسلمة كرمز لعفتها وطهرها. فلقد منع الحجاب في الأماكن العامة كالمدارس والجامعات في بعض البلاد الإسلامية كتونس وتركيا, ثم كانت القاصمة بسن قانون منع الحجاب, الذي اعتمدته وأقرته فرنسا وغيرها من بلاد الكفر.
إذن مما لا شك فيه أن هناك عملية تهدف إلى إفساد المرأة المسلمة من قبل الكافر, الذي هو على الجانب الآخر من هذا الصراع, وعملية إفساد المرأة لم تكن وليدة لحظة أو قرار, وإنما هي نتاج دراسات وممارسات ما يزيد عن قرنين من الزمن.
وبما أن مجتمع النساء لا يقل كثيراً عن مجتمع الرجال, وبما أن هذا المجتمع قد صوبت نحوه سهام الكفر، كان لابد للمرأة حاملة الدعوة من الاضطلاع بمسؤولياتها والوقوف على ثغرتها في هذا الصراع, وكان لابد كذلك من انصهارها الواعي في بوتقة الأفكار والأعمال الحزبية, ما يحقق النجاح للحزب في قيادته للصراع الفكري والكفاح السياسي في إنزال أفكاره وأحكامه، الشرعية منها والفكرية، على الشريحة المعنية والفئة المستهدفة هنا في هذه الجزئية من الصراع ألا وهي مسألة المرأة المسلمة.
إن إدراك حقيقة عمل المرأة في البوتقة الحزبية إدراكاً واعياً يقتضي من القائمين على هذا الصراع تفعيل دور المرأة داخل التكتل تفعيلاً ظاهراً ينعكس على أداء المرأة حاملة الدعوة في أوساطها النسائية, ثم توجيه المرأة وتعزيز دورها في العمل داخل تلك الأوساط في المجتمع.
ومن هنا كان لابد من بناء المرأة حاملة الدعوة بناءً خاصاً, بحيث تتركز عندها محاور الصراع, فتقف على مفاهيم صراع الحضارات, وحرية المرأة ومساواتها بالرجل, والأفضلية بين الرجل والمرأة وحقيقة هذه الأفضلية في ميزان الشرع, وقضايا الاجتماع والاختلاط, وأفكار ضرورة مسايرة الواقع والمجتمع, والوقوف كذلك على واقع بعض الفتاوى المتجرئة على الله من حيث حكم الحجاب والزواج من كافر وأحكام الخلع وغيرها مما يخالف أحكام الشرع, ثم الوقوف على ما تقوم به بعض الدول في العالم الإسلامي من أنشطة هدّامة, كالسابلة في النظام الأردني, وأنشطة الكشافة والمسابقات بين الجنسين, وما يسمى بالرحلات التعليمية والبعثات الدراسية للجنسين وغيرها, تلك الأنشطة التي تأخذ غالباً سناً معيناً يكون في الغالب سن المراهقة وما بعد البلوغ.
وهذا يقتضي تثقيف المرأة حاملة الدعوة بهذه الموضوعات وأشباهها تثقيفاً خاصاً فوق الثقافة التي تتلقاها, وجعل هذه الموضوعات محاور تعطى العناية الخاصة في خوض المرأة حاملة الدعوة للصراع الفكري داخل الأوساط النسائية.
والمرأة حاملة الدعوة يجب أن تدرك بأن كونها محوراً استهدفه الكافر في الهجوم على الإسلام يقتضي بأن تدرك أيضاً أنها محور رئيس في التصدي لهذا الهجوم ومقارعته والتغلب عليه, بإبطال خططه وتقويض أهدافه.
ويظهر هذا الإدراك متبلوراً, ويكون أول ما يكون، بالتزام حاملة الدعوة بالإسلام كاملاً وتمثله فيها, وتمكنه منها, وانصهارها فيه, بحيث تكون هي الصورة الصادقة والحية أمام الجميع بشكل عام, وأمام بنات جنسها بشكل خاص,المثال العملي لا النظري لأفكار الإسلام وأحكامه.
هذا المثال الذي يجب أن ينتقل طبيعياً لمن حولها، والذي يبدأ بالتأثير في الوسط الذي تعيشه. فالمرأة حاملة الدعوة راعية وهي مسؤولة عن رعيتها, راعية في بيتها كأم, وفي صفها كمعلمة, وفي مكان سكناها وبين جاراتها وأقرانها ومعارفها من النساء, آمرة بالمعروف الذي تلتزمه، وناهية عن المنكر الذي لا تقترفه, ناصحة أمينة, حريصة وملتزمة, صابرة ومحتسبة فيما تؤدي أو فيما تلاقي من أذى أو صد وإعراض.
ثم ينتقل هذا المثال الحي والنموذج الصحيح -المرأة حاملة الدعوة- إلى الأوساط النسوية بشكل مؤثر على شكل يؤدي إلى تقبل هذه الأوساط النسائية للأفكار والأحكام تقبلاً إيجابياً يؤدي إلى الأخذ بها والتزامها.
والمرأة التي تعمل في بوتقة العمل الحزبي وتنصهر به يجب أن تكون دائمة اليقظة لما يدور حول هذه الأوساط النسائية من أحداث, وما يطرأ عليها من تغيرات, ويجب عليها أن تراقب مدى تأثر هذه الأوساط سلباً أو إيجاباً بما نطرح من أفكار وما نحمله من أحكام, وتراقب كذلك وعن كثب مدى انقياد هذه الأوساط لمفاهيم الكتلة وقناعاتها.
وحتى يتحقق ذلك للمرأة حاملة الدعوة, وحتى تنجح في مهمتها، فإن عليها أن تكون دائمة التأثر والتأثير والإنشاء والارتقاء بفكرها وبمن معها، والمقصود هنا التأثر الإيجابي والذي يتمثل في قدرتها على الإحساس بما تعانيه الأوساط النسائية من مشاكل وأحداث, أو بما يطرأ عليها من تغيرات، فتتأثر إيجاباً ما يدفعها إلى العمل وإلى المزيد من العطاء وإلى التشخيص الصادق والدقيق لتلك المشكلة أو الطارئ، فتنتقل بذلك إلى مرحلة التأثير الإيجابي المتمثل في العلاج الصحيح, فهي تتأثر إيجاباً بالإحساس الصادق لتؤثِّر بدورها إيجاباً في هذه الأوساط, ويجب عليها كذلك أن تكون دائمة الإنشاء في فكرها وسَعَةِ أُفُقِها, في جعبتها شيء جديد ويكون ذلك بإنزال ما تتلقي من أفكار وأحكام على الوقائع الجارية والحادثة, فتديم ربط الأفكار بالوقائع كلما لزم أو كلما جد جديد.
وبعد أن تُعد المرأة هذا الإعداد المطلوب, فإنه يسهل عليها ريادة تجمعات الأوساط النسائية ريادةً فاعلةً قادرةً على التأثير والتوجيه وأخذ القيادة, أي انقياد مجموعة النساء كأفراد أو مؤسسات إلى فكرة الدعوة وأهدافها, ومن هنا كان لزاماً على المرأة التي تدرك جزئيتها الحزبية التي تعمل فيها أن تقوم على الدوام بحصر الأماكن والمواقع التي تتطلب الرعاية والاهتمام, وديمومة الاتصال كمدارس الإناث الإعدادية والثانوية, والكليات والمعاهد والجامعات النسائية منها على وجه الخصوص, وكذلك مؤسسات المجتمع المدني النسوية, والتي تتمثل في مراكز المرأة والدفاع عن الأسرة, ومراكز الاهتمام بالأطفال, وحتى المراكز الصحية الخاصة بالأمومة والطفولة, والمراكز الثقافية النسائية, ومؤسسات التدريب والدورات كمراكز اللغات والفنون وما شاكل ذلك.
وكذلك يجب على المرأة حاملة الدعوة أن تكون متيقظة غير غافلة عن النتائج الحاصلة أو المتوقع حصولها, ولا نغفل عن البحث في مواطن الضعف والتقصير, وسبل علاج هذا الضعف والتقصير, ومحاولة تحقيق النتائج المطلوبة, ما يفسح لحاملة الدعوة مجالاً حيوياً في الاضطلاع بالمسؤولية الملقاة على عاتقها.
وبتحقيق ذلك تتحقق للدعوة بشكل عام الأهداف العامة في هذا الخصوص, ذلك أن مجال إيصال أفكار الدعوة وأحكامها ومفاهيمها يكون قد غطّى مساحة كبيرة من مجتمع الأوساط النسائية, قد تعجز عنه فئة الرجال أحياناً من إيصالها إلى تلك الأوساط بشكل فعّال. ولا يخفى على أحد تأثير هذه الأوساط النسائية فيمن حولها, فالمرأة كما أسلفنا تؤثر في بيتها سلباً أو إيجاباً وفي جميع أماكن تواجدها.
وبهذا تقوم المرأة حاملة الدعوة بدورها في حلبة صراع الحضارات ما يقطع الطريق على الكافر من تحقيق أهدافه المرسومة والتي تتمثل في تمييع المجتمع الإسلامي وضربه من الداخل بإغراقه بالمفاهيم والأعراف والأخلاق الرأسمالية, وبالعمل على تحلل المجتمع الإسلامي من كافة القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يعجِّل لنا بتحقيق أهدافنا بإقامة الخلافة الراشدة, تاج الفروض وحامية بيضة الإسلام, والذائدة عن حمى وأعراض المسلمات, إنه سميع قريب مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إحدى حاملات الدعوة – فلسطين
2007-01-30