مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
يبين الله في هذه الآيات ما يلي:
-
يخاطب الله المؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم: هل تريدون أن تسألوا رسولكم محمداً صلى الله عليه وسلمكما سألت يهود موسى – عليه السلام – باشتراط تحقيق أمور لهم حتى يؤمنوا أو يستمروا في إيمانهم كما سألوه أن يروا الله جهرةً أو يجعل لهم آلهةً كما رأوا للكفار آلهةً أو ما شاكل ذلك؟ … ثم يخبرهم الله سبحانه أنَّ اشتراط تحقيق أمور حتى يؤمن المرء أو يستمر في إيمانه هو كفر، وهو يقلب الإيمان كفراً ومن يفعل ذلك فقد حاد عن الطريق المستقيم طريق الهداية وسلك طريق الكفر والضلال.
( أَمْ ) منقطعة، فالخطاب بعدها بالجمع (تريدون)، وقبلها بالمفرد (ألَم تعلم)، وما دامت منقطعةً فتكون بمعنى (بل والهمزة) ويكون معنى ( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ ) أي: بل أتريدون أن تسألوا رسولكم؟
( يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ ) أي يتـرك الإيمـان ويعـتـقـد الكفر، والباء تدخل على المتروك.
( ضَلَّ ) أي حاد وانحرف.
( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) السواء القصد والمنهج وأصله الوسط، والسبيل بمعنى المسبول أي الطريق المسلوك. وعليه ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) أي وسط الطريق دون انحراف وهو على نحو ما ورد في الفاتحة ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ).
-
إن ارتدادكم عن دينكم واسـتبدالكم الكفر بالإيمان هو ما يريده كثيرٌ من أهل الكتاب، فهم يعملون جاهدين لعلهم يردونكم عن دينكم من بعد أن تبين لهم أن دينكم الإسلام هو الحق، وأنَّ رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلمهو الرسول الموعود في كتبهم، وكلّ ذلك حسداً لكم أن يُبعث فيكم رسول الله وليس فيهم، وهذا الحسد هو، من عند أنفسهم، فهم لم يؤمروا بذلك في كتابهم، بل على عكسه أمروا بتصديقه صلى الله عليه وسلمولكنهم يَوَدّون ذلك من قِبَل أنفسهم وشهواتهم وليس امتثالاً لأمر الله إليهم.
ثم يطلب الله من المؤمنين أن يصفحوا عنهم إلى أن يأتي أمر الله، وهذا الأمر هو الذي بَيَّنَه الله سبحانه فيما بعد، من قوله جلّ ثناؤه ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) التـوبـة/آيـة29. ومـن ثم لا صفح عنهم إلا أن يسـلـمـوا أو يدفـعـوا الجزية خاضعين لأحكام الإسلام أو يُقاتَلوا بالسيف.
ويؤكد الله سبحانه قدرته على كلّ شيء وأنه سبحانه القاهر فوق عباده ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
( لَوْ يَرُدُّونَكُمْ ) بمعنى أن يردوكم فهي بمنزلة أن الناصبة ولذلك لا جواب لها.
-
ثم يبين الله سبحانه للمؤمنين وجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ويعلمهم سبحانه أنَّ ما من خيرٍ يقدمه المؤمن إلا ويجده يوم القيامة أمامه، أي يجد ثوابه عند الله لا يضيع منه شيء. فالله مطلع على كلّ عمل سواء أتمّ سراً أم علناً، وهو سبحانه يجزي به ( إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ).