بسم الله الرحمن الرحيم
من أحكام يوم الجمعة
يوم الجمعة -أيها المسلمون- يوم مبارك شاهد ومشهود؛ فمن حضره يشهد له، ومن تخلف بغير عذر يشهد عليه، والملائكة الذين على الأبواب بعد ذلك شهود وقد فضله الله على سائر الأيام كما فضل الشمس على سائر النجوم.
ويَوْمُ الْجُمُعَةِ كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: «يَوْمُ عِبَادَةٍ، وَهُوَ فِي الْأَيّامِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي الشّهُورِ وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ. وَلِهَذَا مَنْ صَحّ لَهُ يَوْمُ جُمُعَتِهِ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ جُمْعَتِهِ وَمَنْ صَحّ لَهُ رَمَضَانُ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ سَنَتِهِ، وَمَنْ صَحّتْ لَهُ حَجّتُهُ وَسَلِمَتْ لَهُ صَحّ لَهُ سَائِرُ عُمْرِهِ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِيزَانُ الْأُسْبُوعِ، وَرَمَضَانُ مِيزَانُ الْعَامِ، وَالْحَجّ مِيزَانُ الْعُمْرِ» زاد المعاد.
لقد اختص الله -تبارك وتعالى- هذه الأمة بخصائص كثيرة، وفضائل جليلة، منها اختصاصه إياها بيوم الجمعة بعد أن أضل عنه اليهود والنصارى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق» رواه مسلم.
هذا اليوم اجتمع فيه من الخصائص والفضائل ما لم يجتمع في غيره من الأيام، فكان أفضل الأيام؛ كما جاء في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» رواه مسلم.
ومما جاء في فضل يوم الجمعة ما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «عرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاءه بها جبرائيل -عليه السلام- في كفه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء، فقال: ما هذه يا جبرائيل؟ قال: هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولأمتك من بعدك ولكم فيها خير، تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك وفيها ساعة لا يدعو أحد ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه أو يتعوذ من شر إلا أعطاه أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد» رواه الطبراني بإسناد صحيح.
هذا اليوم المبارك خصه الله من بين سائر الأيام بأحكام دون غيره من الأيام؛ فمن أحكامه:
– أن الله حرم البيع والشراء بعد نداء الثاني؛ لقوله تعالى: ]إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ[. فكل عمل يؤخر الإنسان عن حضور الجمعة، أو يشغله عن ذلك فإنه يحرم عليه فعله؛ سواء كان بيعا أو شراء، أو ما أشبه ذلك من العقود والمعاملات والأعمال التي تشغل الإنسان عن الجمعة.
– أنه يستحب أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان كاملتين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.
– أنه يحرم تخصيص يوم الجمعة منفردًا بصيام؛ وليلها بقيام؛ لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» رواه مسلم.
– أن من أراد صيامه فعليه أن يصوم يوما قبله أو بعده؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده». رواه البخاري.
– أنه يستحب أن يكثر الإنسان في هذا اليوم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لحديث أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ» رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه.
– أنه يستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين». رواه الحاكم والبيهقي
– أنه يستحب الاغتسال لها، بل ذهب بعض العلماء إلى وجوب ذلك؛ روى ابنُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» رواه البخاري.
– أنه يستحب للمسلم أن بلبس أحسن الثياب؛ لما جاء في حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ: «رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فقال: يا رَسُولَ الله، لو اشْتَرَيْتَ هذه فَلَبِسْتَهَا يوم الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إذا قَدِمُوا عَلَيْكَ». وفي سنن أبي داود: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما على أَحَدِكُمْ إن وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» رواه أبو داود.
ويستحب له أيضاً التطيب والإدهان، والسواك؛ لما جاء في حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ على كلِ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ من الطِّيبِ ما قَدَرَ عليه» رواه مسلم.
– أن المشي إلى الجمعة أفضل من الركوب؛ لما روى أَوْسُ بن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من غَسَّلَ يوم الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى ولم يَرْكَبْ وَدَنَا من الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ ولم يَلْغُ كان له بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه
– أنه يستحب التبكير إلى صلاة الجمعة، وهذه سنة كادت تموت، فرحم الله من أحياها؛ فقد جاء في حديث سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يوم الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ ما اسْتَطَاعَ من طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ من دُهْنِهِ أو يَمَسُّ من طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بين اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ له ثُمَّ يُنْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلا غُفِرَ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» رواه البخاري.
– أن فيها ساعة مستجابة الدعاء كما روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: «فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه» متفق عليه. وقد جاء في رواية تحديد وقتها: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة» رواه مسلم.
– أنه، إذا قعد الإمام على المنبر، يستحب للحضور متابعة المؤذن، ثم يجب الإنصات للخطبة، فإن دخل أحدهم والإمام يخطب فلا يتخطى الرقاب للنهي عن ذلك، ويقصد أقرب فرجة ويصلى ركعتين ثم ينصت للخطبة؛ لحديث جَابِرٍ رضي الله عنه قال: «جاء رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ الناس يوم الْجُمُعَةِ، فقال: أَصَلَّيْتَ يا فُلَانُ؟ قال: لَا، قال: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» متفق عليه..
-أن الانشغال عن الخطبة بأي أمر محرم ولغو يذهب أجر الجمعة؛ فقد جاء في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يوم الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ» متفق عليه. وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم :«وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» رواه مسلم.
– أن لصلاة الجمعة سنة بعدية؛ ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا صلى أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» رواه مسلم. وجاء في حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حتى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» رواه مسلم.
– أن عليه أن لا يَصِل السُنة بالفريضة، بل يفصل بينها بذكر أو كلام أو حركة؛ لحديث معاوية قال: «إذا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فلا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حتى تَكَلَّمَ أو تَخْرُجَ، فإن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ: أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حتى نَتَكَلَّمَ أو نَخْرُجَ» رواه مسلم.q