بسم الله الرحمن الرحيم
هل الخلافة السر الحقيقي وراء استماتة الغرب في الإبقاء على النظام السوري؟
منذ أن هدمت خلافة المسلمين سنة 1924م، وكل أعداء الدين بقيادة الغرب المستعمر، يعملون على أن لا تعود؛ لأنهم يدركون أن الإسلام والمسلمين لا يعزُّون إلا بها، وأن قيامها سيهدد مصالحهم الاستعمارية بشكل حقيقي، بل ووجودهم وتأثيرهم السياسيين حول العالم. ولا شك أن خوف الغرب من انبعاثها من جديد، قوة سياسية قد ظهر جلياً في وقوفه بقوة إلى جانب عملائه في المنطقة بعد أن هزت أركانهم الثورات التي اندلعت في غير مكان. ولا شك أيضاً أن الثورة السورية ودعوتها الإسلامية ودعوتها لعودة الخلافة قد أرعب الغرب عموماً وأميركا خاصة من قيامها هناك، ما جعلهم يستميتون في دعم عميلهم بشار، وقبولهم لأن يبادَ الناس وتهدم البلد حتى يتوقفوا عن الدعوة لها. نعم… هذا هو السر الحقيقي وراء سكوت العالم (المتحضر والديمقراطي) على الإبادة الجماعية والتدمير المنظم في سوريا حتى لا تضيع من أيديهم لصالح الإسلاميين المخلصين، الذين يدعون للخلافة هناك، وعلى رأسهم حزب التحرير الذي يعمل في بلاد الشام منذ عقود.
إن الشواهد البينات تنطق أن هناك دعوة قوية للخلافة في سوريا تخفيها أدوات الإعلام الرخيصة كلها وتعتم عليها حتى لا ينتبه المسلمون إليها وحتى يضللوهم ويصرفوهم عنها. وهذه الشواهد كثيرة ومستفيضة ويزخر بها فضاء الإنترنت، ولا أدلُّ عليها من إذاعة فضائية الإخبارية السورية الرسمية… وأقول «الرسمية» لمن يعي معنى ذلك، في 28/3 /2011م، بداية اندلاع الثورة السورية، تقريراً تحرض فيه على حزب التحرير، جاء فيه بالنص: «وبعض المصادر تؤكد أن حزب التحرير الإسلامي له دور فيما يجري الآن في سوريا، وأنه يستغل أحوال الناس المعيشية، ورفضهم للفساد، من أجل تحقيق أجندته في السعي لإقامة خلافة إسلامية. وتشير نفس المصادر إلى أن ضلوع حزب التحرير بأحداث سوريا، هو انخراط من هذا الحزب بأجندة أميركية تسعى للفوضى، ولو عبر حلم الخلافة الإسلامية» [انظر على يوتيوب التقرير الرسمي بعنوان: «تقرير الإخبارية السورية عن حزب التحرير»]. كان هذا مع بداية الثورة، وأما اليوم، وبعد ثلاث سنوات من عمر الثورة حيث تعاظمت فيها الدعوة للخلافة، يأتينا لافروف، وزير الخارجية الروسي، ليكشف مكنون مخطط الكفار في سوريا، حين قال أمام الدورة الثامنة والستين، للجمعية العامة للأمم المتحدة، في 27/09/2013م: «إن الأهداف التي تسعى إليها هذه الجماعات المتطرفة لا علاقة لها بالديمقراطية، وتأتي على أساس انعدام التسامح، وتهدف إلى تدمير الدول العلمانية وإقامة الخلافة»، وقال أيضاً في 11/10/2013م عن أهمية الإسراع بعقد مؤتمر جنيف2: «كلما تباطأنا في هذا الموضوع سوف تتجذر بقوة القوى المتطرفة، والتي أعلنت عن سعيها تأسيس دولة الخلافة في سوريا، والمناطق المحيطة بها»، وقال أيضاً في 1/10/2013م: «إن المهمة الآن تكمن في عدم إضاعة المزيد من الوقت، وجلب الحكومة السورية إلى طاولة المفاوضات مع المعارضة العاقلة، التي لا تفكر في إقامة خلافة على الأراضي السورية.» وقال أيضاً في تصريحات لقناة «روسيا – 24» في 14/12/2013م: «إن محاربة الإرهاب ستكون في قائمة الموضوعات التي سيناقشها مؤتمر جنيف2، مضيفاً: «عندما نناقش أجندة جنيف نضع هذه المسألة في المقام الأول، ونقول إنه ينبغي تكوين تحالف بين الحكومة والمعارضة الوطنية ضد الإرهابيين الدخلاء الذين تقاطروا من جميع أنحاء العالم إلى سوريا، بوصفها كعكة شهية، لتنفيذ مخططاتهم الشريرة»، وأضاف لافروف: «في سوريا تتبلور حالياً الظروف التي بات على جميع الوطنيين السوريين في ظلها أن يدركوا ما الأهم بالنسبة لهم ؟ هل هو القتال إلى جانب أولئك الذين يريديون أن يحولوا سوريا إلى خلافة؟ أم أن يتحدوا ويعيدوا لوطنهم شكله الذي كان يفاخر به على مدى عقود كبلد متعدد الديانات والقوميات، وكدولة علمانية يشعر الجميع براحة العيش فيها»، وقال أخيراً في 20/12/2013م إنه والسياسيين الغربيين تراودهم، وبقوة، فكرة «أن بقاء الأسد في منصبه أقل خطراً على سوريا من الإرهابيين على البلاد» ويقصد بالإرهابيين، طبعاً، الثوار المخلصون ودعاة الخلافة، الذين لا يقبلون بطروحات الغرب السياسية في سوريا.
وما بين تصريحات الفضائية السورية مع بداية الثورة عن حزب التحرير، وتصريحات لافروف مؤخراً عن خطر من يعمل للخلافة في سوريا، تتعاظم الدعوة لها هناك، وتستعر المحرقة ضد المسلمين بسببها هناك، والإعلام لا زال يصرف الأنظار ويدجل ويكذب. إن لافروف هذا يعبر عن كل أعداء الإسلام والثورة المباركة في بلاد الشام، والذين حاولوا وحاولوا أن يخفوا حقيقة الصراع، ليس فقط في سوريا بل وفي المنطقة بأسرها، من أنه صراع عقائدي حضاري بين الإسلام دين الحق، وبين الديمقراطية الغربية العلمانية الملحدة المستعمرة. ولأنه أُسقط في أيدي الغرب وعملائهم في سوريا بدأوا يذكرون الخلافة والعاملين لها بسوء وبشكل واضح، واضطروا للبوح عما لا يريدون أن يلتفت إليه الناس ويدركونه، وهو تعاظم الدعوة إلى الخلافة والعمل القوي لها.
وهكذا، فإن سر ثورة الشام، والذي يحرص الإعلام المتآمر على طمسه، يكمن في عمل العاملين الجاد والقوي هناك للخلافة، هؤلاء الذين يحرص الإعلام على أن لا يسميهم باسمهم الحقيقي، ويسميهم بالمتطرفين والإرهابيين حتى ينفر الناس منهم، وحتى لا يتعاظم شأنهم ويلتف الناس حولهم. وإن تصفحاً سريعاً في النت، وما يصدر من فيديوهات في سوريا على يد المسلمين هناك توثيقاً للثورة (كبديل عن إعلام الدول الكاذب المتآمر)، يُري حجم الدعوة الكبير لفكرة الخلافة والرضى بها، فهلَّا التفت المسلمون لذلك وأدركوا الرسالة ولم يمروا عليها مرور الكرام؟! وهلّا أدركوا أن الإعلام المجرم التابع يزوِّر التاريخ في سوريا اليوم لصالح قوى الكفر والشر والعلمانية والعمالة والخيانة، على حساب شعب مسلم صابر محتسب يخلص لدين الله ويذود عنه؟! نعم، إن هذا الإعلام المضلِّل يجتهد في إبراز الأجندة السياسية التي يريدها الغرب في سوريا، وهي دولة علمانية مدنية عميلة له تأتي لتلتف على كفاح الشعب المسلم هناك، ولا تغير من واقع النظام شيئاً، وترسخ هيمنة أميركا هناك باسم الديمقراطية والحرية والدولة المدنية، والتي تقصي الإسلام عن الدولة والمجتمع.
ومن أجل تحقيق هذه الأجندة المجرمة في سوريا، فإن الغرب يسير في خطين: الأول: استصناع عملاء له غير مكشوفين في شكل مجالس وهيئات وشخصيات سياسية ترث النظام لحظة تأمره أميركا بالرحيل، مع التركيز على شخصيات (إسلامية) في هذه الأطر السياسية للتضليل. الثاني: القتل المنظم لكل من يعارض النظام، ويطالب بالحكم بالإسلام والخلافة، وتدمير البلد فوق رأس هؤلاء حتى يرجعوا عن الدعوة لها.
لكن الشعب المسلم البطل الذي لم تنطلِ – ولن تنطلي بإذن الله – عليه أحابيل أميركا والغرب وأعوانهم في روسيا والصين وحكام المنطقة النواطير، يرفض الخضوع والاستسلام لإملاءات الغرب، ومن أجل ذلك، فهو يعاقَب أشد العقاب، ويُبتلى ويَدفع أفدح الأثمان في نفسه وأهله وماله. هذه الضريبة الباهظة التي نحسب أنها ضريبة الرضى من الله والنصر والتمكين. قال تعالى( الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )نعم… إن الدعوة إلى الله، والمطالبة بتحكيم شرعه في خلافة في سوريا هو السبب الحقيقي وراء كل المجازر المنظمة التي يقودها النظام بغطاء من أعوانه في الغرب والشرق.
أما هؤلاء الذين لا يريدون للخلافة الإسلامية أن تعود في سوريا (وفي غيرها)، فهم ثلاث جهات: الغرب الكافر المستعمر عدو الإسلام، والأنظمة الجبرية في بلاد المسلمين العميلة له، وما يسمى بحركات الإسلام (المعتدل) التي يحبها الغرب، ويرضى عن فهمها للإسلام.
أما دول الكفر، فهم يحاربون عودة الخلافة لأنهم يدركون ما معنى أن تعود (جربوها سابقاً)، وهؤلاء قد قرأوا التاريخ وأدركوا أن وجودها معناه شيء واحد: أن لا هيمنة ولا استعمار لهم في بلاد المسلمين بعد اليوم، وأن بلاد المسلمين لن تبقى مزرعتهم التي يعيشون من ورائها، وأن يدهم ستقطع قبل أن تمتد لتقتل المسلمين وتسلب مقدراتهم، وأن الخلافة ستقرع أبوابهم، تحمل الإسلام لهم، وأنهم سيحاسبون على جرائهم البشعة في بلاد المسلمين أثناء غيابها، وأن منظومتهم الرأسمالية المتوحشة العفنة ستنهار. ولا نبالغ إن قلنا إن الغرب يعتبر أن مصيره الوجودي بأكمله يهدده قيام خلافة المسلمين. من أجل هذا، يستميت في منع قيامها، في سوريا، من خلال أعماله السياسية الخبيثة، للالتفاف على الثورة والثوار هناك، يعاضدها الأعمال العسكرية على يد عميلهم بشار، في طول البلاد وعرضها، لكسر شوكة الثوار، وجعلهم يرضخون لما يريد. وأثناء كل هذا، يحرض سياسو الغرب وأدواتهم الإعلامية على الخلافة والعاملين لها، في سوريا، ويشوهونها في أذهان شعوبهم، وفي أذهان المسلمين البسطاء، حتى لا ينادوا بها، ويجبنوا عن العمل لها، ومن أجل الاستمرار في إيجاد أجواء سياسية تضليلية مواتية لهم لتسويغ ضرب الثوار والمخلصين في الشام، بذريعة أنهم إرهابيون متطرفون. وهناك الكثير الكثير من التصريحات حول الخلافة وخطرها والخوف منها، تصدر عن السياسيين والمفكرين الغربيين، تؤكد ما نقول، ولا حاجة لتكرار ذكرها، وآخرها تصريحات لافروف آنفة الذكر. والسؤال المهم: إذا كان الغرب يخشى الخلافة، ويعرف عن قوتها وخطرها عليه ما يعرف، فلماذا لا يعرف أبناء المسلمين عنها ذلك؟! ولماذا لا تلتفت الحركات الإسلامية إليها؟ لماذا يصر بعض أبناء المسلمين أن يضعوا رأسهم في الرمل، وإلى متى؟
وأما الأنظمة الغاشمة في بلاد المسلمين فهي صدى لسيدها الكافر المستعمر، وقد أنابها لملاحقة من يعمل للخلافة، وتسخير علمائها، وعلمانييها، في تشويه صورتها، بل وإنكار مشروعيتها. ولا أدلُّ على ذلك من ملاحقة النظام البعثي السوري العنيفة للعاملين للخلافة منذ عشرات السنين، وأقبية زنازينه تشهد على ذلك.
وأما ما يسمى بحركات الإسلام المعتدل، فإنه إذا كان غير مستغرب، بل هو طبيعي، أن يعادي الغرب والأنظمة العميلة له الخلافة، لكن المستهجن والكارثة أن يعاديها من هم من أبناء جلدتنا، أو ما يسمى بحركات الإسلام المعتدل (مع التأكيد أن من أتباعها من هو مخلص لكنه بالتأكيد مضلَّل). والناظر المتأمل في هذه الحركات يرى أنها تحارب الخلافة، منفردة أو مجتمعة، للأسباب التالية:
أولاً: هذه الحركات لم تفهم الإسلام، وكيف يطبق في الحياة والمجتمع، ولم تعِ أن الإسلام بغياب طريقة تطبيقه وهي دولة الخلافة يغور، وتعطل بذهابه الكثير الكثير من أحكام الإسلام.
ثانياً: هذه الحركات – وبعد هدم الخلافة – لم تعرف طريق العودة للحياة الإسلامية والحكم بالإسلام، فاتخذت طرقاً وأساليب دعوية ملتوية لا تقيم إسلاماً، ولا تعيد عزاً. وأبرز طرقها أنها تعتبر الأنظمة الجبروتية في بلاد المسلمين شرعية، وتعمل معها، مع أنها لا تحكم بالإسلام، بل وتحاربه بشدة. وقد استخدمت هذه الأنظمة الطاغوتية هذه الحركات، لعشرات السنين، لتشرعن بها وجودها، وتزيِّن بها كفرها، فأدخلتها في حكوماتها وبرلماناتها قبل أن تلفظها، وتلاحقها.
ثالثاً: هذه الحركات لا تتعلم من الدرس، فأكثر من مرة انقلبت عليها الأنظمة، واستمرت هذه الحركات في العيش في جلبابها، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن قيادات هذه الحركات قد أخذوا القرار بالمحافظة على هذا الأنظمة.
رابعاً: بعض قيادات هذه الحركات تنفذ أجندة ترضي الغرب، فهم يتبرؤون من الخلافة والعمل لها، بل ويهاجمونها، ولا يدعون إلى تغيير الأنظمة بالكامل، ويسارعون إلى التوافق السياسي معها، مقدمين تنازلات يندى لها الجبين. ومع ذلك يلاحقون، من قبل الأنظمة، من أجل دفعهم لتقديم المزيد. ففي لقاء مع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة على فضائية الجزيرة [انظر فيديو يوتيوب بعنوان “مراقب الإخوان ينفي عملهم للخلافة” في 28/8/2011م] نفى أن تكون الجماعة تعمل للخلافة، حين قال: “أبداً ليس هناك مشروع خلافة إسلامية في تنظيم الإخوان المسلمين… في بعض التنظيمات الصغيرة كحزب التحرير تتحدث عن الخلافة. نحن متفقون في الإخوان المسلمين على دولة مدنية ديمقراطية”. وقال أيضاً في 4/3/2013م على نفس الفضائية من إسطنبول تعليقاً على وثيقة عهد أصدرها الإخوان يتعهدون فيها بجعل سوريا دولة مدنية بعد الأسد: “نحن في هذه الوثيقة أكدنا برنامجنا، برنامج الإخوان المسلمين لاقامة دولة مدنية، وهذا ليس جديداً، هذا فكرنا منذ أن تأسست الجماعة في عام 1945م.” فلمصلحة من يتبرؤون من (تهمة) العمل للخلافة والحكم بالإسلام؟!
خامساً: بعض قيادات هذه الحركات لا تنفذ أجندة غربية، لكنها تتعايش مع الأنظمة وتشاركها الحياة السياسية الفاسدة، وتتبرأ من الخلافة، لأنها تخاف من ردة فعل الغرب والأنظمة العنيفة علينا، إن نحن المسلمين – بحسبهم – جاهرنا بعدائه، وأعلناها إسلامية خالصة وطالبنا بالخلافة. هذه القيادات ليست مبدئية، وثقتها بإسلامها ضعيفة، وهي قيادات واقعية خائفة مستسلمة، وهي لا تعي أن نتائج الاستقامة في العمل لله قطعية بإذنه. قال تعالى ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ). فإلى متى نخشى الغرب والأنظمة والله أحق أن نخشاه؟ وإلى متى نقود كفاحاً (تزهق فيه أرواح الشباب المسلم) من أجل أن نستمر في منظومة الحكم الطاغوتية؟ أليس أنفع لنا، عند الله، أن نقود كفاحاً، تهون فيه المهج والأرواح، في سبيل إعلاء كلمة الله، وفي سبيل الحكم الخالص للإسلام في دولته الحقيقية، دولة الخلافة؟ وإذا كان لا بد من ابتلاء وموت وسجن وملاحقة، أليس أنفع لنا عند الله أن يكون ذلك في سبيل الوصول إلى الحكم بالإسلام في دولته على أنقاض الحكم الجبري، وليس في سبيل التزاوج بين الإسلام وهذه الأنظمة التي وجدت قطعاً من أجل محاربة عودة الإسلام؟؟!
سادساً: هذه الحركات لا تتصور كيف يكون العمل للتغيير، وكيف يعود الإسلام بالخلافة إلى الواقع، وهي أسيرة قصر نظرها في العمل للتغيير الحقيقي، فرجالها غير متأكدين، ابتداء، هل يريدون خلافة أم لا؟ وعندما يعلن بعضهم أن هدفهم الخلافة، وأنهم يقطعون أن الأنظمة في بلاد المسلمين عميلة وخائنة لله ولدينه، تراهم لا يستطيعون أن يفسروا التناقض والانفصام في السلوك السياسي لحركتهم، وهم يرونها تتشارك وتتوافق مع الأنظمة التي تحارب الإسلام وتحاربهم؟! وحتى بعد أن يشاركوا الأنظمة وتنقلب عليهم يعودون إلى حضنها، ولا يغيرون المسار. وفي الوقت ذاته، فإن هذه الحركات، حركات الإسلام (المعتدل)، تتهم الرافضين للتوافق السياسي مع الأنظمة، من الذين يكافحون الأنظمة ولا يقبلون أن ينطلقوا للعمل للتغيير من نقطة الاعتراف بشرعيتها تتهمم بأنهم غير فاعلين في الساحة السياسية، وأنهم متفرجون ومتشددون ومتحجرون وحالمون، بداعي أنهم غير متعاونين في الانضمام لجهودهم في العمل الدعوي (والتي تكرس وجود النظام الجبري في الواقع). إن حركات الإسلام (المعتدل) لا تريد أن تفهم أن تواجدها السياسي، الذي تلمسه من خلال دخولها إلى البرلمانات والحكومات الطاغوتية، لا يعني أنها تخدم الإسلام وقضية الإسلام، وهذه الحركات لا تريد أن تعي أنه لا يكفي أن تقوم (بأعمال) للإسلام، إذا كانت هذه الأعمال مرضياً عنها من النظام، ولا تؤثر في تغييره وإزالته؟! ولا تريد أن تعي أن حب الإسلام والإخلاص له وحسن النية لا يكفي في العمل للإسلام حتى يقبله الله، فالله يحب أن نتعبده عن وعي وبصيرة.
سابعاً: إن حركات الإسلام (المعتدل) لا تريد أن تدرك أن المطلوب من العمل الإسلامي تغيير جذري يأخذ الأمة إلى التخلص من الأنظمة الغاشمة التي تحكمها، تغيير لا يعترف إطلاقاً بهذه الأنظمة التي تحارب الإسلام خدمة للمستعمر، تغيير يعمل من خارج منظومة هذه الأنظمة المجرمة وليس من داخلها من أجل هدمها، تغيير يعتبر حكام المسلمين أعداء، تغيير لا يبتلع طعم الأنظمة بالتصالح معها، بينما هي تتصدى – بكل بسالة وإخلاص- لكل من يرفع راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، تغيير صادق غير مضحوك عليه، تغيير يقود الناس إلى العود الحميد إلى فهم الإسلام الصحيح، تغيير يقود الناس إلى أن يسوسوا أمورهم بالإسلام من خلال تطبيقه في دولة الإسلام كما كانوا، تغيير يعيد للمسلمين وحدتهم الواجبة وعزتهم المسلوبة.
ولعل ما حصل في مصر مؤخراً وانقلاب العسكر المرتبطين بأميركا على (حلفائهم) الإسلاميين يقدم درساً للمسلمين جميعاً ولأبناء الحركات الإسلامية في كيفية العمل للإسلام، وفي كيفية التغيير الشرعي المنتج.
أخيراً نقول: إن محاولات الغرب المستعمر والأنظمة في الوقوف في وجه تقدم الدعوة والعمل للخلافة، سواء في سوريا أم في غيرها، لن يجديهم شيئاً، كما أن إنكارهم وتشويههم للخلافة لن ينفعهم، وإن محاولاتهم في سرقة الثورات وحرفها من أن تصل إلى محطة خلافة المسلمين الجامعة لن يطول، بإذن الله.
وإلى أبناء المسلمين، ومنهم أتباع ما يسمى بحركات الإسلام المعتدل، هدانا وهداهم الله، نقول: اعلموا أن أنظمة الحكم الجبري التي ترزحون تحتها، والتي تسومكم سوء العذاب، دأبت (وبدعم لا ينتهي من الغرب) على محاربة الخلافة والعمل لها، ليس لأن الخلافة ليست فرضاً واجباً في حياتكم، ولكن لأنها الشيء الوحيد الذي سيقضي عليها ويخلصكم ويعيدكم خير أمة أخرجت للناس، وأن هذه الأنظمة تسخر علماء الدين المأجورين لديها والعلمانيين وإعلامها وكل أدواتها في تضليلكم، فتكذب عليكم عندما تخبركم أن الخلافة الإسلامية ليست واجبة، وأن الله لم يأمركم بإقامتها، وأنه يمكن للمسلمين أن يطبقوا أنظمة وأشكالاً في الحكم غير الخلافة، وأن الإسلام لم يحدد الخلافة بالتحديد، وأن الخلافة الحقيقية انتهت زمن الخلفاء الراشدين، وأن الخلافة القادمة ستكون دولة دينية كهنوتية، بالمفهوم الغربي للدولة الدينية يكون للخليفة ورجال الدين فيها سلطة دكتاتورية فوق الناس، وأن حكامها سيفرضون ولا ينتخبون، وأنها ليست (ديمقراطية)، وأن حكامها فاسدون كما تصور المسلسلات الرخيصة، وأن الخلافة قديمة بالية ولن تواكب التقدم الصناعي والتكنولوجي، وأن الخلافة مخيفة وستهدد حريات وحقوق الناس وتضيق عليهم، وأن الخلافة ستقضي على فكرة الدولة الوطنية (المستقلة) ولن يكون فيها أكثر من حاكم، وأن الخلافة ستهدد حقوق الأقليات فيها ولن ترعاهم، وأن الغرب لن يرضى بها وليس لنا طائل اليوم في مواجهته؟! وأن الخلافة ستهدد السلم العالمي إن هي أعلنت الجهاد، وأن الحركات الإسلامية لن تكون قادرة على الحكم والعمل السياسي في الخلافة، فهي عاجزة وغير جاهزة لذلك، وهي غير متسامحة ولا تقبل بـ (التعددية)، ولن يشعر الجميع براحة العيش فيها… وغير ذلك من الكذب والتشويه عن الخلافة حتى يضلل المسلمون، ويجبنوا عن العمل لها، وينصرفوا عنها.
أيها المسلمون: اعلموا أن الخلافة فرض عظيم فرضه الله عليكم، بل هو تاج الفروض، والذي بإقامته تقام كل الفروض، والأدلة على ذلك مستفيضة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن إجماع الصحابة، فالله تعالى، في كتابه، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله، وكان أمره له بشكل جازم حيث قال: ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ). وقال: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) ولفظ «ما» في قوله ( بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) من ألفاظ العموم، أي فاحكم بينهم بكل ما أنزل الله، أي بأحكام الشريعة جمعاء. وتطبيق الأحكام على الناس منوط بالحاكم، إذ إنه لا يجوز للعامة أن يطبقوا الأحكام من حدود وعقوبات وفصل الخصومات بين الناس من تلقاء أنفسهم، فيكون أمر الله تعالى في كتابه بالحكم بما أنزله من أحكام هو أمر ضمني بإيجاد الحاكم الذي يطبقها، وهذا الحاكم هو عينه الخليفة الذي يبايعه الناس عن رضى واختيار ليطبق أحكام الإسلام عليهم. أما في سنته، صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم عن طريق نافع قال لي ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» والبيعة لا تكون إلا لخليفة لا غير. فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة. وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر»، قالوا: فما تأمرنا، قال: «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم». وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء أخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فالأمر بطاعة الإمام أمر بإقامته، والأمر بقتال من ينازعه قرينة على الجزم في دوام إيجاد خليفة واحد. وأما الصحابة فقد أجمعوا، رضوان الله عليهم، على لزوم إقامة خليفة لرسول الله بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم، ما يؤكد أن نظام الخلافة فرض واجب. أما أهل العلم الربانيون، وليس المزيفون بالتأكيد من أتباع الحكام اليوم، فقد فهموا أن لا إسلام إلا بخلافة. يقول أبو المعالي الجويني (في غيَّاث الأمم): «… فإذا تقرر وجوب نصب الإمام، فالذي صار إليه جماهير الأئمة أن وجوب النصب مستفاد من الشرع المنقول». ويقول ابن حزم (في الفصل في الملل والأهواء والنحل): «اتفق جميع أهل السنة وجميع الشيعة، وجميع الخوارج (ما عدا النجدات منهم) على وجوب الإمامة»، ويقول الماوردي (في الأحكام السلطانية):»وعقدها لمن يقوم بها واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم»، ويقول ابن حجر العسقلاني (في فتح الباري): «وقال النووي وغيره: وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة، وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل»، ويقول ابن حجر الهيثمي (في الصواعق المحرقة): «اعلم أيضاً أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب، بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم».
إننا نعي حجم الحرب على الخلافة، ونفهم وندرك لماذا يروج أعداء الدين، كل التهم والافتراءات والأباطيل والأكاذيب والتشويهات عن الخلافة، ولماذا يقبل الغرب الكافر بأي شيء في الإسلام ولا يقبلها. السبب واحد ووحيد، وهو أن وجود الخلافة، كنظام حكم للمسلمين، قائم بإذن الله قريباً، وسيتسبب في كوارث للكافر المستعمر، الذي يعتبر الحاكم الفعلي في بلاد المسلمين، فهو يدرك أن قيامها معناه: أن قبضته على الأنظمة في بلاد المسلمين ستزول لأنها ستذوب كلها في دولة الخلافة التي ستقطع يده من أن تتدخل في أي شأن من شؤون المسلمين، وأن الخلافة ستوقف تدفق ثروات المسلمين (وبثمن بخس) للغرب الذي يعيش عليها ويستمتع بها ويستقوي بها عليهم، بينما هم يعيشون الكفاف والعوز، وأنها ستحاسبه على جرائمه السياسية والاقتصادية في بلاد المسلمين أثناء غيابها، وأنها ستزيحه، كقوة مستعمرة، عن إدارة العالم، وأنها ستعيد تشكيل خارطة العالم من جديد بالدعوة والجهاد كما فعلت لقرون وقرون في السابق… نعم هذا الذي يجعل الغرب المستعمر اليوم يستميت في الإبقاء على عملائه حكام المسلمين في سدة الحكم، حتى لو كلف ذلك تدمير البلاد وقتل العباد كما يحصل في سوريا، فهو لم ينسَ بعد ما صنعه المسلمون وخلافتهم على مدى أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمن، كانوا فيها حكام العالم. ولكن: هل نسي المسلمون ذلك؟ نسأل الله أن يعجل بقيامها، إنه على ما يشاء قدير.q