بسم الله الرحمن الرحيم
عصر الملك الجبري انتهى أيها (العلمانيون) الأذكياء!
بقلم: المهندس هشام البابا
سمّاه الغرب بـ (الربيع العربي) خوفاً من الإسلام، ركضوا يتابعونه كي يشوهوه بأكاذيبهم وبتغطيات إعلامية كلها الحقد والكراهية لكل من ثار وأراد النهوض من عبودية فُرضت عليه وعلى أجداده. لم يدركوا أنها حركة أمّة، أمة أذلّوها طيلة عقود، باعوها في سوق النخاسة ظناً منهم أنه تم التخلص منها، جزَّؤوها ومسخوها وعملوا على زرع الكراهية بين شعوبها والتفكير المصلحي في أبنائها، وغسلوا أدمغة شريحة كبيرة من أبنائها فحولُّوهم إلى علمانيين راحوا يرددون كالببغاء ما يريد أعداؤها. قال لهم الغرب: الإسلام دين، والأديان لادخل لها بالسياسة. فرددوا وراءه دون تفكير: الإسلام دين، والأديان لادخل لها بالسياسة. قال لهم: الإسلام لا يصلح نظاماً للحكم. فرددوا قوله: الإسلام لا يصلح نظاماً للحكم! حارب فكرة الخلافة، فحاربوها، هاجم حاملي هذه الفكرة، فهاجموهم. فكيف يكون هؤلاء جزءاً من الأمة الإسلامية التي وصفها رب العالمين بأنها خير أمة أخرجت للناس؟! ما أغرب هؤلاء المنضبعين بالغرب والمتطبعين بحضارته وبأفكاره!.
وهناك علماء مسلمون كانوا فريسة الغرب الحاقد، تراهم يقرؤون القرآن، حتى إذا أتوا على قول الله تعالى ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) قالوا إنها للرسول ولاتصلح لزمننا هذا، واذا تُليت عليهم آيات الله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )قالوا إنها لبني إسرائيل! فصاروا بمقولاتهم وتصرفاتهم (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)، ومنهم من لاينطقون إلا بما يأمرهم به فرعونهم، وإذا نطق أي من المسلمين بكلمة حق قام السدنة ضده حتى «يلحسها»، فواأسفاه على علم لا ينفع، وعلى رؤوس شابت في غضب الله، هؤلاء لم يصدعوا إلا بالباطل ولم يُرضوا إلا أعداء الله والشيطان، هؤلاء هم علماء السوء الذين حدثنا عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم أخوف ما يخاف منهم على أمته.
حتى دعاة من يسمون بـ (الحركات الإسلامية المعتدلة) الذين ضللوا الأمة بأنهم سيكحمونها بالإسلام سقطوا. سقطوا لأنهم أرادوا إرضاء الناس بسخط الله، ولم يريدوا إرضاء الله بسخط الناس، حدث هذا في مصر ، ويحدث في تونس، وتتخبط هناك البلاد الآن، ويأتي العلمانيون بحبل من أوروبا لإسقاط هؤلاء زعماً منهم أن الإسلام السياسي قد سقط! والحقيقة أن الإسلام المدجن على الطريقة الغربية هو الذي سقط لا الإسلام السياسي كما ادَّعَوا ويدَّعون.
ورغم ذلك، بقيت وحدها الحقيقة شامخة صامدة، تضيء قلب الشام رغم أنف المنضبعين والمتطبعين والعلمانيين والحاقدين والعلماء الرسميين والإسلاميين المعتدلين والقابضين لأموال الشر من حكام الضرار: السعودية وقطر والإمارات والكويت… الحقيقة التي أصبحت واقعاً لايمكن بعد اليوم تجاوزه ولا محوه، وأصبحت حديث الطبقة الواعية والمثقفة والناهضة من أبناء الأمة، تتلخص في كلمة واحدة تُعيد مجد أمة وتُسقط طواغيت الأمة إلى غير رجعة. إنها «الخلافة» التي رفعت قدر الشام عالياً حين صدحت حناجر أهل الشام بها، فتوجت ثورتها بمطلب يُرضي الرب ويُغضب الغرب. ولم تبقَ حبيسة الشام، بل انطلقت هتافاتها تدور أنحاء المعمورة «يا أوباما سماع سماع خلافتنا رح ترجَع» «إسلامية إسلامية ثورتنا إسلامية» ماذا رد أوباما الذي يلهث المتطبعون وراء رضاه. إنه لارد لديهم إلا مايتشدقون به يومياً على الفضائيات المأجورة «ديمقراطية مدنية تعددية…» وغيرها من ترهات يتندر عليها أهل الثورة. حتى ميشيل كيلو أصبح مجاهداً من أجل سوريا التي تريدها أميركا، بل إنه أتى بالبراهين أنه أفهم وأروع رجل في سوريا بعد بشار أسد؛ لأنه منذ بداية الثورة وهو يعتب ويعتب ويعتب: «ياجماعة ماسمعتوا كلامي… حيبقى القتل والدبح حتى تسمعوا كلامي!» سمعه أوباما فحشر جماعته في الائتلاف وأعطاها رئاسته فزاد نتنه وانتشرت رائحة عمالته والمعاداة لمشروع الأمة مشروع الخلافة الإسلامية.
لقد أظهرت الأحداث المتسارعة في ثورة الشام أن معارضة دول الخليج وتركيا لاعلاقة لها بمطالب الثورة، فهم في وادٍ والمسلمون في سوريا في وادٍ، الأمة تقول: «قائدنا للأبد سيدنا محمد» وهم يركضون وراء أميركا وأوروبا. الثوار يوقِّعون على بيانات تعلن فيها الولاء لله ولرسوله، وهم يكذبون هذه البيانات ولسان حالهم ينطق بالولاء للغرب فقط! أهل الشام الذي ضحوا بالمال والأهل والولد يصرخون: وامعتصماه، واخليفتاه، وهم يصرخون: أين مجلس الأمن؟ أين لاهاي؟ أين جنيف؟. أهل سوريا يطالبون بالسلاح، وهم يملكونه ولكن يمنعونه…
بَوْنٌ شاسع وجبال ووديان وبحار متلاطمة الأمواج تفصل بين أهل البلد وبين معارضة الائتلاف الوطني والمجلس الوطني وهيئة التنسيق وغيرهم من المعارضة العلمانية، فلا نقاط التقاء ولا أمل بتقارب بينهم، ولاحل وسط يقتنع به الناس، ولا اهتمام بأي تحرك يتم لتحضير مؤتمر سيولد ميتاً هو جنيف2. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل انتهى (الربيع العربي)؟
هو لم يكن كذلك حتى نبحث عنه! إنه تغيير جذري… قلعٌ للكفر من جذوره من أرض الإسلام، إنها معركة كبيرة فاصلة تتمثل بأحلام الغرب التي تتبدد وبآمال رويبضات الأمة بالبقاء بأي ثمن! اقتلوا الشعوب، احرقوا المساجد، اغتصبوا النساء، شوهوا الأطفال، اسرقوا أموال الأمة، أبيدوا أسلحتها، واغتالوا رجالاتها حتى لايبقى للأمة قوة تستقوي بها، حينها ستركع وستسجد لحاكمها الذي سمَّاه علماء السلاطين زوراً وبهتاناً ولي أمر، هذا المغتصب للسلطة الحالم بكل هذا، ولّى زمانه وأفل نجمه وصار من الماضي.
تلك أمانيّهم، ولكن الله يدفع الناس بعضهم ببعض حتى يخرج النور من بين الظلام والعتمة، وتتفجر الينابيع العذبة من بين الأحجار الجامدة، ويأتي نور الخلافة بعد ضلال وجهل الحكم الجبري ليسود شرع الله في الأرض التي قدمت التضحيات الجسام، وهل أكثر من أرض الشام تنطبق عليها هذه الصفات؟ فمِنْ قبل سقوط الخلافة، والشام تدفع أثمان باهظة للبعد عن الإسلام، ثم ضاعت دولتها وسقط عزّها ثم سُلخت لؤلؤة الشام، القدس، فانفرط العقد وضاعت فلسطين، وكذلك سلخ لبنان وأقيم فيه كيان لا يقل سوءاً عن كيان يهود، و«كمل النقل بالزعرور» بإقامة كيان الأردن، ثم بيعت سوريا لآل أسد وأرادوا بذلك الإجهاز على أحلام الأمة بالنهوض أو التغيير.
ولكن الله تعالى كان لهم بالمرصاد، ففي تلك الظروف شديدة الحلكة من الظلام، شاء الله أن يأتي شيخ كريم عالم جليل بما لم يأتِ به من سبقوه من العلماء، فأسّس العالم العلاَّمة مجدِّد القرن الشيخ تقي الدين النبهاني حزباً لم يكن عادياً، حزباً سابقاً لزمانه، وأصرَّ رحمه الله على أن يسير هذا الحزب في خط معين لايحيد عنه، قاطعاً مراحل تبناها على أنها جزء من طريقة ثابتة أتى بها نبي الأمة فصارت حكماً شرعياً لامناص من اتباعه بحذافيره. فسار بكتلة نشأت أول مانشأت في بيت المقدس حيث الأقصى يشهد لأهل الإسلام بأنهم ماخرجوا منه إلا وعادوا إليه فاتحين، وقد خرج حزب التحرير منتشراً في أصقاع العالم؛ فأبهر مفكرين وعلماء ومثقفين بقوة فكره وبرباطة جأشه، فما سمع أحد بماتبناه حزب التحرير وبما خطه أميره الشيخ تقي الدين النبهاني من كتب وأسس لهذا الحزب، ماسمع به مسلم يبحث عن الحق، إلا وطأطأ هامته له مستجيباً لرسول الله متبعاً طريقته.
لذا لم يكن غريباً أن تحتضن ثورة الشام بالذات مطلب وهدف وغاية حزب التحرير ألا وهي الخلافة؛ لأنه حزب تأسس فيها وترعرع فيها وانتشر من خلالها؛ لذلك كانت سوريا مطمع أن تكون الحضن الطبيعي لأمل الخلافة القادمة، فارتبطت الخلافة باسم حزب التحرير، وارتبط حزب التحرير بالخلافة. صنوان دل أحدهما على الآخر، وهذا ما قام عليه بكل ما أوتي من قوة أميره الحالي العالم الجليل الشيخ عطاء بن خليل أبو الرشتة، الذي ابتلاه الله بمسؤولية هذا الحزب المترامي الأطراف، يقلق به أميركا وروسيا وأوروبا والصين، وحكام العرب وحكام المسلمين، بلا استثناء. وكله أمل أن يرى الشجرة التي غرسها شيخه النبهاني، وسقاها خلفه الشيخ عبد القديم زلوم، أن يراها وهي تنبت براعمها وتزهر أغصانها بل وترمي ثمارها في أرض الشام، فقام من بداية ثورة الشام، جزاه الله عن هذه الأمة كل خير، برسم خارطة طريق لأهل الشام كي يتوِّجوا نصرتهم لله ولرسوله ببيعة خليفة هنا في الشام عقر دار الإسلام. وإنا لنلمس استجابة الأمة لخارطة الطريق هذه، ولمشروع الخلافة، فلم يتبقَ إلا أن نرى وعيهم وقد التفوا على حملة مشروعها الذين ضحوا لعقود من الزمان كي تصل الخلافة إلى عقر دارها، فمن يأخذ بناصيتها ويرفع بها أمة الإسلام وينهض بكل مافيها نهضة صحيحة تعود الدولة الأولى في العالم غير ذلك الحزب وأميره؟!
نعم، إن أمة الإسلام هي أمة الخير حين تلتزم بما أمرها به الله تعالى، حين تلتزم بما التزم به حزب التحرير وسهر أميره على نقاء وصفاء هذا الالتزام، حينها سيتنزل عليها النصر كحبات المطر. قد يعتبر البعض هذه الكلمات ضرب من الخيال أو التفاؤل أو التصوف أو القدرية الغيبية! من يعش هنا معنا في الشام يشعر ويلمس أن الملائكة باسطة أجنحتها على الشام، من يعش هنا يرى كل يوم كيف يهطل على الشام مايدمر هيروشيما وناكازاكي مرة أخرى، ولكن الله يأخذ بها بعيداً عنا، ونحن ننظر ونتعجب! حتى صار الناس يعلمون أنه إن أصابتهم، فإنما بذنوبهم. ولعل الله رضي عن أولئك الشعث الغبر الذين لاحول لهم ولا قوة إلا حناجرهم وأياديهم، حملوا أرواحهم على أكفهم، وهم يصفقون ويهتفون: «يا الله مالنا غيرك ياالله»، «ياالله الشعب أعزل ياالله» «يا الله انصر دينك يا الله»… فلعل الله ينصرنا وينجز لنا وعده… إنها الخلافة، سلعتها غالية، ولمن يوفي حقها الجنة. اللهم اجعلنا من باني صرحها، اللهم واجعلنا من شهودها، اللهم آمين. قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )q